«الأرشيف المفقود»... أوراق الخلافة التي أطاحت «الاستبداد الشرقي»

باحثة بجامعة برينستون تنفي الرواية الغربية حول غياب التوثيق في العالم الإسلامي

«الأرشيف المفقود»... أوراق الخلافة التي أطاحت «الاستبداد الشرقي»
TT

«الأرشيف المفقود»... أوراق الخلافة التي أطاحت «الاستبداد الشرقي»

«الأرشيف المفقود»... أوراق الخلافة التي أطاحت «الاستبداد الشرقي»

عندما نشر البارون دي مونتسكيو كتابه الأشهر «روح القوانين» في عام 1740 وظّف مفهوماً كان متداولاً بين بعض المثقفين الأوروبيين لوصف الحكم العثماني، وهو «الاستبداد» وذلك بهدف توفير ذريعة لنقد وإصلاح النظام الفرنسي الذي عاش في ظله. لكنّ تفسيره للاستبداد الشرقي أصبح تدريجياً بمثابة حكم تاريخي مبرم على طبيعة المجتمعات «الشرقية» لأجيال من مؤلفي الكتب والدارسين ورواد الرحلات في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. كان هذا المصطلح يعني مجتمعا ثابتاً وخانعاً، وحكومة متخلفة وفاسدة، مع حكام تعسفيين وديكتاتوريين، يمتلكون رعايا أذلاء ومهمشين.وقد انسحب مفهوم استبداد القوى «الشرقية» ذلك تالياً على التصور الأوروبي حول تطور الاقتصاد العالمي بصيغته الحاليّة، والذي تمحور عبر معظم القرن الماضي ضمن مرحلة تراكم كمي متسارع ومن ثم انقلاب نوعي حدثت في أجزاء من أوروبا الغربيّة والغربيّة الجنوبيّة في القرن السادس عشر، فيما اعتبرت العصور الوسطى السابقة مرحلة من الظلام الطويل الذي ساد العالم القديم منذ انهيار روما.وبالطبع فإن إدوارد سعيد (الاستشراق – 1976)، وجانيت أبو لغد (ما قبل الهيمنة الأوروبيّة – 1991)، ووجوان باو روبيس (إثنوغرافيات العصور الوسطى: تصور الأوروبيين عن العالم – 2009) وغيرهم، جادلوا لاحقاً بأن هذه الرؤية المعممة عن الشرق محض خيال ومواقف مسبقة، تم تسويقها لإضفاء الشرعية بشكل أو بآخر على التوسع الإمبريالي الأوروبي وتبرير جرائمه، وأن حضارات العالم الإسلامي كانت مشعة ومضيئة وجذراً للتقدم الذي انتقل إلى أوروبا وانتشلها من الظلام. لكنّ المؤرخين احتفظوا مع ذلك بشكوكهم بسبب افتراضهم أن دول الخلافة الإسلامية في الشرق الأوسط لم تترك وراءها وثائق يعتدّ بها، وأن تفسير ذلك يكمن تحديداً في طبيعة الحكم الشرقي المستبدّ القائم على الأهواء الفرديّة اللا - مؤسسيّة والأحكام اللحظيّة التعسفيّة، مقارنةً بما أنتجته الدّول الأوروبيّة الأولى من جبال الوثائق واللقى الماديّة لمؤسسات الحكم وآلياتها البيروقراطيّة: خطابات التنصيب، والشكاوى المقدمة من المواطنين، والإعلانات الرسميّة، وإيصالات الضرائب، والأحكام القضائيّة، وسجلات الزواج، وما إلى ذلك مما كان تأسيساً للمسيرة نحو الحكومات البيروقراطيّة المعاصرة.لكنّ مارينا راستو، البروفسورة في دراسات الشرق الأدنى بجامعة برينستون (الولايات المتحدة)، في كتابها المفصليّ «الأرشيف المفقود: آثار دولة الخلافة في كنيس القاهرة»، تنفي بشدة كل شكوك المؤرخين، وتقدّم الدليل المادي الملموس على أن دول الخلافة الإسلاميّة في الشرق الأوسط امتلكت بالفعل أنظمة بيروقراطيّة الطابع، وسجلات مؤسسيّة تنفي كل تصور أوروبي مسبق حول غياب التوثيق في العالم الإسلامي قبل عام 1500 بسبب لعنة «الاستبداد» المزعوم الذي ينفي الحاجة إلى القوانين والنظم والإجراءات، ويجعل من ممارسة السلطة أمراً شخصياً وتعسفياً وسريع الزوال لارتباطه حصراً بالأفراد.راستو تعتقد أن ثروةً من وثائق الخلافة الفاطميّة (909 - 1171) كانت موجودة في متناول الباحثين منذ أواخر القرن التاسع عشر فيما تُعرف بـ«وثائق جنيزة ابن عزرا» في الفسطاط القديمة جوار القاهرة، دون أن يكلّف أحدهم عناء التدقيق فيها. إذ عثر وقتها على مخزن ملحق بكنيس يهودي - مصري من العصور الوسطى احتوى أكثر من 400 ألف وثيقة ورقيّة قديمة كان يحتفظ بها لأنها تحوي كتابات مقدسة واسم الربّ فلا يجوز إلقاؤها في القمامة لحين التخلّص منها بالطرق الشرعيّة –أي بالدّفن.وقد انتقلت هذه الوثائق من مصر في ظروف ملتبسة إلى جهات عدّة وإن تركّز أغلبها في النهاية داخل المكتبات بأكسفورد وكامبريدج ونيويورك، وأصبحت مصدراً لا غنى عنه للباحثين في اليهوديات وتاريخ اليهود والعصور الوسطى بشكل عام. لكن المفارقة، أن التركيز على المضمون اليهودي والكتابات العبريّة واليديشيّة أعمى الباحثين عن النّظر في المضمون الآخر الذي احتوته الوثائق: مخاطبات الحكومة الإسلاميّة في مصر. وفق راستو، وبحكم أن الورق كان سلعة ثمينة خلال العصور الوسطى، فإن الكنيس اليهودي - المصري كان يشتري الأوراق المستعملة من أرشيف الدولة، ويعيد استعمالها للأغراض الدينيّة، ولذلك فإن خلف كل نص يهودي تقريباً كان هناك على الجهة الأخرى من الورقة كتابات عربيّة خطّتها أيدي موظفي دواوين الخلافة الفاطميّة، وتتضمن مراسلات بيروقراطيّات الحكم المحلي بكل تفاصيلها. تنتمي النّصوص العربيّة المعاد تدويرها إلى فئة من المستندات تأتي على شكل لفائف ورقية طويلة –معدل طولها في «جنيزة ابن عزرا» كان ثمانية أمتار- يلحظ أنّها تحتوي مسافات واسعة بين السطور بهدف ضمان سهولة قراءتها بصوت عالٍ وعكس صورة مهيبة عن الدّولة. على أنّ هذه الأوراق كانت سرعان ما تستنفد أغراضها الإداريّة ويتم التخلّص منها وإعادة تدويرها للاستعمالات المختلفة وبشكل متكرر –بما في ذلك الكنيس اليهودي- فيما تحتفظ الدواوين الحكوميّة بنسخة أكثر ديمومة من كل وثيقة على ورق أفضل، لتُضمّ إلى أرشيف الدّولة. لكنّ الأقدار اختارت أن تنجو النسخ المؤقتة المخصصة للإتلاف مع انتهاء دورها المباشر، فيما تعرضت نسخ الأرشيف الرّسمي للضياع بسبب الصراعات السياسيّة وتقلبات الدّول والكيد السياسي بين أجنحة النخب الحاكمة، كما الكوارث الطبيعيّة.تتطلب قراءة نصوص «جنيزة ابن عزرا»، سوى الدُّرْبة على التعامل مع وثائق تعرضت لتأثيرات الزمن عبر قرون متتابعة، مهارات لغوية متقدمة للعمل على وثائق تتداخل فيها اللغات العربية والعبرية واليهودية - العربية (أي العربية المكتوبة بالحرف العبري) واليديشية، وهو ما تقوده راستو في مختبر مخصص لدراسة أوراق الجنيزة بجامعة برينستون. لكن التحدي الأهم يتمثل في محاولة إعادة كتابة التاريخ على أساس قصاصات صغيرة متفرقة من المعلومات البيروقراطيّة. وبالطبع، فإن كل وثيقة على حدة تتضمن القليل المرتبط بحالات مؤقتة، لكن عند تجميعها في سياق كلّي تبدو معاً كأنّها لوحة فسيفساء هائلة، يمكن أن يُستقرأ منها الكثير عن الأفراد والمجتمعات والمؤسسات ومجالات الحياة اليومية في الأزمنة السابقة، وهو تاريخ اجتماعي ثري غالباً ما يكون غير مرئي للقارئ المعاصر من المصادر التاريخية الأخرى.يحفل كتاب راستو بنماذج كثيرة من هذه الوثائق المذهلة رغم أن ما تم تحقيقه لا يصل بعد إلى 1 في المائة من مجموع أرشيف الجنيزة. على سبيل المثال هناك نسخة بحالة ممتازة لنص من الشريعة اليهوديّة كان يعدّه الحاخام الأكبر في الكنيس (توفي في حدود عام 1055) ربما كتحضير لخطبة كان سيلقيها على أتباعه. وقد نسخ الحاخام النص على ظهر مرسوم رسمي فاطمي كان مخصصاً في الأصل لمراسلة من المركز بالقاهرة إلى أحد المسؤولين في الأقاليم.وتقول راستو إن أمر هذا الأرشيف الكنز لا يتعلّق فقط بأعمال الدّولة الفاطميّة والدورة المستنديّة لدوائرها فحسب، بل تكشف أيضاً عن ثقافة موظفي الحكومة الذين دوّنوها. وتلفت النظر مثلاً إلى أن الخلاف العقائدي بين الخلافة العباسيّة في بغداد التي كانت تتبع المذهب السني والخلافة الفاطميّة الشيعيّة لم تمنع تأثر موظفي الدّولة بالقاهرة بأساليب إداريّة متقدمة ونماذج مخاطبات وخطوط كتابة منقولة عن غرمائهم الآيديولوجيين في العراق. وتقول راستو إن هذه التأثيرات جليّة، ومنحت الوثائق الفاطميّة شكلها ومظهرها وهيكلية نصوصها المميزة.كتاب «الأرشيف المفقود» كتاب أكاديمي صارم، ويتعلّق بتفاصيل تقنيّة وبيروقراطيّة، لكنّه مع ذلك ممتع للقراءة بفضل أسلوب راستو الرّشيق والمرح والمشاكس أحياناً. وهو يؤسس بما لا يدع مجالاً للشك لحقيقة أنّ الفاطميين –كنموذج لدولة الخلافة الإسلاميّة في العصور الوسطى– أداروا دولة حقيقيّة ذات أذرعة بيروقراطيّة مؤسسيّة، يتولاها مسؤولون حكوميون من طراز مثقّف ومطّلع، وتتبع نظماً إدارية وقوانين وإجراءات وروتيناً يحكم مختلف جوانب الحياة المجتمعيّة. ويمكننا دائماً القياس على وثائق الجنيزة للزعم بأن حواضر الإسلام الأخرى في دمشق وبغداد وقرطبة وغيرها امتلكت بدورها أنظمة حكوميّة لا تقل تعقيداً عن تلك الفاطميّة التي نقرأها في خلفيّة كتابات الكنيس المصري.لقد حان الوقت لكي نضع الصورة الكاريكاتورية المتخيّلة عن «الاستبداد الشرقي» جانباً، ونشرع في قراءة جديدة جادّة للتاريخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للعصور الوسطى كمرحلة لا يجوز إسقاطها من تاريخ تطوّر الحضارة البشريّة لمجرّد أن السادة الأوروبيين كانوا وقتها يعيشون في عهود تفسخ وظلام وبربرية. فهنا، في الشرق، كما أرتنا راستو، كانت لنا دول وحضارة عظيمة فيما قبل الحداثة الأوروبيّة، ومساهمتنا تاريخياً في بناء العالم المعاصر ليست هامشيّة، ولا عابرة بأي شكل من الأشكال.الأرشيف المفقود: آثار دولة الخلافة في كنيس القاهرةThe Lost Archive: Traces of a Caliphate in a Cairo Synagogueالمؤلفة: مارينا راستوالناشر: مطبعة جامعة برينستون


مقالات ذات صلة

الفن المعاصر من الجمالية إلى صناعة القيمة

ثقافة وفنون المؤرخة أود دو كيروس

الفن المعاصر من الجمالية إلى صناعة القيمة

لعل من أهم سمات الكتابات النقدية المواكبة لتحولات الفن المعاصر عبر العالم، تلك التي تقرنه دوماً بمسعى الانزياح الجذري بدلالات كلمة «فن».

شرف الدين ماجدولين
ثقافة وفنون عباس محمود العقاد

«فلسفة الضحك» عبر التاريخ كما يرويها العقاد

رغم أن الطبعة الجديدة التي صدرت عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة من كتاب «جحا الضاحك المضحك»، توحي بعمل مخصص لأشهر شخصية ساخرة في التراث العربي.

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون تاريخ العرب في الأندلس من منظور إنساني

تاريخ العرب في الأندلس من منظور إنساني

في روايته الجديدة «ولا غالب» الصادرة أخيراً عن دار «الشروق» بالقاهرة، يقدم الكاتب الكويتي عبد الوهاب الحمادي معالجة فنية ودرامية جديدة لتاريخ العرب في الأندلس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
كتب لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام.

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية
TT

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام (1931- 1987) والذي يتناول التأثير اللافت لهذا المفكر النمساوي على الفلسفة المعاصرة.

وُلد فتجنشتاين في فيينا لأسرة صناعية ثرية ومثقفة، ثم اتجه إلى دراسة هندسة الطيران في مدينة «مانشستر» الإنجليزية، قبل أن يتخلى عن هذا الاتجاه ويتحول تماماً إلى المنطق والرياضيات في جامعة «كامبريدج» متأثراً بالمفكر البريطاني برتراند راسل الذي أشرف على دراسته للفلسفة. تطوع في جيش بلاده خلال الحرب العالمية الأولى وأمضى فترة معلماً في قرية نمساوية، ثم عاد لاحقاً إلى بريطانيا كأستاذ.

ويعد كتابه «رسالة فلسفية منطقية» أبرز مؤلفاته والذي نُشر لأول مرة عام 1921 ويذهب فيه إلى أن حدود اللغة هي حدود عالمنا، وما لا يمكن التعبير عنه بها يجب الصمت عنه، أما «تحقيقات فلسفية» فنشر بعد وفاته عام 1951 ويؤكد فيه على أن المعنى الحقيقي للكلمات يكمن في سياقها الاجتماعي وليس في مدلولها الاصطلاحي البحت، وهي الفكرة التي كان لها تأثير بالغ على مجلات أخرى كالأدب وعلم النفس.

ويشير المؤلف إلى أنه حصل على أطروحة الدكتوراه في فلسفة المفكر النمساوي لأن أفكاره كانت نقطة تحول حاسمة في تاريخ الفكر الفلسفي الحديث ويرجع ذلك إلى أهمية المنهج الذي تبناه، وهو المنهج التحليلي المنطقي، يتناول عبارات اللغة التي نصوغ فيها الأسئلة والمشكلات الفلسفية، حيث أثبت أن معظم هذه المشكلات ليست بمشكلات حقيقية وأنها لم تنتج إلا عن سوء استخدام اللغة.

أصبح إسهام فتجنشتاين أشبه ما يكون بالثورة الهادئة على الفلسفة التقليدية، وذلك لأنها غيرت من مفهومها ومجالها ووظيفتها فأصبحت الفلسفة لديه عبارة عن تحليل للغة وانتقل مجال البحث فيها من البحث في الأشياء في ذاتها كالوجود من حيث هو موجود أو العلة أو المطلق أو الجوهر أو اللامتناهي أو العدم إلى البحث في العبارات والألفاظ التي يقولها الفلاسفة وتحليلها لبيان ما له معنى منها وما لا معنى له، أو لبيان الصحيح منها والخاطئ بناء على اتفاقها أو اختلافها مع قواعد الاستخدام العادي المنطقي. ومن ثم تغيرت مهمة الفلسفة فأصبحت تنصب على تحليل مشكلات الفلسفة بدلاً من إقامة أنساق فكرية أو ميتافيزيقية جديدة. وتأثر بأفكاره بشدة عموم التيار الفكري الوضعي التحليلي.

واعتمد المؤلف في دراسته لفلسفة فتجنشتاين على مؤلفاته نفسها فضلاً عن بعض محاضراته بالجامعة، وكذلك محاضراته الخاصة التي نشرت في الكتابين «الأزرق» و«البني»، وأيضاً ملاحظاته عن المنطق والرياضيات كما رجع كذلك إلى ما نشر من رسائله إلى براترند راسل، ولم يكن ذلك بالمهمة اليسيرة نظراً لصعوبة كتاباته وتعقيداتها حتى إن كثيرين من تلامذته والباحثين عموماً كانوا يصفونه بـ«الفيلسوف المتعب للغاية».

ولد لودفيغ يوهان فتجنشتاين في السادس والعشرين من أبريل (نيسان) 1889 وكان والده مهندساً مرموقاً يشغل منصباً قيادياً في صناعة الحديد والصلب بالنمسا، كما كان لأم فتجنشتين أثر بالغ في خلق الميل الفني القوي في الأسرة، فقد كانت هي وزوجها موسيقيين من الدرجة الأولى حتى لقد أصبح المنزل في وقت ما مركزاً لحياة موسيقية جميلة وخاصة حينما كان يتردد عليهم صديق الأسرة الحميم يوهان برامز، الموسيقار العالمي الشهير.

اهتم فتجنشتاين أثناء دراسته في «كامبريدج» بالفلسفة وبأسس الرياضيات الحديثة اهتماماً كبيراً كما استفاد من النشاط الفكري الضخم الذي كان موجوداً في الجامعة قبيل الحرب العالمية الأولى، إذ كان راسل في أوج تفكيره الفلسفي والمنطقي وأخرج هو وألفريد نورث هوايتهد كتابهما «مبادئ الرياضيات» الذي يعد أحد العلامات المميزة في تاريخ المنطق.

على الرغم من اكتساب فتجنشتاين في إنجلترا للجنسية الإنجليزية، فإنه لم يكن معجباً بأساليب الإنجليز في الحياة كما كان يكره الجو الأكاديمي في كامبريدج في ذلك الوقت وحينما انتهت مدة زمالته في كلية ترينتي عام 1930 فكر في زيارة الاتحاد السوفياتي وزاره بالفعل مع أحد أصدقائه. وحين توفي في 29 أبريل 1951 في منزل الطبيب الذي كان يعالجه في بريطانيا، كانت آخر عبارة قالها لزوجة الطبيب: «قولي لهم إنني قد عشت حياة رائعة».

مال إلى البساطة في كل شيء وكان ذلك واضحاً من ملابسه ومن أثاث حجراته في الجامعة، فلم يكن يتمسك في ملابسه بالطريقة التقليدية مثل الأساتذة بل كان يرتدي دائماً بنطلوناً خفيفاً وقميصاً مفتوح الصدر بلا رباط عنق. وتكشف طريقته في إلقاء محاضراته عن أكثر من جانب من جوانب شخصيته، مثل البساطة والجدية والإخلاص للعمل والحب الشديد للحق وأحياناً الخشونة والجفاء والقسوة.

يؤكد فتجنشتاين أن المعنى الحقيقي للكلمات يكمن في سياقها الاجتماعي وليس في مدلولها الاصطلاحي البحت

لم تكن محاضراته تأخذ الطابع التقليدي، وإنما كانت أشبه باجتماعات برغم إصراره على تسميتها بالمحاضرات. كان يتكلم بلغة إنجليزية وبلهجة الرجل الإنجليزي المثقف وكان صوته رناناً عالي النبرة، وإن لم يكن منفراً، ولم تكن الكلمات تخرج من فمه متدفقة، بل بعد جهد كبير. وجهه كان سريع الحركة بطريقة ملحوظة كما كان معبراً جداً أثناء الحديث وكانت عيناه عميقتين، وغالباً ما كانتا تحملان شيئاً من القسوة في التعبير.

لم تكن مؤلفات فتجنشتاين كثيرة متعددة حتى إنه لم ينشر في حياته إلا كتاباً واحداً هو «رسالة منطقية فلسفية» ومقالاً له بعنوان «بعض ملاحظات على الصورة المنطقية» وبقية ما نشر عدا ذلك كان كله بعد وفاته.

وأهم ما يلاحظ في كتاباته خلوها تماماً من كل زخرفة أدبية أو رطانة في الأسلوب، فنجدها بسيطة قوية تعتمد على خصوبة الخيال، وهو ما تأثر بها كثير من الأدباء لاحقاً. استخدم التحليل كمنهج في الفلسفة لا كغاية، فهو لا يستهدف التحليل لمجرد تقسيم العالم إلى مجموعة من الوقائع أو رد اللغة إلى عدة قضايا أو رد المعنى إلى طريقة استخدامنا للألفاظ، إنما هو يستخدمه لكي يوصله إلى غاية أبعد من ذلك، وهي توضيح المشكلات الفلسفية التي إذا ما وضع معظمها تحت مجهر التحليل زال عنها كل غموض، واتضح أنها مشكلات زائفة أو أنها ليست بمشكلات أصلاً، على حد تعبيره.

وقد عبر عن هذا المعنى تعبيراً دقيقاً بقوله: «إن معظم القضايا والأسئلة التي كُتبت عن أمور فلسفية ليست كاذبة، بل هي خالية من المعنى، فلسنا نستطيع إذن أن نجيب عن أسئلة من هذا القبيل، وكل ما يسعنا هو أن نقرر عنها أنها خالية من المعنى، فمعظم الأسئلة والقضايا التي يقولها الفلاسفة إنما تنشأ عن حقيقة كوننا لا نفهم منطق لغتنا، فهي أسئلة من نوع السؤال الذي يبحث فيما إذا كان الخير هو نفسه الشيء الجميل على وجه التقريب، وإذن فلا عجب إذا عرفنا أن أعمق المشكلات ليست في حقيقتها مشكلات على الإطلاق».


«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية
TT

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل في حياة ومسيرة عدد من المبدعين والمفكرين والفنانين المؤثرين في مجالاتهم، مستخدماً الصورة القلمية في رسم ملامحهم الثقافية والشخصية، مازجاً المعلومة بالتأويل، ومطوفاً حول عدد من الرموز الثقافية منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى نهايات القرن العشرين، في مجالات معرفية مختلفة، كنوع من التحية لهم ولمنجزهم وتراثهم، الذي يمثل زاداً ثقافياً مهماً لمن جاء بعدهم من أجيال لاحقة، حتى لو اختلفوا مع تلك المنجزات.

الكتاب الصادر في القاهرة عن «دار المعارف» يبتعد فيه مؤلفه عن الكتابة الأكاديمية والنقدية التي يتوقعها القارئ من ناقد وأكاديمي، مفضلاً أن يقدم أسلافه عبر لغة رشيقة ومكثفة، لا تخلو من التقدير والإعجاب والتأثر بهؤلاء الرموز، لكن دون تقديس، يقول في المقدمة: «لم يتحمس الكتاب للشخصيات وإن لم ينكر محبتها، ولم يرتد ثوب الدفاع عنها، وإن اعترف بوجود مثالب فيها، وتعامل مع العيوب والنقائص بوصفها جزءاً من طبيعتها البشرية، وركز على أبعاد الإنجاز لديها، واعتبرها مكمن التميز وسط أمواج من العاديين»، فقد حاول الجابري رسم صور لشخصيات احتلت في قلوب الأجيال وعقولها مكانة رائقة، لاستكشاف مفتاح كل شخصية.

يقدم الكتاب بورتريهات عن 16 شخصية ثقافية شهيرة، هم: أمينة السعيد، مي زيادة، جمال الدين الأفغاني، رجاء النقاش، سهير القلماوي، عبد الحميد جودة السحار، عبد الرحمن شكري، لطيفة الزيات، أحمد أمين، يحيى حقي، محمد عبده، جورجي زيدان، أسامة أنور عكاشة، سعد الله ونوس، ميخائيل نعيمة، وعاطف الطيب.

يبدأ الكتاب ببورتريه عن الصحافية المصرية الرائدة، والناشطة النسوية، أمينة السعيد، التي كانت ضمن أول دفعة جامعية تضم فتيات، والتي ترأست دار الهلال العريقة، فكانت أول امرأة تترأس مؤسسة صحافية، وتولت رئاسة تحرير مجلة «حواء»، كما كانت وكيلة نقابة الصحافيين في سابقة لا تتكرر كثيراً. وبعيداً عن الصحافة، كتبت القصة القصيرة، وكانت في أعمالها الأدبية تركز على المثالب الاجتماعية ونقد المجتمع ومشكلاته ومناقشة عاداته المتجمدة وعيوبه الداخلية. ويركز المؤلف على علاقتها بأبيها الذي أصر على أن تكمل دراستها الجامعية ولا تتزوج قبل إنهائها، وكان هذا وعدها له، ثم علاقته بزوجها بعد ذلك، ويرى الجابري أنه بسبب هذه العوامل «لا تجد عند أمينة السعيد نزق النسويين الجدد، أو كراهية مخبوءة للرجل دون داع».

وينتقل الكتاب إلى مي زيادة، وأثرها في الحياة الثقافية العربية، رغم محاولة حبسها في الرسائل المتبادلة بينها وبين العديد من المثقفين، ويرى المؤلف أن مي «لم يجن عليها شيء مثل انفتاحها على الآخرين فتعددت صورها، حتى لم يبق إلا ظلال لا تعكس شيئاً قاطعاً، فمي التي رسمها العقاد تختلف عن التي رسمها شبلي شميل، عن صورتها لدى الأب أنستاس الكرملي، عنها لدى الرافعي وطه حسين وسلامة موسى ولطفي السيد وولي الدين يكن وأنطون الجميل وغيرهم. لقد اقتربوا جميعاً منها، وكل منهم رآها من وجهة نظره هو، فظن أن روايته هي الزاوية الفاصلة الحقيقية الوحيدة، حتى كأن الإنسانة ليس لها وجود، وإنما هناك وجود لظلالها، وانعكاسات لرسمها، وأشكال لسطورها على الورق».

ويبدأ بورتريه جمال الدين الأفغاني بمشهد شديد الجدة، وهو مشهد أحفاده وهم يتعلقون بالطائرة الأميركية هرباً مما يخشون منه في بلادهم، ورغبة في الهرب منها فوق طائرة المستعمر، في حين كان جدهم الأفغاني يحمل على عاتقه طوال مسيرته مناهضة الاستعمار، وانتقل بين مصر والهند وعدة دول أخرى منادياً بالتحرر من الاستعمار، ويعرج المؤلف على جهوده في الصحافة والفكر والتجديد، وعلاقته بتلاميذه مثل الإمام محمد عبده وغيره، وكراهية الحكام له، وطرده من أكثر من بلد، لأنه كان مصدر خطر لكثير منهم، ويرتابون في وجوده في بلادهم.

ينتقل الكتاب بعد ذلك للناقد والصحافي المصري رجاء النقاش، المعروف عنه أنه كان مكتشف الأصوات الإبداعية الجديدة، فقد كتب عن الطيب صالح ومحمود درويش في بداياتهما، وكانت كتابته النقدية نموذجاً للتوسط بين الأكاديمية الجافة والتغطية الصحافية السريعة، وكتب عن الشعر والقصة والرواية والمسرح، وقد ترأس مجلتي الهلال والكواكب في مصر، و«الراية» و«الدوحة» في قطر، وتنقل بين صحف ومجلات روزاليوسف والأخبار، وأحيا الصحافة الثقافية بعد ركودها لفترة.

وفي بورتريه عن الأكاديمية والناقدة سهير القلماوي، يرصد الجابري مواطن رياداتها المتعددة وقتالها على جبهات لا تنتهي، فقد كانت أول فتاة تحصل على الماجستير تحت إشراف طه حسين في جامعة القاهرة، فكانت تلميذته النجيبة، وسافرت إلى فرنسا لإعداد رسالتها للدكتوراه عن «ألف ليلة وليلة»، وقد كافحت للاعتراف بالأدب الشعبي إلى جوار الآداب الرسمية، كما كانت أول أستاذة في جامعة القاهرة وأول امرأة تتولى رئاسة قسم اللغة العربية، وأول رئيسة للهيئة العامة للكتاب، وهي التي أطلقت معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1969، كما كانت لها الريادة في أدب الأطفال، والكتابة فيه، والمطالبة بالاهتمام به، فضلاً عن حضورها الثقافي خارج جدران الجامعة، ومحاولة مواكبة أحدث المناهج النقدية التي كانت جديدة آنذاك.

ويرسم الكتاب صورة للكاتبة والمترجمة والمناضلة اليسارية الدكتورة لطيفة الزيات، التي «جسدت حياتها مرحلة من الجهد النسائي، حتى شكلت حضوراً طاغياً لوجوهها المتعددة؛ مناضلة سياسية أو مترجمة أو أستاذة جامعية أو مبدعة سرد من عيار فريد»، ويتوقف عند أهمية عدد من أعمالها الأدبية والسيرية مثل «الباب المفتوح» و«الشيخوخة» و«حملة تفتيش» و«أوراق شخصية» و«صاحبة البيت» و«الرجل الذي عرف تهمته»، وكذلك عند منهجها في النقد.

وعن يحيى حقي، الموظف ذي الأصول التركية والهوى الصعيدي، يقول إنه خرج من تجربة عمله في وزارة الخارجية برؤية أكثر اتساعاً، فزار تركيا وإيطاليا وفرنسا والسعودية، بما أتاح بعداً إنسانياً واضحاً لتجربته، تجاور فيها الغربي مع غيره من التأثيرات، هذا الخليط الذي جمع المتفرقات، فتعلم التركية والألمانية والإيطالية، مضيفاً إلى الموروث المصريٍ نظيره العربي، الذي يحل بالقوة داخل الوعي المصري وظواهره، وكلك أثر الثقافة العربية على سواها.

وتتوالى البورتريهات التي تحاول التقاط ما هو جوهري في كل شخصية من التي يتناولها الكتاب، بعناوين تحاول تلخيص روح كل شخصية، مثل «عبد الحميد جودة السحار... حتمية التقاء السينما بالأدب»، و«عبد الرحمن شكري... الرائد المنسي والمنسحب النبيل»، و«أحمد أمين يسدد الكثير من ديون التراث»، و«الإمام محمد عبده الإصلاحي الذي رحل سريعاً»، و«جورجي زيدان أو الناهض للتحيزات»، و«أسامة أنور عكاشة... سيناريست بدرجة مناضل»، و«سعد الله ونوس... أمواج مسرحية وموسيقار كبير»، و«ميخائيل نعيمة والتمرد على النمط»، و«عاطف الطيب... العزف بالكاميرا».


صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر
TT

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض، عن الغياب والبحث عن الحكايات التي تقال، وتلك التي تظل مدفونة في الحجر والجسد والخرائط القديمة، عبر سرد يمتزج فيه التاريخ بالأسطورة، والسياسة بالروح، والقرية بالميناء، في نسيج سردي نابض بالحياة، ويلامس أسئلة الإنسان الكبرى: عن العدالة والخلاص والمعنى.

في مصر أثناء القرن التاسع عشر، بين انتشار الطاعون، والصراع الخفي بين الإمبراطوريات، يصل الطبيب الإنجليزي كامبل إلى الإسكندرية، باحثاً عن رائحة الأرض الحقيقية، وحقيقة نفسه الممزقة بين الحنين والخسارة، إذ تلاحقه ذكرى ابنته «ليزا» التي اختفت مع أمها، ويقوده قدره إلى أعماق مجتمع مكلوم، تتشابك فيه خرافات الخلاص مع يقين العلم، وتلتبس فيه المعجزة بالداء. وفي قلب هذا العالم، يقف الروزنامجي، كاتب الضرائب الذي يعرف كيف تباع القرى وتوزع الأحلام، ليسجل بأمانة زائفة تقسيم البلاد والعباد.

الرواية حافلة بالشخصيات مختلفة المرجعيات الثقافية والاجتماعية والعرقية والدينية، بما يجعلها ساحة للحوار والجدل الثقافي والسياسي، خصوصاً في لحظات سياسية مأزومة، ووباء يطارد الجميع، فضلاً عن الأزمات الشخصية والوجودية لكل منهم، وتساؤلاته الروحية العميقة، وتتوزع الأحداث على خمسة فصول رئيسة، كل منها له عنوان، وهي: كامبل الإنجليزي، حياة النفوس، دلال الحبشية، المتصاحبون، الروزنامجي. وعلى مدار هذ الفصول يتنامى الصراع على السلطة والوجود والأفكار والمكتسبات، بل على الحياة، إذ تفتتح الرواية أحداثها على الوباء وانتشاره، واحتجاز الناس في محجر صحي انتظاراً للموت الذي يفتك بهم، دون العثور على دواء مناسب يعطي بعضاً من الأمل، وفي ظل هذه الأجواء يتصارع الوعي الخرافي والعقل العلمي.

يذكر أن هشام البواردي روائي مصري، من مواليد 1977 بمحافظة المنصورة، شمال القاهرة، وحاصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة الأزهر عام 2000، وحصل على المركز الأول في مسابقة إحسان عبد القدوس الأدبية عن روايته «الحياة عند عتبات الموت»، كما وصلت روايته «الرجل النملة» للقائمة القصيرة لجائزة ساويرس الأدبية عام 2017.

من أجواء الرواية: «تحولت الأمتعة والملابس إلى كتلة من رماد أسود، يعبث به الهواء ويطير، أمرهم كامبل ألا يدخلوا الدير مرة أخرى، وألا يقربوه، وألا يقيموا حتى صلواتهم على عتباته، وأن يتفرقوا في الأرض لو أحبوا. فزعوا من طلبه، وجُنُّوا حين طالبهم بإحضار الجير والتحاريق حتى يطهر الدير. فتح حقيبته وبحث عن قلم، عن دهان، عن لون يرسم به العلامة النكدة على بابه، وأخبرهم أن المكان موبوء، ويجب فعل هذا حفاظاً على الإنسان والحياة. اندفع الرهبان، جميعهم، ناحية كامبل، وحملوه، وقذفوا به بعيداً عن باب الدير. وتسلح كل واحد منهم بكل ما استطاع من أسلحة للاعتداء عليه لو نهاهم، وقالوا في نفس واحد: من أنت حتى تحظر بيت الرب وتمنع الخراف من دخوله؟! لم تقدر على فعل شيء للخادم أيها العاجز، فلتفعل شيئاً يُذهب الطاعون، لو تقدر».