الروائية الكندية - الفيتنامية الأصل كيم ثوي: فكرة «الحقيقة» ليست عالمية

تتناول كتبها مشكلات الهجرة والهوية والذاكرة واللغة وتاريخ فيتنام

كيم ثوي
كيم ثوي
TT

الروائية الكندية - الفيتنامية الأصل كيم ثوي: فكرة «الحقيقة» ليست عالمية

كيم ثوي
كيم ثوي

تدور فلسفة العقل في نسختها الأحدث حول «الاستعارة» في الأدب و«شذرات» الحكماء المأثورة، التي تثير الدهشة وتداعب الخيال وتحرر الوعي من أسر اللغة وحدودها؛ ذلك أن الاستعارة ظاهرة عقلية قبل أن تكون ظاهرة لغوية، تباغت المتلقي وتجعله يفكر بطريقة مختلفة غير معتادة؛ لذا اقترنت مهمة الكشف عن آلية عملها برؤية العقل الإنساني من الداخل.

الجديد هو تركيز الاهتمام على الأدباء المهاجرين واللاجئين المعاصرين، أصحاب «الهوية المفتوحة» أو قل أصحاب اللغات المتعددة والهويات الهجينة، ومن أبرزهم الأديبة الكندية الفيتنامية «كيم ثوي - Kim Thúy».

منذ روايتها الأول «رو – Ru» وتعني «نهر صغير» - عام 2009، أصبحت ثوي (ولدت في سايغون عام 1968) مستهدفة بالجوائز العالمية، والترجمات المتعددة من الفرنسية التي تكتب بها، إلى أكثر من 30 لغة، فضلاً عن الدراسات النقدية البينية، وصولاً إلى أحدث كتاب سيصدر عنها - وتشارك فيه - في يونيو (حزيران) 2023.

لا تكتب ثوي عن الأشخاص، وإنما تكتب «بهم» في معظم أعمالها، بأسلوب الشذرة المكثفة والقصائد النثرية، عن مشاكل الهجرة: الهوية والذاكرة واللغة والجنس والعائلة والأمومة والمعاناة والتجديد، وتاريخ فيتنام الوطني مقابل سيرتها الذاتية، وهي قصة عائلة فيتنامية من الطبقة العليا هربت من فيتنام بالقوارب بعد سقوط سايغون عام 1975 وحكم الشيوعيين، لتجد ملاذاً في كيبيك - كندا، وهي في العاشرة من عمرها.

ظهرت براعة ثوي بوضوح في اقتناصها روح المهاجر الفيتنامي، خاصة المرأة ودورها الصامت خلال الحرب، تكتب في رواية «رو»: «خلف أجسادهن الشابة الحالمة، كن يحملن كل الثقل غير المرئي لتاريخ فيتنام، كالعجائز ذوات الظهور المنحنية».

عقل ثوي من الداخل

في حوار حديث مع ثوي، حول مزجها المستمر الحقيقة بالخيال، وعدم التزامها التسلسل الزمني للأحداث والأبطال، تقول إن ما يهمها هو «الحقيقة الشعرية» لا الحقيقة التاريخية؛ ذلك أن انفعالات أبطالها ومشاعرهم الداخلية، كانت حقيقية جداً لدرجة لا تصدق أكثر من الخيال.

ما يستوقفنا في رؤيتها للاختلاف الثقافي بين الشرق والغرب: أن فكرة «الحقيقة» ليست عالمية، وهي تضرب مثالاً بالسمكة الذهبية. حيث يبدو الاسم واضحاً في اللغة الإنجليزية: قشورها ذهبية اللون. ومع ذلك، فإن المصطلح الفرنسي، بواسون روج، يترجم إلى «سمكة حمراء»؛ ما يشير إلى تعريف مختلف للألوان أو المفردات المتاحة. وفي الوقت نفسه، فإن مصطلحاً نادراً ما يستخدم الآن في الفيتنامية «كا تاو»، يشير إليها باسم «الأسماك الصينية»، التي تتجاهل اللون تماماً.

فإذا لم يتمكن العالم من الاتفاق على «سمكة» - كما تقول - فكيف يمكن التوصل إلى إجماع حول حقيقة الأمور الأكثر تعقيداً المتعلقة بالحرب والتاريخ المشترك؟!

لذا؛ تحتل اللغة أهمية فريدة عند «ثوي»، سواء في توليد المعاني أو نحت مفردات جديدة، كما في رواية «مان» – Mãn عام 2014 التي تدمج اللغتين الفرنسية والفيتنامية أحياناً، حتى اسم الراوي (ة)، ويعني: «الإنجاز التام»، أو «قد لا يتبقى شيء للرغبة فيه».

ثوي تبهرنا بموهبتها كطاهية - في تلك الرواية كما في الواقع، حيث امتلكت مطعماً آسيوياً بالفعل - تبتكر أطباقاً لها دلالات تتجاوز عملها كمصدر للرزق، إلى استدعاء الذاكرة والعاطفة، والزمان والمكان، و«البكاء» كلما تذوق زبائنها طعم الوطن!... فالطعام «والمرأة» صنوان في معظم إبداعاتها، كما في الثقافة الفيتنامية.

«العش» كاجتياز للمكان

في نص لافت من رواية «في – Vi» عام 2016، وتعني الصغرى، الثمينة، آخر العنقود، تصف ثوي تزاحم التناقضات في عصرنا الراهن، تقول «بينما كنت أعيش في مكان فارغ مثل الصدى الذي انتشر هناك استجابة لضوضاء نادرة، كان كل شيء في منزل (فينسنت) يحكي قصته. لقد أتوا من أماكن مختلفة، وأزمنة مختلفة، وثقافات مختلفة، ولكن تم دمجهم ونسجهم معاً مثل العش».

هذه الصورة قد لا تشير إلى ملامح «العولمة» وإكراهاتها فحسب، بقدر ما تخفي «انفتاح الثقافات كافة على ما يجتازها ويتخطاها» عبر الهجرة والتنقل والهويات المختلطة؛ إذ إن ثوي - في الواقع - لا تحمل ولعاً بالعودة إلى الوطن الأم (فيتنام)، ولا تشعر ببرودة الغربة في كندا، على العكس هي تشير إلى أن اجتياز الثقافة هو ثقافة المكان بلا مكان، الذي يصعب التعبير عنه بلغة الكلمات، وإنما بما يعرف بـ«العبر - لغة».

في رواية «إم – Em» عام 2021 قصة كبيرة في مساحة صغيرة، عن فصل قبيح من تاريخ فيتنام المعذب، حيث تزيل ثوي الجدار الثالث وتخاطب القارئ مباشرة، حتى تبرز الخيط غير المرئي بين الأدب والفلسفة، أو قل إنها توقظنا من سباتنا العميق على أقوى ما تمتلكه عقولنا، تلك «النار التي تنير نفسها كما تنير الأشياء الأخرى» كما يقول المفكر البوذي ناجارجونا في واحدة من أجمل شذرات.

تقول ثوي المسكونة بالفلسفة حتى النخاع «لا توجد غرابة في أن تعمل وكالة (ناسا) بانتظام مع الفلاسفة أثناء البحث في غياهب الفضاء؛ لأنه - في هذا المستوى من التعقيد - يحتاج المرء إلى عقل شخص يمكنه أن يثير أسئلة غير مطروقة أو معروفة».


مقالات ذات صلة

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يوميات الشرق لها في كل بيتٍ صورة... فيروز أيقونة لبنان بلغت التسعين وما شاخت (الشرق الأوسط)

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يُضاف إلى ألقاب فيروز لقب «سيّدة الصمت». هي الأقلّ كلاماً والأكثر غناءً. لكنها عندما حكت، عبّرت عن حكمةٍ بسيطة وفلسفة غير متفلسفة.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق المايسترا إيمان جنيدي ترفض حصر النساء بمهن معيّنة (الشرق الأوسط)

إيمان جنيدي: قيادة المرأة للأوركسترا تأخرت كثيراً في مصر

في 2015، أسَّست الفنانة فرقتها الخاصة باسم «المايسترو»، وأصبحت قائدة لها. تتكوّن من عازفين ومطربين معروفين، وعدد أعضائها نحو 50 فناناً.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق وفق علم النفس فإنّ مَن ينتحرون من أماكن مرتفعة يرغبون في تحويل موتهم إلى فعلٍ عام (رويترز)

ليام باين ليس أوّل ضحاياها... الشرفةُ كوسيلة انتحارٍ حتميّ

أعادت حادثة سقوط المغني ليام باين من على شرفة الفندق وفياتٍ كثيرة مشابهة إلى الأذهان. فلماذا يختار بعض المشاهير الانتحار من أماكن مرتفعة؟

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق لا يقتصر حب القهوة على تناول فنجان أو اثنين في اليوم... فمنهم مَن يشرب 50 منها (رويترز)

ومن البُنِّ ما قتل... مشاهير أدمنوا القهوة فشربوا 50 فنجاناً في اليوم

وصل هَوَس الكاتب هونوري ده بالزاك بالقهوة حدّ تناول 50 فنجاناً منها يومياً، أما بريتني سبيرز فتشربها بالـ«غالونات». ما سر هذا المشروب الذي أدمنه المشاهير؟

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق من جورج واشنطن إلى ماثيو بيري... شخصيات تورطَ أطبّاؤها ومعاونوها في موتها

من جورج واشنطن إلى ماثيو بيري... شخصيات تورطَ أطبّاؤها ومعاونوها في موتها

بعد انكشاف تورُّط مساعد ماثيو بيري وطبيبه بوفاته في جرعة زائدة من المخدّر، عادت إلى الأذهان وفيات مشابهة قضى فيها مشاهير على أيدي أطبّائهم ومعاونيهم.

كريستين حبيب (بيروت)

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).