ريما سعد: الرواية نشيد أنوثة ومشروع تأمل

تقدم قراءة ممسرحة لـ«امرأتان» من إخراج سولانج تراك

ريما سعد تقرأ من روايتها
ريما سعد تقرأ من روايتها
TT

ريما سعد: الرواية نشيد أنوثة ومشروع تأمل

ريما سعد تقرأ من روايتها
ريما سعد تقرأ من روايتها

سبقت توقيع الرواية الأولى لريما سعد، «امرأتان» (دار نوفل)، قراءة ممسرحة من إخراج سولانج تراك، أدّتها الكاتبة اللبنانية على خشبة «المونو»، مع مقاطع مصوّرة بُثّت على الشاشة، تحاكي مزاج القصّ وأهواء الشخصيتين الرئيسيتين: فيرونيكا وكارا.

قرأت ريما سعد فصولاً من روايتها تتضمن زمنَي السرد ومكانَيْه: الماضي (1566) والحاضر (2020)؛ البندقية وبيروت. تحطّ القراءة الممسرحة على ثيمات تعبُر فوق المحسوس لتكشف عن دواخل بطلتيها: تناقض ووئام. الاتجاهات التي تبدو متباعدة، تلتقي على مسار واحد. فيهما أيضاً أمنيات معلّقة ورغبات تمّ تأجيلها. الرواية عن المرأة، ومن خلالها النوع البشري: الحب والخيانة، والمكتمل والمبتور، والمستتر والمكشوف.

ترفض كاتبتها عدَّها «رواية نسوية»، وتوضح لـ«الشرق الأوسط»: «إنها إعادة إعمار للرجل على ما تبقى من حطام النساء». من خلال تناولها حقبتَي الطاعون في البندقية و«الكوفيد» في بيروت، تتحدّث عن معاناة واحدة: «لم يختلف المضمون عبر هذه الرحلة على متن القرون، بل تكرّرت الحكاية أحياناً، واكتملت أحياناً أخرى؛ لرجل وامرأة على السواء».

تطفو نفحة سوريالية، واقعية وسيكولوجية، تريدها كاتبتها أن تمسّ الرجل كما المرأة. تقول: «الرواية لا تطالب بشيء بقدر ما تعكس واقعاً، وللقارئ الرجل والقارئة المرأة أن يرتئي أحدهما أو كلاهما بالمطالبة بحق امرأة مهدور هنا، كما وحق رجل مهدور هناك».

وتضيف: «ليست رواية هدفها الاستشراس على الرجل. ثمة تحوير للبوصلة بين المطالبة بالإنصاف في الحقوق المجتمعية البديهية بين إنسانين، وبين جمالية فكرة اختلافهما ككائنين. هذا الاختلاف هو ما يكسب اللعبة بين الرجل والمرأة جماليتها. هنا الإبداع في الحب».

بطلة الرواية فيرونيكا، وهي اختزال لقصة حقيقية، انتزعت قدرها بيدها. جسّدت صورة المرأة الخارقة الجمال والذكاء والشاعرة والموسيقية والمثقفة في زمانها. الرجل في قصتها، أرغمه المجتمع الإيطالي آنذاك على عدم الزواج منها إذعاناً لفوارق اجتماعية، فتزوّج ممن لم يخفق لها قلبه. ظلم فيرونيكا ونفسه وزوجته.

أما كارا في الرواية، فقصة مبتدعة. سخطت على الرجل و«لوّعت عشاقها» كردّ فعل على الألم. الرجل هنا أيضاً ضحية ظلم مجتمعه المحافظ. نقرأ: «أحببتُ فيها ما ليس فيكِ وأحببتُ فيكِ ما ليس فيها». وفي حوار آخر: «لا يعظُم العشق إلا في تكتّمه، فالعشق في السر غير العشق في العلن».

تتابع ريما سعد: «كوني امرأة، لا يعني أنني قضية أو مشكلة ينبغي حلّها. روايتي تطمح إلى جعل الحياة طبيعية كالتنفس أو الفرح أو البكاء. لستُ وراء متراس أنتظر مرور الرجل لإردائه بالرصاص. بل على العكس، أحلم برشقه بالورد. الرواية نشيد أنوثة ومشروع تأمل».

عن تكرار إشكاليات الحب والخيانة والإثم والخطايا في الرواية العربية، تقول: «الحب ليس ثيمة كل العصور فحسب؛ هو ماء الحياة. الحب في صوره كافة... في الإنسان، انطوى العالم الأكبر. والعالم الأكبر هو الحب الأكبر. الرواية مزيج بين حب دنيوي في عالم الأبعاد، وعشق إلهي. الرواية لم تتناول مسألة الحب بذاتها، ولا مسألة الخيانة أو الغدر أو الانسلاب بالعشيق، بل استحضرت تاريخاً يمكن إسقاطه على الحاضر وأجرت حواراً بين بُعدين زمنيين من خلال فيرونيكا وكارا، ومقارنات سلوكية في بيئتين متناقضتين وزمنين مختلفين».

وقعت ريما سعد مصادفة على سطور تتحدّث عن شخصية حقيقية هي فيرونيكا فرنكو، من بنات هوى الأجواء المخملية في البندقية بالقرن السادس عشر. أبهرتها، وتقول عنها: «أعجبتُ بقوتها وآلامها وصخب حياتها وعمق وحدتها وانتصاراتها وخيباتها، كلما قرأتُ الماضي أو تأملتُ الحاضر. لكن إحساساً عميقاً كان يجتاحني وأنا أتصفح سيرتها والمُتناقل عن نهايتها. أعجبتُ بخصوصية تجربتها، فلم أستطع صدّ رغبة جامحة في البحث عن وجهها الآخر، الذي يعكسها، يخشاها، يهرب منها، ولكنه ينتهي بأن يُبررها ويُبرئها، فكانت كارا. إن تخلّصت البندقية من الطاعون، فهي لم تتغلب على الظنون ولم تهزم الشكوك والنفاق. فيرونيكا في الواقع حالة مستمرة من القلق والانتصار ثم الانحطاط الذي تليه الهزيمة. لقد مات هنري الثالث تاركاً وراءه الفراغ واللاشيء، وماتت فيرونيكا. لكنها تعود مع كل خلجة جسد مقهور. فيرونيكا هي الماضي والحاضر، وكارا حاضر آتٍ من الوعي».

وبرأيها، «في كل امرأة شيء من فيرونيكا وأشياء من كارا. هما المرأة في كل حالاتها. بكت إحدى النساء اللواتي حضرن القراءة الممسرحة حين قلتُ (إنّ العاقر ليست مَن لا تنجب طفلاً، بل مَن لا تنجب حباً). بالنسبة إلي، كانت مسيرة كل من المرأتين من خيالي، ومع الكتابة رحتُ أجد نفسي فيهما؛ إلى أن أصبحتا صديقتَي».

نسجت القصة، كما تضيف ريما سعد، من التاريخ والواقع والخيال، إلا أنّ تعويذة سحر كانت ضرورية لمنحها ما يكفي من الشجاعة وفتح الباب بقوة وسردها بعاطفة متّقدة تتفلّت من قبضة الخوف. الخوف مما سيقول مَن يقرأ.


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية
TT

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ حول منظومتها، لتقوم بطرح أسئلة تُفند بها ذلك الخطاب بداية من سؤالها: «هل تحتاج الأمومة إلى كتاب؟»، الذي تُبادر به القارئ عبر مقدمة تسعى فيها لتجريد كلمة «أمومة» من حمولاتها «المِثالية» المرتبطة بالغريزة والدور الاجتماعي والثقافي المُلتصق بهذا المفهوم، ورصد تفاعل الأدبين العربي والعالمي بتجلياتهما الواسعة مع الأمومة كفِعل وممارسة، وسؤال قبل كل شيء.

صدر الكتاب أخيراً عن دار «تنمية» للنشر بالقاهرة، وفيه تُفرد أبو النجا أمام القارئ خريطة رحلتها البحثية لتحري مفهوم الأمومة العابرة للحدود، كما تشاركه اعترافها بأنها كانت في حاجة إلى «جرأة» لإخراج هذا الكتاب للنور، الذي قادها «لاقتحام جبل من المقدسات، وليس أقدس من الأمومة في مجتمعاتنا ولو شكلاً فقط»، كما تقول، وتستقر أبو النجا على منهجية قراءة نصوص «مُتجاورة» تتقاطع مع الأمومة، لكاتبات ينتمين إلى أزمنة وجغرافيات مُتراوحة، ومُتباعدة حتى في شكل الكتابة وسياقها الداخلي، لاستقراء مفهوم الأمومة وخطابها كممارسة عابرة للحدود، ومحاولة فهم تأثير حزمة السياسات باختلافها كالاستعمارية، والقبلية، والعولمة، والنيوليبرالية، وغيرها.

فِعل التئام

يفتح اختيار شيرين أبو النجا للنصوص الأدبية التي تستعين بها في كتابها، في سياق القراءة المُتجاورة، مسرحاً موازياً يتسع للتحاوُر بين شخصيات النصوص التي اختارتها وتنتمي لأرضيات تاريخية ونفسية مُتشعبة، كما ترصد ردود أفعال بطلاتها وكاتباتها حِيال خبرات الأمومة المُتشابهة رغم تباعد الحدود بينها، لتخرج في كتابها بنص بحثي إبداعي موازِ يُعمّق خبرة النصوص التي حاورت فيها سؤال الأمومة.

يضع الكتاب عبر 242 صفحة، النصوص المُختارة في مواجهة المتن الثقافي الراسخ والنمطي لمنظومة الأمومة، تقول الكاتبة: «الأمومة مُتعددة، لكنها أحادية كمؤسسة تفرضها السلطة بمساعدة خطاب مجتمعي»، وتتوقف أبو النجا عند كتاب «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها»، صدر عام 2017 للشاعرة والكاتبة المصرية إيمان مرسال بوصفه «الحجر الذي حرّك الأفكار الساكنة المستكينة لفكرة ثابتة عن الأمومة»، على حد تعبير أبو النجا.

تتحاور الكاتبة مع منطق «الأشباح» وتتأمل كيف تتحوّل الأمومة إلى شبح يُهدد الذات سواء على المستوى النفسي أو مستوى الكتابة، تقول: «في حياة أي امرأة هناك كثير من الأشباح، قد لا تتعرف عليها، وقد تُقرر أن تتجاهلها، وقد تتعايش معها. لكن الكتابة لا تملك رفاهية غض الطرف عن هذه الأشباح»، ومن رحِم تلك الرؤية كانت الكتابة فعل مواجهة مع تلك «الشبحية»، ومحاولة تفسير الصراع الكامن بين الذات والآخر، باعتبار الكتابة فعلاً يحتاج إلى ذات حاضرة، فيما الأمومة تسلب تلك الذات فتصير أقرب لذات منشطرة تبحث عن «التئام» ما، ويُجاور الكتاب بين كتاب إيمان مرسال، وبين كتاب التركية إليف شافاق «حليب أسود: الكتابة والأمومة والحريم»، إذ ترصد أبو النجا كيف قامت الكاتبتان بتنحّية كل من الشِعر والسرد الروائي جانباً، في محاولة للتعبير عن ضغط سؤال الأمومة وفهم جوهرها بعيداً عن السياق الراسخ لها في المتن الثقافي العام كدور وغريزة.

تقاطعات الورطة

ترصد أبو النجا موقع النصوص التي اختارتها ثقافياً، بما يعكسه من خصائص تاريخية وسياسية ومُجتمعية، المؤثرة بالضرورة على وضع الأمومة في هذا الإطار، فطرحت مقاربةً بين نص المُستعمِر والمُستعمَر، مثلما طرحت بمجاورة نصين لسيمون دو بوفوار المنتمية لفرنسا الاستعمارية، وآخر لفاطمة الرنتيسي المنتمية للمغرب المُستعمرة، اللتين تشير الكاتبة إلى أن كلتيهما ما كان من الممكن أن تحتلا الموقع الذي نعرفه اليوم عنهما دون أن تعبرا الحدود المفروضة عليهما فكرياً ونفسياً ومجتمعياً.

كما تضع كتاب «عن المرأة المولودة» للأمريكية إدريان ريتش، صدر عام 1976، في إطار السياق الاجتماعي والقانوني والسياسي الذي حرّض آنذاك على انتقاد الرؤى الثابتة حول تقسيم الأدوار بين الجنسين وبين ما يجب أن تكون عليه الأم النموذجية، ما أنعش حركة تحرير النساء التي خرجت من عباءة الأحزاب اليسارية والحركات الطلابية آنذاك، وتشير إلى أن هذا الكتاب أطلق على الأمومة اسم «مؤسسة» بما يجابه أطراف المؤسسة الذكورية التي ترسم بدقة أدوار النساء في العائلة وصورهن، وصاغت ريتش هذا الكتاب بشكل جعله يصلح للقراءة والتأمل في بيئات مُغايرة زمنياً وجغرافياً، ويخلق الكتاب تقاطعات بين رؤية ريتش مع تجربة شعرية لافتة بعنوان «وبيننا حديقة» للشاعرتين المصريتين سارة عابدين ومروة أبو ضيف، الذي حسب تعبير شيرين أبو النجا، يمثل «حجراً ضخماً تم إلقاؤه في مياه راكدة تعمل على تعتيم أي مشاعر مختلفة عن السائد في بحر المُقدسات»، والذات التي تجد نفسها في ورطة الأمومة، والتضاؤل في مواجهة فعل الأمومة ودورها. تجمع شيرين أبو النجا بين النص الأميركي والديوان المصري اللذين يفصل بينهما نحو 40 عاماً، لتخرج بنص موازِ يُعادل مشاعر الأم (الكاتبة) وانسحاقها أمام صراع بين القدرة والعجز، والهوية وانسحاقها، لتقول إنه مهما تعددت الأسئلة واشتد الصراع واختلفت تجلياته الخطابية انسحبت الكاتبات الثلاث إلى حقيقة «تآكل الذات»، وابتلاع الأمومة للمساحة النفسية، أو بتعبير الشاعرة سارة عابدين في الديوان بقولها: «حروف اسمي تتساقط كل يوم/ لأزحف أنا إلى هامش يتضاءل/ جوار متن الأمومة الشرس».

في الكتاب تبرز نماذج «الأم» المُتعددة ضمن ثيمات متفرقة، فتضعنا الناقدة أمام نموذج «الأم الأبوية» التي تظهر في شكلها الصادم في أعمال المصرية نوال السعداوي والكاريبية جامايكا كينكد التي تطرح الكاتبة قراءة تجاورية لعمليهما، وتتوقف عند «الأم الهاربة» بقراءة تربط بين رواية «استغماية» للمصرية كاميليا حسين، وسيرة غيرية عن الناقدة الأمريكية سوزان سونتاغ، وهناك «الأم المُقاومة» في فصل كرسته لقراءة تفاعل النص الأدبي الفلسطيني مع صورة الأم، طارحة تساؤلات حول مدى التعامل معها كرمز للأرض والمقاومة، فيما تُشارك شيرين أبو النجا مع القارئ تزامن انتهائها من هذا الكتاب مع «طوفان الأقصى» وضرب إسرائيل لغزة، في لحظة مفصلية تفرض سؤالها التاريخي: ماذا عن الأم الفلسطينية؟ أمهات الحروب؟ الأمهات المنسيات؟