نمو قياسي لـ«الكتاب الصوتي» بفضل «الذكاء الاصطناعي»

«القراءة بالأذنين» توازي «القراءة بالعينين»

نمو قياسي لـ«الكتاب الصوتي» بفضل «الذكاء الاصطناعي»
TT

نمو قياسي لـ«الكتاب الصوتي» بفضل «الذكاء الاصطناعي»

نمو قياسي لـ«الكتاب الصوتي» بفضل «الذكاء الاصطناعي»

تتطور المنتجات الصوتية بشكل غير مسبوق، بفضل الذكاء الاصطناعي، الذي بات يوفّر آلياً ساعات من النصوص المسموعة، بكلفة منخفضة. وهو ما سمح، في السنوات الخمس الأخيرة، بتسريع إنتاج الكتب الصوتية بأعداد كبيرة وجودة عالية.

تدل الأرقام على أن الكتب الصوتية الرقمية هي أسرع القطاعات نمواً. ففي عام 2023، ارتفعت إيراداتها في الولايات المتحدة بنسبة 9 في المائة، وحققت 2 مليار دولار. فيما ارتفعت الإيرادات بما نسبته 24 في المائة خلال الفترة نفسها في بريطانيا، وهذا يحصى من خلال عمليات تنزيل الكتب، التي ارتفعت في المملكة المتحدة بنسبة 17 في المائة، بين عامي 2022 و2023.

يبقى أن رصد نمو الكتب الصوتية العربية أكثر صعوبة، لكن القيمين عليها يؤكدون أن الإقبال يتزايد، لكن الغالبية الساحقة تستفيد من الكتب المجانية والمقرصنة، التي تنتشر كالنار في الهشيم، مما يجعل فهم مدى الإقبال أكثر صعوبة. وهي مشكلة تطول المنتجات الرقمية الصوتية، لا سيما الكتب في مختلف اللغات، مما يعيد أزمة حقوق المؤلف إلى نقطة الصفر، مضافاً إليها هذه المرة حقوق الناشر، الذي يرى كتابه الذي صرف عليه أمواله، يوزَّع صوتياً، بعد أن كان يُقرصَن إلكترونياً وورقياً، دون أي اعتبار. كما أن شكوى الناشرين تتصاعد؛ بسبب عدم شفافية المنصات التي لا سبيل للتأكد من حساباتها، أو مراقبة عدد مرات التنزيل عليها.

الترويج على قدم وساق

وتقدّر منصة «سبوتيفاي» أن نمو صناعة الكتب الصوتية يمكن احتسابه بـ20 في المائة سنوياً بدءاً من سنة 2022. لكن الظاهرة ليس متروكة للظروف. فهناك عمل حثيث على الترويج للكتب الصوتية بلغات أجنبية عديدة، من خلال إقناع القارئ بأنها وسيلة أخرى للمعرفة من خلال القراءة بالأذنين، التي لا تختلف كثيراً في فائدتها، عن القراءة بالعينين.

ويستعان من أجل دعم هذه الأفكار بدراسات متتالية تظهر جدوى أن تستمع للكتب إن كنت لا تقرأها، أو أن تقوم بالأمرين معاً. فثمة دراسة نشرت مؤخراً تبين أن الاستماع لا يقل أهمية وتأثيراً على الشخص من القراءة نفسها. وثمة ترويج للكتب الصوتية، من خلال دراسات أخرى حول العلاقة الجدلية بين الاستماع للكتب وتحفيز بعض السلوكيات. ثمة دراسة بينت أن الاستماع لكتاب يعين على النوم، والاستغراق السريع، مع توصية باعتماد السير الذاتية، والقصص البوليسية حين لا تكون عنيفة، باعتبارها من بين الأفضل لجلب النعاس. ولتسويق أكبر تربط إعلانات بعض المنصات الأميركية، وبينها «أوديبل»، بين رياضة الركض والاستماع إلى نصوص الكتب المقروءة، وكذلك اقترحت المنصة عناوين معينة، اعتبرت أنها تحفّز على النشاط وتزيد من متعة الذين يمارسون هذا النوع من الرياضة.

أساليب تسويقية تتزامن مع ظهور دراسات تدعمها وتمنحها المصداقية، علماً بأنه من الصعب معرفة مدى دقة المعلومات في كل مرة، أو جدّية هذه الدراسات.

كل هذا يأتي بعد أن أصبح إنتاج الكتاب الصوتي متاحاً بسرعة مذهلة، بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي. وإن كانت الشركات المنتجة لا تتحدث بصراحة ووضوح عن استغلالها لبيانات أصوات موجودة لديها لإنتاج كتب جديدة، فمن المرجّح، حسب التقديرات، أن آلاف الكتب أصبحت موجودة، في الأسواق عبر استخدام الذكاء الاصطناعي، باستغلال أصوات بشرية دون أن يُدفَع لأصحابها أي مقابل.

ومؤخراً أعلنت «أمازون» عن وجود 40 ألف كتاب صوتي على منصتها «أوديبل» المتخصصة بالبودكاست والكتب الصوتية، التي تم إنتاجها بواسطة الذكاء الاصطناعي.

وقد أطلقت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 خدمة تتيح للكتّاب نشر أعمالهم صوتياً، عبر الذكاء الاصطناعي. وهو ما سمح لكثير من المؤلفين تحويل كتبهم إلى صيغة جديدة بتكلفة وجهد مغريين.

وكان تسجيل الكتاب يحتاج لأيام وأسابيع وجهود كبيرة، وتكاليف عالية، إذا ما لجأ الكاتب لمن يقوم عنه بهذه المهمة. أما اليوم، فيتحدث المؤلفون الذين قاموا بتسجيل كتبهم عبر القراءة الآلية، عن حاجتهم إلى ساعة واحدة فقط لإتمام المهمة. وتقدم «أمازون» للمؤلف 40 في المائة من مدخول ما تسوقه، وإن كان بعض المؤلفين يشككون في صدقية تعاطي المنصات معهم، نظراً للمداخيل المتواضعة التي يجنونها.

انخفاض بالتكاليف والجهد

وبفضل الذكاء الاصطناعي أمكن خفض تكلفة إنتاج كتاب صوتي من 2500 دولار إلى 400 دولار تقريباً.

وقبل «أمازون» بأشهر كانت «غوغل» قد أعلنت عن الخدمة نفسها، عارضة عشرات الأصوات، بعدة لغات؛ بحيث أصبح بإمكان المؤلف أن يستخدم أكثر من صوت، وباللغة التي يختارها. وهذه التقنيات التوليدية، أتاحت إنتاج عشرات آلاف الكتب المسموعة، التي تسوّق ويروّج لها، وتجد بشكل متزايد طلباً عليها، خاصة بين الشباب الذين هم دون الـ35 من العمر.

ورغم التطمينات التي تنشرها المنصات، مؤكدة أن هذه الخدمة السحرية ليست موجودة لتحل مكان المؤدين المحترفين، أو تستغني عن القراءة البشرية التي تبقى مهمة وأساسية، وإنما هي تسعى فقط لتوسيع الإمكانات، ولا تريد للآلة أن تحل محل الإنسان، إلا أن الاعتراضات تتسع بين محترفي الأداء الصوتي.

محترفو الصوت في خطر

هذه التبريرات باتت تتكرر باستمرار، لكنها لا تُطمْئن أصحاب المهن المتضررة، مثل الممثلين ودور النشر وأصحاب استوديوهات الإنتاج. بل على العكس، تتعالى اعتراضات هؤلاء، ويعتبرون أن الذكاء الاصطناعي إنما ينطق بأصوات سبق لهذه المنصات أن استخدمتها لأناس من لحم ودم، وها هي تستفيد مما لديها من بيانات. ويكفي أن يتم التلاعب قليلاً بالصوت، عند إعادة استخدامه كي يتم التمويه، ولا تطلب موافقة من صاحبه الأصلي أو يتقاضى أجراً. وبات بالإمكان مزج عدة أصوات آلياً للحصول على صوت جديد، مختلف عنها جميعاً. فالآلة لا يمكنها خلق صوت من العدم.

لكن تبقى لأصوات كبار المؤدين والنجوم أهمية معنوية في تسويق الكتب المسموعة، ورفع سعرها. وإذا كان الحصول على أصوات مشاهير أحياء، مكلف إلى حد يجعل شركات الإنتاج تفكّر تكراراً في الجدوى قبل التعاقد معهم، فمما لا يخطر على بال أن ثمة لجوءاً إلى إعادة استعمال أصوات المشاهير الموتى. وقد تم بالفعل التواصل مع ورثة نجوم للحصول على موافقتهم لاستخدام أصواتهم في الذكاء الاصطناعي التوليدي، ليس لقراءة الكتب فقط، بل لأغراض قد تكون إعلانية أو تعليقات وما أشبه. فإعادة استخدام الصوت المسجل يتساوى فيه الأحياء كما الأموات، فلمَ لا يكون اللجوء إلى صوت، يأنسه المستمع وقد ألف بحّته، بأقل تكلفة ممكنة.

توظيف أصوات الموتى

لا تزال الأصوات المعروفة ذات النبرة المألوفة قادرة على اجتذاب المستمعين، كما أن الصوت البشري أقوى تأثيراً وحيوية واحترافية من الصوت المعالج رقمياً. لهذا حين يكون تسجيل كتاب مأمون الربح، لا تبخل المنصات في السخاء، حتى ولو كبرت التكاليف؛ لأن كتاباً «بست سيلر» بصوت أحد المشاهير، على منصة معروفة قد يتحول إلى مصيدة لاجتذاب القراء المستمعين، ليطّلعوا على مزيد من الكتب ويكتشفوا الرغبة في تنزيلها.

فبدءاً من العام المقبل، سيكون في متناول المستمعين المجلدات الـ7 من سلسلة هاري بوتر يؤديها 100 ممثل بأصواتهم. وهذا إنتاج ضخم ومكلف، يستغرق وقتاً وجهداً، ويحتاج لتنفيذه تقنيات عالية، من أجل ضمان إصدار مميز يستحق دفع مقابله للاستماع إليه.

بات بالإمكان مزج عدة أصوات آلياً للحصول على صوت جديد، مختلف عنها جميعاً. فالآلة لا يمكنها خلق صوت من العدم.

هاري بوتر بصوت 100 فنان

وقد ترددت الكاتبة جي كي رولينغ طويلاً قبل إعطاء موافقتها على هذا المشروع، نظراً لأن كتبها متوفرة صوتياً، مقرصنة ومنتشرة على نطاق واسع، بالمجان وكذلك على المنصات. كان لا بد من عرض مميز جداً، كي يستحق الجهد المبذول من أجله.

مما يؤسف له أن من فاتتهم متعة القراءة من العرب لا يبدو أنهم يحاولون تعويض النقص المعرفي لديهم، باللجوء إلى الاستماع. فالكتاب الصوتي لا يُروَّج له بالقدر الكافي، ويبدو غائباً عن الساحة، مع أن ثمة من وجد فيه حلاً لنقص الوقت، أو متعة أثناء القيام ببعض النشاطات، وهؤلاء لا يزالون قلة. بعض الهيئات الرسمية قامت بجهد في هذا المجال، غير أن باقي التسجيلات المتوافرة، في كثير منها، تتم على أيدي هواة، وتفتقد للقراءة السليمة، أو النبرة الجذابة، وربما الصوت الجميل والوضوح الكافي. أكثر من ذلك، نحن بحاجة لرصد سلوك المستمعين الفعليين، لمعرفة أعدادهم، ومتطلباتهم، خصوصاً أن غالبيتهم يعتمدون تسجيلات مقرصنة، يتم تبادلها على مجموعات خاصة من وسائل التواصل الاجتماعي.


مقالات ذات صلة

حداثةٌ وما بعد حداثة من بوّابة العمارة

كتب خالد السلطاني

حداثةٌ وما بعد حداثة من بوّابة العمارة

لا يمكنُ للمشتغل في تاريخ الثقافة وفلسفات الحداثة وما بعد الحداثة في عالمنا العربي إلّا أن يدقق كثيراً وطويلاً في الحقيقة التالية....

لطفية الدليمي
كتب غلاف كتاب «نحو تفكير كردي جديد»

«نحو تفكير كردي جديد»

صدر حديثاً عن «دار الزمان» كتاب جديد للباحث الكردي السوري حواس محمود بعنوان «نحو تفكير كردي جديد».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون هدى عمران

هدى عمران: أتسلى بمصير شخصياتي عبر لعبة ذكية مع القارئ

تُولي الشاعرة والكاتبة المصرية هدى عمران شغفاً لافتاً بالمغامرة الفنية، والانفتاح على التجريب كلعبة تُعيد بها تشكيل الحكاية، واستكشاف عالمها الشعوري

منى أبو النصر (القاهرة)
ثقافة وفنون إريش كستنر يطرح سؤال الأخلاق بين الحربين العالميتين

إريش كستنر يطرح سؤال الأخلاق بين الحربين العالميتين

تُعيد ترجمة عربية لرواية «فابيان - قصة رجل أخلاقي» للكاتب والروائي الألماني إريش كستنر (1899 – 1974) تأمل الهُوة السحيقة في ألمانيا خلال الفترة بين الحربين العا

منى أبو النصر
ثقافة وفنون إعادة نشر أول رواية مكتوبة باللغة الكرديّة

إعادة نشر أول رواية مكتوبة باللغة الكرديّة

صدرت حديثاً عن «منشورات رامينا» في لندن، بالتعاون مع «وكالة حرف» في الرياض، طبعة جديدة لرواية «السيّدة خاتي» للكاتب الكرديّ علي عبد الرحمن بترجمة قادر عكيد.

«الشرق الأوسط» (لندن)

موجة ازدهار في الروايات الرومانسية بأميركا

بعض واجهات المكتبات
بعض واجهات المكتبات
TT

موجة ازدهار في الروايات الرومانسية بأميركا

بعض واجهات المكتبات
بعض واجهات المكتبات

الصيف الماضي، عندما روادت ماي تنغستروم فكرة فتح مكتبة لبيع الروايات الرومانسية بمنطقة فنتورا بكاليفورنيا، كان أول ما فعلته البحث عبر الإنترنت للتعرف على ما إذا كانت هناك مكتبات مشابهة في الجوار. وبالفعل، عثرت على مكتبة «ذي ريبيد بوديس»؛ مكتبة في كلفر سيتي تبلي بلاءً حسناً للغاية، لدرجة أنها تتوسع بافتتاح فرع ثانٍ لها في حي بروكلين بمدينة نيويورك.

وعن ذلك، قالت: «شعرت بالتهديد».

ومع أن نجاح «ذي ريبيد بوديس» بدا بمثابة مصدر تهديد، فإنه يوحي كذلك في الوقت ذاته باحتمالية وجود مساحة أمام مكتبة أخرى للروايات الرومانسية. وعليه، افتتحت في فبراير (شباط) مكتبة «سميتن» بمنطقة مزدحمة من «مين ستريت»، على بعد نحو ميل من منافسيها.

في الأشهر التي تلت ذلك، تحولت مكتبة «سميتن» إلى مركز نابض بالحياة لقراء الأعمال الأدبية الرومانسية، مع توقيعات المؤلفين وقراءات التارو ونوادي الكتب وأمسيات الترفيه والحرف اليدوية.

بعض الأحيان، يتصل عملاء بالمكتبة، محملين بطلبات محددة للغاية. عن ذلك، قالت تنغستروم: «جاء شخص ما وقال: أنا أحب الأعمال الأدبية الخيالية، وأريد الرواية أن تكون غريبة، وبها تمثيل لثقافة مختلفة. كما أريدها بذيئة قدر الإمكان».

وأضافت: «لديّ عملاء منتظمون يأتون عدة مرات في الأسبوع. وأسألهم أحياناً: ألم تشتر لتوك كتابين اليوم السابق؟».

اللافت أن الأعمال الأدبية الرومانسية كانت ذات يوم مجالاً يتجاهله أصحاب المكتبات المستقلة إلى حد كبير. ومع ذلك، تحولت اليوم إلى إحدى أكثر الفئات رواجاً في عالم الكتاب، وأصبحت، إلى حد بعيد، النوع الأدبي الأكثر مبيعاً، ونجاحها لا يعيد رسم ملامح المشهد العام لصناعة النشر فحسب، بل وكذلك صناعة بيع التجزئة.

وفي غضون عامين فقط، تبدل المشهد العام بالبلاد، من وجود مكتبتين فقط مخصصتين للروايات الرومانسية، «ذي ريبيد بوديس» و«لوفز سويت آرو»، في شيكاغو، إلى شبكة وطنية تضم أكثر عن 20 مكتبة، من بينها «تروبس آند ترايفلز» في مينيابوليس، و«غرمب» و«صن شاين» في بلفاست بولاية مين، و«بيوتي» و«بوك إن أنكوريج» في ألاسكا، و«لوف باوند ليبراري» في سولت ليك سيتي، و«بلوش بوكستور» بمنطقة ويتشيتا في كنساس. ولا يزال الكثير في الطريق، ومن بينها «كيس آند تيل» في كولينغسوود بنيوجيرسي، و«ذي نيو رومانتيكس» في أورلاندو بفلوريدا، و«غراند جستشر بوكس» في بورتلاند بولاية أوريغون؛ متجر عبر الإنترنت متخصص في بيع الروايات الرومانسية، يتحول اليوم إلى متجر على أرض الواقع.

اللافت أن غالبية هذه المكتبات تمتلكها وتديرها نساء، ناهيك عن أن النساء يشكلن غالبية قراء الروايات الرومانسية، ويعود الفضل إليهن في الارتفاع الهائل في مبيعات هذا الصنف الأدبي، من 18 مليون نسخة مطبوعة عام 2020 إلى أكثر عن 39 مليون نسخة عام 2023، تبعاً لمؤسسة «سيركانا بوكسكان».

في هذا الصدد، قالت ريبيكا تايتل، المحامية السابقة، التي تمتلك اليوم مكتبة «ميت كيوت» المتخصص في الروايات الرومانسية في سان دييغو: «هناك تحول ثقافي يجري على الأرض يشير إلى أن الإعلام، بصورة أساسية، أصبحت تجري كتابته وتوجيهه نحو النساء. اليوم، أدركت أعداد متزايدة من الأفراد أن الروايات الرومانسية ليست رائجة فحسب، وتحمل كذلك قيمة تجارية، بل وتحمل قيمة فنية وترفيهية كذلك».

من ناحية أخرى، يهيمن روائيون رومانسيون، مثل ساره جيه. ماس وإيميلي هنري وكولين هوفر وريبيكا ياروس على قوائم أفضل الكتب مبيعاً. وتكشف الأرقام أن 6 من بين أفضل 10 روائيين من حيث المبيعات داخل الولايات المتحدة، عبر العام الحالي حتى الآن، من كتاب الأعمال الرومانسية.

أما الناشرون، فيعمدون إلى توسيع نطاق قوائمهم الرومانسية، وجذب المؤلفين الرومانسيين الذين ينشرون أعمالهم ذاتياً. ويبدو هذا تحولاً هائلاً عن أيام سابقة كان يجري خلالها النظر بازدراء إلى الروايات الرومانسية باعتبارها سطحيةً وغير جادة، أو بذيئةً. وحتى سنوات قليلة مضت، حرصت الكثير من المكتبات المستقلة على عرض مجموعة صغيرة منتقاة من الروايات الرومانسية، التي غالباً ما يجري وضعها في رف خلفي داخل المكتبة.

من ناحيتها، قالت ليا كوك، التي تشارك في ملكية «ذي ريبيد بوديس»؛ أول مكتبة متخصصة في عرض الروايات الرومانسية تفتتح أبوابها على مستوى الولايات المتحدة عام 2016، إنها لا تزال تتذكر عندما كانت تبحث في سنوات المراهقة عبر المكتبات عن روايات رومانسية، دون جدوى.

وكان الشعور بالتعرض للتجاهل جزءاً من الدافع وراء سعي كوك وشقيقتها، بيا هودجيز كوك، لفتح مكتبة متخصصة في الروايات الرومانسية.

وعبّرت كوك عن اعتقادها بأن «الكثيرين ممن يعملون بمجال النشر وداخل المكتبات المستقلة شعروا وكأن الروايات الرومانسية غير جديرة بإهدار وقت في سبيلها. وكنت أقول في نفسي: بإمكانكم جني أموال، لكن لا بأس، أنا سأجني المال».

يذكر أن مبيعات الروايات الرومانسية بدأت تشهد ارتفاعاً كبيراً خلال سنوات الجائحة، مع إعادة اكتشاف القراءة، وتحول الكثيرين نحو الأعمال الخيالية الرومانسية كملاذ للهروب من الواقع (من بين القواعد الحاكمة لهذا الصنف الأدبي أن الغالبية الكاسحة تنتهي بنهاية سعيدة).

وساهم ظهور تطبيق «بوك توك» في تعزيز هذا الارتفاع في المبيعات، مع اجتذاب مؤثري «تيك توك» القراء صغار السن عبر فيديوهات يتحدثون فيها عن كتّابهم المفضلين.

اليوم، تظهر الروايات الرومانسية بشكل بارز على قوائم «تارغيت» و«بارنيز آند نوبل». وفي وقت مضى، كان عشاق الروايات الرومانسية يشترون الكتب الإلكترونية بشكل أساسي، خصوصاً وأنها أرخص وأسهل في الوصول إليها، وربما من الأسهل إخفاؤها. أما اليوم، فإنهم يستعرضون الروايات الرومانسية التي يملكونها على أرفف مكتباتهم بفخر.

ومنح هذا الصعود السريع للمتاجر المتخصصة في الروايات الرومانسية مكاناً جديداً لعشاق هذا الصنف الأدبي؛ مكاناً مرحباً به للإقبال على شراء كتبهم المفضلة بحماس.

من جهتها، قالت جين نتر، مديرة شؤون الاتصالات والتسويق لدى دار «كنزنغتون» للنشر، المعنية بالروايات الرومانسية: «يمكنك دخول مكتبة مخصصة للروايات الرومانسية، وستجد البائع يسألك: هل تحب الروايات ذات الأحداث الساخنة؟ أم ترغب في رواية تاريخية؟ إنه سيدرك سريعاً ما تريده، ولن يحاول أن يصدر أحكاماً عليك».

اللافت أن الكثير من هذه المكتبات تتسم بمظاهر جملية جذابة ومشرقة وذات طابع أنثوي، مثل الاعتماد الشديد على اللون الوردي، المزدان بزخارف على شكل قلوب وزهور، ناهيك عن التلاعب بالاستعارات الرومانسية المألوفة؛ أعداء الغرام، والحب الممنوع، والهوية السرية.

وتضم هذه المكتبات بين أرففها جميع الأنواع التي يمكن تخيلها للروايات الأدبية: التاريخية والموجهة للقراء صغار السن والأعمال التي تخلط بين الرومانسية والفانتازيا، والأخرى التي تدور حول موضوع رياضي. كما تضم جنبات الكثير من هذه المكتبات أعمالاً أدبيةً تولى مؤلفوها نشرها بالاعتماد على ذواتهم، والتي عادة ما لا تجد طريقها إلى المكتبات الكبرى.

في هذا الصدد، شرحت ميليسا سافيدرا، صاحبة مكتبة «ستيمي ليت» المتخصصة في الروايات الرومانسية، في «ديرفيلد بيتش» في فلوريدا، أنها اكتشفت الروايات الرومانسية منذ ما يزيد قليلاً عن عقد، عندما كانت تعمل ضابطة في رتبة صغيرة بالبحرية الأميركية.

وقالت إن بوابتها إلى عالم الروايات الرومانسية جاء عبر سلسلة «إي. إل. جيمس» المثيرة «فيفتي شيدز أوف غراي» (Fifty Shades of Grey)، التي تمكنت من قراءتها عبر جهازها اللوحي عندما كانت على متن بارجة حربية أميركية.

وبعد أن تركت عملها في البحرية عام 2017، عملت وكيلة سفريات لفرق رياضية. وعندما تباطأت وتيرة العمل في أثناء فترة الجائحة، طرأت على ذهنها فكرة «ستيم بوكس»، صندوق اشتراك ربع سنوي يتضمن مجموعة من الروايات الرومانسية. وحقق المشروع انطلاقة قوية.

وجاء «ستيم بوكس» بمثابة وسيلة للتخلص من وصمة العار العالقة بالروايات الرومانسية المثيرة. وقالت سافيدرا، التي ولدت في ليما بالبيرو، ثم انتقلت إلى ساوث فلوريدا عندما كانت في العاشرة: «لا يزال يتعين علينا أنا نقاتل بشراسة كي نفرض على الناس احترام هذا الصنف الأدبي». وقد ألزمت سافيدرا نفسها بالعمل على الترويج لأعمال الكتاب الرومانسيين من خلفيات متنوعة.

وقررت سافيدرا فتح مكتبة عندما أدركت أن مجتمعها في «ديرفيلد بيتش» يخلو من أي مكتبة متخصصة في الروايات الرومانسية، خصوصاً فيما يتعلق بالأعمال الرومانسية المتنوعة.

وفي عطلة نهاية الأسبوع الذي شهد افتتاح «ستيمي ليت»، أقبل على زيارة المكتبة نحو 500 شخص، وباعت 900 كتاب. ومنذ ذلك الحين، استضافت المكتبة أكثر من حفل توقيع لكتاب، بينهم كيندي رايان وعلي هيزلوود وآبي جيمينيز، التي نظمت احتفالية بالمكتبة في مايو (أيار)، ظهرت بها أعداد من الماعز الصغير، في إشارة إلى مشهد من روايتها «بارت أوف يور وورلد» (Part of Your World) تظهر به أعداد من الماعز.

وفي ظهيرة أحد أيام الأحد الربيع الماضي، كانت «ستيمي ليت» تعج بالقراء الذين يتصفحون الكتب ويحصلون على توقيع الكاتبة الرومانسية إيه. إتش. كننغهام، التي كانت تروج لروايتها «آوت أوف أوفيس» (Out of Office).

وقالت كننغهام إن المكتبة كانت تعج بمحادثات بالإنجليزية والإسبانية، مضيفة: «هذه المساحات التي نحتاجها».

اللافت أن غالبية هذه المكتبات التي تبيع الروايات الرومانسية تمتلكها وتديرها نساء بالإضافة إلى أنهن يشكلن غالبية قراء هذه الروايات

والتقط القراء صوراً تذكارية أمام اللافتات الوردية المضاءة بمصابيح «النيون» الخاصة بالمكتبة، بينما تصفح آخرون الأعمال الإسبانية داخل المكتبة. وحملت بعض أرفف المكتبة روايات تحت عناوين «الرومانسية المظلمة» و«الرمادي الأخلاقي» و«عصر البكاء». وقالت سافيدرا: «هذ الأرفف لا تبقى ممتلئة أبداً»، في إشارة إلى الأعمال الرومانسية.

من جهتها، حملت روزن فولمور، واحدة من العملاء المواظبين على زيارة «ستيمي ليت»، مجموعة من الروايات القديمة بيدها باتجاه كننغهام كي توقع عليها.

كانت فولمور قد سمعت عن المكتبة عندما نشرت رايان، واحدة من الكتاب المفضلين لديها، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أنها ستقيم فعالية هناك. ومنذ ذلك الحين أصبحت عميلة منتظمة لدى المكتبة، التي قالت عنها إنها «تضم جميع الأشياء المثيرة والجذابة التي يمكنك تخيلها».

وقالت عميلة أخرى، هي أنجيلا ثاير، التي تعمل في إدارة شؤون المحاربين القدامى في فلوريدا، إنها تأتي عادةً كل أسبوعين، عندما تحصل على راتبها. وفي ذلك الأحد، أحضرت ابنتها، آشلي واتكينز، التي كانت متحمسة لرؤية الكثير من الروايات الرومانسية لمؤلفين ملونين. وقالت واتكينز: «إن رؤية الكتب التي تضم أشخاصاً يشبهونني في المواقف الرومانسية أمر رائع حقاً».

خدمة «نيويورك تايمز»