جوستاين غاردر: ما زلت أحافظ على دهشة الطفل بداخلي

صاحب «عالم صوفي» يقول إن «نوبل» خارج أحلامه ولم يشعر بالحزن لأنها تجاوزته

جوستيان غاردر في معرض القاهرة
جوستيان غاردر في معرض القاهرة
TT

جوستاين غاردر: ما زلت أحافظ على دهشة الطفل بداخلي

جوستيان غاردر في معرض القاهرة
جوستيان غاردر في معرض القاهرة

ذات مساء بعيد، قال لزوجته فجأة: «لقد مللت تدريس الفلسفة بالشكل التقليدي وأريد أن أقدمها على نحو مختلف ومشوق». شجعته الزوجة واختمرت الفكرة في ذهنه حتى خرجت للوجود في صورة رواية ستصبح الأشهر من نوعها تحمل عنوان «عالم صوفي»، وتجمع بين ضرورات الحبكة الدرامية القائمة على الغموض والتشويق وبين تقديم تعريف مبسط لا يخلو من العمق لكل مراحل الفلسفة وتطورها منذ ما قبل الميلاد بـ700 عام حتى وجودية جان بول سارتر.

إنه الأديب النرويجي جوستاين غاردر (72 عاماً)، الذي اشتهر في بلاده برواية «سر الصبر» لكن «عالم صوفي» هي التي أكسبته العالمية؛ إذ باعت نحو 50 مليون نسخة وتُرجمت إلى 63 لغة في العالم منذ صدور طبعتها الأولى عام 1991.

«الشرق الأوسط» التقته في حوار حول أعماله وهموم الكتابة، على هامش زيارته لمصر مؤخراً للمشاركة في فعاليات الدورة 55 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث اختيرت النرويج ضيف شرف المعرض.. وهنا نص الحوار:

* النجاح الاستثنائي لروايتك «عالم صوفي» ألا يبدو لك أحياناً وكأنه تحول إلى لعنة تطاردك وكأنك أديب العمل الواحد الذي غطى على بقية أعمالك ولا يعرفك الناس إلا به؟

- ملاحظتك صحيحة للغاية، لقد مرّ على نشر الرواية 33 عاماً ولا يزال كثيرون حول العالم يربطون اسمي بها ويتعرفون عليّ من خلالها. والمؤكد بالنسبة لي أنني لست أديب العمل الواحد قطعاً، فقد صدر لي نحو عشرين كتاباً على مدار سنوات مختلفة. وحتى في اللغة العربية، يوجد لي أكثر من عمل مترجم، بالإضافة لـ«عالم صوفي» مثل «مرحباً... هل من أحد هنا» و«فتاة البرتقال» و«حكاية أنّا» و«قلعة في البيرينيه».

* هل يشعرك هذا الأمر بالأسى والحيرة؟

- أحياناً، ولكني لا أسمح لهذا الشعور بأن يستغرقني إذ يبدو أن تلك هي طبيعة الأشياء.

* بسطت التعريف المتشعب بالفلسفة في الرواية حتى بدا وكأنه أحد مقومات السرد فيها هل هناك صعوبة في الكتابة عن الفلسفة روائياً؟

- هذا صحيح إلى حد كبير، لكن لا بد من إقامة توازن حساس ودقيق بين المضمون المعرفي من جانب وبين متطلبات الحرفة الروائية من جانب آخر بما تتطلبه من سرد درامي وتصاعد في الأحداث وخلق جو عام من التشويق والترقب والإثارة.

والفكرة الأساسية في أعمالي تنبع من هذا المنطلق، حيث سيكون مملاً ورتيباً على سبيل المثال أن أطرح نظريات وقضايا الفلسفة بشكل مباشر. سيكون التثاؤب هو في الأعم الأغلب على رد فعل المتلقي، لكن الأمر يختلف حين توضع النظرية أو الفكرة في قالب درامي يتسم بالبساطة والتشويق. هذا على الأقل ما أحاول أن أفعله. لقد قضيت سنوات كثيرة من عمري أستاذاً للفلسفة وقضايا الفكر أقدم المعرفة بشكل تقليدي ومنحني الأدب الفرصة لتقديمها في صورة جديدة.

* لكن برأيك... ما سر الانتشار المذهل لرواية «عالم صوفي» حول العالم؟

- أعتقد أن العقل البشري مصمم لتلقي المعارف والمعلومات في شكل قصص وحكايات. كثيرون لديهم فضول تجاه الفلسفة لكن جفاف المادة الأكاديمية حولها يجعلهم يتهيبون ويتراجعون. وأظن أن «عالم صوفي» قدمت معادلة جديدة تجمع بين المعرفة ومتعة القراءة.

* ماذا كان رد فعلك حيال الفيلم السينمائي المأخوذ عن الرواية بنفس الاسم؟

- اغرورقت عيناي بالدموع بمجرد أن طالعت المشاهد الأولى، السينما توفر نافذة أكبر لانتشار العمل لدى جمهور مختلف. وبالطبع، هدف أي كاتب هو استقطاب شريحة أكبر من المتلقين إلى عمله.

* لكن البعض يؤكد أن الفيلم لم يكن في قوة وإحكام الرواية؟

- هذا موضوع تتعدد فيه الآراء وتختلف حوله وجهات النظر وهذا طبيعي، ولكل حقه في رؤية تلك التجربة كما يحلو له، لكن من ناحيتي بصفتي مؤلفاً لقد قلت ما أريد في الرواية وتركت لصناع الفيلم مراعاة جوانب معينة ضرورية عند تحويل النص الأدبي إلى صورة على الشاشة.

الفلسفة أصبحت أكثر أهمية من ذي قبل لا سيما في ظل التحديات الكبرى التي تواجهها البشرية

* بشكل خاص... لماذا تبدو الفلسفة هاجساً ملحّاً في عالمك الأدبي إلى هذا الحد؟

- لأنها ببساطة تقوم في جوهرها على طرح الأسئلة والنظر بفضول تجاه العالم وعدم أخذه على علّاته. كلنا نولد فلاسفة بشكل أو بآخر، انظر إلى أسئلة الأطفال البسيطة حول الكون ونشأته والإنسان ووجوده والعالم ومصيره، إنها أسئلة فلسفية بامتياز لكن الآخرين يطالبوننا أن ننضج بمعنى أن نقمع فضولنا، ولقد وعدت نفسي بألا أنضج بهذا المعنى السلبي للنضج وأنا أحافظ على دهشة الطفل بداخلي.

الفلسفة أصبحت أكثر أهمية من ذي قبل لا سيما في ظل التحديات الكبرى التي تواجهها البشرية حالياً مثل الحروب والعنف والاحتباس الحراري وتراجع التنوع البيولوجي.

* ما المعنى الأساسي الذي تسعى لتوصيله لجمهورك من القراء عبر كتاباتك؟

- العالم لم يعد مكاناً آمناً للعيش والبشرية تواجه تحديات هائلة. يجب علينا ألا نستسلم لنمط الحياة الاستهلاكية بقبحها وضراوتها ومغرياتها. بدلاً من ذلك، علينا الحفاظ على الطفل بداخلنا.

العالم لم يعد مكاناً آمناً للعيش والبشرية تواجه تحديات هائلة. يجب علينا ألا نستسلم لنمط الحياة الاستهلاكية

* ألا تشعر بالحزن لأن جائزة نوبل قد تجاوزتك وذهبت في دورتها الماضية إلى مواطنك يون فوسه الأقل شهرة مقارنة بك؟

- لم أشعر بذلك فهو كاتب رائع ويستحقها، ثم إنه لا يمكن لكاتب واحد أن يحصل على كل شيء في الحياة. أعرف أن إجابتي قد تبدو دبلوماسية ولكني أقولها بصدق. صحيح أن نوبل هي الجائزة الأكثر رفعة في العالم ولكنها ليست ضمن أحلامي.

* لكن فوز فوسه بالجائزة بدا مفاجئاً، إن لم يكن صادماً، لكثيرين وروايته الوحيدة المترجمة إلى العربية «ثلاثية» بدت مخيبة لآمال القارئ العربي؟

- ربما كان هذا صحيحاً، ربما لم يكن «فوسه» ليس أفضل خيارات السرد الروائي في عالمنا لكنه صاحب إنجاز مدهش في مجال الكتابة المسرحية وإنتاجه في هذا النوع الإبداعي مميز للغاية وأعتقد أن هذا هو المسوغ الأساسي لفوزه بالجائزة.

* هذه زيارتك الأولى للقاهرة... كيف رأيتها؟

- للأسف الشديد بسبب ضيق الوقت المحدد سلفاً، لم تتح لي الفرصة كاملة للتجول في تلك المدينة العريقة التي شعرت معها كأنني أعيش داخل «ألف ليلة وليلة» من حيث الحيوية والطاقة الإيجابية بين الناس.


مقالات ذات صلة

كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

يوميات الشرق الروائيّ اللبناني جبّور الدويهي (فيسبوك)

كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

عشيّة الذكرى الثالثة لرحيله، تتحدّث عائلة الروائيّ اللبنانيّ جبّور الدويهي عن سنواته الأخيرة، وعن تفاصيل يوميّاته، وعن إحياء أدبِه من خلال أنشطة متنوّعة.

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

رواية «حكاية صفية» للروائية الكويتية ليلى العثمان الصادرة عام 2023، رواية جريئة بشكل استثنائي

فاضل ثامر
ثقافة وفنون شاهد قبر من البحرين، يقابله شاهدان من تدمر

الفتى حامل الطير وعنقود العنب

يحتفظ متحف البحرين الوطني في المنامة بمجموعة كبيرة من شواهد القبور الأثرية المزينة بنقوش تصويرية آدمية، منها شاهد مميّز يمثّل فتى يحمل عصفوراً وعنقوداً من العنب

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون غلاف الكتاب

الرواية الفلسطينية... ممارسات الاحتلال وآليات المقاومة

«أسئلة الرواية الفلسطينية» هو الكتاب الحادي عشر في النقد الروائي للشاعر والناقد سلمان زين الدين، وقد صدر مؤخّراً عن «مركز ليفانت للدراسات والنشر» في الإسكندرية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون ريما بالي

الكاتبة السورية ريما بالي: أُواجه الحرب بالخيال وقصص الحب

تهتم الكاتبة الروائية السورية ريما بالي بسردية بلادها ما بعد الحرب، وتوليها عناية خاصة من خلال أعمالها التي تتحدث فيها عادة عن مسقط رأسها «حلب» في سياقات مختلفة

منى أبو النصر (القاهرة)

هدى النعيمي: التاريخ شائك... وليس هناك مساحة آمنة للكتابة

 هدى النعيمي
هدى النعيمي
TT

هدى النعيمي: التاريخ شائك... وليس هناك مساحة آمنة للكتابة

 هدى النعيمي
هدى النعيمي

تتميز التجربة الإبداعية للكاتبة القطرية هدى النعيمي بالصدق مع الذات والآخر، وتصوير تحوّلات الإنسان العربي في منعطفات تاريخية مهمة منذ التسعينات وحتى الآن، ورغم أنها كثيراً ما تجعل هواجس المرأة وأسئلتها الحائرة همَّها الأول وخيارها الرئيسي، فإنها تصنع ذلك في إطار إنساني عريض، وليس تعصباً للنوع، أو انتصاراً أعمى للمرأة في مواجهة الرجل.

يتنوع إنتاجها ما بين الرواية والسيرة الذاتية والقصة القصيرة ومسرح الطفل، ومن أبرز أعمالها «المكحلة»، «أنثى»، «عين ترى»، «عندما يبوح النخيل»، و«زعفرانة»... وبموازاة أدبها، واصلت هدى النعيمي مسيرتها على المستوى العلمي، فحصلت على الدكتوراه في الفيزياء النووية، وهي تشغل حالياً مديرة إدارة الصحة والسلامة في مؤسسة «حمد» الطبية بقطر.

هنا حوار معها حول روايتها الجديدة وتجربتها الأدبية:

*في روايتك الجديدة «زعفرانة» تعودين للتاريخ من باب الحرب في «ظفار»، عبر حقبة زمنية تكاد تغطي قرناً من الزمان، وتتنوع مكانياً ما بين الخليج ودول أخرى، ما مبرّرات هذه العودة؟

- التاريخ مغلّف بالأسرار والغموض، وإذا تحدثنا عن «حرب ظفار»، سنجد أنه كان من شبه المحرّمات الحديث عنها، أو تناولها في أي مرجع لسنوات طويلة، فقد غابت عن كُتب التاريخ في المنطقة، فخرج جيلي، وجيل بعدي لا يعرف عنها شيئاً، رغم أنها استمرت أكثر من عقد من الزمان.

في السنوات الأخيرة فقط خرجت بعض المراجع الجادّة لتؤرّخ لتلك الفترة، كما خرجت روايات عُمانية تتحدث عن «حرب ظفار» أيضاً. وجاءت روايتي «زعفرانة» لتطرح بعض الإجابات، والكثير من الأسئلة أمام القارئ، الذي يجب أن يعرف ما حدث في تاريخ منطقته، وإذا أراد أن يعرف أكثر فليبحث عن المزيد من القراءات.

* تنتمي روايتك «زعفرانة» لما يسمى «رواية الأجيال»... كيف ترين الرأي القائل بأن هذا الشكل الأدبي بات مستهلَكاً؟

-لا أتفق بالطبع مع هذا الرأي، ستظل رواية الأجيال شكلاً أدبياً جاذباً للقراء، لكن على الكاتب أن يُحسن قراءة تاريخ روايته، ويُحسن رصد التغيرات التي مرّت بها أجيال عمله الروائي، فلكل حقبة تاريخية خصوصية في جوانبها السياسية والاجتماعية، وتتطوّر الشخصيات وتتشعّب اهتماماتها، بل تتغيّر جذرياً أحياناً من جيل إلى جيل، وعلى من يتصدى لرواية الأجيال أن يدرك هذا، وأن يطوّر تصوير شخصياته من جيل إلى جيل.

* ما تفسيرك لظاهرة اتجاه أدباء الخليج إلى الغوص في تاريخ المنطقة، وطرح أسئلة الهوية والمستقبل من خلال هذا الشكل الأدبي؟

-أشُدّ على يد هؤلاء الذين يتصدّون للغوص في تاريخ المنطقة، فالتاريخ لدينا لم يوثّق بشكل قوي، نعم هناك كتابات، ولكن الأديب أو المبدع قادر على قول ما لا يجرؤ الباحث أو المؤرّخ على أن يقوله، لكن الرواية في صورتها الأدبية تحكي ما لم يُحكَ، وهذا لا ينطبق على الخليج فقط، بل على عوالم عربية وغير عربية حول العالم.

* البعض ينتقد ما يسمى بـ«الرواية التاريخية» في تجلياتها العربية عموماً، ويقول إنها تعكس الرغبة في البحث عن مساحة إبداعية «آمنة»، من خلال العودة للماضي الذي تتوفر فيه الأحداث والتفاصيل والشخصيات بكثافة، كيف ترين الأمر؟

- أختلف مع هذا الاتجاه في النقد، فالتاريخ منطقة شائكة، وليست آمنة للكاتب كما يعتقد بعض النقاد، بل هو حقل ألغام يجب التحرك خلاله بحذر شديد؛ لأن الماضي لا بد أن يكون موصولاً بطريقة ما مع الحاضر. وتستدعي الرواية التاريخية الكثير من القراءات والبحث والمراجعات، وعند استدعاء شخصية تاريخية، فإن ذلك يحتاج إلى شجاعة، فأغلب الشخصيات التاريخية شخصيات جدلية تحوم حولها الأساطير، والحكايات المتناقضة، فكيف تكون مساحة آمنة؟

* أثار قرارك بكتابة سيرتك الذاتية «حين يبوح النخيل» وأنت في هذه السن المبكرة استغراب كثيرين ممن اعتادوا على قراءة السير الذاتية، حين يكون صاحبها شارَف محطته العمرية الأخيرة، ماذا كانت مبرّراتك؟

- سيرتي هي سيرة بلد فتيّ هو بلدي قطر، لقد سجّلت في كتابي هذا انعكاس تطور البلاد على سيرة امرأة مثلي، وأوجدت بلادي لنفسها مكانة دولية في خلال سِنِي عمري، وأوجدت لنفسي بحمد الله مكانة عربية ودولية في مجال العلوم الذي تخصصت به، والكتاب لا يتحدث عن شخصي فقط، لكنه يتحدث عن دولة حصلت على استقلالها حديثاً عام 1971، ثم صارت اسماً عالمياً خلال 50 عاماً فقط، ولي أن أفخر أن أكون ابنة هذه البلاد، فسجّلت سيرة تنهض على التماس بيني وبين بلدي.

* لماذا لم تلجئي إلى الحل الأسهل، وهو أن تكتبي سيرتك من خلف قناع شخصية رئيسية في رواية، وتتجنّبي المواجهة الصريحة المباشرة مع القارئ، كما تفعل معظم الكاتبات العربيات حالياً؟

- لم أحتَج إلى قناع في كتابة سيرتي الذاتية، نعم هذا يحدث كثيراً مع كاتبات وكُتّاب عرب أيضاً، بخاصة عند الخوض في مناطق المحرّمات السائدة أو «التابوهات»، أو عند تصوير علاقات إنسانية يشوبها الاختلال. يرفع الكاتب أو الكاتبة نفسه عن الأحداث التي عاشها وينسبها إلى شخصيات روائية، ولا ضيرَ في ذلك، ولكنني بالفعل لم أحتَج إلى التخفّي أو إلى الأقنعة وأنا أكتب «حين يبوح النخيل».

* ما الذي يجمع بينك وبين «النخيل» الذي تصدّر غلاف سيرتك؟

- النخلة شجرة معطاءة، كريمة وفياضة العطاء، وهي تأخذ القليل، ويُسعدها العطاء أكثر من الأخذ، النخلة تهب السعف وتهبنا رُطَباً ندياً. وحين أردت أن أكتب سيرتي، وجدت أني أشبه النخلة في الرضا والعطاء، أو أحاول أن أتشبّه بها في رضاها وفي عطائها. أما الشموخ الذي تتمتع به النخلة فهذه حكاية أعشقها وأدور حولها، نعم أعشق شموخ النخيل، الذي يصعد بسعفه إلى السماء، وأتشبّه به في غَرس جذوره بالأرض الطيبة.

* حصلتِ على الدكتوراه في الفيزياء النووية، وتعملين في تخصصات علمية دقيقة، كيف يتقاطع عملك سلباً أو إيجاباً مع عوالمك الإبداعية؟

-العمل في المجال العلمي شاقّ، ويحتاج إلى تركيز ورعاية دقيقة، والإبداع أو الكتابة الإبداعية أيضاً عمل جميل وشيق، لكنه يحتاج من المبدع التدقيق في كتاباته والعناية بها، وعدم التصريح أو الإفراج عن الكتابة للقراءة إلا بعد الكثير من التدقيق، والحرص على جماليات اللغة والمعني.

أما التقاطع فهذا صحيح، لقد أخذ العمل مني الكثير من الزمن، الذي ربما كنت قد أنتجت خلاله أعمالاً أدبية كثيرة، لكن إدارة الوقت لم تكن تسمح بأكثر مما كان، في ذات التوقيت قد زادت خبرتي في الحياة، من خلال الانخراط في العمل مع عالم متنوع من البشر، والكثير من التضاربات بينهم، وهذا ينعكس على أعمال إبداعية قد تصدر يوماً بإذن الله، خصوصاً أنني تفرغت حالياً للقراءة والكتابة.

* كيف تنظرين إلى الإسهام النسائي في الرواية على الساحة الخليجية؟ وهل رفعت المرأة المبدعة أخيراً شعار «لن أعيش في جلباب الوصاية أياً كان مصدرها؟».

- حققت الكاتبة الخليجية في السنوات الأخيرة الكثير من الأهداف، دون أن أقارن بين الكاتب والكاتبة في الخليج، لكن المرأة التي عاشت لوقت طويل خاضعةً لوصاية الرجل، ممثَّلاً في الأب أو الأخ أو الزوج أو المجتمع بأسره، استطاعت في سنوات قليلة أن تخرج بالفعل من ثوب الوصاية، وتمثّل نفسها وبنات جيلها بحرية تامة، أيضاً جيل ما قبلها.

استطاعت أن تعبّر عن قضايا عامة على عكس الوصاية، ورفضت إحكام القبضة على حياتها، كما حدث مع كتابات كثيرة في السابق. الكاتبة الخليجية اليوم تخوض في إبداعها عوالم كانت مظلِمة، فتكتب عما حولها كما يكتب الرجل، وربما أفضل كأيّ كاتب حر.

* أخيراً، برأيك ما سر ظهور فن الرواية على الساحة القطرية متأخِّراً مقارنةً ببقية بلدان الخليج العربي؟

- ربما يعود السبب إلى عدم وجود دُور نشر في قطر لتشجّع على نشر الرواية، فقد غابت هذه الدُّور لوقت طويل، الأختان دلال وشعاع خليفة قامتا بطباعة أول روايتين قطريتين لهما في بيروت مطلع التسعينات، وهذا عمل شاقّ، ليس بمقدور الكثيرين القيام به، واكتفى الكاتب والكاتبة القطريَّين بنشر القصص القصيرة والشعر في المجلات المحلية التي تستقبل الإنتاج الأدبي، مثل «العهد» و«العروبة» و«الدوحة»، ولكن ما إن نُشرت روايات دلال وشعاع حتى فتح المجال واسعاً للكُتّاب الروائيين، وبدأ نشر الرواية القطرية خجولاً، ثم ازدهر بعد ذلك بوجود عدد من دُور النشر المحلية في قطر حالياً، ومنها دار «الوتد» التي أصدرت رواية «زعفرانة».