رئيس تركيا السابق يتذكر مراحل علاقته مع إردوغان

عبد الله غُل: لم أحلم يوماً بأن يكون بلدنا كما هو اليوم

 غل واروغان يقترعان في أحد الانتخابات في البرلمان (الشرق الأوسط)
غل واروغان يقترعان في أحد الانتخابات في البرلمان (الشرق الأوسط)
TT

رئيس تركيا السابق يتذكر مراحل علاقته مع إردوغان

 غل واروغان يقترعان في أحد الانتخابات في البرلمان (الشرق الأوسط)
غل واروغان يقترعان في أحد الانتخابات في البرلمان (الشرق الأوسط)

يصدر قريباً عن دار «نوفل» كتاب للزميل ثائر عباس «يبحث في ذاكرة الرئيس التركي السابق عبد الله غُل»، ليؤرخ لمرحلة وصول حزب «العدالة والتنمية» إلى الحكم في تركيا، ويتحدث عن تفاصيل «الصعود والهبوط التركي»، من خلال مقابلات أجراها مع الرئيس غُل، ولقاءات مع كثيرين من المحيطين به من مسؤولين فاعلين كانوا إلى جانبه خلال الفترة المذكورة، وصولاً إلى مغادرته السلطة.

في الفصل الأخير من الكتاب الذي تنشر «الشرق الأوسط» مقتطفات منه، ينشر الكاتب حواراً مع الرئيس غُل يتحدث فيه عن خيبة أمله من الواقع الذي أصبحت عليه البلاد. يقول غُل: «رؤيتي كانت لتركيا ديمقراطيّة بنظام برلماني ودولة قانون ومعايير عالية قانونيّاً واقتصادياً. هي الآن بعيدة جدّاً عن هذا، هذه ليست تركيا التي حلمنا بها. هناك حكم شخص واحد في تركيا، فإذا قام بعمله جيّداً تذهب تركيا في الاتّجاه الجيّد، وإذا قام بعمل سيّئ تذهب في هذا الاتّجاه. لا أريد أن ألوم أحداً؛ لكنّ رجلاً واحداً لا يستطيع القيام بكلّ هذا. التاريخ يقول هذا، وليس مفاجئاً أنّ نظام حكم الرجل الواحد لن يحمل النجاح ولا السعادة للشعب التركي».

غلاف الكتاب (الشرق الأوسط)

يضيف رداً على سؤال: «لقد أعلنت صراحة أنّني ضدّ النظام الرئاسي عندما بدأ البحث فيه... رئيس الجمهوريّة الحالي هو صديقي، ولهذا كنت أتمنّى له النجاح في قيادة البلاد؛ لكن التجربة أثبتت أنّ هذا ليس صحيحاً وغير مفيد له ولا للوطن. وقد تحدّثت إليه بهذا الشأن كثيراً، وأعلنت ذلك للرأي العامّ. لم يكن ذلك منبعه أي مشكلة شخصيّة، ولا اعتبارات شخصيّة لديّ؛ لكنني أدرس التاريخ السياسي وأعلم ما يعنيه هذا».

قدم للكتاب الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، الذي عاصر العلاقات العربية - التركية. ولعل أكثر ما قاله دلالةً في تقديمه للكتاب، كان عند مقاربته لـ«الاختلاف الشديد» بين رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب إردوغان ومصر. يجزم موسى بأنّه «لم يكن خلافاً شخصيّاً؛ بل كان خلافاً استراتيجيّاً إقليميّاً رئيسيّاً كبيراً. تأكّد ذلك عندما زرت تركيا مع رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علّاوي، ورئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة، ورئيس الوزراء الأردني السابق طاهر المصري، ورئيس مجلس العلاقات العربيّة والدوليّة بالكويت الأخ محمد جاسم الصقر».

ويضيف: «لقد لاحظنا، إذ التقينا الرئيس غُل والرئيس إردوغان والوزير داود أغلو، أنّ الخطّ السياسي المتوتّر حاضرٌ مع الجميع، ولكن اختلف التناول الرقيق من جانب غُل عن التناول القاسي من جانب إردوغان، مع التناول (الحيران) للوزير أحمد داود أوغلو».

وهنا مقتطفات من فصول الكتاب:

غُل - إردوغان... الخلاف الصامت

مثّل إعلان الرئيس التركيّ عبد الله غُل في كلمته أمام البرلمان خلال افتتاح دورته التشريعيّة في عام 2013، أنّه «سيستمرّ في خدمة الشعب والمواطن ما دام يستطيع فعل ذلك»، أول إعلان مُضمَر لصراع خفيّ مع رئيس الحكومة رجب طيّب إردوغان. فالتباينات في السابق بقيت قيد الكتمان، رغم أن التقديرات في الخلافات كانت قائمة، وكان أبرزها صمت غُل في مواجهة التحرّكات الاجتماعيّة، على غرار مظاهرات متنزه «جيزي بارك» في إسطنبول، التي تعاملت خلالها الشرطة بعنف مع المتظاهرين.

والاختلاف على إتاحة مساحة حرّية للشعب يؤكّد المقاربات المختلفة بين الرجلين. ففي احتفال قومي، سمح غُل بمظاهرة في أنقرة، بينما كانت الحكومة ترفض ذلك، وصرّح غُل بأنّه هو من أعطى التعليمات بدخول المتظاهرين إلى ضريح أتاتورك، وانتهت المظاهرة بسلام، وهذا أثار حفيظة إردوغان، ليصرّح بأنّه كيف يمكن لبلد أن يدار برأسين؟ ويقول أحد مساعدي غُل إن هذا «أظهر حكماً أنّ هناك جنوحاً نحو التفرّد بالقرارات، ومحاولة فرض رأي واحد على السلطة في تركيا، الأمر الذي انتهى لاحقاً بابتعاد غُل عن المشهد السياسي، منعاً لأن يجد إردوغان من يقول له: (لا)، أو: (تمهّلْ)».

شهدت العلاقة بين عبد الله غُل وإردوغان سلسلة من المواقف المتباينة والمختلفة. ولعلّ أبرزها كانت المواقف من الحروب التي لاحت في الأفق بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وأهمّها حرب العراق. يومها كان إردوغان رئيساً للحزب، ولكن لم يكن عضواً في الحكومة ولا في البرلمان. وكانت تلك الحادثة أول اختبارات العلاقة بين الطرفين، وبداية التباينات التي قامت على أساس مقاربات مختلفة. والتباين لم يُحصر بالمسألة السورية، والنظام المستقبلي الرئاسي في تركيا، وربما الموقف من الدول العربيّة والأجنبيّة.

تعود العلاقة بين غُل وإردوغان إلى أيّام الدراسة التي جمعتهما، فهما من الجيل نفسه، وفارق العمر بينهما قليل (ثلاث سنوات ونصف سنة). خلال الفترة التي كان فيها إردوغان رئيساً لبلديّة إسطنبول الكبرى، كان ينشط سياسياً مع رفاقه ضمن الاتّجاه الإسلامي، ومنهم عبد الله غُل الذي كان أوّل من زاره في سجنه.

على الرغم من الصداقة التي تجمع بين غُل وإردوغان، فإن هذا لا ينفي اختلاف وجهات النظر بينهما، لا سيما في التصوّرات والرؤى حول قيادة تركيا، داخليّاً وإقليميّاً ودوليّاً. غير أنّ التباينات لم تشكّل حواجز شخصيّة وسياسيّة بين الطرفين، يمكن القول إنّ من جعل العلاقة بين غُل وإردوغان بهذه السلاسة هو عبد الله غُل نفسه. يقول المستشار أرشد هورموزلو: «عبد الله غُل بطبيعته شخص هادئ جدّاً، لا يمثّل طبيعة الصراع في أفكاره، وإنما يفضّل الإقناع قبل كلّ شيء، والدعوة إلى قضايا حضاريّة».

في السنوات العشر الأولى من وصول «العدالة والتنمية» إلى الحكم، كانت العلاقة طيّبة بين عبد الله غُل ورجب طيّب إردوغان. عندما كان إردوغان رئيساً للحكومة وغل وزيراً للخارجيّة كانت هناك تباينات بينهما؛ لكنهما لم يصطدما، وكانا يتّفقان على الأمور الأساسيّة. لكن بعد ذلك حدث تغيير، وأصبح إردوغان أقوى، ووظّف قوّته في السياسة. ومنذ عام 2014 أصبح غُل أكثر حذراً في علاقته مع إردوغان لعدم إظهار التباين بينهما.

في عام 2013 قال غُل لإردوغان إنّه لن يترشّح لرئاسة الجمهوريّة إن كان هو يطمح للمنصب، ولكنّه لن يترك السياسة، وتوقع الناس أن يصبح غُل رئيساً للوزراء؛ لكنّ إردوغان لم تكن لديه النيّة لذلك «لأنّه كان يريد حكم البلاد بمفرده»، كما يقول أحد المقرّبين من غُل. غير أنّ غُل لو أصبح رئيساً للحكومة في ذلك الوقت، لما استطاع حكم البلاد كما يريد؛ لأن إردوغان يميل إلى الأحاديّة في السلطة، كما يقول حزبيون في «العدالة والتنمية»، وهو ما أدّى لاحقاً إلى تشظِّي الحزب في عام 2020. في تلك المرحلة، ما كان غُل بوارد تحدِّي إردوغان لأنّه صديقه ولا يزال، كما أنّه لا يريد أن ينشب الصراع داخل الحزب فتقع الملامة عليه.

يقول مطّلعون على معرفة بالرئيسين إنّه عندما كان عبد الله غُل وزيراً للخارجيّة في الحكومة حتى عام 2007، كان لديه تأثير قوي وفعّال على القرارات المتّخذة. وكلّما كان إردوغان يقوم بأمرٍ يتخطّى فيه الحدود، كانت لديه القدرة على إيقافه.

وهكذا عندما كانت تُسنّ القوانين، كان يتم إبلاغه، فيطلب إجراء تغييرات في البرلمان، ولكنّ القليل من الناس يعرفون ذلك، إذ يعتقد معظم الناس أنّ غُل كان يضع ختم الموافقة على معظم القوانين من دون مخالفتها. إلا أنّه كان يفعل ذلك بفاعليّة حتى لا يحصل أي خلاف علني بين الرئيس والحكومة.

وعندما كان يحين موعد التعيينات، كان غُل يبدي رأيه في الأشخاص المطروحين خلال مرحلة التحضير للمسوّدة، حتى لا يُضطرّ إلى استخدام حق النقض على قرار تعيينهم. وكان يعمل على تدخّله في الوقت المناسب حتى يتم تعيين الأشخاص الأكثر جدارة.

ويجزم المصدر بأنّ غُل «مارس سلطاته الرئاسيّة على الحكومة بطريقة غير علنيّة، تجنّب فيها حصول أي نوع من الخلاف العلني، وكان ذلك حتى عام 2014».

وأتت قضيّة الفساد التي طالت أربعة من وزراء حكومة إردوغان عام 2013، في الأحداث المعروفة باسم 17 و25 ديسمبر (كانون الأول)؛ حيث طالت عمليّة أمنيّة أبناء وزراء ورجال أعمال مقرّبين من حزب «العدالة والتنمية»، الأمر الذي عدّته الحكومة محاولة انقلابيّة من «الكيان الموازي» (الاسم الذي تطلقه الحكومة التركيّة على جماعة الداعية فتح الله غولن)، وعملت لاحقاً على الدفاع عن الوزراء ومنع محاكمتهم في المحكمة الإداريّة العليا، وفرضت قوانين جديدة شملت مناقلات لقادة أمنيين محسوبين على جماعة غولن. وعلى الرغم من سعي إردوغان لإجبار الوزراء المتورّطين على الاستقالة، بدل استدعائهم للاستجواب في البرلمان وتشكيل حكومة جديدة، فإنه كان مصرّاً على الاحتفاظ بأحد الوزراء المتورّطين، وهو وزير شؤون الاتّحاد الأوروبي إغمن باغيش، ومع تدخّل غُل امتنع عن تسميته في الحكومة الجديدة.

- سوريا... اللقاء الذي فجّر العلاقات بين دمشق وأنقرة

ساد الظنّ في المنطقة أنّ تجربة التوتّر العسكري على الحدود السورية – التركيّة في عام 1998، انطوت إلى غير رجعة. لكنّ اندلاع الاحتجاجات في سوريا في مارس (آذار) 2011، وتعامل النظام معها بواسطة الحلّ الأمني، ثمّ الحلّ العسكري، بدّل المعادلات، وأعاد خلط الأوراق في علاقة الطرفين التي بدأت بالتشقّق في ربيع 2011، وانكسرت في صيف 2011، إثر زيارة وزير الخارجيّة التركيّة آنذاك أحمد داود أوغلو إلى دمشق، ولقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد لمدّة 6 ساعات ونصف ساعة.

اتّسم اللقاء بالتوتّر، وهو واحد من الأخطاء الاستراتيجيّة التي حصلت، من وجهة نظر الرئيس عبد الله غُل الذي كان ميّالاً إلى إرسال مستشاره أرشد هورموزلو، بدلاً من أحمد داود أوغلو، مبعوثاً يحمل الرسالة التركيّة إلى الأسد، قبل أن يستقرّ الخيار على أوغلو الذي يوصف بالمتشدّد، والمقرّب من رئيس الحكومة التركيّة آنذاك رجب طيّب إردوغان، ما أدخل علاقات البلدين في مرحلة جديدة من التأزّم، أدّت عبر مسار السنوات التسع من الأزمة السورية إلى تدخّل تركيا مرّة أخرى عسكريّاً، وبشكل مباشر، داخل الأراضي السورية. وقال غُل مجدداً إنّه «لو كان أرسل مستشاره بدلاً من داود أوغلو... لربما كنا رأينا شيئاً مختلفاً في الأزمة السورية، أعتقد أنّه كان من الممكن أن يقنع الأسد بشكل أفضل».

عندما بدأت المظاهرات في مصر وتونس، وصلت الأحداث إلى سوريا، وبدأ الشعب السوري يتّجه إلى التظاهر بدوره، وبدأت الأحداث من درعا. ولكن في سوريا كان ثمّة اختلاف. الجماهير التي كانت تحتشد في مصر وتونس واليمن كانت ترفع شعار: «الشعب يريد إسقاط النظام»، ولكن في سوريا كانت المظاهرات تنادي بأنّ «الشعب يريد إصلاح النظام». فلذلك، يرى غُل أنّه كان من الممكن التعايش مع السلطة، بالانتقال إلى نوع معيّن من الديمقراطيّة، خصوصاً بعدما وقعت أحداث درعا.

بدأ الأتراك يتحدّثون مع الأسد حول التطوّرات، ولطالما قالوا له إنّه يجب أن يأخذ المبادرة في قسم من الإصلاحات التي تُطمئن الشعب، وإنّ المبادرة يجب أن تتمّ بشكل فوري لإصلاح الوضع؛ لأن الخيار الآخر هو تدخّل الآخرين، وإن حدث فسيكون أي شيء يقدّمه متأخّراً وقليلاً جدّاً ولن يكون مفيداً. قد يضطرّ إلى تقديم تضحيات أكبر فيما بعد.

يتذكّر غُل: «كنا نتحدّث وكان يرسل إلينا بعضاً من مستشاريه، وبينهم ممن هم معه حاليّاً، وكنت أدلي أمامهم ببعض الأفكار. إلا أنّ المسار ذهب بشكلٍ مختلف تماماً، وبدأ القمع باستخدام السلاح والبراميل المتفجّرة، ما أثار الشعب كلّه». قدّم غُل مقترحات غير مباشرة للأسد، ضمن سياق الحديث عن موضوع الانتخاب الحرّ، وعن الحياة الحزبيّة والانتخابات، من ضمنها إطلاق سراح كثيرين من الموقوفين بقرار رئاسي.

في أغسطس (آب) قرّر الرئيس التركي أن يبعث مندوباً شخصيّاً، ورسالة لعلّها الأخيرة، إلى الرئيس بشّار الأسد، في محاولة لرأب الصدع؛ لأن الأمور بدأت تتطوّر وتتحوّل إلى صراع مسلّح، فكتب رسالة مؤثّرة ذكر فيها مرئيّاته، وطلب من مستشاره أرشد هورموزلو أن يصوغ الرسالة بالمفهوم نفسه باللغة العربيّة، بالنظر إلى أنّ غُل كان يتصوّر أنّ الرئيس بشّار الأسد شخصيّاً سوف يقرأها، إذا سُلّمت له باليد من المبعوث الشخصي، وسيقرأ حتماً الصيغة العربيّة.

يذكر هورموزلو أن مسارات نقل الرسالة التي تلاها تهشّم العلاقات التركيّة – السورية. يقول: «كان توجّه الرئيس أن أنقل أنا هذه الرسالة إلى الرئيس بشّار الأسد، وأن أتحدّث معه شخصيّاً بهذه الأفكار، وبلُغته. ولكن في اللحظات الأخيرة، طلب الدكتور أحمد داود أوغلو وزير الخارجيّة آنذاك، بما أنّه يدير هذا الملفّ، أن يقوم هو بحمل الرسالة، وطلب من الرئيس بشكل شخصي أن يكون هو الشخص الذي يحمل هذه الرسالة».

ذهب وزير الخارجيّة أحمد داود أوغلو إلى دمشق، وكان اللقاء الذي استمرّ 6 ساعات ونصف ساعة. وكما أذيع في وسائل الإعلام، انفجر داود أوغلو غضباً بوجه الأسد، وعامله بطريقة فوقيّة أثارت غضب الأخير، فأنهى الاجتماع. يقول المستشار: «أتصوّر أنّ ما سمعه الرئيس بشار الأسد وما حدث في ذلك اللقاء كانت القشّة التي قصمت ظهر البعير للأسف».

من وجهة نظر تركيّة، ظهر أنّه كان هناك صراع في سوريا بين جهات معيّنة ترى الانفتاح، وجهات أخرى تدعو إلى التشدّد، لدرجة أنّ الرئيس السوري قرّر أن يلقي خطاباً في البرلمان، وانتظر الأتراك هذا الخطاب باهتمام كبير. يتذكّر هورموزلو أنّه في تلك اللحظات «هيّأنا جهاز التلفزيون في المكتب الملاصق لمكتب الرئيس؛ لأن كبار المسؤولين كانوا سيطّلعون على محتوى الخطاب عندما يُترجم ويُنشر، ولكن كنت معهم وأترجم لهم الخطاب بصورة فوريّة».شعر الموجودون بخيبة أمل؛ لأنّهم كانوا يتوقعون أن الرئيس سيفصح عن مفاجأة كبيرة تريح جميع الأطراف، ولكن قيل له إنّه كان هناك خطاب جيّد، بالمفهوم الذي كان الأتراك ينتظرونه، وقد تمّ تغييره في اللحظات الأخيرة. يقول غُل: «هذا ما سمعناه، وأتصوّر أنّ الموضوع قد يكون صحيحاً؛ لأن الرسائل الإيجابيّة التي كانت تصل من دمشق عن الخطاب تحوّلت إلى نوع من التشدّد، وهذا يعني أنّ الخطاب أصابته أصابع التغيير من الجهة المتشدّدة، أي الصقور الموجودين في محيط الرئاسة».


مقالات ذات صلة

التركي توبراك يعتزل بابتسامة بعد مسيرة حافلة في البوندسليغا

رياضة عالمية عمر توبراك (الشرق الأوسط)

التركي توبراك يعتزل بابتسامة بعد مسيرة حافلة في البوندسليغا

أعلن المدافع التركي عمر توبراك، الذي خاض أغلب مسيرته في دوري الدرجة الأولى الألماني لكرة القدم، الخميس، اعتزال كرة القدم الاحترافية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (د.ب.أ)

إردوغان تعليقاً على وفاة غولن المتهم بمحاولة انقلاب 2016: لاقى «ميتة مشينة»

قال الرئيس التركي إردوغان، الثلاثاء، عن وفاة الداعية الإسلامي المعارض المنفي فتح الله غولن، إنه لاقى «ميتة مشينة»، وإنه «شيطان على هيئة بشر».

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
أوروبا مجمع المحاكم  في إسطنبول (أ.ف.ب)

مطالبات بإلغاء قانون يستهدف الكلاب الضالة في تركيا

تقدم حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، بطلب إلى المحكمة الدستورية اليوم الخميس لإبطال قانون لحماية الحيوانات.

«الشرق الأوسط» (أنقرة )
شؤون إقليمية لقاء أكشنار المفاجئ مع إردوغان في 5 يونيو الماضي فجر أزمة مع حليفها السابق كليتشدار أوغلو (الرئاسة التركية)

صدام حاد بين أكشنار وكليتشدار أوغلو على خلفية زيارتها لإردوغان

طغت على السطح السياسي في تركيا معارك بين الحلفاء السابقين في المعارضة دارت حول اتهامات بـ"الخيانة" لرئيسة حزب "الجيد" السابقة ميرال أكشنار.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شؤون إقليمية عناصر من الشرطة التركية تقتاد منفذ هجوم حديقة مسجد إسكي شهير إلى التحقيقات (إكس)

مخابرات تركيا تضبط خلية سيبرانية باعت معلومات لتنظيمات إرهابية

أعلنت المخابرات التركية عن تفكيك خلية تجسس سيبراني مؤلفة من 11 شخصاً استولت على بيانات شخصية لآلاف الأشخاص في تركيا وكثير من دول العالم، والقبض على أعضائها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما
TT

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما» Simon Schama، في كتابه «قصة اليهود» The story of the Jews الصادر عن دار نشر «فينتغ بوكس» في لندن Vintige Books London، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين في دلتا النيل في مصر سنة 475 قبل الميلاد حتى نفيهم من إسبانيا سنة 1492 ميلادية. وهو يذكر أنهم في البداية كانوا عبيداً في مصر وطُردوا بشكل جماعي، وهم حتى اليوم يحتفلون بذكرى تحررهم من العبودية في مصر. وقد أمرهم إلههم بعدم العودة إلى مصر لكنهم عصوا أمره وعادوا مراراً وتكرارً إليها. واعتماداً على أسفار موسى الخمسة، وعلى آثار عمليات التنقيب في مصر، كانت بين يدي الكاتب مادة خصبة أعانته على جمع أدلة تفيده في نثر كتابه الذي يتناول مدة زمنية أسهمت في تكوين مصير مَن حُكم عليهم بالعيش حياة الشتات في الشرق والغرب.

ويذكر الكاتب أن اليهود عاشوا حياة الشتات، وأنهم أقلية مسحوقة دائماً بين قطبين، وبين حضارتين عظيمتين؛ بين الحضارة الأخمينية وحضارة الإغريق، بين بابل ووادي النيل، بين البطالمة والسلوقيين، ثم بين الإغريق والرومان.

وهكذا عاشوا منغلقين في قوقعة في أي مجتمع يستقرون فيه ، فمثلاً فترة انتشار الإمبراطورية الإغريقية وجدوا صعوبة في الحصول على المواطَنة الإغريقيّة لأنها كانت تعتمد على ثلاث ركائز: المسرح، والرياضة (الجيمانيزيوم) التي لا يمكن أن تتحقق من دون ملاعبَ العريُ التامُّ فيها إلزاميٌّ، الشيء الذي لا يتماشى مع تعاليم اليهودية، والدراسة الأكاديمية، التي لا يمكن أن يصلوا إليها.

صحيح أنهم عاشوا في سلام مع شعوب المنطقة (سوريين، وإغريقاً، وروماناً، وفُرساً، وآشوريين، وفراعنة، وفينيقيين) لكن دائماً كانوا يشعرون بأن الخطر على الأبواب، حسب الكاتب، وأي حدث عابر قد يتحول إلى شغب ثم تمرُّد ثم مجزرة بحقهم. ومن الطبيعي أن تتبع ذلك مجاعة وصلت أحياناً إلى تسجيل حالات أكل الأحذية وحتى لحوم البشر، ومذابح جماعية تشمل الأطفال والنساء وتدنيس المقدسات. ويضرب الكاتب هنا مثلاً بمحاولة انقلاب فاشلة قام بها القديس ياسون على الملك السلوقي أنطيوخس إبيفانيوس الرابع، فتحول هذا الأخير إلى وحش، وأمر بقتل كل يهودي في شوارع القدس وهدم المقدسات، وقدَّم الخنازير أضحية بشكل ساخر بدلاً من الخراف، وأجبر اليهود على أكل لحم الخنزير، وأخذ آلاف الأسرى لبيعهم في سوق النخاسة. وبعد فترة استقرار قصيرة في القدس، وأفول الحضارة الإغريقيّة لتحل مكانها الحضارة الرومانية، ذهب وفد من اليهود إلى الملك الروماني لمناشدته منح اليهود في القدس حكماً ذاتياً.

طبعاً هذه كانت مماطلة لا تُلغي وقوع الكارثة لكن تؤجلها. حتى إن الملك غاليكولا أمر ببناء تمثال له على هيئة إله وتنصيبه وسط معبد اليهود الذين كانوا يَعدّون ذلك من الكبائر.

حتى جاء اليوم الذي وقف فيه على أبوابها الملك الروماني بومبي الكبير فارضاً حصاراً دام عامين انتهى باصطحابه الأسرى اليهود مقيدين بالسلاسل لعرضهم في شوارع روما، تلت ذلك هجرة جماعية كانت آخر هجرة لهم. وهم فسروا ذلك بوصفه عقاباً إلهياً «لأنه لا يمكن أن يكون الله قد تخلى عنهم في وقت السلم كما في وقت الحرب. لأن السلم لم يكن سلم عزٍّ بل كان ذلاً».

وفي أوروبا العصور الوسطى، كان مفروضاً عليهم ارتداء شعار خاص لتمييزهم أيضاً عن باقي الناس، ومُنعوا من العمل في الوظائف الرسمية الحكومية مثل مهن الطبيب والمحامي والقاضي، حتى المهن الحرفية تم حرمانهم من التسجيل في نقاباتها. هذا بالنسبة ليهود الأشكنازي، أما بالنسبة ليهود إسبانيا السفاردي، فقد أصدرت الملكة إيزابيلا سنة 1492 (نفس سنة خروج الإسلام من إسبانيا) قانوناً لطرد اليهود من إسبانيا، ومنع اليهود من ارتداء الملابس الفاخرة، والتجول فقط في النهار، والعيش في أحياءً منعزلة، كما لا يحق لهم العمل مع المسيحيين أو العكس أو يكون عندهم خادمة مسيحية مثلاً، ومنعهم من امتلاك عقارات أو منح القروض إلا بشروط معينة...

لكن ما سبب هذا الاضطهاد بحق اليهود؟

حسب الكاتب، هناك سببان: أولاً وشايتهم إلى الملك الروماني وتحريضه لمحاكمة يسوع وهتافهم وقت صلبه «اقتلوه... اقتلوه»، أما السبب الآخر فهو أن الملكة إيزابيلا وضعت أمام اليهود الاختيار بين ثلاثة احتمالات: اعتناق المسيحية أو القتل أو الطرد، في حملةٍ لتطهير البلد من اليهودية. القليل من اليهود اعتنق المسيحية؛ خوفاً، وكان يطلق عليهم اسم «كونفرتو»، أو «المسيحيون الجدد»، لكن في السر استمروا في ممارسة طقوسهم اليهودية، وكان يطلق عليهم اسم «Marranos».

كتاب «قصة اليهود» لم يقتصر فقط على ذلك، فإلى إلى جانب فصول عن الحملات والحروب، هناك فصول عن اليهود في شبه الجزيرة العربية فترة النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، ويهود الأندلس، وصلاح الدين الأيوبي، ويهود مصر، وكذلك يهود بريطانيا، ويهود إسبانيا. وكذلك يفتح لنا الكتاب نوافذ على الحياة الاجتماعية والثقافية لشعوب ذاك الزمان، ويسرد تفاصيل الهندسة المعمارية بجماليّاتها خصوصاً لدى الإغريق، حيث اشتهرت عمارتهم بالأعمدة والإفريز والرواق والفسيفساء، الشيء الذي أخذه منهم اليهود.

لكنَّ هناك نقاطاً أخفق المؤلف في تسليط الضوء عليها أو طرحها في سياق المرحلة التاريخية التي يتناولها الكتاب، ومنها مرحلة حياة عيسى، عليه السلام، من لحظة ولادته حتى وقت محاكمته وصلبه، رغم أهميتها في مجريات الأحداث بتفاصيلها التي كانت انعطافاً كبيراً في تاريخ اليهود خصوصاً والعالم عموماً. ثانياً، وعلى الرغم من دقة وموضوعية المعلومات ورشاقة السرد، فإن الكاتب لم يذكر لحظات أو مراحل إيجابية عن حياة اليهود بقدر ما ذكر أهوال الحروب والحملات ضدهم وتوابعها عليهم.

وأعتمد المؤلف على المخطوطات parchments، أو رسائل على ورق البردي، وعلى قطع فخارية أثرية اكتُشفت في القرن الماضي ضمن حملات بتمويل حكومي ضخم لبعثات أثرية بريطانية وأميركية وفرنسية تسمى «Fact finding expenditures»، أي «بعثات البحث عن الحقيقة». وكذلك على وثائق تروي قصص ناس عاديين من عقود زواج أو ملفات دعاوى قضائية، بالإضافة إلى مؤلفات المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيو.