كتاب «السياسي الأخير» يروي أسرار بايدن واعترافاته 

الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)
TT

كتاب «السياسي الأخير» يروي أسرار بايدن واعترافاته 

الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

يكشف كتاب «السياسي الأخير داخل البيت الأبيض لجو بايدن والنضال من أجل مستقبل أميركا» للكاتب فرانكلين فوير خفايا أول عامين من حكم الرئيس الأميركي جو بايدن، وطريقة تفكيره وأسلوب اتخاذه للقرارات التي أصدرتها إدارته خلال العامين الماضيين، ومنها تصميمه على سحب القوات الأميركية من أفغانستان، ورده السريع على الغزو الروسي لأوكرانيا، وعلاقاته بالرؤساء مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وزلات لسانه، ونوبات غضبه على مساعديه ومستشاريه في البيت الأبيض.

غلاف كتاب «السياسي الأخير»

ومن المقرر أن يطرح الكتاب في الأسواق الأسبوع المقبل، ما يثير قلق مسؤولي البيت الأبيض مما سيكشفه الكتاب من خفايا وتأثير نشره على مسار الانتخابات للعام المقبل.

الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ف.ب)

ومن المقتطفات التي أشارت لها بعض وسائل الإعلام الأميركية عن الكتاب الجديد ما يتعلق بكواليس قرار بايدن سحب القوات الأميركية من أفغانستان، حيث يقول فرانكلين فوير إن بايدن كان مصمما على الخروج من أفغانستان بغض النظر عن التكلفة.

ويروي الكاتب في مقاله بمجلة «أتلانتك» أن المسؤولين في البيت الأبيض والخارجية كانوا يعلمون أن عليهم التعامل مع التاريخ المحدد لمغادرة القوات الأميركية من أفغانستان بحلول 31 أغسطس (آب)، ويعملون للتوصل إلى نوع من الاتفاق الذي من شأنه أن يتوج باستقالة الرئيس أشرف غني من منصبه وبدء انتقال منظم للسلطة إلى ائتلاف يضم حركة طالبان.

ويضيف الكاتب: «كان هناك خطط لسيناريوهات كارثية، لكن لم يكن أحد يتوقع أن تكون هناك حاجة إليها خاصة أن التقييمات الاستخباراتية أكدت أن الجيش الأفغاني سيكون قادرا على صد تحركات طالبان لعدة أشهر».

ويقول الكاتب، بناء على عشرات المقابلات التي أجراها مع المسؤولين عقب سقوط كابل في يد طالبان، «تحدثت مع هؤلاء المشاركين في قرار الانسحاب وكانت إخفاقاتهم واضحة للغاية، لدرجة أنهم كانوا في حاجة ماسة إلى شرح أنفسهم».

ويصف تلك الفترة، قائلا: «في تلك الأيام المشحونة كانت السياسة الخارجية التي تتم مناقشتها من غرفة العمليات (the Situation Room) حية بشكل مرعب».

ووجد الرئيس جو بايدن ومساعدوه أنفسهم يحدقون في عواقب قراراتهم، وبينما كانوا يتابعون تفاصيل الإخلاء الجماعي، كان بايدن والدائرة الداخلية له يرون أن إرث أفغانستان سيظل يطاردهم خلال الانتخابات المقبلة وأيضا إلى قبورهم.

ويوضح الكاتب أن أزمة أفغانستان أثرت على شخصية بايدن، فبينما كان يتم تصويره على أنه ريشة في المجال السياسي، أظهر بايدن التصميم حتى العناد على الخروج من أفغانستان على الرغم من الانتقادات الغاضبة من شخصيات (عسكرية) كان يتوق للحصول على موافقتها.

الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

ويضيف الكاتب: «عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية كان جو بايدن يملك ثقة كبيرة بنفسه ويحب مهاجمة الدبلوماسيين والنقاد وكان يصفهم بأنهم كارهون للمخاطرة وكسالى في تفكيرهم».

غضب بايدن على زيلينسكي

ويشير الكتاب إلى غضب بايدن على الرئيس الأوكراني زيلينسكي في أول اجتماع لهما بالبيت الأبيض، حينما طلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، ما أغضب الرئيس الأميركي.

وبحسب الكاتب فرنكلين فوير فشل الرجلان في إقامة علاقة جيدة في بداية علاقتهما، وغضب بايدن بشدة من تحليل زيلينسكي «السخيف» لديناميكيات حلف شمال الأطلسي.

الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

ويقول فوير إن زيلينسكي ظل يعاني من الاستياء المستمر من هذه المقابلة، ويلوم بايدن على الإذلال والإحراج السياسي الذي تعرض له.

ويقول المؤلف أيضا إن زيلينسكي عد بايدن ضعيفا خاصة حينما قرر في عام 2021 التنازل عن العقوبات ضد الشركة الروسية التي تقوم ببناء نورد ستورم 2 وهو خط أنابيب الغاز إلى ألمانيا.

وبعد اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، أشاد فوير في كتابه بقيادة بايدن للدعم الدولي لأوكرانيا قائلا: «إن بايدن أثبت أنه رجل بالنسبة لعمره» لكن مع استمرار الحرب والدعم العسكري والمالي لكييف أصبح الأمر قضية ساخنة في الكونغرس وفي الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري.

ويري خبراء أن استعراض الكتاب للبداية المتعثرة لعلاقة بايدن وزيلينسكي قد يزيد من قلق المسؤولين في البيت الأبيض من الكتاب وتأثيره بعد صدوره الأسبوع المقبل.

بايدن وبوتين

ويشير الكتاب إلى كثير من زلات لسان بايدن، ومنها تصريحه العام الماضي في بولندا، حينما قال «من أجل الله، لا يمكن لهذا الرجل أن يبقي في السلطة» وكان يشير إلى الرئيس بوتين.

وبدا كأن الرئيس الأميركي يدعو إلى تغيير النظام في روسيا. ويقول الكتاب «بعد إلقاء هذا الخطاب الذي ربما أكسب بايدن التقدير الذي يريده، أصبح ارتجاله هو العنوان الرئيسي، وعرف بايدن على الفور أن البيت الأبيض سيتعين عليه توضيح الخطأ، وبالفعل أصدر مساعدوه بيانا ينفي فيه البيت الأبيض فكرة تغيير النظام في روسيا».

ويقول الكاتب «فجأة لم تعد الصحافة تتغزل في انتصاراته الدبلوماسية ووصفته بأنه شخص يفتقر إلى ضبط النفس».

ويضيف فوير «غادر بايدن بولندا منهيا جولته وهو يشعر بالأسف على نفسه، وكان يعلم أنه أخطأ لكنه استاء من أن مساعديه خلقوا الانطباع أنهم قاموا بتنظيف الفوضى التي ارتكبها» ويقول الكاتب إن «بايدن بدلا من الاعتراف بخطئه أعرب لأصدقائه عن غضبه من الطريقة التي عومل بها كطفل صغير».

الاعتراف بالتعب

ويشير الكاتب إلى نوبات غضب بايدن ضد موظفيه وأن بايدن اعترف سرا لمستشاريه بشعوره بالتعب والإرهاق.

ويقول «كان من اللافت أن بايدن لم يعد يعقد سوى عدد قليل من الاجتماعات الصباحية، وبدا واضحا التدهور الجسدي وتراجع قدراته العقلية مع مرور الوقت، وعدم القدرة على استحضار اسم بسهولة، وهو ما لا يمكن لأي نظام غذائي أو تمرين أن يقاومه، وفي السر كان بايدن يعترف أحيانا أنه يشعر بالتعب».

الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

ومن المقرر أن يطرح كتاب «السياسي الأخير داخل البيت الأبيض لجو بايدن والنضال من أجل مستقبل أميركا» المكون من 432 صفحة الأسبوع المقبل في الأسواق، ووصفت مجلة «بولتيكو» الكتاب بأنه سيكون بمثابة شهادة مفصلة لنجاحات وإخفاقات بايدن من الانتخابات الرئاسية في 2020 إلى الانتخابات التشريعية في 2022.

وقالت المجلة إن الكاتب فرانكلين فوير بدأ في رصد أول مائة يوم للرئيس بايدن في منصبه، وكان جوهر الكتاب هو التركيز على الطريقة التي تعاملت بها إدارة بايدن مع وباء «كوفيد - 19» وكيف تراجع عن سياسات ترمب، لكن الكاتب توسع في كتابه ليشمل أول عامين للرئيس بايدن في البيت الأبيض ويستفيض في كشف خفايا الانسحاب من أفغانستان وبدايات الحرب الروسية ضد أوكرانيا، والانتخابات التشريعية النصفية التي جرت في 2022.

وقد أجرى الكاتب ما يقرب من 300 مقابلة من نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 إلى فبراير 2023.

عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية كان جو بايدن يملك ثقة كبيرة بنفسه

فرانكلين فوير


مقالات ذات صلة

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

الولايات المتحدة​ دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

انتزع ترمب الفوز من منافسته الديمقراطية، معتمداً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا سكان أمام منزل متضرر بهجوم طائرة مسيّرة في منطقة أوديسا جنوب أوكرانيا (أ.ف.ب)

موسكو حذرت واشنطن قبل 30 دقيقة من إطلاق صاروخ «أوريشنيك» متوسط ​​المدى

قالت وزارة الدفاع الروسية إنها استخدمت صاروخاً «باليستياً» متوسط ​​المدى من طراز «أوريشنيك» لأول مرة في أعمال قتالية.

«الشرق الأوسط» (موسكو) «الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

بايدن: أوامر اعتقال الجنائية الدولية ضد زعماء إسرائيل «أمر شائن»

ندد الرئيس الأميركي جو بايدن بإصدار الجنائية الدولية أوامر لاعتقال نتنياهو وغالانت، وقال في بيان: «سنقف دوماً إلى جانب إسرائيل ضد التهديدات التي تواجه أمنها».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ مجلس الشيوخ الأميركي (رويترز)

مجلس الشيوخ الأميركي يجهض حظر إرسال أسلحة هجومية إلى إسرائيل

أحبط مجلس الشيوخ مساعي صدّ تسليم الأسلحة الهجومية لإسرائيل بسبب ممارساتها خلال الحرب في غزة، وفشل داعمو الطروحات في الحصول على الأصوات اللازمة لإقراره.

رنا أبتر (واشنطن)

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت
TT

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

قبل عشرين عاماً، خاض محرر في دار «بلومزبري للنشر» مخاطرة كبيرة إزاء كتاب غير عادي للغاية. فهي رواية خيالية أولى لسوزانا كلارك، تدور أحداثها في إنجلترا بالقرن التاسع عشر، وتحكي قصة ساحرين متنازعين يحاولان إحياء فنون السحر الإنجليزي المفقود. كانت المخطوطة غير المكتملة مليئة بالهوامش المعقدة التي تشبه في بعض الحالات أطروحةً أكاديميةً حول تاريخ ونظرية السحر. وكانت مؤلفة الكتاب سوزانا كلارك محررة كتب طهي وتكتب الروايات الخيالية في وقت فراغها.

أطلقت «جوناتان سترينج والسيد نوريل»، على الفور، سوزانا كلارك واحدةً من أعظم كُتاب الروايات في جيلها. ووضعها النقاد في مصاف موازٍ لكل من سي. إس. لويس وجيه. أر. أر. تولكين، وقارن البعض ذكاءها الماكر وملاحظاتها الاجتماعية الحادة بتلك التي لدى تشارلز ديكنز وجين أوستن. التهم القراء الرواية التي بِيع منها أكثر من أربعة ملايين نسخة.

تقول ألكساندرا برينغل، المحررة السابقة في «دار بلومزبري»، التي كُلفت بطباعة أولى بلغت 250 ألف نسخة: «لم أقرأ شيئاً مثل رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) في حياتي. الطريقة التي خلقت بها عالماً منفصلاً عن عالمنا ولكنه متجذر فيه تماماً كانت مقنعة تماماً ومُرسومة بدقة وحساسية شديدتين».

أعادت الرواية تشكيل مشاهد طمست الحدود مع الخيال، مما جعلها في القائمة الطويلة لجائزة «بوكر» وفازت بـ«جائزة هوغو»، وهي جائزة رئيسية للخيال العلمي والفانتازيا. وبسبب نجاح الرواية، نظمت جولات لها عبر الولايات المتحدة وأوروبا، ومنحتها «دار بلومزبري» لاحقاً عقداً ضخماً لرواية ثانية.

ثم اختفت كلارك فجأة كما ظهرت. بعد فترة قصيرة من إصدار الرواية، كانت كلارك وزوجها يتناولان العشاء مع أصدقاء بالقرب من منزلهما في ديربيشاير بإنجلترا. وفي منتصف الأمسية، شعرت كلارك بالغثيان والترنح، ونهضت من الطاولة، وانهارت.

في السنوات التالية، كافحت كلارك لكي تكتب. كانت الأعراض التي تعاني منها؛ الصداع النصفي، والإرهاق، والحساسية للضوء، والضبابية، قد جعلت العمل لفترات طويلة مستحيلاً. كتبت شذرات متناثرة غير متماسكة أبداً؛ في بعض الأحيان لم تستطع إنهاء عبارة واحدة. وفي أدنى حالاتها، كانت طريحة الفراش وغارقة في الاكتئاب.

توقفت كلارك عن اعتبار نفسها كاتبة.

نقول: «تم تشخيص إصابتي لاحقاً بمتلازمة التعب المزمن. وصار عدم تصديقي أنني لا أستطيع الكتابة بعد الآن مشكلة حقيقية. لم أعتقد أن ذلك ممكن. لقد تصورت نفسي امرأة مريضة فحسب».

الآن، بعد عقدين من ظهورها الأول، تعود كلارك إلى العالم السحري لـ«سترينج ونوريل». عملها الأخير، رواية «الغابة في منتصف الشتاء»، يُركز على امرأة شابة غامضة يمكنها التحدث إلى الحيوانات والأشجار وتختفي في الغابة. تمتد الرواية إلى 60 صفحة مصورة فقط، وتبدو مقتصدة وبسيطة بشكل مخادع، وكأنها أقصوصة من أقاصيص للأطفال. لكنها أيضاً لمحة عن عالم خيالي غني لم تتوقف كلارك عن التفكير فيه منذ كتبت رواية «سترينج ونوريل».

القصة التي ترويها كلارك في رواية «الغابة في منتصف الشتاء» هي جزء من روايتها الجديدة قيد التأليف، التي تدور أحداثها في نيوكاسل المعاصرة، التي تقوم مقام عاصمة للملك الغراب، الساحر القوي والغامض الذي وصفته كلارك بأنه «جزء من عقلي الباطن». كانت مترددة في قول المزيد عن الرواية التي تعمل عليها، وحذرة من رفع التوقعات. وقالت: «لا أعرف ما إذا كنت سوف أتمكن من الوفاء بكل هذه الوعود الضمنية. أكبر شيء أكابده الآن هو مقدار الطاقة التي سأحصل عليها للكتابة اليوم».

تكتب كلارك على طريقة «الغراب» الذي يجمع الأشياء اللامعة. وتصل الصور والمشاهد من دون سابق إنذار. تدون كلارك الشذرات المتناثرة، ثم تجمعها سوياً في سردية، أو عدة سرديات. يقول كولين غرينلاند، كاتب الخيال العلمي والفانتازيا، وزوج كلارك: «إنها دائماً ما تكتب عشرات الكتب في رأسها».

غالباً ما يشعر القارئ عند قراءة رواياتها وكأنه يرى جزءاً صغيراً من عالم أكبر بكثير. حتى كلارك نفسها غير متأكدة أحياناً من القصص التي كتبتها والتي لا توجد فقط إلا في خيالها.

تقول بصوت تعلوه علامات الحيرة: «لا أتذكر ما وضعته في رواية (سترينج ونوريل) وما لم أضعه أحب القصص التي تبدو وكأنها خلفية لقصة أخرى، وكأن هناك قصة مختلفة وراء هذه القصة، ونحن نرى مجرد لمحات من تلك القصة. بطريقة ما تعتبر رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) كخلفية لقصة أخرى، لكنني لا أستطيع أن أقول إنني أعرف بالضبط ما هي تلك القصة الأخرى».

في الحوار معها، كانت كلارك، التي تبلغ من العمر 64 عاماً ولديها شعر أبيض لامع قصير، تجلس في غرفة المعيشة في كوخها الحجري الدافئ، حيث عاشت هي والسيد غرينلاند منذ ما يقرب من 20 عاماً.

ويقع منزلهما على الامتداد الرئيسي لقرية صغيرة في منطقة بيك ديستريكت في دربيشاير، على بعد خطوات قليلة من كنيسة صغيرة مبنية بالحجر، وعلى مسافة قصيرة سيراً على الأقدام من حانة القرية التي يزورونها أحياناً. ويساعد هدوء الريف - حيث لا يكسر الصمت في يوم خريفي سوى زقزقة الطيور وثغاء الأغنام بين الحين والآخر - كلارك على توجيه أي طاقة تستطيع حشدها للكتابة.

في يوم رمادي رطب قليلاً في سبتمبر (أيلول)، كانت كلارك تشعر بأنها على ما يرام إلى حد ما، وكانت قد رفعت قدميها على أريكة جلدية بنية اللون؛ المكان الذي تكتب فيه أغلب أوقات الصباح. كانت تحمل في حضنها خنزيراً محشواً، مع ثعلب محشو يجاورها؛ ويلعب كل كائن من هذه المخلوقات دوراً في رواية «الغابة في منتصف الشتاء». تحب أن تمسك حيواناتها المحشوة أثناء العمل، لمساعدتها على التفكير، وكتعويذة «لدرء شيء ما لا أعرف ما هو. يفعل بعض الناس أشياء كالأطفال، ثم مع التقدم في العمر، يتخلون عن الأشياء الطفولية. أنا لست جيدة للغاية في ذلك».

نظرت إلى الخنزير وأضافت: «لا أرى حقاً جدوى في التقدم بالعمر».

ثم استطردت: «أكبر شيء يقلقني هو كم من الطاقة سأحتاج للكتابة اليوم؟».

وُلدت سوزانا كلارك في نوتنغهام عام 1959، وكانت طفولتها غير مستقرة، إذ كان والدها، وهو قس مسيحي، يغير الكنائس كل بضع سنوات، وانتقلت عائلتها ما بين شمال إنجلترا وأسكوتلندا. في منزلهم البروتستانتي، كان إظهار العواطف غير مرغوب فيه؛ ولذلك نشأت كلارك، الكبرى من بين ثلاثة أبناء، على الاعتقاد بأن التقوى تعني أنه «ليس من المفترض أن تفعل في حياتك ما يجعل منك إنساناً مميزاً»، كما تقول.

*خدمة: «نيويورك تايمز»