في مئويّته الأولى... أعمال فنية احتفت بـ«نبيّ» جبران

الأدب «الجبرانيّ» في الفن «الرحبانيّ» وسائر الفنون

تُرجم كتاب «النبي» لجبران خليل جبران إلى أكثر من 100 لغة
تُرجم كتاب «النبي» لجبران خليل جبران إلى أكثر من 100 لغة
TT

في مئويّته الأولى... أعمال فنية احتفت بـ«نبيّ» جبران

تُرجم كتاب «النبي» لجبران خليل جبران إلى أكثر من 100 لغة
تُرجم كتاب «النبي» لجبران خليل جبران إلى أكثر من 100 لغة

في السنة الثالثة والعشرين من القرن المنصرم، وتحديداً في الشهر التاسع من تلك السنة، طوى جبران خليل جبران مخطوطة «النبي» وأرسلها إلى الطباعة. منذ تلك اللحظة وحتى يومنا هذا، لم تتوقف دور النشر حول العالم عن طباعة نُسَخ جديدة من الكتاب. تُرجم من الإنجليزيّة إلى أكثر من 100 لغة، بيعَ ما يفوق الـ110 ملايين نسخة منه، وهو ما زال يحتلّ المرتبة الثالثة مبيعاً حول العالم.

بلغ الكتاب - الأسطورة عامه المائة، وفي المناسبة تجول أنشطة عدّة دولاً عربيّة وغربيّة احتفالاً بهذه المئويّة، كمؤتمرات ومعارض تتنقّل بين نيويورك وبلغاريا والشارقة وبيروت، لكن الاحتفاء بـ«نبيّ» جبران لا يقتصر على الذكرى المئوية فحسب، فعلى مدى سنوات طويلة، شكّل العمل الأدبيّ الفلسفيّ مصدر وحي لعدد كبير من الفنانين، من كافة المجالات والجنسيات.

جبران خليل جبران بريشته عام 1911 (إنستغرام)

«المحبة»

يروي الفنان أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» أنّ عمّه عاصي ووالده منصور، أتمّا قراءة مؤلّفات جبران قبل بلوغهما المراهقة. كان من الطبيعيّ إذاً أن يُخلَّد الأدب «الجبرانيّ» في الفنّ «الرحبانيّ». يتابع المؤلّف والمنتج الموسيقي اللبناني: «بدأ اهتمام الأخوين بتلحين (النبي) في أواخر الستينات، وكان المشروع الأساسي أن يجري تحويل الكتاب إلى حلقة تلفزيونيّة مغنّاة»، لكنّ القرار النهائي رسا على اختيار مقاطع من «النبي» بالتعاون مع الشاعر سعيد عقل، فكان الاعتماد على النسخة التي عرّبها عالم اللاهوت والأديب أنطونيوس بشير.

قُدمت النسخة الأولى من «المحبّة» ضمن مهرجانات الأرز عام 1969، وفق ما يخبر أسامة الرحباني. اقتصرت الأغنية حينذاك على مقطع «المحبة لا تعطي إلا ذاتها...». ليس سوى بعد سنتين، حتى توسّع العمل إلى ما هو عليه من مُغنّاة «cantate» تتخطّى الـ11 دقيقة. غنّت السيدة فيروز «المحبة» للمرة الأولى بنسختها الحاليّة ضمن مسرحيّة «ناس من ورق» عام 1972. ومن الولايات المتحدة وصولاً إلى بيروت، دخلت «المحبة» قلوب الناس فصارت نشيد الأفراح والأحزان.

«جبران والنبي»

الاحتفاء بجبران خليل جبران وبإرثه الإبداعي تقليدٌ في البيت الرحبانيّ. فبعد انقضاء 33 عاماً على رائعة «المحبّة»، قرر أسامة الرحباني وضع جبران خليل جبران في مواجهة مع «النبيّ» الذي اخترعه. دمج في مسرحيّة «جبران والنبي»، التي عُرضت عام 2005 ضمن مهرجانات بيبلوس اللبنانية، روح «المصطفى» وفكرَه مع سيرة جبران غير التقليديّة.

عن تلك التجربة يقول الرحباني إنّ «أدقّ ما فيها كان تحويل البُعد الفلسفي إلى حركة ونار متّقدة على الخشبة». يسترجع تلك المغامرة التي كادت تسلبه النوم ووضعت صحّته على المحكّ أحياناً: «استغرق التحضير 6 أشهر تقريباً، وكان الوالد (منصور) الذي كتب النص فخوراً بي وقلقاً عليّ في الوقت ذاته. أمضيت ليالي طويلة في التلحين حتى بزوغ الفجر، وهو في غرفته يصغي».

منصور الرحباني ونجله أسامة في كواليس مسرحيّة «جبران والنبي» عام 2005 (أرشيف غدي وأسامة الرحباني)

بعد قراءة ترجمات كثيرة لـ«النبي»، بنى الرحباني ثنائيّة «أورفليس» ونيويورك، وبالتعاون مع أبيه وضع رؤيته على الورق، ولاحقاً على الخشبة: «ما فعلناه أننا عمدنا إلى أنسنة الكتاب؛ أي إننا حوّلنا الأفكار إلى بشر، كالزواج الذي صار عرساً حقيقياً على المسرح، و(أورفليس) المدينة المتخيّلة التي اخترعنا لها مختاراً وأهلاً فعليين».

كانت سنةً دامية في لبنان تلك التي عُرضت خلالها مسرحيّة «جبران والنبي»؛ اغتيالات وتفجيرات متنقّلة، لكنّ سحر قلعة بيبلوس والموقع الأثري المطلّ على الميناء والذي اختير لعرض المسرحيّة، نقل الناس مؤقّتاً إلى عالم آخر. أبحروا على سفينة «المصطفى» التي توّجت المشهديّة في بحر جبيل.

يسمّي أسامة الرحباني تلك المسرحيّة «masterpiece»؛ أي تحفة، مضيفاً أنّ «الحوار بين جبران والنبي فيها هو من أجمل ما كُتب في المسرح على الإطلاق».

الفنان رفيق علي أحمد بدور «جبران» والفنان غسان صليبا بدور «النبي» (أرشيف غدي وأسامة الرحباني)

«النبي» في السينما

لم يقتصر التأثّر بـ«النبي» على الرحابنة، بل امتدّ أبعد من الحدود اللبنانية ومسقط رأس جبران. كثيرون هم الفنانون الذين ألهمهم الكتاب في مسرحيّاتهم وأغانيهم ولوحاتهم الراقصة. من بين هؤلاء، الممثلة المكسيكية من أصل لبناني سلمى حايك، التي أنتجت عام 2014 فيلم رسوم متحرّكة مقتبساً من «النبي» ويحمل عنوانه. ويروي الفيلم قصة «المصطفى» والطفلة «المترة» التي تُنقذ مؤلفاته ولوحاته من بطش العسكر. أما أحداث الفيلم فتدور في لبنان خلال حقبة الإمبراطورية العثمانية.

تعاونت حايك إخراجاً مع أحد أهم الأسماء في عالم الرسوم المتحرّكة، رودجر ألرز، الذي أخرج «Beauty & the Beast» (الجميلة والوحش)، و«Lion King» (الأسد الملك). أما هي فقد منحت صوتها لشخصية «كاميلا» والدة «المترة».

ترويجاً لفيلمها الذي وصفته بالغالي على قلبها، زارت حايك وطنها الأمّ لبنان، وجالت في بلدة بشرّي، مسقط رأس جبران حيث متحفه الذي يضمّ العدد الأكبر من أعماله. قالت حايك حينها إنّ «النبي» يذكّرها بجدّها اللبناني الذي توفّي عندما كانت في الـ6 من العمر، والذي كان يحتفظ بالكتاب على الطاولة قرب سريره.

تضيف حايك: «كنت في الـ18 من عمري يوم عثرت على الكتاب في مكسيكو، وعلى غلافه صورة رجلٍ عددته جدّي. أما حين قرأت الكتاب، فشعرت بأنّ جدّي المتوفّى يعلّمني عن الحياة من خلال السطور». تلك المعاني الشخصية التي يجسّدها «النبي» بالنسبة إلى حايك، جعلتها تتّخذ قراراً بنقله إلى السينما.

الممثلة سلمى حايك أمام تمثال جبران خليل جبران في بلدة بشرّي اللبنانية عام 2015

بخطّ يد إلفيس

من الفنانين والمشاهير مَن ألهمَه «النبي» فنياً، ومنهم من جعلوا منه زوّادة إنسانية وروحيّة. من بين هؤلاء المغنّي الأميركي إلفيس بريسلي الذي قرأ «النبي» عشرات المرات، إلى أن حفظه. كان أسطورة «الروك آند رول» يقدّم نسخاً إلى أصدقائه، ويقرأ مقاطع من الكتاب بصوت مرتفع لوالدته.

من بين النسخ التي قدّمها بريسلي إلى أصدقائه، واحدة وضع عليها ملاحظاته بخطّ يده، أهداها إلى صديقه ومرافقه إد باركر، وهي بيعت منذ سنتين بنحو 30 ألف دولار.

نسخة من كتاب «النبي» مع ملاحظات بخطّ يد المغنّي الأميركي إلفيس بريسلي

يذكر باركر أن بريسلي كان مُدركاً لحتميّة موته القريب، وكان لديه فضول لمعرفة المزيد عن الموت، وهذا ما قد يفسّر تعلّقه بـ«النبي». ومن بين الملاحظات التي خطّها على الكتاب، مستوحياً منه: «لديك في داخلك كل الإمكانات للإجابة عن الأسئلة التي تُثقل قلبك. سيمنحك الله المعرفة فقط إذا طلبتها».

ومن بين الفنانين الذين تأثّروا بجبران واقتبسوا كلامه غناءً، مغنّي فريق الـ«بيتلز» جون لينون.


مقالات ذات صلة

أربعة أيام في محبة الشعر

ثقافة وفنون أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً

«الشرق الأوسط» (الأقصر (مصر))
ثقافة وفنون أليخاندرا بيثارنيك

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

يُقال إن أكتافيو باث طلب ذات مرة من أليخاندرا بيثارنيك أن تنشر بين مواطنيها الأرجنتينيين قصيدة له، كان قد كتبها بدافع من المجزرة التي ارتكبتها السلطات المكسيكية

ماغنوس وليام أولسون باسم المرعبي (ترجمة)
ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
ثقافة وفنون مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية

«الشرق الأوسط» (الظهران)
ثقافة وفنون أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد.

محمود الزيباوي

أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
TT

أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم

أراقب باهتمام كبير عالمنا المتغير هذا. لعلك أنت أيضاً تفعل ذلك. تتمعن فيه وهو يعيد تشكيل ذاته مثل وحش أسطوري، في زمن إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وما لهما وما عليهما... في زمن الروبوتات المؤنسنة والعقول الذكية الاصطناعية وما لها وما عليها، تحدُث من حين لآخر هزات عنيفة تحلج بعض العقول الهانئة، ذات القناعات القانعة، فتستيقظ بغتة على أسئلة طارئة. مدوِّخة بلْ مكهرِبة.

- ما هذا الذي يحدث؟

تماماً كما حدث في المعرض الدولي للكتاب في الجزائر، حدث ذلك منذ طبعتين في الصالون الدولي للكتاب في باريس، إذ حضر كتاب كبار ذوو شهرة عالمية، كل واحد منهم يركب أعلى ما في خيله، وحطّت رحالَها دورُ نشرٍ لا يشقّ لها غبار. لكن المنظمين والمشاركين والملاحظين والمراقبين والذين يعجبهم العجب، والذين لا يعجبهم العجب، على حين غرة وفي غفلة من أمرهم، فوجئوا بآلاف القادمين من الزوار شباباً وبالغين، كلهم يتجهون صوب طاولة، تجلس خلفها كاتبة في العشرينات، لا تعرفها السجلات العتيقة للجوائز، ولا مصاطب نقاش المؤلفين في الجامعات، أو في القنوات الشهيرة المرئية منها والمسموعة. الكاتبة تلك شابة جزائرية تفضّل أن تظلَّ حياتها الخاصة في الظِّل، اسمها سارة ريفنس، وتُعد مبيعات نسخ رواياتها بعشرات الملايين، أما عدد قرائها فبعدد كتّاب العالم أجمعين.

وكالعادة، وكما حدث منذ سنوات مع الروائية الجزائرية الشابة سارة ريفنس، أثار القدوم الضاج للكاتب السعودي أسامة مسلم ذهول جل المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي، حين حضر إلى المعرض الدولي للكتاب في الجزائر 2024. وقبله معرض الكتاب بالمغرب ومعارض كتب عربية أخرى، وفاجأ المنظمين والزوار والكتاب فيضانُ نهر هادر من الجموع الغفيرة الشابة من «قرائه وقارئاته». اكتظ بهم المكان. جاءوا من العاصمة ومن مدن أخرى أبعد. أتوا خصيصاً للقائه هو... هو وحده من بين الكتاب الآخرين الكثر المدعوين للمعرض، الذين يجلسون خلف طاولاتهم أمام مؤلفاتهم، في انتظار أصدقاء ومعارف وربما قراء، للتوقيع لهم بقلم سائل براق حبرُه، بسعادة وتأنٍّ وتؤدة. بخط جميل مستقيم، وجمل مجنّحة منتقاة من تلافيف الذاكرة، ومما تحفظه من شذرات ذهبية لجبران خليل جبران، أو المنفلوطي أو بودلير، أو كلمة مستقاة من بيت جميل من المعلقات السبع، ظلّ عالقاً تحت اللسان منذ قرون.

لا لا... إنهم جاءوا من أجله هو... لم تأتِ تلك الجموع الغفيرة من أجل أحد منهم، بل ربما لم ترَ أحداً منهم، وأكاد أجزم أنها لم تتعرف على أحد منهم... تلك الجموع الشابة التي ملأت على حين غرة أجنحة المعرض، ومسالكَه، وسلالمَه، وبواباتِه، ومدارجَه، واكتظت بهم مساحاته الخارجية، وامتدت حتى مداخله البعيدة الشاسعة. يتدافعون ويهتفون باسم كاتبهم ومعشوقهم، هتافات مضفورة بصرخات الفرح:

- أووو... أووو... أووو أسامة...!!

يحلمون بالظفر برؤيته أخيراً عن قرب، وبلقائه هذه المرة بلحمه وعظمه، وليس شبحاً وصورة وصوتاً وإشارات خلف الشاشات الباردة لأجهزتهم الإلكترونية. يأملون بتوقيعه على الصفحة الأولى من إحدى رواياته، ولتكن روايته «خوف» مثلاً.

هكذا إذن... الأدبُ بدوْره، أضحى يرفض بيت الطاعة، بل يهدمه ويِؤسس قلعته الخاصة، التي تتماهى مع هندسة ذائقة العصر الجديدة، القابلة للنقاش. إنها الإشارة مرة أخرى ومنذ ظهور الكائن البشري من نحو ثلاثة مليارات سنة، على أن الزمن يعدو بالبشر بسرعة مدوخة، بينما هم يشاهدون - بأسف غالباً - حتف الأشياء التي تعوّدوا عليها، وهي تتلاشى نحو الخلف.

من البديهي أن الكتابة على الصخور لم تعد تستهوي أحداً منذ أمد بعيد، سوى علماء الأركيولوجيا الذين لهم الصبر والأناة، وقدرة السِّحر على إنطاقها، وقد أثبتوا ذلك بمنحنا نص جلجامش، أول نص بشري كتب على الأرض، وأما نظام الكتابة فقد تجاوز معطى الشفهية إلى الطباعة، ثم إلى الرقمية، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي و...!

على ذِكر الذكاء، فليس من الذكاء ولا الفطنة التغاضي عن الواقع المستجد، أو التعنت أمام فكرة أن العالم في تغير مدوّ وسريع، وقد مسّ سحره كل جوانبه ومنها سوق الأدب، ولا بد من الاعتراف أن المنتِج للأدب كما المستهلك له، لم يعودا خاضعين في العرض والطلب لشروط أسواقه القديمة، وإن لم تنقرض جميعها، في ظل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتوفر الـ«بلاتفورم» و«يوتيوب» و«إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك» وهاشتاغ وما جاورها.

لكن الأمر الذي لا بد من توضيحه والتأكيد عليه، أن دمغة الأدب الجيد وسمة خلود الإبداع، لا تكْمنا دوماً وبالضرورة في انتشاره السريع، مثل النار في الهشيم، وقت صدوره مباشرة، وإلا لما امتد شغف القراء عبر العالم، بالبحث عن روايات وملاحم وقصص عبرت الأزمنة، بينما لم تحظَ في وقتها باهتمام كبير، والأمثلة على ذلك عديدة ومثيرة للتساؤل. أسامة مسلم، وسارة ريفنس وآخرون، كتّاب بوهج ونفَس جديدين، على علاقة دائمة ووطيدة وحميمية ومباشرة مع قرائهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي، فلا يحتاجون إلى وسيط. مؤلفون وأدباء شباب كثر عبر العالم، من فرنسا وأميركا وإنجلترا وكندا وغيرها مثل Mélissa Da Costa - Guillaume Musso - Laura Swan - Morgane Moncomble - Collen Hoover - Ana Huang وآخرين وأخريات ينتمون إلى عالم رقمي، تسيطر فيه عناصر جديدة تشكل صلصال الكتابة وجسر الشهرة... لم يمروا كما مر الذين من قبلهم على معابر الأدب، وتراتبية مدارسه المختلفة التي وسمت مراحل أدبية متوهجة سابقة لهم، ولم يهتموا كثيراً بالنّسَب الجيني لأجدادهم من الروائيين من القارات الخمس بمختلف لغاتهم، ولم يتخذوا منهم ملهمين، ولا مِن مقامهم هوى. كتابٌ شباب، أضحت مبيعات رواياتهم تتصدر أرقام السوق، فتسجل عشرات الملايين من النسخ، وتجتاح الترجمات عشرات اللغات العالمية، ودون سعي منهم ترصد ذلك متابعات صحافية وإعلامية جادة، وتدبج عنهم مقالات على صفحات أكبر الجرائد والمجلات العالمية، وتوجه لهم دعوات إلى معارض الكتب الدولية. كتاب لم يلجئوا في بداية طريقهم ومغامرتهم الإبداعية إلى دور النشر، كما فعلت الأجيال السابقة من الأدباء، بل إن دور النشر الكبيرة الشهيرة لجأت بنفسها إليهم، طالبة منهم نشر أعمالهم في طباعة ورقية، بعد أن تحقق نجاحهم من خلال منصات النشر العالمية وانجذب إليهم ملايين القراء. فرص سانحة في سياق طبيعي يتماهى مع أدوات العصر مثل: Wattpad - After Dark - nouvelle app - Creative Commons وغيرها.

ولأن التفاؤل الفكري يرى فرصة في كل عقبة، وليس في كل فرصة عقبة كما جاء على لسان وينستون تشرشل، ولأن الوعي بالحداثة يأتي متأخراً زمنياً، فإن ما يحدثه الكتّاب الروائيون الشباب Bests eller البستسيللر في العالم، من هزات مؤْذنة بالتغيير، ومن توهج استثنائي في عالم الكتابة، ومن حضور مُربك في معارض الكتاب، تجعلنا نطرح السؤال الوجودي التالي: هل ستتغير شروط الكتابة وتتبدل مقاييسها التقليدية، وهل ستنتفي معارض الكتاب أم تتغير. وكيف ستكون عليه إذن في الأزمنة المقبلة؟