عبد العزيز علوي يستعيد وقائع مقتل ابنته

الفنانة الفوتوغرافية المغربية ليلى علوي قتلت في عملية إرهابية عام 2016

عبد العزيز علوي يستعيد وقائع مقتل ابنته
TT

عبد العزيز علوي يستعيد وقائع مقتل ابنته

عبد العزيز علوي يستعيد وقائع مقتل ابنته

 

يدفع كتاب «إلى واغا: يوميات حداد لا يطاق» (منشورات الفنك، الدار البيضاء، 2023) قارئه، إلى التخلي عن عادة تقسيط الصفحات، إذ تنغمر في عوالمه الدرامية، منذ الوهلة الأولى، فلا تضع الكتاب إلا بعد الانتهاء من صفحاته الأخيرة، هو استعادة سردية لوقائع مقتل الفنانة الفوتوغرافية ليلى علوي بواغادوغو غداة عملية إرهابية غادرة (سنة 2016)، كتبها أبوها عبد العزيز بلحسن علوي بالفرنسية، (ونقلها إلى العربية حسان بورقية ومحمد الناجي)، لتخليد عملها وشغفها الفوتوغرافي وتكريم نضالها إلى جانب قضايا شعوب مستضعفة.

يمكن إدراج «إلى واغا» ضمن سير الوقائع الشخصية، المتخذة صبغة كوارث وخطوب مزلزلة، من تلك التي تكون وحدها سبباً في الكتابة، للتخفف من وقعها، ولتقديم شهادة عما جرى. يمكن استحضار انفجار المرفأ في بيروت، الذي دفع بعدد كبير من المكلومين، كتاباً وفنانين وأناساً عاديين، إلى إصدار عشرات الصيغ السردية، قصائد ومعارض فوتوغرافية وشهادات سيرية ومذكرات، عبر منابر شتى، القصد في مثل هذه الحالات يتمثل في السعي إلى استيعاب الفاجعة، فيما وراء تسلسل الوقائع الحسية، والتصالح مع الفقد، والتطهر من الأحاسيس القاتمة بأوهادها المهلكة، ثم إحياء ذكرى الأموات والمفقودين، والفضاء المنهار، والمحيط المنسحب من الحياة، بمنحه استمرارية السرد وإسكانه المفردات. في النهاية تمضي الذاكرة إلى خلودها عبر الصور المثبتة على شاشة المرئي والمكتوب.

 

تواريخ مفصلية

تتألف مروية «إلى واغا» من ثلاثة أجزاء ومقدمة وخاتمة، في الصفحات الأولى، وقبل التقديم، يتم تسطير جملة تواريخ مفصلية في حياة الفنانة الفوتوغرافية ليلى علوي، بدءاً بتاريخ ولادتها في باريس، وانتهاء بكتابة هذه الشهادة السردية من قبل أبيها في فاس، مروراً بدراستها في نيويورك، واستقرارها بمراكش رفقة العائلة، ثم سفرها إلى بوركينافاسو وحدوث الهجوم الإرهابي في واغادوغو. وما أعقب واقعة اغتيالها من سعي إلى إنقاذها، ثم نقل جثمانها، فتشييع جنازتها وإحياء أربعينيتها... وكأنما الكاتب يرسم خطاطة الوقائع المركزية التي سيستند إليها في الاستذكار، والاستعادة التأملية والتحليلية، قبل أن يشرع في تقديم النص بما هو محاولة للتصالح مع الفقد ودرأ النسيان، واصطناع حياة جديدة للاسم والحصيلة وأحاسيس الألم والذهول ونبذ النسيان، الساكنة في الداخل العميق، نقرأ في فقرة من أسطر المقدمة ما يلي: «سرعان ما اكتشفت أن الكتابة تقربني من ابنتي، وإن كنا الآن في عالمين مختلفين، متباعدين ومتناقضين. الكتابة هي، إلى حد ما، سلواني الوحيد والحقيقي» (ص 10).

يراهن النص السردي منذ البداية على تحول «يوميات الحداد» إلى منطلق لرسم ملامح وجود خاطف لليلى، لكنه مليء بالانشغال الفكري والجمالي والنضالي، وبالرحلات عبر ربوع العالم وإلى تخومه المتفجرة والخطرة، وبالإنجاز الفني الفوتوغرافي، الذي تبرعم بصلابة ونضج في مراحل قصيرة، ليبلغ أوجه في تقاطع كاتالوغات موضوعاتية، ومعارض وإقامات فنية عابرة للغات والهويات والثقافات، عبور يعكس وجود ليلى ذاتها كما تصورها سردية أبيها، فتاة بانتماءات شتى، للمغرب بلد الأصول والإقامة المختارة بوعي، وفرنسا بلد الأم والعمل والاستقرار خارج بيت العائلة، ونيويورك بلد المولد والدراسة، الصورة الخلاسية المغرية دوماً بإلغازها وانفتاحها وتعدد إحالاتها، التي باتت اليوم جزءاً من هوية الفن المعاصر الخارج من حدود الأشكال والجغرافيات والألسنة والأعراق.

وفي لحظة استرسال السيرة عبر إيقاع المراوحة بين الحضور الحيوي لليلى بين أهلها في مراكش، ورفقة أخيها سليمان في باريس، وصحبة صديقها نبيل في بيروت، تلتمع تدريجياً في المخيلة تقاسيم الأثر المستعصي على الموت، للروح الشفيفة والمقدامة لصاحبة الكاميرا الفوتوغرافية، وطفولتها المؤبدة، وارتباطها بمحيط أهلها وأصدقائها، تنوع عبر مواقف ومشاهد لا تنمحي بهيمنة الهيكل الحدثي لواقعة الاغتيال والتشييع والحداد؛ يحس القارئ وكأنما اللغة المقتصدة في نثرها، تراهن على أن تبقي الحديث بصيغة الحضور، وجعل التمثيل تحت سطوة الوجود «هنا» و«الآن»، قبل العودة المرزئة لحقيقة الغياب، لهذا كان السرد بليغاً في تلقائيته، وزهده في البلاغة، وعمقه المعرفي، بالأحوال والسجايا الإنسانية، وقدرته على التغلغل في مضمرات الظاهر القاتم لأقساط الكرب الجلل، دونما استعراض فجائعي وإنما بتصوير حار وعقلاني لأطوار الانتقال من قبول الثكل إلى درء التصاريف الحياتية المرافقة له.

وتستبطن السيرة، في مأربها التخييلي ذاك، مدونة من النصوص: شهادات الآخرين، رسائل، وتدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، ومقتطفات صحافية، لكتاب وفنانين وصحافيين وأقارب وأصدقاء، من: «باربارا باولا» إلى «ماحي بينبين»، إلى «دان بيليفسكي»، إلى «ياسمينة علوي» وآخرين، لإنشاء حوارية مضمرة بين سجلات كلام متنائية ومتقاطعة، تعوض مشهد تخاطب افتراضي بين ليلى المغادرة ومحيطها الحي. وتفلح السردية في استدراج مختلف أشكال البوح والاعتراف إلى الإيقاع الحدادي، في صيغة تركيب مقطعي لا يربك إيقاع الاسترسال السردي، ولا يعوض خطاب السارد، وإنما يرفده بمساحة للتصادي التأملي بين الأصوات المتعددة، عن لحظات الأمل والألم والصدمة والخسارة الكبرى، وتأثيل القيمة الفنية للمنجز، وتثبيت الصورة النَّضِرَة لصاحبة العمر الشبيه بالنيزك، الذي ما إن أدرك أوج توهجه في الفضاء حتى انطفأ، مخلفاً، بتعبير السارد: «صورة لن تمحى. ستظل شابة إلى الأبد، ولن تشيخ أبداً. عاشت قصة حياتها مدة قصيرة وسريعة، وسرعان ما تم وضع حد لتلك القصة، لقد انتزعت واختطفت بقوة، وبشكل ظالم» (ص 107)،

انتماءات متعددة

تقترن دوماً الاستعادة التأملية للمشهد الحياتي الخاطف، بتقليب بلورة الحقيقة داخله، حقيقة الموت، هل هو الرفات واللحد؟ الإرث الحسي؟ ألبومات الصور والمتعلقات والنصوص والشهادات ومقالات النقاد؟ الوسام الملكي ووسام الجمهورية الفرنسية؟ ذاكرة الحاسوب، والهاتف الجوَّال؟ أم الطيف العالق بالذاكرة، الآخر الذي لا ينطفئ، ويستعصي على النسيان. ربما تجميع كل احتمالات الحقيقة تلك هو ما يجعل تفاصيل استقدام الجثمان وانتظار المعزين، والمراسم الدينية، وطقوس الوداع والمساطر الإدارية للدفن والإرث، جزءاً من رحلة الذهاب إلى حقيقة مغايرة، قصاراها السعي إلى درء البتر والمحو الذي استقصده الجناة، وجعل الذات متعالية عن وجودها المؤقت في الزمن والفضاء، ورهنها بالأثر النافذ في الوجدان والخيال.

ويبدو تقاطع الفقد بوضع انتماء متعدد في السيرة، لحظة للمواجهة مع القوانين المتصلة بالجنس والبلد والعقيدة، فالأب مغربي مسلم، والأم فرنسية لم يكن ثمة ما يثبت اعتناقها للإسلام، والجدة تعتنق الإسلام لتضمن دفنها بجوار حفيدتها، تفاصيل شتى تحدو بالسارد إلى نقاش الجدوى من القوانين، ومدى تعريفها لهوية صاحبها. لينخرط في الفصلين الأخيرين، على ما يشبه تحليل اجتماعي لمفهوم «التربية» و«السلوك الديني». وتدريجياً تشرع السيرة في تشريح الهوية المغربية في تقاطعاتها العربية الإسلامية والأفريقية، وصلتها بالتاريخ وسياق الإدراك الثقافي للانتماء، الذي بدأت دوائره في الانغلاق بدءاً من العقد الأخير من القرن الماضي، لصالح بعد هوياتي مفرد، أضيفت له تدقيقات لم تكن مدركة في السابق من قبل المغاربة، (يهودي/ مسلم، ثم سني/ شيعي)، وما اتصل بهذا التدقيق الاعتقادي من تجليات تمثلت في تنامي التدين المظهري، من الحجاب إلى الفصل بين الجنسين، مهدت الطريق لتشكيل ما يمكن وسمه بالحاضنة الاجتماعية للتطرف الذي ذهبت ليلى علوي ضحية له في واغادوغو. قبل أن يعرج على انعكاس هذا البعد الهوياتي المغلق على ذهنية الآخرين في الغرب، الذي بدأ الخوف من الإرهاب يوجه فيه تعريف الأوربي والفرنسي لنفسه، ف: «بعدما كان الشرط الرئيسي لكي تكون فرنسياً، في العقد الأول من الألفية الثالثة، هو أن تكون من سلالة فرنسية، أصبح الآن هو أن تكون مسيحياً» (ص 188).

لقد كتبت سيرة «إلى واغا: يوميات حداد لا يطاق» لعبد العزيز علوي بتلقائية وصدق ونضج تعبيري، وقدرة على النفاذ إلى جوهر المواقف والعواطف والأفكار، هو شهادة على دمار عاطفي وحيرة إزاء ما يرافق الموت من تفاصيل مرزئة، وهو سيرة للفنانة أيضاً ولولعها وتوقها الفني، قبل أن يكون رثاء أو التماساً للعزاء، واستبعاداً للمحو والنسيان. نص نثري قاس وعذب ونافذ للدواخل.


مقالات ذات صلة

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

يوميات الشرق من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب، مروراً بماجدة الرومي وكاظم الساهر، وصولاً إلى عمرو دياب. كيف أسهمَ نجوم الأغنية في إحياء اللغة العربية الفصحى؟

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون هوشنك أوسي

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

في يومها العالمي الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، لا تبدو اللغة العربية في أفضل حالاتها، سواء من حيث الانتشار والتأثير أو الاهتمام داخل المؤسسات التعليمية.

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

كشفت حملات التنقيب المتواصلة في تلال مدافن البحرين الأثرية عن مجموعات متعددة من اللُّقَى، منها مجموعة كبيرة من الحليّ والمجوهرات دخلت متحف البحرين الوطني

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون ريجين أولسين

«كيركيغارد»... والحب المستحيل

كان أحدهم قد أطلق العبارة التالية: كيركيغارد فيلسوف كبير على بلد صغير الحجم. بمعنى أنه أكبر من البلد الذي أنجبه. وبالفعل، فإن شهرته أكبر من الدنمارك

هاشم صالح
ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية
TT

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

كشفت حملات التنقيب المتواصلة في تلال مدافن البحرين الأثرية عن مجموعات متعددة من اللُّقَى، منها مجموعة كبيرة من الحليّ والمجوهرات دخلت متحف البحرين الوطني في المنامة. تحوي هذه المجموعة البديعة عدداً من العقود المصنوعة من الأحجار المتعدّدة الأنواع، كما تحوي بضع قطع ذهبية تتميّز بأسلوبها الفني الرفيع، أبرزها زوج من أقراط الأذن المرصّعة بالأحجار الكريمة.

تعود هذه المجموعة المتنوعة من الحليّ إلى الحقبة التي عُرفت فيها البحرين باسم تايلوس، وهو الاسم الذي أطلقه المستكشفون الإغريقيون على هذه الجزيرة في القرن الثالث قبل الميلاد. امتدت هذه الحقبة على مدى ستة قرون، بلغت خلالها البحرين درجة عالية من الصقل الثقافي، كما تشهد اللُّقَى الكثيرة التي خرجت من تلال مقابرها الأثرية. ضمّت هذه اللُّقَى مجموعة هائلة من الأواني الفخارية والزجاجية الجميلة، كما ضمّت مجموعة من الحليّ المتنوعة الأشكال والأنواع. لا تحمل هذه الحليّ في الظاهر أي طابع جنائزي، غير أن موقعها يشير بشكل لا لبس فيه إلى أنهّا شكّلت جزءاً من أساس هذه القبور. رافقت هذه الحليّ أصحابها إلى مثواهم الأخير لكي يتزينوا بها في العالم الآخر، ولم تقتصر هذه الزينة على النساء من علية القوم، بل شملت كذلك الرجال والأطفال، كما تُجمع الدراسات العلمية الخاصة بهذه المقابر المثيرة.

حضرت الأدوات المنزلية بقوة في هذا الأثاث الجنائزي، كما حضر بعض القطع النقدية، ممّا يوحي بأن العقائد السائدة في هذا المجتمع كانت تُقرّ بأنّ الحياة تستمر وتتواصل في العالم الآخر. كان دفن الميت يتمّ بعد إلباسه أفضل وأثمن رداء، كما يُستدل من الأكفان التي تمثّلت في عدد هائل من الملابس والإبر والدبابيس، وكان الميت يُزيّن بالحليّ التي تعدّدت أنواعها، مما يوحي بأن هذه الحليّ شكّلت جزءاً من هذا الرداء، وتمثّلت في العقود والأساور والخواتم والأقراط التي جمعت بين الأشكال والخامات المعروفة كافة. حوى هذا الأساس كذلك مجموعة من المراهم وأدوات التجميل، وذلك كي يستمر ساكن القبر في الاعتناء بمحياه بعد أن يتمّ تزيينه قبل الدفن، وحوت هذه الأدوات الخاصة بالزينة مجموعة من أنابيب الكحل والأمشاط النسائية. تضمّ هذه المجموعة الكبيرة من الحليّ في الدرجة الأولى عدداً كبيراً من العقود المكونة من أحجار متعددة، منها ما تُعرف بالكريمة، ومنها ما تُعرف بشبه الكريمة. من الأحجار الكريمة، يحضر الجَمَشْت الذي يُعرف بالعربية بالحجر المعشوق، ويمتاز بلونه البنفسجي السماوي، والبِجَادِيّ الشبيه بالرمّان، والعقيق بأنواعه متعددة الألوان، والجَزْع الشهير بالأونيكس. ومصدر هذه الأحجار بلاد ما بين النهرين، ووادي النيل، ونواحي باختر التي تُعرف اليوم بالبلخ. في المقابل، تحضر اللآلئ من تايلوس، وهي الجزيرة الغنية بهذه الأحجار، كما أشار بلينيوس الأكبر في الكتاب السادس من موسوعته «التاريخ الطبيعي». من الأحجار شبه الكريمة، تحضر الأحجار الزجاجية والصابونية والخزفية، إلى جانب الأصفاد المتنوعة، بشكل مستقل في بعض القطع، وتحضر إلى جانب الأحجار الكريمة في البعض الآخر.

تشكّل هذه الأحجار المختلفة مادة لحليّ متنوعة، منها ما هو مستورد، ومنها ما هو محليّ، ومنها ما يصعب تصنيفه. يغلب الطابع التجريدي على الجزء الأكبر من هذه الحليّ، ويحضر الطابع التصويري في عدد محدود منها، كما في مجموعة من الحِرْز المصوغة على شكل عناقيد العنب. خرج عدد من هذه الحِرْز من مقبرة «كرانة»، وخرج البعض الآخر من مقبرة «سار»، وتتبنّى طرازاً معروفاً يرمز كما يبدو إلى الخصوبة، وهذا الطراز معروف في الشرق الأدنى، وقد بلغ كما يبدو شمال شرقي شبه الجزيرة العربية، كما تشهد مجموعة مشابهة من الحِرْز عُثر عليها في موقع الدُّور التابع لإمارة أم القيوين.

مجموعة متنوعة من الحليّ تعود إلى حقبة تايلوس

إلى جانب هذه القطع المتنوعة، يحضر الذهب في مجموعة من القطع، خرج القسم الأكبر منها من مقبرة «الشاخورة» في المحافظة الشمالية. أشهر هذه القطع زوج من أقراط الأذن المرصّعة بالأحجار الكريمة، يتميّز بطابعه التصويري المجسّم. يتكوّن كل قطر من ثلاثة عناصر مترابطة كسلسلة، ويبلغ طول هذه السلسلة 8 سنتمترات. يأخذ العنصر الأول شكل طفل مجنّح يمتطي جدياً، وهذه الصورة معروفة في العالم الهلنستي المتعدد الأقطاب، وتمثّل إيروس، سيّد الرغبة المتّقدة في الميراث الإغريقي، ممتطياً جدياً يثب في الفضاء. تحلّ هذه الصورة في طرف حلقة قرط الأذن، وتبدو أشبه بمنحوتة ذهبية منمنمة صيغت بمهنية عالية، وفقاً لناموس الجمالية اليونانية الكلاسيكية التي تحاكي الواقع الحسي بشكل مطلق. من هذه الحلقة، يتدلّى العنصر الثاني، وهو على شكل دائرة ذهبية مرصّعة بحجر نفيس مجرّد. ومن هذه الدائرة، يتدلّى العنصر الثالث، وهو على شكل إناء يوناني تقليدي، عنقه وقاعدته من الذهب، وقالبه الأوسط من حجر لازوردي.

يبرز كذلك خاتم يحمل في وسطه حجراً نفيساً نُحت على شكل وجه آدمي في وضعية جانبية، وفقاً لطراز يُعرف باسم «قميو». شاع هذا الطراز في ميدان الفنون الفاخرة الكبرى بشكل واسع على مدى عصور، وتكرّر ظهوره بشكل مشابه على رقائق من الذهب، خرج بعضها من مقبرة «الشاخورة»، والبعض الآخر من مقبرة «أبو صيبع» المجاورة لها. مثل صورة إيروس ممتطياً الجدي، المنقوش على حجر ناعم بطابعها الكلاسيكي الصرف، وتمثّل رجلاً حليق الذقن مكللّاً برباط معقود حول هامته.