تجليات حضور الورود... فنياً وأدبياً

منى أبو النصر في «الحالة السردية للوردة المسحورة»

تجليات حضور الورود... فنياً وأدبياً
TT

تجليات حضور الورود... فنياً وأدبياً

تجليات حضور الورود... فنياً وأدبياً

تطوف الكاتبة الصحافية الزميلة منى أبو النصر في كتابها «الحالة السردية للوردة المسحورة» بين فنون شتى، فهي لا تتوقف عند حدود الأنواع الأدبية المعروفة من شعر ورواية وقصة قصيرة، وإنما تتعداها إلى فضاءات الفنون المختلفة، من سينما ومسرح وباليه وغناء وفنون تشكيلية، فبدا خطابها النقدي هنا عابراً للنوع والفنون، بحثاً عن تجليات رمزية الوردة فيها جميعاً، فالوردة هي البطل والغاية من الكتاب، والمؤلفة تبحث عن كيفية حضور أنواع الورود والزهور، وحمولاتها الدلالية والجمالية.

تتخفف أبو النصر من أي التزام أكاديمي، ومن ثم فالكتاب أقرب إلى قراءة ثقافية حرة ومرنة، محاولة تقديم استبصارات طازجة، تتوسل بقدر كبير من النصوص المقروءة والمرئية والمسموعة.

عشرات الأفلام العربية والعالمية، والمسلسلات، ودواوين الشعر لشعراء عرب وعالميين، وعشرات الروايات والمجموعات القصصية واللوحات التشكيلية، والأساطير، والأغاني، كانت هي ميدان عمل هذا الكتاب، ومجال بحثه، ومادته الخام متعددة الوجوه. مساحة كبيرة وممتدة زمنياً وجمالياً، تعتمد عليها المؤلفة في قراءتها لتجليات حضور الورود، مما يستلزم معرفة واسعة، وخبرة حقيقية بهذه الحقول الجمالية المختلفة والنوعية، بحثاً عن هدفها النهائي، وما يمكن أن يمثل حلقة وصل بين كل فن وآخر، فالزهور بمثابة عامل مشترك بين كل الفنون، ولا فن يخلو من تمثيلات متعددة لها.

الحياة الشخصية لبعض الفنانين والأدباء لم تكن بعيدة عن تناول الكتاب، مثلما توقفت طويلاً عند حب الكاتب الكولومبي غابريال غارثيا ماركيز للزهور الصفراء، وكيف كان لا يمكنه الكتابة دون وجود باقة منها على مكتبه، وأثر ذلك على أعماله، وكذلك العلاقة الفريدة بين الشاعرة الأميركية إميلي ديكنسون والزهور في حديقة منزلها، حتى أصبحت مشهورةً بين المحيطين بها بأنها «بستانية»، وكيفية تأثير زهور النرجس في أشعارها، إذ «كانت تخلق حولها مقاربات فلسفية عن الحب والفقد والموت والقدر، مستعينة بخبرتها ومعرفتها الدقيقة بأنواع الورود وتوظيفها في القصائد التي كانت تحمل إيقاع الطبيعة نفسها، بفصولها وعواصفها وتقلباتها».

اللافت هنا أن أبو النصر تكشف عن وجود آخر مخاتل للوردة تاريخياً، وكذلك تمثيلات للشر، من خلال الورود المسمومة، التي تخفي - تحت جمالها الخارجي - حمولاتها الشريرة أداةً للقتل، فوراء شكلها المخملي تكمن أحياناً قسوة مستترة، سرعان ما تباغت بحضورها الفتاك، كما فعلت في الحقيقة مع ريلكه، الشاعر الألماني الذي قتلته وردة، أو مع سقراط الذي تقول إحدى الروايات إن «زهرة الشوكران قتلته». وتنتقل الكاتبة من هذه الشرور الواقعية للورود، إلى شرورها في الأعمال الفنية، كما في قصة أوسكار وايلد «العندليب والوردة»، أو في رواية باتريك زوسكيند «العطر»، وكيف منحت الورود للبطل «غرينوي» سر الحصول على عطر العذراوات، ومن ثم بدأ مسيرته كقاتل متسلسل. وتتبع أثر تلقي أمل دنقل للورود، كهدايا، أثناء مرضه، وكيف كان يتلقاها كأنها تمثيل للحظة القطاف والانتهاء، وتعبيره عن هذه المعاني في ديوانه الأخير «أوراق الغرفة 8»، فضلاً عن حضور الورود الطاغي على شواهد القبور، فتبدو الوردة رفيقة الموت كما هي رفيقة الحب والحياة. وكيف يمكن أن تكون الوردة تحيةَ تقدير لراقصات الباليه حين يقدمها لهم الجمهور بعد نهاية العرض، في حين تكون نذير شؤم إذا قدمها الجمهور لهن قبل العرض.

وكما أن الكتاب وموضوعه ليسا تقليديين، فإن عناوين الفصول ابتعدت كذلك عن النهج التقليدي، واتسمت بطابع سردي أكثر مثل «حمل الزهور إليّ»، و«ست وردات حمراوات إلى الأبد»، و«الوردة فعل شرير»، و«طوق فحديقة فأدغال» و«لأنها تحب الأزهار وتقول أشياء غريبة». وحرصت الكاتبة على تصدير كل فصل (14 فصلاً) بمقتبسات من شعراء وروائيين كبار، عربياً وعالمياً، لها علاقة وثيقة بالورود من ناحية، وبطبيعة كل فصل من ناحية أخرى. وفي الأخير يبدو الكتاب نزهة رشيقة ومرحة في بساتين أدبية وسينمائية وتشكيلية، مفعمة بالمعلومات الثقافية والجمالية.


مقالات ذات صلة

مصطفى الضبع: كثير من النقاد يفتقر إلى الذائقة والعمق

ثقافة وفنون مصطفى الضبع

مصطفى الضبع: كثير من النقاد يفتقر إلى الذائقة والعمق

يصف الناقد الأكاديمي د.مصطفي الضبع في هذا الحوار المشهد الأدبي بأنه «كارثي» وبتعبير أخف «ليس بخير» ويعزو ذلك إلى غياب المشروع النقدي المنتظم والمتابع لحركة الإبداع و يرى أن كثيراً من النقاد يفتقرون إلى الذائقة السليمة والعمق

عمر شهريار (القاهرة)
ثقافة وفنون جِرار من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

أفاعي ساروق الحديد

تحضر صورة الأفعى وتتعدّد تقاسيمها التشكيلية في مجموعات مختلفة من القطع الأثرية مصدرها مواقع متفرقة من شمال شرقي الجزيرة العربية

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون أحمد الرحبي: الترجمة عرس فني بين لغتين

أحمد الرحبي: الترجمة عرس فني بين لغتين

«عندما بدأت أتذوق اللغة الروسية كان عليّ أن أعمل لتأمين معيشتي. بدأت من الأصعب وقمت بترجمة الشعر وكانت قصيدة صعبة للشاعر يسينين لكنني فرحت بها»

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون «هيئة الكتاب» تستعيد مسرحيتين من تراث سعد الدين وهبة

«هيئة الكتاب» تستعيد مسرحيتين من تراث سعد الدين وهبة

في سلسلة جديدة تستهدف إحياء تراث كبار المبدعين أعادت الهيئة المصرية العامة للكتاب إصدار مسرحيتين للكاتب الراحل سعد الدين وهبة أحد رواد المسرح

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
ثقافة وفنون «فوات الأوان»... ديوان يمزج السخرية بالتجريب

«فوات الأوان»... ديوان يمزج السخرية بالتجريب

تمتزج السخرية بالمأساة في هذا الديون إلى حد سخرية الشاعر من نفسه ومن الشعر أيضاً

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الكاتبة الهندية بانو مشتاق تفوز بجائزة البوكر الأدبية العالمية

الكاتبة الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة بانو مشتاق بعيد فوزها بجائزة بوكر الأدبية الدولية (إ.ب.أ)
الكاتبة الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة بانو مشتاق بعيد فوزها بجائزة بوكر الأدبية الدولية (إ.ب.أ)
TT

الكاتبة الهندية بانو مشتاق تفوز بجائزة البوكر الأدبية العالمية

الكاتبة الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة بانو مشتاق بعيد فوزها بجائزة بوكر الأدبية الدولية (إ.ب.أ)
الكاتبة الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة بانو مشتاق بعيد فوزها بجائزة بوكر الأدبية الدولية (إ.ب.أ)

فازت الكاتبة الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة بانو مشتاق مساء الثلاثاء بجائزة بوكر الأدبية الدولية عن مجموعتها القصصية «هارت لامب» (مصباح القلب) التي تتناول الحياة اليومية لنساء مسلمات في جنوب الهند.

والمجموعة القصصية التي كُتبت بالكانادية، اللغة المحلية في جنوب الهند، تروي جوانب من حياة العديد من النساء المسلمات اللواتي يعانين من التوترات الأسرية والمجتمعية. وهذا أول كتاب باللغة الكانادية يحصل على هذه الجائزة الدولية المرموقة التي تمّ تقديمها في حفل أقيم في لندن مساء الثلاثاء وتبلغ قيمتها 50 ألف جنيه إسترليني (أكثر من 59 ألف يورو) يتمّ تقاسمها بين المؤلّفة والمترجمة ديبا بهاستي.

ونُشرت هذه القصص في الأصل بين عامي 1990 و2023. وبحسب منظمي الجائزة، فقد تعرّض الكتاب للرقابة من جانب الدوائر المحافظة في الهند، وتم تجنّبه من قبل الجوائز الأدبية الكبرى في البلاد.

وقالت الكاتبة عند حصولها على الجائزة «أقبل هذا الشرف العظيم ليس كفرد، بل كصوت يقف مع العديد من الآخرين»، واصفة فوزها بأنه لحظة «لا تصدّق».

من جانبه قال رئيس لجنة التحكيم ماكس بورتر إنّ الكتاب «شيء جديد حقا للقراء الناطقين باللغة الإنكليزية (...) قصص جميلة مليئة بالحياة». وكان بورتر استبق الإعلان عن فوز مشتاق بالإشادة «بالكتب التي تتحدّى السلطات، من السودان إلى أوكرانيا والصين وإريتريا وإيران وتركيا، في كل مكان».

وجائزة بوكر الدولية هي جائزة أدبية تُمنح لكتّاب خياليّين. وكانت الجائزة تُمنح كلّ عامين لكنّها أصبحت منذ 2016 تُمنح كل عام.

وفي العام الماضي، فازت ببوكر الدولية الرواية الألمانية «كايروس» للكاتبة جيني إيربنبيك والتي ترجمها مايكل هوفمان.