مراد القادري: الاستخفاف بالشعر يفتح الباب للتفاهة والبلاهة

رئيس «بيت الشعر» بالمغرب يتحدث عن أعطاب الممارسة الشعرية

مراد القادري
مراد القادري
TT

مراد القادري: الاستخفاف بالشعر يفتح الباب للتفاهة والبلاهة

مراد القادري
مراد القادري

عن الحاجة إلى الشعر في عالم اليوم، وعن أعطاب الممارسة الشعرية العربية، يتحدث رئيس «بيت الشعر» في المغرب الشاعر مراد القادري لـ«الشرق الأوسط»، في هذا الحوار؛ الذي يصادف احتفالية «اليوم العالمي للشعر»، وهي الاحتفالية التي أطلقتها منظمة «اليونيسكو» قبل ربع قرن من اليوم، بمبادرة من «بيت الشعر» في المغرب. كما يتحدث القادري عن وضعية الشعر العامي في العالم العربي، وكيف استطاع أن يواكب مشروع التحديث الذي انتمى إلى أفقه الشعر العربي المعاصر. هنا نص الحوار:

* احتفلنا قبل أيام بـ«اليوم العالمي للشعر»، الذي يوافق 21 مارس (آذار) من كل عام. وكان هذا التقليد الثقافي قد انطلق في نهاية القرن الماضي، بمبادرة من «بيت الشعر» في المغرب. لكن يبدو أن العالم لم يعد في حاجة إلى الشعر. إلى هذا الحد أمكن الاستغناء عن الشعراء؟

- الحاجة اليوم إلى الشعر والشعراء أضحت ضرورية أكثر من أيّ وقت مضى؛ لمواجهة النسيان الجارف، الذي يَطولُ القيَم الإنسانيّة والجَماليّة، ويحصر اللغة في بُعْدها التواصليّ الاستهلاكيّ، ويجرفها نحو سَطوة الإعلاميّ والتقنيّ والسياسيّ، بعيداً عن الآفاق التي تفتحها للذات لمعرفة نفسها، واستكشاف الآخر، والاقتراب من العالم والكون.

منذ يومين فقط، كاتبنا في «بيت الشعر» في المغرب، الشاعر الإيطالي الكبير جوسيبي كونتي، الذي فاز هذه السنة بـ«جائزة الأركانة العالمية للشعر»، طلبنا منه أن يكتب كلمة خصّيصاً لاحتفالية «اليوم العالمي للشعر - 21 مارس 2024»، وهو التقليد الذي درجنا عليه منذ أنْ أقّرت «اليونيسكو» هذا اليوم سنة 1999 بمبادرة من مؤسستنا «بيت الشعر» في المغرب، فجاءت كلمتُه لتجيبَ عن هذا السؤال، الذي ما فتئ يُطرح على الفاعلين في الحقل الشعري؛ أفراداً ومؤسسات، ليس في المنطقة العربية فقط، بل في العالم بأسره... فمِمّا جاء في كلمة الشاعر الإيطالي ردّاً على سؤالك: «أظنّ أنه لا ينبغي للشّعراء أن يستسلموا ويرضخُوا أو يعتقدوا أنه لا فائدة من رفْع أصواتهم وأناشيدهم في وجه المُعاناة والفظائع... على العكس؛ عليهم الغناء بصوتٍ أعلى، والانتصار للكرامة والجمال، والرحمة والسلام، والتأكيد على أنّ الشّر والعنف يترسّخان في المجتمع كلما جرى تهميش الثقافة الإنسانية والشعر، وكلما تُرك المجال مفتوحاً للاقتصاد وللتقنية وبالتالي للأسلحة للسيطرة المطلقة».

الشّعرُ جوهرُ الإنسان، وهو جوهر الأخوة بين جميع البشر والعالم الطبيعي وكوكب الأرض. الشّعرُ طاقة اللغة، والروح، والحلم، واليوتوبيا... هو كلّ شيءٍ مقدّس وحُر ظل بيننا. الاستخفاف بالشعر وبدوره يفتح الباب للتفاهة والبلاهة اللتين تحولتا إلى سُلطة يَوميّة في ظلّ التراجع المُهول لِمَنظومة القِيَم، والخفوت البيِّن للسؤال الثقافيّ.

> ثمة بيوت أخرى للشعر في كثير من الدول العربية. هل هنالك تنسيق بين هذه المؤسسات الثقافية الشعرية؟

- هنا يمكن الحديث عن أحد أعطاب الممارسة الشعرية في المنطقة العربية، فبقدر ما يعيش شِعرنا العربي وضعاً عادياً وطبيعياً، على مستوى الإنتاج كما هي حال الشعر في العالم، فإنه، من جهة أخرى، يعيش عدداً من الأعطاب التي تحدّ من مقروئيته ورواجه وتلقّيه بالقدر الذي، ربما، كان عليه من قبل.

ولأنّ المجال لا يسمحُ برصْد وتشْخيص هذه الأعطاب كافّة، التي يختلطُ فيها الثقافي بالسّوسيولوجي وأحياناً بالسياسي، فدعْني أقل لك، رداً على سؤالك الدّقيق، إنّ غياب التّنسيق بين المؤسسات الثقافية الشّعرية، وتحديداً بين بيوتات الشّعر العربية، يُعدّ نقطة ضعف شديدة وعلامة سوداء حان الوقتُ لمحْوها، واعتمادِ آليات للتواصل والحوار بين العاملين كافة في الحقل الشعري خِدمة لفنّ العربية الأول؛ إذ يجبُ علينا ألا ننسى أن قرابة الدم، واللغة، والجغرافيا والتاريخ، من شأنها أنْ توفّر لنا المناخ الملائم لتوطين سياسة شعرية عربية تقوم على الخبرات والتجارب وإنجاز الأنطولوجيات الشعرية المُشتركة، والترافع عن شِعرنا العربي وتأمين عبُوره إلى اللغات الأجنبية، والعمل الجماعي من أجل ضمان كرامة الشعراء في المنطقة العربية وحقّهم في الإبداع والتعبير، وقبل ذلك حقّهم في العيش الكريم.

هنا يمكن لي القول إنّنا في «بيت الشّعر» في المغرب مستعدّون للعمل ضمن هذا الأفق، الذي لا نجده غريباً علينا، فقد عملنا ضمنه منذ تأسيس «بيت الشعر» سنة 1996، وهو ما كان من مُخرجاته ونتائجه تخصيصُ أعداد من مجلتنا «البيت» لتقديم الرّاهن الشعري في المنطقة العربية، حيث خصّصت المجلة عدداً عن الشّعر في المملكة العربية السعودية، وعدداً آخر عن راهن الشعر في البحرين.

> أنت شاعر؛ تكتب بالعامية، وقد درست هذا الشعر العامي المغربي في أطروحتك، ومقالات ودراسات أخريات. هل ترى في الانفتاح على الشعر العامي في الدول العربية فرصة لبيان أن الشعر هو شأن عام، وهو شأن شعب بأسره، وليس مجرد إبداع نخبة مثقفة؟

- منذ فترة غير بعيدة لم تعدْ إبداعيةُ الشعر تُقاسُ باللغة التي يستعملها، بل بمدى قُدرته على الإدهاش وحمل قارئه على الحلم. وهي الأهداف التي يتساوى فيها الشعر المكتوب بالعربية المدرسية والمكتوب بالعامية، ذلك أنّ الدّارِجة التي ينكتبُ بها هذا الأخير (شعر العامية) هي سليلةُ اللغة العربية، وهما معاً يشتركان في كثير من الخصائص التركيبية والدلالية والمعجمية.

عموماً، لم يعد أحدٌ، اليوم، يجادلُ في شعرية القصيدة المكتوبة بالعاميّة، خصوصاً بعد أن منحَتنا جواهر من اللؤلؤ المنضود، شرقاً وغرباً، حيث استطاعت، من جهة، أن تخترقَ وجدان الإنسان العربي الذي عثر فيها على صورته ووجدانه، فتغنى بمتونها الغنائية التي عبرت إلى أوتار الملحنين العرب (بيرم التونسي، والرحابنة، وحسن المفتي، وأحمد الطيب لعلج، وعبد الرحمن الأبنودي...)، كما استطاعت، من جهة أخرى، أن تواكب مشرُوع التّحديث الذي انتمى إلى أفقه الشعر العربي المعاصر، بعد أن تخفّفت من بُعدها الشفوي، وصارت كتابية أكثر. كلّ ذلك جعل زاوية نظر النّقاد والباحثين تتغيّر تجاه القصيدة المكتوبة بالعامّية. فلم يعدْ يُنظر إلى هذه القصيدة على أنها نصّ «عُمومي» أو«شعْبي» بما تحملُه هاتان الكلمتان من شُحنةٍ قدْحية وتحقيرية؛ بل بما هي قصيدةٌ مبنيّة، تتغذّى من مصادر شعرية وثقافية واسعة، يتشابكُ داخلها الفكر واللغة والبناء الفنّي بهدف التّعبير عن رؤية شِعرية مكثفة، تُعلنُ موقفَ الشّاعر من الذّات والآخر وتكشفُ عن نظرته للوجود وللعالم. ماذا يعني هذا القول؟ يعني أنّ الكتابة الشعرية بالعامّية أو الدارجة، لا تعني أنه صار شأناً عاماً؛ فالشّعر سيظلُّ، في رأيي، شأناً إبداعياً خاصّاً وفنّ الكثرة القليلة، سواء انكتب بالعربية المعيارية والعامية. ما يعزز هذا الرأي هو أن الشعر العامّي في المنطقة العربية بات مختلفاً ومغايراً لما كان عليه في السابق، فلم يعدْ معنيّاً بالخطابية أو المنبرية، بل صار يراهن على قصيدة شفيفة، هامسة، تستغورُ الذات وسيرها الشخصية، وتنتصر في بنائها للسّطر الشعري وليس للبيت التقليدي.

> إذا ما جعلنا من الشعر العامي موضوعاً لكتابة شعرية بقيم الحداثة والمعرفة الشعرية، ألن يجعلنا ذلك نتخلى عن الأصل في الشعر العامي بوصفه مصدراً من مصادر التقاليد الشعرية الشفوية التراثية؟

- أبداً، يكفي أنْ تلقيَ نظرةً على النسيج الشّعري اليوم في المغرب، وغيره من الأقطار، لترى التجاربَ الشعرية المكتوبة بالعاميّة تتجاورُ فيما بينها. فالملحون، والشّعر الشعبي، والشعر الغنائي... كلّها ممارسات شِعرية تواصلُ حضورَها في المحافل التي تنتعش فيها (الأغنية، والمهرجانات، والمواسم الفنية...) إلى جانب الشعر العامّي الحديث الذي يحرصُ شعراؤه على وجوده بين دفتي الديوان. المهم أن التعبير باللغة الأم، وباللسان الذي نحلم به، سواءٌ أكان أفقُه حداثياً أم تراثياً، لم يعد تعبيراً من الدرجة العاشرة، ولم يعد مقعدُه خلفَ الشعر، بل أخذَ مكانه الطّبيعي ضلعاً من أضلاع القصيدة المغربية الحديثة والمعاصرة، وركناً من أركانها، لا يمكنُ التغافل عن مُنْجزه أو تجاهل تراكماته الجمالية والفنيّة التي تُغذّي المتخيّل الشّعري المغربي والعربي على حدّ سواء.


مقالات ذات صلة

كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

يوميات الشرق الروائيّ اللبناني جبّور الدويهي (فيسبوك)

كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

عشيّة الذكرى الثالثة لرحيله، تتحدّث عائلة الروائيّ اللبنانيّ جبّور الدويهي عن سنواته الأخيرة، وعن تفاصيل يوميّاته، وعن إحياء أدبِه من خلال أنشطة متنوّعة.

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

رواية «حكاية صفية» للروائية الكويتية ليلى العثمان الصادرة عام 2023، رواية جريئة بشكل استثنائي

فاضل ثامر
ثقافة وفنون شاهد قبر من البحرين، يقابله شاهدان من تدمر

الفتى حامل الطير وعنقود العنب

يحتفظ متحف البحرين الوطني في المنامة بمجموعة كبيرة من شواهد القبور الأثرية المزينة بنقوش تصويرية آدمية، منها شاهد مميّز يمثّل فتى يحمل عصفوراً وعنقوداً من العنب

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون غلاف الكتاب

الرواية الفلسطينية... ممارسات الاحتلال وآليات المقاومة

«أسئلة الرواية الفلسطينية» هو الكتاب الحادي عشر في النقد الروائي للشاعر والناقد سلمان زين الدين، وقد صدر مؤخّراً عن «مركز ليفانت للدراسات والنشر» في الإسكندرية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون ريما بالي

الكاتبة السورية ريما بالي: أُواجه الحرب بالخيال وقصص الحب

تهتم الكاتبة الروائية السورية ريما بالي بسردية بلادها ما بعد الحرب، وتوليها عناية خاصة من خلال أعمالها التي تتحدث فيها عادة عن مسقط رأسها «حلب» في سياقات مختلفة

منى أبو النصر (القاهرة)

آل الشيخ يكشف عن أعضاء «جائزة القلم الذهبي للأدب»

المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية (الشرق الأوسط)
المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية (الشرق الأوسط)
TT

آل الشيخ يكشف عن أعضاء «جائزة القلم الذهبي للأدب»

المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية (الشرق الأوسط)
المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية (الشرق الأوسط)

كشف المستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية، الأربعاء، عن أعضاء لجنة «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، والتي تهدف إلى إثراء صناعة السينما بالمنطقة، ودعم المواهب الإبداعية في كتابة الرواية من جميع الجنسيات والأعمار.
وتَشكَّلت لجنة الجائزة من أعضاء يملكون خبرات واسعة في مجالات الأدب، والكتابة السينمائية، والإنتاج والإخراج السينمائي، حيث جاءت برئاسة الأديب والروائي السعودي الدكتور سعد البازعي، والروائي والمترجم والسيناريست السعودي عبد الله بن بخيت نائباً له.

وتضم اللجنة في عضويتها كلاً من الكاتب والروائي السعودي عبده خال، والروائي الكويتي سعود السنعوسي، والروائي المصري أحمد مراد، والروائية السعودية الدكتورة بدرية البشر، والكاتب والسيناريست السعودي مفرج المجفل، والكاتب والسيناريست المصري صلاح الجهيني، والناقد السينمائي المصري طارق الشناوي، والسيناريست المصري شريف نجيب، والخبير عدنان كيال مستشار مجلس إدارة هيئة الترفيه، وكاتبة السيناريو المصرية مريم نعوم، والمخرج المصري محمد خضير، والمنتج السينمائي المصري أحمد بدوي، والمخرج المصري خيري بشارة، والمنتج اللبناني صادق الصباح، والمخرج السينمائي المصري مروان حامد، والمخرج والمنتج السينمائي السعودي عبد الإله القرشي، والكاتب والسيناريست المسرحي السعودي ياسر مدخلي، والكاتب والروائي المصري تامر إبراهيم.

وتركز الجائزة على الروايات الأكثر جماهيرية وقابلية لتحويلها إلى أعمال سينمائية، مقسمة على مجموعة مسارات؛ أبرزها مسار «الجوائز الكبرى»، حيث ستُحوَّل الروايتان الفائزتان بالمركزين الأول والثاني إلى فيلمين، ويُمْنح صاحب المركز الأول مبلغ 100 ألف دولار، والثاني 50 ألف دولار، والثالث 30 ألف دولار.

ويشمل مسار «الرواية» فئات عدة، هي أفضل روايات «تشويق وإثارة» و«كوميدية» و«غموض وجريمة»، و«فانتازيا» و«رعب» و«تاريخية»، و«رومانسية» و«واقعية»، حيث يحصل المركز الأول على مبلغ 25 ألف دولار عن كل فئة بإجمالي 200 ألف دولار لكل الفئات.
وسيحوّل مسار «أفضل سيناريو مقدم من عمل أدبي» العملين الفائزين بالمركزين الأول والثاني إلى فيلمين سينمائيين مع مبلغ 100 ألف دولار للأول، و50 ألف دولار للثاني، و30 ألف دولار للثالث.
وتتضمن المسابقة جوائز إضافية أخرى، حيث سيحصل أفضل عمل روائي مترجم على جائزة قدرها 100 ألف دولار، وأفضل ناشر عربي 50 ألف دولار، بينما يُمنح الفائز «جائزة الجمهور» مبلغ 30 ألف دولار، وذلك بالتصويت عبر المنصة الإلكترونية المخصصة.