«رصاصة الدلبشاني»... رواية تستعيد محاولة اغتيال سعد زغلول

غلاف الرواية
غلاف الرواية
TT

«رصاصة الدلبشاني»... رواية تستعيد محاولة اغتيال سعد زغلول

غلاف الرواية
غلاف الرواية

«في مثل هذا اليوم من العام الماضي، كان الاعتداء على حياتي في محطة القاهرة. وكان لهذا الحادث رجة عنيفة في مصر وأنحائها، أما اليوم فليس له ذكر في جريدة أو كتاب». هكذا كتب الزعيم سعد زغلول باشا (1859 - 1927) في مذكراته بتاريخ 12 يوليو (تموز) 1925. لم يكن الرجل زعيماً عادياً في تاريخ مصر، فهو أحد المناضلين من أجل الاستقلال عن الاحتلال الإنجليزي، كما أنه الأب الروحي لثورة 1919 التي استعادت هوية البلاد، وتولى منصب رئيس الوزراء.

في روايته الجديدة «رصاصة الدلباشي» الصادرة عن دار «الشروق» بالقاهرة، يستعيد الكاتب إيمان يحيى ملابسات محاولة الاغتيال تلك ليجعلها الحدث المركزي في دراما تاريخية تجري وقائعها على لسان عدة شخصيات صنعت الحدث أو كانت شاهدة على ملابساته من زوايا مختلفة، من أبرزها صاحب المحاولة «عبد الخالق عبد اللطيف»، وهو طالب مصري كان يدرس الطب في ألمانيا قبل أن يعود إلى القاهرة، و«انغرام بك» الموزع بين انتمائه لوزارة سعد التي يتلقى منها راتبه وبين انتمائه لبريطانيا العظمى كمواطن إنجليزي.

تقع الرواية في 197 صفحة من القطع المتوسط، وتتسم بالتشويق والإيقاع المتصاعد، وتعكس اللغة فيها إيقاع ذلك العصر وثقافته، وتعد وثيقة أدبية تاريخية حول فترة حرجة من تاريخ مصر السياسي والاجتماعي.

يشير الكاتب محمد المخزنجي في كلمته حول العمل الواردة بنهاية النص إلى أنه سبق وأن قرأ رواية إيمان يحيى المذهلة «الزوجة المكسيكية»، التي تروي قصة حب وزواج مجهولة في حياة الكاتب يوسف إدريس، فاكتشف فيها أنشودة حب لكاتب عظيم وتفهم عميق لنفس مرهفة وقلب متوهج، مؤكداً أنها عمل رائع يسجل اختراقاً إبداعياً في بناء هذه الرواية ومصادر سردها وأناقة لغتها، وهي بكل ذلك وأكثر من ذلك عمل يصعد بجمال على مدارج الرواية الأحدث في العالم، أي الرواية التي تمضي بتيارها المنساب في نهر يعبر تنوعات عديدة لمصادر السرد، مثل البحث والتحقيق والتوثيق، ويقدم لنا الواقع محلقاً بجناحين كالخيال.

وحول رواية «رصاصة الدلبشاني»، قال «المخزنجي» إنها «العمل الروائي الرابع للمؤلف، وتتناول قصة رصاصة أصابت صدر سعد زغلول ولم تقتله ولم تخرج من جسده، بل لم تخرج من النفس والروح عبر دراما تتوزع أدوارها على شخوص عدة من العشاق والمتعبين والضحايا والجناة. ومن جديد يثير إيمان يحيى الدهشة بحفائره التي يستخرجها من عمق النسيان، ويزيل عنها ترابها، ويجلوها، فتعود تنبض وننبض معها منفعلين، نصرخ: ما أغرب وأشبه اليوم بالبارحة، وما أجمل تلك اللغة الأنيقة ذات المشاهد التي تثير الأسى والحنين».

من أجواء الرواية نقرأ:

«كدت أخبره بأنني حاولت مقابلة سعد في مكتبه برئاسة الوزارة مرتين، لكن مدير مكتبه لم يسمح لي. أردت أن أخبر الباشا بتحيات الطلاب المصريين في برلين ومناشداتهم إياه بألا يريق ماء وجه المصريين أمام الإنجليز. تغير الزعيم بعد أن تولى الوزارة، فاجأني السعدني قائلاً:

نسوا الاستقلال واهتموا بالدستور والبرلمان وشكلوا الوزارة، هذا الرجل ليس بزعيم إنما هو دجال كاذب.

نظرتُ ملياً في عينيه فابتسم. أردف قائلاً:

ما بك؟ عيناك تبرقان كمجنون!

لا شيء، فقط أدركت أن كثيراً من المصريين لم يعودوا متأثرين بسحره وألاعيبه، لا بد من إيقافه بأي ثمن حتى لو كان قتله.

صمت مفاجئ أعقب كلماتي الأخيرة، أنا نفسي فوجئت بفكرة القتل التي قفزت على لساني. نظرت ناحية السعدني فوجدت ابتسامة هينة على وجهه. كان مستغرقاً في تفكير عميق بينما انطفأ بريق عينيه فصارتا يمّاً بلا قرار. التفتْ برأسه يمنة ويسرة ليتأكد من خلو المناضد القريبة من مسترقي السمع. جاءت كلماته بطيئة متأرجحة ما بين تصديق وإنكار:

هل تقصد فعلاً ما قلته الآن؟ هل أنت على استعداد لاغتياله؟

منذ متى كان الاغتيال في سبيل الوطن جريمة؟ مصر كلها تشهد بوطنية عصابة «اليد السوداء» وقاتلي جنود الاحتلال ومغتالي السياسيين الخونة المتهاونين في حق البلاد. لم أشأ أن أتراجع عما صرحت به، فأكدت له على جديتي. نظر في عيني بحدة وكأنه ينفذ إلى داخلي. تنحنح وأردف هامساً:

أراك غداً في نفس الموعد هنا. سأساعدك!».


مقالات ذات صلة

مختبر فلسطين... قنابل يدوية بدل البرتقالات

كتب مختبر فلسطين... قنابل يدوية بدل البرتقالات

مختبر فلسطين... قنابل يدوية بدل البرتقالات

يتجاوز الصحافي أنتوني لونشتاين، الخطوط المحلية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في كتابه الاستقصائي «مختبر فلسطين: كيف تُصَدِّر إسرائيل تقنيات الاحتلال إلى العالم»

عبد الرحمن مظهر الهلّوش (دمشق)
كتب سردية ما بعد الثورات

سردية ما بعد الثورات

لا تؤجل الثورات الإفصاح عن نكباتها، هي جزء من حاضرها، وتوقها إلى التحقق، وتلافي تكرار ما جرى، بيد أنها سرعان ما تصطنع مآسيها الخاصة، المأخوذة برغبة الثأر

شرف الدين ماجدولين
ثقافة وفنون «فلسفة هيوم»... زيارة جديدة لأحد أهم مفكري القرن الثامن عشر

«فلسفة هيوم»... زيارة جديدة لأحد أهم مفكري القرن الثامن عشر

عن دار «أقلام عربية» بالقاهرة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «فلسفة هيوم: بين الشك والاعتقاد» الذي ألفه الباحث والأكاديمي المصري د. محمد فتحي الشنيطي عام 1956

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد

أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون

 «من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
TT

أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون

 «من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر

ككل نهاية سنة ينشر الإعلام الفرنسي قائمة بالكتب والإصدارات التي سجَّلت أقوى المبيعات على مدار السنة. النتائج تُنشر بناءً على أرقام معاهد الإحصاء المختصة، مثل «إيدستا» أو «داتاليب»، ولكن أيضاً انطلاقاً من الأرقام التي أعلنت عنها دور النشر، وهي لا تأخذ بعين الاعتبار القيمة الأدبية للإصدارات، بل النجاح التجاري فقط، حيث يحدث أن نجد في أسفل القائمة كتباً قيّمة لاقت ترحيب النقاد لكنَّ الإقبال الجماهيري عليها كان ضعيفاً.

من هذا المنظور تُوجت دار نشر «ألبان ميشال» هذه السنة «ملكة للمبيعات»، حيث سجلت بفضل غزارة ونوعية الأعمال التي أشرفت على نشرها هذه السنة، أكبر النجاحات. أول هذه الأعمال كانت رواية «من أجل عيون منى» للكاتب والباحث في تاريخ الفن توماس شيسلر، وهي الرواية التي فاقت منذ صدورها كل التوقعات، إذ حازت اهتماماً إعلامياً واسعاً، كما تُرجمت إلى 32 لغة بما فيها العربية، وبيعت بأكثر من 390 ألف نسخة (أرقام خاصة بفرنسا) وهي تروي قصّة «منى»، طفلة في العاشرة تصاب بتوقف تدريجي للبصر، فيقرر جدها معالجتها على طريقته الخاصة بأن يصطحبها في كل أسبوع إلى أكبر متاحف فرنسا لتتأمل روائع الفن العالمي.

«مذكرات» لجوردن بارديلا

من الأعمال الناجحة أيضاً الرواية الرابعة للكاتبة فاليري بيران «تاتا» وهي بوليسية نفسية تروي قصة كوليت، امرأة مختفية تقوم ابنة أختها بالتحقيق في سبب اختفائها لتكتشف أن لخالتها حياة مزدوجة. هذه الرواية بيعت بأكثر من 250 ألف نسخة وهو نفس الإنجاز الذي وصلت إليه رواية «نادل فندق الريتز» للكاتب فيليب كولين، وهي القّصة الحقيقية لفرانك مايير، أشهرا نادل في باريس إبان حقبة النظام الفيشي. «ألبان ميشال» كانت أيضاً المؤسسة التي نشرت السيرة الذاتية لرئيسة وزراء ألمانيا السابقة أنجيلا ميركل بعنوان «الحرية: الذكريات 1954 - 2021» التي تروي فيها مسيرتها السياسية عبر أكثر من 700 صفحة. ورغم أن الكتاب بيع منه نحو 350 ألف نسخة فإن الإنجاز لم يكن في مستوى توقعات وآمال الناشر على اعتبار أنه دفع أكثر من 400 ألف يورو في مزاد علني خاص (حسب مصادر مجلة «لكسبرس») مقابل الحصول على حقوق النشر، ناهيك بمصاريف الترجمة والدعاية والتوزيع، خصوصاً إذا ما قورن بما حققته دار نشر «فايار» مع الطبعة الفرنسية لمذكرات ميشال أوباما مثلاً، التي بيع منها داخل فرنسا 500 ألف نسخة وأكثر من عشرة ملايين في العالم. سنة 2024 أكدت أيضاً صحة الآراء التي ترى أن الجوائز تسهم في الترويج للكتب ورفع المبيعات، فعلى الرغم من الجدل الكبير بخصوص قضية نشر قصّة سعادة عربان البطلة الحقيقية لـ«الحوريات» لكمال داود دون إذنها، فإن الرواية تمكنت من تحقيق نجاح تجاري كبير منذ صدورها في 15 أغسطس (آب)، إذ بيع منها حتى الآن أكثر من 390 ألف نسخة، متبوعة برواية «جاكاراندا» التي يواصل فيها الكاتب غاييل فاي استكشاف إشكالات المنفى والذاكرة والهويات المتعددة من موطنه رواندا. هذه الرواية كانت تنافس «الحوريات» على جائزة «غونكور» لكنها ختمت السنة بجائزة «رونودو»، وبيع منها أكثر من 250 ألف نسخة، وهي الثانية لفاي بعد ثماني سنوات على صدور عمله الروائي الأول «البلد الصغير». أقل منهما حظاً الكاتبة هيلين غودي، فرغم ترحيب النقاد بعملها وترشحها للقائمة الصغيرة لـ«غونكور» فإن عملها الروائي لم يلقَ الرواج المتوقَّع، حيث لم تَبِعْ من روايتها «الأرخبيل» سوى 4000 نسخة منذ صدورها.

«تاتا» لفاليري بيرن

سنة 2024 تميزت أيضاً بنجاح الكتب السياسية لشخصيات من اليمين المتطرف، أهمها إصدارات تابعة لدار نشر «فايار» التي أصبحت مِلك رجل الأعمال فنسان بولوري المعروف بقربه من تيار اليمين المتطرف. أهم هذه الإصدارات السيرة الذاتية لجوردان برديلا، رئيس حزب التجمع الوطني، وهي بعنوان «عن ماذا أبحث؟»، حيث لاقت إقبالاً كبيراً وبيع منها 150 ألف نسخة، إضافةً إلى كتاب فيليب دو فيليي، وهو شخصية سياسية محافظة من اليمين المتطرف سجّل كتابه «مبيد الذاكرة» أكثر من 140 ألف نسخة، في الوقت الذي سجلت فيه كتب الشخصيات اليسارية أمثال الرئيس السابق فرانسوا هولاند، وآن هيدالغو، عمدة باريس، فشلاً ذريعاً، حيث بيع من عمل الرئيس السابق 6000 نسخة، و السيدة هيدالغو 250 نسخة فقط.

على أن روايات الجريمة والتشويق تبقى الأكثر شعبية.

على رأس القائمة الرواية البوليسية «حيوان متوحش» للكاتب السويسري جويل ديكير وهي من نوع المغامرات البوليسية، وحازت رواجاً شعبياً كبيراً وبيعت بأكثر من 420 ألف نسخة. تليها الرواية الجديدة لغيوم ميسو «شخص آخر»، وهي من النوع البوليسي أيضاً وبيع منها 390 ألف نسخة.

«فادي الأخ المسروق» لرياض سطوف

ودائماً في عالم الجريمة تَحوَّل الطبيب الشرعي البلجيكي فيليب بوكسو إلى نجم المكتبات الفرانكوفونية بفضل كتب استلهمها من خبرته في تشريح الجثث وأسلوبه المتسم بروح الفكاهة اللاذعة. وقُدرت مبيعات كتابه الأخير «في مواجهة الموت» بـ300 ألف نسخة.

والجديد هذه المرة اقتحام القصص المصوَّرة وسلاسل المانغا بقوة سوق الكتب. حيث نقلت وسائل الإعلام الفرنسية النجاح الساحق الذي سجَّله المؤثر الشاب «أنوكس تاغ» بسلسلة المانغا «الغريزة» أو «أنستا»، (دار نشر «ميشال لافون»)، التي بيع منها 265 ألف نسخة بعد شهرين فقط من صدورها، إضافةً إلى سلسلة الرسوم المصّورة: «أنا فادي... الابن المسروق» للرسّام السوري الفرنسي رياض سطّوف الذي يعد من الأسماء المتعودة على احتلال صدارة قوائم الكتب الأكثر مبيعاً (بيست سيلرز) في فئة القصّص المصورة (بي دي)، فهو معروف بسلسلة «عربي من المستقبل» التي أصدر منها 6 مجلدات، وهي سيرة ذاتية هزلية عن حياته من الطفولة في سوريا وليبيا إلى حياته في المهجر. «عربي من المستقبل» كانت قد حازت بها عدة جوائز منها «الجائزة الكبرى لمهرجان أنغولام» أما السلسلة الجديدة فقد بيع منها أكثر من 350 ألف نسخة.