«الدوحة للكتاب العربي» تطلق جائزتها وتكرّم نخبة من المتخصصين

«الدوحة للكتاب العربي» تطلق جائزتها وتكرّم نخبة من المتخصصين
TT

«الدوحة للكتاب العربي» تطلق جائزتها وتكرّم نخبة من المتخصصين

«الدوحة للكتاب العربي» تطلق جائزتها وتكرّم نخبة من المتخصصين

في احتفال ثقافي شهده جمع كبير من الشخصيات والمثقفين من مختلف البلدان العربية، عقدت «جائزة الدوحة للكتاب العربي» مساء الأحد 3 مارس (آذار) 2024م دورتها التأسيسية.

وقد أعلنت الجائزة في بيان رسمي عبر موقعها الإلكتروني قبل أيام، عن إطلاق الجائزة والاحتفاء «بتكريم نخبة من المتخصصين في العلوم الإنسانية والشرعية، الذين أثروا المكتبة العربية بالمصنفات العلمية الرصينة والأطروحات الفلسفية والتاريخية البحثية القيمة».

واحتوت قائمة المكرمين أسماء علمية بارزة ومتنوعة، مثّلت طيفاً واسعاً من المشتغلين في الفكر العربي والشرعي من مختلف البلدان التي شملها فضاء اللغة العربية، وهم: أيمن فؤاد سيد من جمهورية مصر العربية، وجيرار جهامي من الجمهورية اللبنانية، وسعد البازعي من المملكة العربية السعودية، وطه عبد الرحمن من المملكة المغربية، وغانم قدوري الحمد من جمهورية العراق، وفيحاء عبد الهادي من دولة فلسطين، وقطب مصطفى سانو من جمهورية غينيا، ومحمد محمد أبو موسى من جمهورية مصر العربية، ومصطفى عقيل الخطيب من دولة قطر، وناصر الدين سعيدوني من الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. وشمل برنامج إطلاق الجائزة ندوة صباحية تحت عنوان «حياة للعلم: مسارات وشهادات»، جاءت في جلستين، ضمت كل واحدة منهما خمسة متحدثين، ألقى فيها الأساتذة المكرمون خطاباً حول تجربتهم العريضة مع الكتاب والكتابة.

وقد استهلت الندوة الصباحية بكلمة ترحيبية ألقاها المستشار الإعلامي للجائزة عبد الرحمن المري؛ إذ قدم فيها رؤية الجائزة ومنطلقاتها، كما أبان فيها عن أهداف الجائزة ومجالاتها ومواعيد انطلاقها. وذكر المري أن الجائزة تطمح إلى استعادة التقدير الضروري المطلوب تجاه الثقافة العربية وقيمتها، والذي من شأنه أن يكثف لدى أمة الضاد «الإحساس بالأمانة، فيأخذها بصدق ووفاء ومسؤولية نحو التفكير في العربية ومنها، والنهوض بها وإليها».

استفتح العالم اللغوي محمد أبو موسى الجلسة الأولى التي أدارها الدكتور سيدينا ساداتي باستعراض جانب من مسيرته مع البلاغة العربية والتي ابتدأها في مطالع تحصيله العلمي في خمسينات القرن الماضي. واستفاض من بعده الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن في كلمته بحديث حول البواعث العميقة التي دفعته إلى عالم التصنيف الفلسفي، محدداً فيها ثنائية الثغر والمرابطة التي وجهت موقفه من التفكير والتأليف. وسَرَدَ المؤرخ ناصر الدين سعيدوني رحلته العلمية التي خاضها بين رحاب الجغرافيا واللغة العربية وقادته من بعد إلى التخصص في علم التاريخ، الذي وسم أغلب إنتاجه. ومن ثم، تحدث الدكتور جيرار جهامي عن سيرته العلمية المتمحورة حول الفلسفة العربية والمنطق، في حين ألقى الدكتور غانم قدوري الحمد ضوءاً سِيَريّاً على تطور اهتمامه بالدراسات القرآنية والعلوم الشرعية حتى بلوغه درجة الاختصاص. ومن جانبه، أدار الدكتور الصديق عمر الصديق الجلسة الثانية، وابتدأ الحديث فيها مع المؤرخ القطري مصطفى عقيل الخطيب، متناولاً تحول اهتماماته نحو التاريخ ولا سيما التاريخ في الخليج العربي. وجاءت فيها كلمة المحقق والمؤرخ أيمن فؤاد سيد ساردة لمدارج ارتقائه في علمي التاريخ والتحقيق، وتعالق العلاقة بينهما، مستشهداً بأولى تجاربه مع الوثائق والتي وصل بها إلى ذروة تحقيقه لكتب تاريخية وأدبية مركزية في تراث الثقافة الإسلامية. وقدمت الدكتورة والمؤرخة الباحثة في التاريخ الشفوي الفلسطيني فيحاء عبد الهادي خطبة بليغة حول دور المرأة الفلسطينية الجوهري في النضال التحرري المستمر منذ الاحتلال. وألقى الدكتور سعد البازعي كلمة استعاد فيها أولى ذكرياته مع الكتاب والتي تطورت بنحو كبير بعد رحلته الدراسية إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث تعرف على مدارس النقد المختلفة، وتوّج هذه المعرفة برؤية منهجية ناقدة تجاه المنتج الثقافي غير العربي، تمتاز بالانفتاح الواعي الذي يوازن بين مرجعية الانتماء إلى الثقافة العربية وضرورات القراءة التي تفرضها منجزات الثقافات الأخرى. واختتم الشيخ قطب مصطفى سانو كلمات الجلسة الثانية بخطابٍ أودع فيه عصارة حياته الكثيفة في تحصيل العلم الشرعي، والتي بدأها في قريته الصغيرة في جمهورية غينيا، مروراً بدراسته في المملكة العربية السعودية حيث تعلم اللغة العربية حد الإتقان، وصولاً إلى جهوده المبذولة في التأليف والإنتاج بالعربية، معبراً عن اعتزازه الكبير بانتمائه إلى ثقافة الضاد الواسعة.


مقالات ذات صلة

من لبنان إلى باريس... جائزة لـ«الحياة البسيطة والمُبهجة للحقول»

يوميات الشرق كلارا ماي سلفيتي صوَّرت حياة الحقول البقاعية وبهجتها (حسابها الشخصي)

من لبنان إلى باريس... جائزة لـ«الحياة البسيطة والمُبهجة للحقول»

تُنتَج التقارير المصوَّرة في فرنسا أو خارجها، وفيها شهادات حيّة ونبض بشريّ. التمثيل ممنوع، وتحريف النصّ والسياق أيضاً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تركي آل الشيخ يتوج بجائزة الشخصية الأكثر تأثيراً في العقد الأخير

تركي آل الشيخ يتوج بجائزة الشخصية الأكثر تأثيراً في العقد الأخير

تُوّج تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، بجائزة «الشخصية الأكثر تأثيراً في العقد الأخير» خلال حفل جوائز «MENA Effie Awards 2024».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر جوائز مهرجان «أثر» للإبداع

تصدّرت وكالة الخدمات الإبداعية والإعلانية (SRMG Labs)، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، مهرجان «أثر» للإبداع، الأكبر من نوعه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
رياضة عالمية نجومية لاعبي الريال ساهمت في تراجع حظوظ فينيسيوس (أ.ف.ب)

رئيس «فرانس فوتبول»: فرص فينيسيوس في الكرة الذهبية تضررت بسبب لاعبي الريال

أشار رئيس تحرير مجلة «فرانس فوتبول» فينسنت غارسيا إلى أن فرص فينيسيوس جونيور في الفوز بالكرة الذهبية قد تضررت بسبب إنجازات زميليه في ريال مدريد.

The Athletic (باريس)
رياضة عالمية فينيسيوس غاضب جداً بسبب خسارة الجائزة (أ.ف.ب)

بعد زلزال الجائزة الذهبية... مَن الذين يخافون من وجود ريال مدريد؟

بعد أقل من 24 ساعة على الضربة القاسية التي تلقاها ريال مدريد بخسارة الكلاسيكو 4 - 0 أمام برشلونة في البرنابيو، الأحد، حدث تحول آخر مزلزل في ريال مدريد.

The Athletic (باريس)

عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»
TT

عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

بأسلوب شيّق، وحبكات متتالية، يسرد عبد الرحمن شلقم المسار الاستثنائي للقائد العسكري الإيطالي أميديو جوليت، الذي عرف ببطولاته، وانتصاراته، وشجاعته، وطارت شهرته، حتى صارت تفاصيل حياته مجالا للبحث والاهتمام.

يعيدنا وزير خارجية ليبيا السابق، في روايته الجديدة «القائد العاشق المقاتل»، الصادرة عن «دار الرواد للنشر والتوزيع» إلى فترة تاريخية، كان لا يزال للفروسية فيها دور بارز في قيادة المعارك، وللشهامة قيمة أخلاقية. تحكي الرواية سيرة مقاتل ليست ككل السير، حيث تختلط السياسة بالحب، والتاريخ بالمزاج الشخصي، والحكمة بالجسارة، والقتال بعشق الشرق وشغف المعرفة.

لم يكن أميديو مجرد قائد تقليدي، فبفضل شخصيته المتوثبة والكاريزما التي تمتع بها، وحبه للثقافات، أصبح صديقاً للعرب، يلبس على شاكلتهم، يتكلم لغتهم، يستمتع بشعرهم، يأنس لمجالسهم. وحين أنهى مهمته العسكرية عاد إليهم دبلوماسياً نشطاً، وسائحاً هائماً.

«القائد الشيطان»

تقول الرواية: «عشق أميديو السلاح كما عشق المرأة»، وتلك عبارة مفتاح، إذ تنسج الرواية خيوطها، بهذا الجانب الرومانسي للقائد المقدام الذي تقترن بطولاته بغرام دائم، وعشق لا ينقطع. ويتنقل القارئ بين الأحداث السياسية وشراسة الأطماع الاستعمارية، وحكايات أميديو مع عشيقاته اللواتي شغلن الجزء الذي لم تملأه الحروب من يومياته.

«القائد الشيطان»، هذا هو لقبه، الذي استحقه عن جدارة. فبعد أن خاض أميديو الحرب الأهليّة الإسبانيّة إلى جانب قوات الملكيّين قادته ظروف الحرب إلى ليبيا. وأضافت لتكتيكاته الفريدة في مقارعة أعدائه، حيث واجه البريطانيين، وحارب المقاومة الليبية، عاش قصة حب حارقة مع ممرضته الليبية اليهودية التي أنسته كل ما عداها، تعرف إليها أثناء علاجه في مستشفى في طرابلس، من إصابة تعرض لها. نعيش مع العقيد أميديو لحظات تحرّقه وعشقه لريزا بـ«قوامها الممشوق ووجهها الأبيض الوضاء وعينيها الواسعتين وهي تقدم له حبات الدواء وتصير صباح الشفاء والسعادة». ثم بعد ذلك، نكابد معه فراق ريزا، واختفاءها تحت وطأة تهديد النازيين لها ولعائلتها ولملتها، ومنع العقيد من الزواج بها بسبب القوانين العنصرية التي فرقت بينهما.

الحبيبة ريزا

ريزا هي كما غيرها من اليهود الذين «اضطروا إلى الهرب خارج العاصمة الليبية، وتغيير أسمائهم، وأماكن إقامتهم». لكن مهمة الضابط المغامر الذي يمتطي صهوة جواده، ويتقدم الفرسان، ويهاجم كما لو أنه نسي الموت، لا تتوقف هنا، بل نراه ينتقل إلى إثيوبيا وإريتريا، حيث يطور هناك أساليبه القتالية، وتتجلى مشاعره العشقية، حين يعيش قصة حب جديدة مع خديجة الإثيوبية، التي «بثت فيه عشقاً لم يعرفه أبداً». ابنة شيخ القبيلة مختار، صاحبة الجمال الخمري التي تحفظ الشعر العربي، تتسلل إلى خيمته كل ليلة، تجالسه، تحادثه بهمس، عن الفروسية، وصفات الخيل، وشجاعة المحاربين. يصف الكاتب خديجة «الطويلة الرشيقة، بلباسها الملون، وعطرها الفواح» بأنها «استولت على كل شيء فيه». أما هي، فقد افتتنت بفارسها بجنون. معها «نسي حبيبته الطرابلسية ريزا، التي صارت إلى المجهول في ليبيا يخنق حبل الفاشية العنصري يهودها، أما حبيبته الإيطالية بياتريس جوندولفو، ومشروع زواجه القديم منها، فقد طوتها عيون خديجة وقوامها وصوتها وشَعرها وشِعرها، وعطرها».

خديجة تشد أزره

على هذا النحو الآسر، يجعلنا شلقم نعيش مناخات الحرب العالمية الثانية، وما رافقها من اضطرابات، وتوترات وقلق، مع العقيد الذي يخوض غمار معاركه، مستعيناً على ذلك بنساء كنّ له الظهر والسند. غير أن خديجة هذه بقيت شيئاً آخر. و«لأول مرة يتمنى الفارس الصنديد، مدمن القتال، «أن تفارق الحرب عقول البشر إلى الأبد. وهو يطارح خديجة حديث الحب».

جاءته الأوامر من روما أن يستسلم، لكنه رفض، مع علمه أن الوضع قد أصبح ميئوساً منه. جهزت له خديجة فرساناً أشداء، وقالت له: «قاتل ولا تستسلم يا حبيبي، لقد خلقك الله لتكون الفارس الذي يفر من أمامه العتاة».

بين جبهات الحروب الشرسة، وجبهات الحب العاصفة، ينقلنا الكاتب، وهو يبدع في رسم علاقة أميديو مع عشيقاته، وتوصيف علاقته مع كل منهن، وكأن كل واحدة أنارت له جانباً مختلفاً من شخصيته، وأضافت لفضوله معارف جديدة، وفتحت أبواباً للضوء. فقد كان أميديو يتمتع بشخصية مغامرة وجذابة، مما جعله محبوباً بين النساء. يقول لخديجة وقد أنهكه القتال: «لم تعد لي القدرة على الاستمرار في محاربة البريطانيين. رجالي قتل بعضهم وجُرح معظمهم، لم يبق لي منهم سوى ثلاثين نفراً، أنت كل ما لدي من هذه الدنيا، ولكن الله غالب».

المرحلة اليمنية

ولما كانت العودة إلى إيطاليا شائكة بسبب تمرده على الأوامر، والوضع المتأزم هناك، يمم وجهه صوب اليمن، وقد صار اسمه أحمد عبد الله الرضائي. وصل إلى ميناء الحديدة، بعد مغامرات كادت تودي به وبرفيق الرحلة. طلب اللجوء السياسي، شك اليمنيون في أمره، وأخضعوه شهراً للسجن والاستجواب. محادثاته المتناسلة مع سجانيه وصلت إلى قصر إمام اليمن يحيى حميد الدين الذي طلب رؤيته. وكان صيته قد سبقه، ما سيجعل العلاقة الوطيدة سريعة مع الإمام وسيكلفه تدريب كتائب جيشه وشرطته.

المرحلة اليمنية من حياة أميديو، تفتح الباب أمام شلقم ليرسم لنا صورة بانورامية عن الحياة الاجتماعية، والأجواء السياسية في تلك المرحلة، في هذه المنطقة العربية. «سيلف أميديو حول خاصرته قطعة من القماش، ويضع الخنجر المقوس وسط حزامه. جلسة مع خلان سيتعرف عليهم، يخزنون القات معاً، ويسهرون الليالي في مطارحات شعرية إلى أن يدركهم الصباح، ويخرجون ليروا مباني المدينة الشاهقة المزخرفة بألوان، تضيف الانشراح إلى الأرواح». وفي اليمن أيضاً سيلتقي بياتريس.

لم يكن أميديو مجرد قائد تقليدي بل شخصية متوثبة وكاريزمية

صفحة حب جديدة

بياتريس الحبيبة الجديدة. هذه المرة هي مصرية، مسيحية وفارسة تعشق الخيول، تعزف على آلة البزق وتهرّب الأسلحة، حين يلزم الأمر. امرأة جذابة يلفها الغموض «عندها عصارة العصارة، ولها القدرة على قراءة ما سمعت، فهي مثقفة ودارسة متبحرة في عالم النفس، ولها القدرة على قراءة ما في فناجين الرؤوس».

لكن تلك الحياة الرغدة بعجائبيتها ومحنها، سرعان ما تنقلب في اليمن، وتطيح بالإمام، ويحلّ الجدري، وينفضّ الجمع، ولا يبقى لـ«القائد الشيطان» سوى الهرب.

بأسلوبه الرشيق والمشوق، يقصّ شلقم من خلال روايته، حكاية هذا القائد الإيطالي الذي تحول إلى أسطورة، وشبهه البعض بلورانس العرب، لتشابه بين سيرتيهما، مستفيداً من سيرته التي كتبها العقيد بنفسه، ومصادر أخرى، مضيفاً إليها حبكته ونكهته المستقاة من «ألف ليلة وليلة» التي يؤتى على ذكرها مرات عدة في النص. وقد عاش أميديو من العمر قرناً كاملاً وسنة، تمكن خلالها من الانتقال إلى حياة دبلوماسية، لا تقل أهمية عن حياته العسكرية. عين سفيراً لدى عدد من الدول العربية بينها الأردن الذي عشقته زوجته بياتريس التي ارتبط بها بعد تجواله ومغامراته العشقية. وعين الرجل سفيراً لدى المغرب، ويكتب له أن يشهد حادثة انقلاب الصخيرات الشهيرة، التي نقرأ تفاصيلها في الرواية كما عاشها أميديو، وكأننا في قلب الحدث.

التاريخ يعيد نفسه

مفاصل تاريخية كثيرة، عن فترة مفصلية من عمر العرب، والتدخلات الأجنبية على أرضهم، بحيث يبدو وجودهم السياسي هامشياً، في ما يطغى حضورهم الاجتماعي في الرواية، كل ذلك مشدود إلى أوتار عواطف جياشة، ومشاعر فياضة، تلهم القائد المقدام.

وفي الجزء الأخير من الكتاب، يتاح لنا أن نعيش مع أميديو، وقد استقر به الحال أخيراً متقاعداً يستعيد ذكرياته ويتأمل مشواره بهدوء ودعة. وتشاء الظروف أن يلتقي بالضباط والقادة الذين كان يقاتل في مواجهتهم، حيث يتحول أعداء الأمس وقد انتهت الحرب، إلى أصدقاء اليوم، يتبادلون الذكريات والاعترافات، وكأنما كل ذاك الدم الذي سال، كان عبثاً، أو كأنهم كانوا جزءاً من آلة تغيرت أدوارهم ورؤاهم، بمجرد تفكيكها.

الرواية تعيدني ثمانين سنة إلى الوراء، ولعالم غير الذي نعيشه اليوم، لكن بقليل من التدقيق، تشعر أن النزاعات في أعماقها لا تزال هي نفسها، والمآلات تبدو متشابهة وتستحق المقارنة والعبرة والتأمل.