عبد الزهرة زكي يكتب عن خراب البصرة بعد غزو صدام للكويت والحصار الدولي

نص «منطق الطير» للعطار يشكل النص الغائب لـ«غريزة الطير»

عبد الزهرة زكي يكتب عن خراب البصرة بعد غزو صدام للكويت والحصار الدولي
TT

عبد الزهرة زكي يكتب عن خراب البصرة بعد غزو صدام للكويت والحصار الدولي

عبد الزهرة زكي يكتب عن خراب البصرة بعد غزو صدام للكويت والحصار الدولي

رواية «غريزة الطير» للشاعر عبد الزهرة زكي، المطبوعة عام 2023، رواية محتشدة بالحياة والشخصيات التي تناضل من أجل الحرية ومستقبل آمن لوطنها ولأبنائها في ظل نظام الحكم الديكتاتوري الصدامي الذي تسبب بالويلات للعراق وشعبه وزجه في حروب عدوانية ظالمة لا ناقة له فيها ولا جمل ألحقت الخراب بالمدن والبشر والزرع والضرع على السواء كما يقال.

والرواية التي تتحرك في نسق زمني خطي متصاعد تغطي فترة دقيقة ومؤلمة من تاريخ مدينة البصرة في ظل الحصار الجائر وغزو النظام الصدامي للكويت، وردود الأفعال الدولية تجاه هذا الغزو الذي دفع المواطن العراقي بشكل عام والبصري بشكل أخص ثمنه الباهظ.

لقد كشفت الرواية، التي اتخذت من مدينة البصرة بنية مكانية لها، عن مستويات الخراب التي حلت بالمدينة وأهلها وقيمها، وأيضاً الخراب الذي ألحقته الحرب بأرواح الناس، كما أشار إلى ذلك زيني لولده آدم بقوله: «حين تصنع الحكومات الحروب على الناس تحصين أرواحهم من الخراب الذي تخلفه الحرب» (ص 129 ص 137).

ويمكن القول إن مدينة البصرة بوصفها مكاناً مولداً للأحداث قد تحولت إلى بنية إطارية تتحرك من خلالها وعلى شاشتها الأحداث الروائية.

يستهل الروائي متنه المكتنز بعتبة نصية عن الطير تذكرنا بنص فريد الدين العطار التراثي «منطق الطير» الذي قدم تجربة صوفية وفلسفية من خلال السرد، حتى ليمكن القول إن نص «منطق الطير» يشكل النص الغائب، وربما النص الموازي لرواية «غريزة الطير» إذْ قال آدم زيني، الذي تمثل الرواية رؤيته الفلسفية والروحية والصوفية: «أنا مثل الطير، أحلق، وأجرب أجنحتي وما أستغني عنها. تحليق في عوالمي الداخلية، بعد كل تحليق أعود محكومٌ بغزيرة الطير، اللي (الذي) يطير بحريته ويعود بحريته» (ص 24).

ويختتم الروائي روايته بنص دال يلخص رؤية بطل الرواية آدم زيني المتماهية مع «غريزة الطير» أو «منطقه» والتي تركز على قدرة الطير على الاهتداء إلى مكانه بعد تحليق طويل مدفوعاً بتلك الغريزة:

«ومثل ملاك هائم، مثل طير ظل يصغي لغريزة اهتدائه الى مكانه، يمضي النور حرّاً آخذاً معه طيفاً من الجسد الراقد بأمان وسلام إلى أن يصل به إلى هناك، إلى البصرة» (ص 341 ).

يستهل الروائي بسرد مباشر عبر توظيف ضمير المتكلم الأوتوبيوغرافي (أنا) من خلال شاشة وعي فوزي الخير الله، وهو صديق آدم زيني، والسارد الحقيقي للرواية، حيث تبتدئ الرواية بسرده، كما تنتهي بالخاتمة التي وصفها للرواية. وما يؤكد لنا أن فوزي صديق آدم الروحي، والمعبر عن رؤيته وفلسفته وتجربته، وبشكل خاص في إشارته إلى أنه يفكر في كتابة رواية عن هذا الخراب الذي حل بالبصرة، وبتجربة صديقه الأثير آدم زيني وهو تأكيد على الصفة الميتاسردية للرواية:

«لقد بقيت طيلة حياتي أرجئ التفكير بالكتابة. لقد ضاع منا الكثير، لكن الأبقى هو ما يضيع. في تلك اللحظة انبثقت فكرة غامضة عن إمكانية كتابة رواية، ربما أشرع بذلك حالما يتعافى آدم» (ص 340). وفي هذا النص نجد معارضة لمقولة الشاعر الألماني هولدرن «بأن ما يبقى يؤسسه الشعراء».

ونجد أن سارد الرواية فوزي الخير الله متلهف لتسلم جواز سفره لغرض الهجرة خارج العراق خاصة بعد مقتل زوجته (ابتهال) من قبل رجال النظام الديكتاتوري:

«في تلك الساعات بقيت أراوح بين ما بين أفق مفتوح على الأمل وأفق يغلفه اليأس». (ص 9)، ويصف السارد حياة المدينة المنكوبة بالحرب وبالديكتاتورية وبالجثث الملقاة في الشوارع:

«لقد كنت أغذّ السير في شارع كان المسير فيه قبل أسابيع يجعل السائر محاطاً بجثث مرمية حول الشارع لا أحد يقوى على التفكير برفعها ودفنها» (ص 10)

وعلى الرغم من هيمنة السارد الرئيس في الرواية فوزي الخير الله، فإن الرواية تنفتح على أصوات سردية أخرى منها أصوات آدم، وشقيقته ووالده زيني، ما يجعل الرواية تكتسب طابعاً (بوليفونياً) متعددة الأصوات، ما يغني الرواية برؤى ومنظورات متعددة ويبعدها عن السقوط في المنظور الأحادي المونولوجي بتعبير ميخائيل باختين للسرد الروائي.

أما بصدد إشكالية التناص مع جوهر فكرة «منطق الطير» فهي تعود في الأصل إلى القرآن الكريم، وقصة النبي سليمان الذي كان يمتلك القدرة على فهم لغة الطيور، لكن فريد الدين العطار أعاد صياغتها في منظومة شعرية تعتمد على بنية سردية تصاعدية وخطية واضحة من خلال محاولة مجموعة من الطيور الوصول إلى طائر السيمرغ «كناية عن المطلق» حيث تمر الطيور خلال رحلتها بسبعة أودية، هي مقابل للمقامات الصوتية، وهي وادي الطلب ووادي الاستغناء ووادي التوحيد، ووادي الحيرة ووادي الغناء.

مدينة البصرة بوصفها مكاناً مولداً للأحداث تحولت إلى بنية إطارية تتحرك من خلالها وعلى شاشتها الأحداث الروائية.

وعندما تصل الطيور إلى مقر السيمرغ يحول الحاجب في البداية بينها وبين الدخول، لكنها عندما تصر على الدخول تفاجأ بأن لا وجود للسيمرغ، إذْ لم تجد سوى امرأة كبيرة كانت ترى فيها صورها ليس غير، فأدركت دالة ذلك و«معناه» والمتمثلة في حقيقة أن المطلق موجود في دواخلنا، وليس في أي مكان آخر، وأننا يجب ألا نبحث عنه خارج نفوسنا، هذه هي الفكرة الجوهرية للبحث الصوفي عن الحقيقة، التي ترتبط أيضاً بفكرتي الحلول والاتحاد عند الصوفيين. وهذه الثيمة المركزية هي ما يكشف عنها كتاب «منطق الطير» لفريد الدين العطار، وهي ذاتها التي تتجلى سردياً وشعرياً في رواية «غريزة الطير» لعبد الزهرة زكي في تناص خفي يجعل من «منطق الطير» النص الموازي أو الغائب لرواية «غريزة الطير» وتتجسد هذه الثيمة في سيرة حياة بطل الرواية آدم زيني. ويمكن للقارئ الصبور أن يكتشف المراتب أو الأودية السبعة للتأمل الصوفي في مراحل مختلفة من حياة آدم زيني، التي تنتهي بلون من الفناء في الذات الإلهية، أو الذات الإنسانية من خلال الاستدلال الغريزي على مكانه الأصلي بفعل ما يسميه فريد الدين العطار بمنطق الطير وما يسميه عبد الزهرة زكي بغريزة الطير.

لقد تحقق فناء مزدوج في رحلة آدم زيني، فناء التراث، وفناء الجسد بفعل التفجير الإرهابي الذي تعرض له.

رواية عبد الزهرة زكي «غريزة الطير» تنطوي على حوار فلسفي ووجودي عميق في معنى الحياة والموت والحقيقة، ليس من خلال تأمل فلسفي تجريدي أو سفسطائي وإنما من خلال استكناه المعنى الوجودي والفلسفي لحياة الإنسان، بشكل خاص وحياة بطل الرواية (آدم زيني)، وبهذا فالرواية قد نجحت في أن تحقق المعادلة الصعبة بين ما هو روحي وما هو جسدي أو بالتعبير الفلسفي بين اللاهوت والناسوت.

 

* ناقد عراقي


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية
TT

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ حول منظومتها، لتقوم بطرح أسئلة تُفند بها ذلك الخطاب بداية من سؤالها: «هل تحتاج الأمومة إلى كتاب؟»، الذي تُبادر به القارئ عبر مقدمة تسعى فيها لتجريد كلمة «أمومة» من حمولاتها «المِثالية» المرتبطة بالغريزة والدور الاجتماعي والثقافي المُلتصق بهذا المفهوم، ورصد تفاعل الأدبين العربي والعالمي بتجلياتهما الواسعة مع الأمومة كفِعل وممارسة، وسؤال قبل كل شيء.

صدر الكتاب أخيراً عن دار «تنمية» للنشر بالقاهرة، وفيه تُفرد أبو النجا أمام القارئ خريطة رحلتها البحثية لتحري مفهوم الأمومة العابرة للحدود، كما تشاركه اعترافها بأنها كانت في حاجة إلى «جرأة» لإخراج هذا الكتاب للنور، الذي قادها «لاقتحام جبل من المقدسات، وليس أقدس من الأمومة في مجتمعاتنا ولو شكلاً فقط»، كما تقول، وتستقر أبو النجا على منهجية قراءة نصوص «مُتجاورة» تتقاطع مع الأمومة، لكاتبات ينتمين إلى أزمنة وجغرافيات مُتراوحة، ومُتباعدة حتى في شكل الكتابة وسياقها الداخلي، لاستقراء مفهوم الأمومة وخطابها كممارسة عابرة للحدود، ومحاولة فهم تأثير حزمة السياسات باختلافها كالاستعمارية، والقبلية، والعولمة، والنيوليبرالية، وغيرها.

فِعل التئام

يفتح اختيار شيرين أبو النجا للنصوص الأدبية التي تستعين بها في كتابها، في سياق القراءة المُتجاورة، مسرحاً موازياً يتسع للتحاوُر بين شخصيات النصوص التي اختارتها وتنتمي لأرضيات تاريخية ونفسية مُتشعبة، كما ترصد ردود أفعال بطلاتها وكاتباتها حِيال خبرات الأمومة المُتشابهة رغم تباعد الحدود بينها، لتخرج في كتابها بنص بحثي إبداعي موازِ يُعمّق خبرة النصوص التي حاورت فيها سؤال الأمومة.

يضع الكتاب عبر 242 صفحة، النصوص المُختارة في مواجهة المتن الثقافي الراسخ والنمطي لمنظومة الأمومة، تقول الكاتبة: «الأمومة مُتعددة، لكنها أحادية كمؤسسة تفرضها السلطة بمساعدة خطاب مجتمعي»، وتتوقف أبو النجا عند كتاب «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها»، صدر عام 2017 للشاعرة والكاتبة المصرية إيمان مرسال بوصفه «الحجر الذي حرّك الأفكار الساكنة المستكينة لفكرة ثابتة عن الأمومة»، على حد تعبير أبو النجا.

تتحاور الكاتبة مع منطق «الأشباح» وتتأمل كيف تتحوّل الأمومة إلى شبح يُهدد الذات سواء على المستوى النفسي أو مستوى الكتابة، تقول: «في حياة أي امرأة هناك كثير من الأشباح، قد لا تتعرف عليها، وقد تُقرر أن تتجاهلها، وقد تتعايش معها. لكن الكتابة لا تملك رفاهية غض الطرف عن هذه الأشباح»، ومن رحِم تلك الرؤية كانت الكتابة فعل مواجهة مع تلك «الشبحية»، ومحاولة تفسير الصراع الكامن بين الذات والآخر، باعتبار الكتابة فعلاً يحتاج إلى ذات حاضرة، فيما الأمومة تسلب تلك الذات فتصير أقرب لذات منشطرة تبحث عن «التئام» ما، ويُجاور الكتاب بين كتاب إيمان مرسال، وبين كتاب التركية إليف شافاق «حليب أسود: الكتابة والأمومة والحريم»، إذ ترصد أبو النجا كيف قامت الكاتبتان بتنحّية كل من الشِعر والسرد الروائي جانباً، في محاولة للتعبير عن ضغط سؤال الأمومة وفهم جوهرها بعيداً عن السياق الراسخ لها في المتن الثقافي العام كدور وغريزة.

تقاطعات الورطة

ترصد أبو النجا موقع النصوص التي اختارتها ثقافياً، بما يعكسه من خصائص تاريخية وسياسية ومُجتمعية، المؤثرة بالضرورة على وضع الأمومة في هذا الإطار، فطرحت مقاربةً بين نص المُستعمِر والمُستعمَر، مثلما طرحت بمجاورة نصين لسيمون دو بوفوار المنتمية لفرنسا الاستعمارية، وآخر لفاطمة الرنتيسي المنتمية للمغرب المُستعمرة، اللتين تشير الكاتبة إلى أن كلتيهما ما كان من الممكن أن تحتلا الموقع الذي نعرفه اليوم عنهما دون أن تعبرا الحدود المفروضة عليهما فكرياً ونفسياً ومجتمعياً.

كما تضع كتاب «عن المرأة المولودة» للأمريكية إدريان ريتش، صدر عام 1976، في إطار السياق الاجتماعي والقانوني والسياسي الذي حرّض آنذاك على انتقاد الرؤى الثابتة حول تقسيم الأدوار بين الجنسين وبين ما يجب أن تكون عليه الأم النموذجية، ما أنعش حركة تحرير النساء التي خرجت من عباءة الأحزاب اليسارية والحركات الطلابية آنذاك، وتشير إلى أن هذا الكتاب أطلق على الأمومة اسم «مؤسسة» بما يجابه أطراف المؤسسة الذكورية التي ترسم بدقة أدوار النساء في العائلة وصورهن، وصاغت ريتش هذا الكتاب بشكل جعله يصلح للقراءة والتأمل في بيئات مُغايرة زمنياً وجغرافياً، ويخلق الكتاب تقاطعات بين رؤية ريتش مع تجربة شعرية لافتة بعنوان «وبيننا حديقة» للشاعرتين المصريتين سارة عابدين ومروة أبو ضيف، الذي حسب تعبير شيرين أبو النجا، يمثل «حجراً ضخماً تم إلقاؤه في مياه راكدة تعمل على تعتيم أي مشاعر مختلفة عن السائد في بحر المُقدسات»، والذات التي تجد نفسها في ورطة الأمومة، والتضاؤل في مواجهة فعل الأمومة ودورها. تجمع شيرين أبو النجا بين النص الأميركي والديوان المصري اللذين يفصل بينهما نحو 40 عاماً، لتخرج بنص موازِ يُعادل مشاعر الأم (الكاتبة) وانسحاقها أمام صراع بين القدرة والعجز، والهوية وانسحاقها، لتقول إنه مهما تعددت الأسئلة واشتد الصراع واختلفت تجلياته الخطابية انسحبت الكاتبات الثلاث إلى حقيقة «تآكل الذات»، وابتلاع الأمومة للمساحة النفسية، أو بتعبير الشاعرة سارة عابدين في الديوان بقولها: «حروف اسمي تتساقط كل يوم/ لأزحف أنا إلى هامش يتضاءل/ جوار متن الأمومة الشرس».

في الكتاب تبرز نماذج «الأم» المُتعددة ضمن ثيمات متفرقة، فتضعنا الناقدة أمام نموذج «الأم الأبوية» التي تظهر في شكلها الصادم في أعمال المصرية نوال السعداوي والكاريبية جامايكا كينكد التي تطرح الكاتبة قراءة تجاورية لعمليهما، وتتوقف عند «الأم الهاربة» بقراءة تربط بين رواية «استغماية» للمصرية كاميليا حسين، وسيرة غيرية عن الناقدة الأمريكية سوزان سونتاغ، وهناك «الأم المُقاومة» في فصل كرسته لقراءة تفاعل النص الأدبي الفلسطيني مع صورة الأم، طارحة تساؤلات حول مدى التعامل معها كرمز للأرض والمقاومة، فيما تُشارك شيرين أبو النجا مع القارئ تزامن انتهائها من هذا الكتاب مع «طوفان الأقصى» وضرب إسرائيل لغزة، في لحظة مفصلية تفرض سؤالها التاريخي: ماذا عن الأم الفلسطينية؟ أمهات الحروب؟ الأمهات المنسيات؟