«القشّة الأخيرة»... دراما تُجسّد ثقل الأمومة حين تتكاثف الضغوط

يتصدر الأفلام الأعلى مشاهدة في السعودية ودول العالم

يعرض الثلث الأول من الفيلم الظروف الصعبة التي تعيشها أم عزباء قبل أن تنفجر لاحقاً (نتفليكس)
يعرض الثلث الأول من الفيلم الظروف الصعبة التي تعيشها أم عزباء قبل أن تنفجر لاحقاً (نتفليكس)
TT

«القشّة الأخيرة»... دراما تُجسّد ثقل الأمومة حين تتكاثف الضغوط

يعرض الثلث الأول من الفيلم الظروف الصعبة التي تعيشها أم عزباء قبل أن تنفجر لاحقاً (نتفليكس)
يعرض الثلث الأول من الفيلم الظروف الصعبة التي تعيشها أم عزباء قبل أن تنفجر لاحقاً (نتفليكس)

يصف المثل الشهير «القشة التي قصمت ظهر البعير» فعلاً بسيطاً يتسبب بأمر كبير غير متوقع، وهو ما حدث في فيلم Straw (القشّة الأخيرة) الذي يتصدّر حالياً قائمة Top 10 العالمية على نتفليكس ضمن فئة الأفلام الإنجليزية، مسجّلاً أكثر من 25.3 مليون مشاهدة، وفي السعودية يأتي ضمن المرتبة الأولى في قائمة الأفلام الأعلى مشاهدة على المنصة، وذلك خلال الأسبوع الأول من عرضه.

الفيلم هو من تأليف وإخراج تايلر بيري، وتجسّد تراجي بي هينسون دور البطولة عبر شخصية «جنايا ويلكنسون»، المرأة التي تفقد منزلها ووظيفتها وسيارتها في يوم واحد، وتواجه اتهامات بإهمال ابنتها ذات الثمانية أعوام، لتنهار وتدخل في حالة ذهنية متوترة تضعها في مواجهة الشرطة داخل أحد المصارف، وبينما يبدو المشهد في البداية مألوفاً، يتكشف لاحقاً أن ما يحدث لها ما هو إلا انعكاس لحالة نفسية قاسية تعيشها الأم، بعد وفاة طفلتها بشكل مأساوي.

ووفقاً لأصداء الفيلم في شبكات التواصل الاجتماعي، يرى غالبية الجمهور أن أداء تراجي كان أقوى من النص، مع براعتها في تقديم هذه الشخصية التي تتأرجح ما بين الذهان والحسرة والندم، في الفيلم الذي يجبر الجمهور على التعاطف معها، خاصة أنه يلامس تجارب واقعية لنساء من فئة الأمهات العازبات اللاتي يعشن التهميش والإرهاق النفسي، في دراما تدور حول يوم كارثي في حياة أم عزباء.

يحاول المخرج والكاتب تايلر بيري توجيه أنظار الجمهور نحو التعاطف والاحتواء في دعم الآخرين (نتفليكس)

دعوة للاحتواء

الفيلم يُظهر كيف يمكن للعطف والتفهّم أن يكونا أقوى من المواجهة المسلحة، من خلال العلاقة التي تشكلت بين «جنايا» ومديرة المصرف (شيري شيبرد)، وكذلك مع المُحققة (تيانا تايلور)، حيث حاولتا إنقاذها من الورطة التي وقعت بها حين رفعت السلاح داخل المصرف، في محاولة لاحتواء الألم الذي تعيشه البطلة في أصعب لحظات حياتها، وبعيداً عن تهديدات رجال الأمن الذي أحاطوا بالمكان، وكانوا يطلبون منها الاستسلام.

ووسط حوارات الفيلم الذي يركز على مجتمع السود، يلمح المشاهد الخطاب غير المباشر لما يظهره الفيلم من التمييز في التعامل مع المرأة السوداء الفقيرة، التي دخلت المصرف في حالة توتر وغضب، لتطلب صرف راتبها البسيط البالغ 521 دولاراً، ثم تم التعامل معها مباشرة على أنها تهديد أمني خطير، في مقابل التلميح بأن المجتمع يغفر ويتفهم ظروف الآخرين حين يكونون من خلفية اجتماعية وعرقية مختلفة.

يقول الكاتب والمخرج تايلر بيري في حوار نشرته «نتفليكس»: «يُمثل الفيلم 3 فئات مختلفة من النساء السود، في مراحل مختلفة من النجاح، لكنهن جميعاً قادرات على التعاطف مع بعضهن البعض». وعن شخصية «جنايا» يقول: «هي تحاول فقط البقاء على قيد الحياة، وأن تكون أماً عظيمة لابنتها، لكن وضعتها ظروف الحياة في هذا الموقف، وهذا حال الكثيرات من حول العالم، سواء كنّ من ذوات البشرة السوداء أم لا، إلا أنهن سيتمكنّ من التعاطف مع شعور المرء بأنه على حافة الانهيار».

يتطرق الفيلم إلى غياب الدعم النفسي وتحديات الصحة العقلية التي تواجه الكثير من الأمهات العازبات في العصر الحديث (نتفليكس)

قضايا جدلية

يتطرق الفيلم إلى عدد من المواضيع الجدلية، أبرزها مدى الهشاشة النفسية للأمهات العازبات، حيث يلقي الضوء على الضغط اليومي الذي تعانيه الأمهات اللواتي يتحملن المسؤوليات وحدهن، وكيف يمكن أن يقود التراكم النفسي إلى الانهيار الكامل، دون أن يلاحظ أحد، وهو ما قدمته الأم «جنايا» التي كانت نموذجاً للانفجار الصامت في الفيلم، على خلاف مديرة المصرف التي جسدت دور الأم السعيدة في حياتها.

كما يتناول تهميش الفقراء في النظام الاجتماعي، فمنذ المشهد الأول يلمح المشاهد تركيز القصة على صعوبة البقاء ضمن طبقة فقيرة تعيش على الحافة، بما يشمله ذلك من الطرد من السكن، وفقدان الوظيفة بسهولة، وغياب أي شبكة دعم أو رحمة في الأنظمة الرسمية المتبعة حالياً في أميركا ودول أخرى، حيث يُدين الفيلم فكرة التعامل مع الإنسان كمجرد رقم، لا ككائن له ظروفه.

وواحدة من أبرز المفاجآت في الفيلم هي كشفه التدريجي لحالة «جنايا» النفسية، والتي اتضح أنها تعاني من ذهان وفقدان للواقع بعد وفاة ابنتها، ومن هنا يُصدم الجمهور في نهاية الفيلم الذي لا يُعامل المرض النفسي بوصفه عرضاً جانبياً، بل كأزمة مركزية، ويُظهر كيف أن غياب الدعم والرعاية النفسية قد يُنتج مأساة جماعية، حين كان يومها يتفاقم من سيئ إلى أسوأ، في عالم لم يكترث لوجودها إلا حين أشهرت السلاح بشكل غير مقصود.

ورغم كثرة المبالغات في فيلم «القشّة الأخيرة» فإنه استطاع توجيه أنظار الجمهور نحو فئة من الأمهات غير المرئيات، وهن اللاتي قد يصادفهن في الطريق ولا يفهم دواعي الغضب والقهر المشتعل داخلهن، كما حاول المخرج أن يضاعف من اندماج الجمهور مع هذه الحالة من خلال مشهد خروج الناس للتظاهر لصالح «جنايا»، بعد أن عرفوا قصتها في الإعلام، حيث حملوا لافتات داعمة وتوجهوا نحو المصرف منادين باسمها، وهو ما جعل الشرطة تتراجع عن استخدام القوة، وهو ما يُؤكد أن تعاطف الناس قد يكون سبيلاً لنجاةِ من هم في ظروف صعبة.


مقالات ذات صلة

السعودية تشدد في قمة «بريكس» على ضرورة إنهاء معاناة غزة

الخليج وزير الخارجية السعودي أعرب عن تطلع بلاده إلى بناء تعاون مثمر عبر المنصات متعددة الأطراف من أجل مستقبل يزخر بمزيد من الفرص والتنمية المشتركة (واس)

السعودية تشدد في قمة «بريكس» على ضرورة إنهاء معاناة غزة

وزير الخارجية السعودي يُشير إلى أهمية تعزيز التعاون في مجالَي المناخ والصحة، داعياً إلى اتباع نهج عملي ومتوازن، يأخذ في الحسبان الظروف المتباينة للدول المختلفة.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو (البرازيل))
الخليج الأمير فيصل بن فرحان خلال لقائه الوزير ماورو فييرا في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية (واس)

وزيرا خارجية السعودية والبرازيل يناقشان القضايا ذات الاهتمام المشترك

ناقش الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مع نظيره البرازيلي ماورو فييرا، الاثنين، القضايا ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
الاقتصاد رئيس الهيئة محمد آل صايل خلال تدشين المنظومة (الجيومكانية)

«الجيومكانية السعودية» تدشن منظومة التصاريح والتراخيص لتمكين التخطيط الحضري

أطلقت الهيئة العامة للمساحة والمعلومات الجيومكانية الاثنين منظومة التراخيص والتصاريح الجيومكانية لتمكين التخطيط الحضري وصناعة القرارات الذكية

عمر البدوي (الرياض)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان والوزير ديفيد لامي (الخارجية السعودية)

وزيرا خارجية السعودية وبريطانيا يبحثان مستجدات المنطقة

بحث الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، مع نظيره البريطاني ديفيد لامي، المستجدات في المنطقة والجهود المبذولة بشأنها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج وزارة الداخلية السعودية شددت على يقظة الجهات الأمنية للمخططات الإجرامية (الشرق الأوسط)

ضبط شبكات إجرامية تتاجر بالمخدرات في الرياض وحائل

أكدت وزارة الداخلية السعودية أنها إذ تُعلن ذلك لتؤكد أن الجهات الأمنية متيقظة لجميع المُخططات الإجرامية التي تُحاك لاستهداف الوطن وشبابه بالمخدرات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

ستيفن سبيلبرغ يُطلق ديناصوراته مجدداً

«جوراسيك وورلد، إعادة ولادة» (يونيڤرسال)
«جوراسيك وورلد، إعادة ولادة» (يونيڤرسال)
TT

ستيفن سبيلبرغ يُطلق ديناصوراته مجدداً

«جوراسيك وورلد، إعادة ولادة» (يونيڤرسال)
«جوراسيك وورلد، إعادة ولادة» (يونيڤرسال)

انطلق قبل يومين الفيلم السادس من سلسلة «جوراسيك وورلد» في صالات العالم. حيث يُمكن سماع أصوات وحوش ما قبل التاريخ حتى في ردهات صالات السينما التي تعرضه. داخل تلك الصالات يمكن سماعها بتقنية تجعل الصالة ترتجف. تُشاهد وهي تجوب أركان الشاشة تبحث عما تأكله. كم نحن محظوظون أنها لا تستطيع رؤيتنا محاصرين في كراسينا في انتظار الحدث المقبل. الفيلم الجديد «جوراسيك وورلد: إعادة ولادة» (Jurassic World‪:‬ Rebirth) يأتي بعد 32 سنة مرّت على أول فيلم من السلسلة، «جوراسيك بارك»، الذي أخرجه وأنتجه ستيفن سبيلبرغ عن رواية لمايكل كرايتن بالعنوان نفسه سنة 1993.

سام نيل في «جوراسيك وورلد: سيادة» (يونيڤرسال)

عطل كهربائي

كل شيء بدأ هناك: جزيرة في المحيط الهادئ مجهولة (صُوِّر الفيلم ما بين استوديوهات يونيڤرسال في هوليوود وإحدى جزر هاواي) اكتشفها رجل أعمال (ديڤيد أتنبوروه)، ودعا فريقاً من العلماء (بينهم لورا ديرن وسام نيل وجف غولدبلوم) إلى زيارتها ومشاهدة أنواع الديناصورات التي ما زالت تعيش فوقها. لحماية البشر منها نصب حاجزاً كهربائياً يفصل بين الوحوش والآدميين. وهذا يبدو فعلاً صائباً لولا انقطاع الكهرباء ذات ليلة، مما جعل الوحوش تتجاوز الأسلاك من دون عناء وتهاجم الآدميين السذّج.

تبع ذلك سنة 1997 جزء ثانٍ بعنوان «العالم المفقود: جوراسيك بارك» (The Lost World‪:‬ Jurassic Park) الذي احتوى على محاولة لرفع حجم الخيال القائم على العلم باعتماد مواجهة بين العلماء ورجال الأعمال حتى قبل مواجهتهم معاً الديناصورات الغاضبة.

مع الجزء الثالث «Jurassic Park III» الذي اكتفى سبيلبرغ بإنتاجه وأخرجه جو جونستون سنة 2001 عاد سام نيل (الذي غاب عن الظهور في الجزء الثاني) باحثاً عن العلاقة بين الديناصورات وكيف استطاعت العيش والتوالد إلى زمننا هذا.

في عام 2015 أُطلق جزءٌ رابع مع تغيير العنوان إلى «Jurassic World» وإسناد مهمة الإخراج إلى كولين ترڤوروف الذي أنجز عملاً امتلأ بالهفوات والمشاهد التي تحرص على إطعام الديناصورات عدداً كبيراً من السيّاح الذين كانوا اعتقدوا، مجدداً، أنهم في مأمن.

في عام 2018 وتحت إدارة المخرج ج. أ بايونا رأينا محاولة أخرى للتقرب من تلك الوحوش والتفاهم معها وحمايتها من الراغبين في إبادتها. ولم يتطلب الأمر إلا 4 سنوات قبل أن نرى تلك الوحوش تهاجم الولايات المتحدة نفسها في «جوراسيك وورلد: سيادة» (Jurassic World‪:‬ Dominion) مع المخرج ترڤوروف من جديد الذي شهد عودة سام نيل إلى البطولة.

«جوراسيك بارك» الفيلم الأول (يونيڤرسال)

عالم مفقود

كل ما سبق لم يُثنِ الإنسان عن محاولة التواصل مع مخلوقات ما قبل التاريخ ومحاربتها في الوقت نفسه. إنها حكاية صراع بين الإنسان والوحش تجسَّدت في أفلام كثيرة سابقة ولاحقة، حيث الخطر يتمثل في مخلوقات فضائية أو أرضية أو بحرية. قد تكون حشرات قاتلة تنمو بسبب تجارب نووية أو نحل أفريقي يجتاز المسافة بين القارتين أو أسماك قرش أو أخطبوطات ضخمة تخرج من أعماق المحيط.

ما يميّز سلسلة جوراسيك هي التوجه إلى التاريخ البعيد لاستعادة عصر كانت فيه مخلوقات الأرض العملاقة هي الأقوى من سواها ولو أن «جوراسيك بارك» الأول لم يكن الأول فعلاً بين الأفلام التي استهوت تصوير الخطر الماحق على البشر من تلك الحيوانات الكاسرة.

عودة سلسلة «جوراسيك وورلد» بعد 32 عاماً بتجربة سينمائية مثيرة وحديثة

في عام 1925 أخرج هاري هويت أول تلك الأفلام تحت عنوان «العالم المفقود» (The Lost World) الذي استوحاه من رواية آرثر كونان دويل بالعنوان نفسه (نُشرت سنة 1912). عادت السينما إلى هذه الرواية أكثر من مرّة بدءاً من 1960 ولاحقاً في 1990 و1992 إلى جانب إنتاجات تلفزيونية عدّة.

بعد «العالم المفقود» الأول انتجت السينما نحو 50 فيلماً طويلاً من بطولة تلك المخلوقات توزعت بين أفلام رسوم وأفلام حيّة.

وفي السنوات التي تلت فيلم سبيلبرغ الأول ذاك، خرجت هوليوود بأفلام أخرى من النوع نفسه للاستفادة من جاذبية المشاهدين صوب الموضوع بما فيها «كارنوصور» (1993)، و«جزيرة ديناصور» (1993)، و«ديناصور» (2000)، و«100 مليون سنة قبل الميلاد» (2008)، و«الديناصور الطيّب» (2015). ناهيك عن سلسلتي «غودزيلا» و«كينغ كونغ»، الوحشان المختلفان عن الديناصورات إلا من حيث القوّة والبطش.