«سينماكون»... هوليوود أمام تحديات وإخفاقات

لاس فيغاس تجمع أدمغة النخبة

كيانو ريڤز في «جون ويك - 5» (ليونزغايت)
كيانو ريڤز في «جون ويك - 5» (ليونزغايت)
TT
20

«سينماكون»... هوليوود أمام تحديات وإخفاقات

كيانو ريڤز في «جون ويك - 5» (ليونزغايت)
كيانو ريڤز في «جون ويك - 5» (ليونزغايت)

تنتهي في الثالث من الشهر الحالي، دورة جديدة لحدثٍ لا يدخل تماماً في تصنيف مُعيَّن. يُنظَّم تحت اسم «سينماكون» (CinemaCon) (سابقاً «شو وست») منذ عام 1976 في مدينة لاس فيغاس. المدعوون إليه ينزلون في أغلى فنادق المدينة. يؤمُّون كازينوهاتها. وفي هذا الحدث تشترك كل شركات هوليوود المنتجة والموزِّعة، وكذلك شركات الصالات السينمائية، لتتحدث عن «بزنس» السينما.

هو ليس مهرجاناً، وليس سوقاً للبيع والشراء، وليس معرضاً، كما أنه ليس مناسبة سنوية لتوزيع الجوائز. إنه مؤتمر تشترك فيه مئات الوفود (كل وفد بعشرات المديرين والمسؤولين) ومئات الشركات (استوديوهات، وشركات توزيع، وأصحاب صالات، وشركات تتعاطى الصناعة عن قرب أو عن بعد).

غُرف الفنادق الكبيرة كُلها محجوزة خلال فترة إقامته. انطلق العام الحالي في 31 مارس (آذار). تتعدَّد الحفلات، والقاعات تعج بالحاضرين في ساعات مختلفة من الليل والنهار.

حضرتُه 3 مرَّات في العقد الأول من القرن الحالي لسببين: تلبية لدعوات كاملة (سفر وإقامة مدفوعة)، ولأنه يعرض أفلاماً انتهى تصويرها للتو ولم تُعرض بعد إلى أحد غير النُّخبة الموجودة. في حالات كثيرة، ولأن الفيلم ليس جاهزاً بعدُ للعرض، يُقدّم منه نحو عشر إلى عشرين دقيقة للتعريف به.

على ما يبدو، فإن أهم ما لدى «سينماكون» عرضه العام الحالي، هو ربع ساعة من الجزء الخامس من مسلسل «جون ويك» المنتظر إطلاقه بعد نحو أسبوعين؛ وهو من بطولة كيانو ريڤز، إلى جانب عروضٍ لفيلم شركة وورنر المقبل «سوبرمان» المنتظر عرضه في 11 يوليو(تموز) المقبل.

سوبرمان جديد في الصيف المقبل (وورنر)
سوبرمان جديد في الصيف المقبل (وورنر)

الحال ليست كما كانت

ما سبق يكفي لعدّ «سينماكون» مُلتقى حافلاً يؤمُّه رؤساء الاستوديوهات والشركات ومُديروها للبحث في أمر السينما والصناعة في كل عام، ولعرض جديدٍ وإلقاء الخطب في حضور الإعلام أو في اجتماعات مغلقة.

ما يختلف العام الحالي عنه في العام الماضي (والعام الماضي عمَّا سبقه)، هو استمرار هبوط الإيرادات في صالات السينما. إيرادات الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الحالية، تُشير إلى أن الحصيلة أقل من حصيلة العام السابق بـ11 في المائة. وأن مجموع الإيرادات إلى الآن ما زال ضعيفاً للعام السادس على التوالي. قد يرتفع في نهاية هذه السنة قليلاً، بيد أن المتوقع أن يهبط مجدداً خلال العام المقبل.

في الحقيقة، منذ انتشار «كوفيد - 19» سنة 2019 والحال لم تعُد كما كانت عليه. في عام 2018 وصلت ثروة هوليوود من الإيرادات إلى مليارين و800 مليون دولار. في العام التالي انتكست، والانتكاس لا يزال متوالياً. كان ذلك المبلغ المُسجل، بكلمة أخرى، أعلى رقم سُجِّل منذ ذلك الحين وحتى اليوم.

إحصائيات أميركية تؤكد أن تراجع المشاهدين بلغ 25 في المائة خلال العام الماضي، وليس هناك من مؤشر إلى تحسنٍ ما خلال العام الحالي.

«كابتن أميركا: عالم جديد شجاع» (ديزني)
«كابتن أميركا: عالم جديد شجاع» (ديزني)

سبيلان

الأدلة واضحة حتى الآن، ومن خلال حفنة الأفلام التي سعت إلى النجاح ولم تحقِّقه.

«كابتن أميركا: عالم جديد شجاع» (Captain America‪:‬ Brave New World) الذي عُرض بدءاً من 11 فبراير (شباط) الماضي لا يزال يتربَّع على قمَّة الإيرادات الأميركية هذه السنة. كلّف 180 مليون دولار، وجلب ما يوازيها وفوقها نحو 200 مليون دولار، عالمياً هذا ليس النجاح الذي كانت تنشده الشركة المنتجة «وولت ديزني»، لكنه ما زال النجاح الوحيد إلى الآن هذه السنة. كل الأفلام الأخرى التي عُرِضت من مطلع العام وحتى اليوم، ومن بينها فيلم ديزني الحالي «Snow White»، أخفقت في دورتها التجارية. «سنو وايت» الذي هو إعادة صُنع فيلم رسوم متحركة أنتجته الشركة نفسها سنة 1937 (وهو أفضل من الفيلم الجديد)، كلَّف 250 مليون دولار وفوقها 50 مليون دولار دعاية وإعلانات، وجلب من السوق العالمية (بما فيه الأميركية) أكثر بقليل من 144 مليون حتى كتابة هذا التحقيق. باقي العروض لم يتجاوز الواحد منها 100 ألف دولارٍ.

ما يتراءى للمتابع الجيد، أن هوليوود سلكت سبيلين اعتقدتهما متساويَيْن: إنتاج أفلام لصالات السينما، وتعزيز المنصّات الإلكترونية في الوقت نفسه. مع وقوع «كوفيد - 19» تراجع الإقبال على الصالات، الأمر الذي منح المنصَّات إوزَّة تبيض ذهباً. بعد زوال الداء بقي الإقبال منحسراً إلى حدٍ كبير كما تؤكد الإحصائية أعلاه.

مشكلة أخرى لم تُحسن هوليوود إدارتها، هي منح أفلامها المعروضة في الصالات 17 يوماً فقط قبل عرضها على الإنترنت. أي نوع من الجنون هذا؟ إنه النوع الذي يدعو جمهوراً عريضاً إلى تأجيل مشاهدة الفيلم لمدة أسبوعين فقط.

قلّة من الأفلام تستطيع النفاذ من هذه المصيدة مثل «المهمّة مستحيلة: التقدير الأخير» (Mission‪:‬ Impossible‪-‬ The Final Reckoning) أو (Oppenheimer)، أو (Barbie). أما إذا أُطلقت أفلام في الصالات فقط، فإن الدعم الإعلامي لها محدود.

قد يبحث الموجودون في «سينماكون» خلال الأسبوع الحالي هذه المسائل، وقد يُدركون أن السقوط أسهل من الصعود، وينجحون في وقف الانحدار قبل فوات الأوان، بيد أن هذا مجرد احتمال.


مقالات ذات صلة

«عيون مغلقة على اتساعها»... تحفة كوبريك الأخيرة

سينما  توم كروز وراء القناع (وورنر)

«عيون مغلقة على اتساعها»... تحفة كوبريك الأخيرة

لم يكن من المفترض أن يختم ستانلي كوبريك حياته المهنية المديدة، التي بدأت عام 1952 وانتهت في 1999، بفيلم «عيون مغلقة على اتساعها» (Eyes Wide Shut)

محمد رُضا (لندن)
سينما «بيت ساكن» (بلايسلس برودكشنز)

شاشة الناقد: ثلاثة أفلام عربية عن المرأة وظروفها

العالم الذي تشيده المخرجة سارة فرنسيس صغير المساحة شاسع الإيحاء: المنزل، المطعم، السيارة، ولا شيء آخر.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق جانب من حضور حفل افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)

«الخلافات الفلسطينية» تخيّم على افتتاح «مالمو للسينما العربية»

طال الانقسام الفلسطيني حفل افتتاح الدورة الـ15 من مهرجان «مالمو للسينما العربية».

أحمد عدلي (مالمو (السويد))
يوميات الشرق سمحت الرحلة لهما بالتعرّف إلى بعضهما البعض عن قرب (أنجي عبيد)

أنجي عبيد تُصالح المسافات.... من «يلّا بابا» إلى الذات

صوّرت أنجي الفيلم عام 2022، واستغرق نحو 3 أشهر، قطعت خلالها نحو 4 آلاف كيلومتر بالسيارة. ويتحدث العمل عن تغيّرات تسببت بها الحروب منذ 40 عاماً.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الفنانة المصرية ريهام حجاج (صفحتها على «فيسبوك»)

ريهام حجاج: انشغالي بالدراما أبعدني عن السينما

أعلنت الفنانة المصرية ريهام حجاج أنها ستخوض تجربة سينمائية جديدة قريباً؛ تعكف على قراءة السيناريو والتحضير لها، مؤكدة أن الدراما شغلتها وأبعدتها عن السينما.

داليا ماهر (القاهرة)

«عيون مغلقة على اتساعها»... تحفة كوبريك الأخيرة

 توم كروز وراء القناع (وورنر)
توم كروز وراء القناع (وورنر)
TT
20

«عيون مغلقة على اتساعها»... تحفة كوبريك الأخيرة

 توم كروز وراء القناع (وورنر)
توم كروز وراء القناع (وورنر)

لم يكن من المفترض أن يختم ستانلي كوبريك حياته المهنية المديدة، التي بدأت عام 1952 وانتهت في 1999، بفيلم «عيون مغلقة على اتساعها» (Eyes Wide Shut)، إذ كان لديه مشروعات عدة غير منجزة في أدراج مكتبه. أحدها كان «ذكاء اصطناعي» (AI: Artificial Intelligence) المقتبس عن رواية قصيرة لبرايان ألديس، كما كان على أهبّة البدء بنفض الغبار عن مشروع قديم بعنوان «أوراق أريانية» (Aryan Papers) المستوحى من رواية للويس بَيغلي بعنوان أكاذيب زمن حرب (Wartime Lies).

آل مشروع «ذكاء اصطناعي» إلى ستيفن سبيلبرغ، كما هو معلوم، فحقّقه بعد عام واحد من وفاة كوبريك (الذي توفي في 1999 قبل أشهر قليلة من عرض فيلمه).

أما «أوراق أريانية»، فيذكر بول دانكن في كتابه ستانلي كوبريك: الأفلام الكاملة (2003)، أن المخرج خطط لتحقيقه قبل 10 سنوات من وفاته، لكنه انتقل لإخراج «عيون مغلقة على اتساعها» مع توم كروز وزوجته آنذاك نيكول كيدمان.

وكحال معظم أعمال كوبريك السابقة، فإن «عيون مغلقة على اتساعها» كان هو الآخر مستوحى من رواية أدبية عنوانها قصة حلم للكاتب النمساوي آرثر شنيتسلر، وكما اعتاد كوبريك، امتلك حق تطوير القصة وتعديلها كما يشاء.

كوبريك خلال التصوير (وورنر)
كوبريك خلال التصوير (وورنر)

رسالة غير احتفائية

هذا فيلم غريب عن قصة حب يعيشها زوجان قريبان جسدياً، بعيدان روحياً. كلٌّ منهما يتخيل أن شريكه شخص آخر، ويشعر بالرغبة نحوه بناءً على هذا التخيُّل. لا نرى خيانة فعلية من أي منهما، لكن الفيلم يتجلّى في ليلة يقضيها كروز في حفل كبير.

يجول فيه مرتدياً قناعاً، كذلك تجول الكاميرا لتعرض مجتمعاً سرياً لا روحانيات فيه ولا أخلاقيات. مجتمع يؤمن بعلاقات لا تقوم على الحب، وتُقام في حفلاته طقوس قتل عنيفة.

هناك إيحاءات خلال ذلك الفصل الكبير من الفيلم تُلمِح إلى أن الماسونية هي المقصودة. بعض المحللين رأوا أن كوبريك كان ماسونياً، أو على الأقل متأثراً بفلسفتها. لكن هذا يتناقض مع الإدانة الواضحة التي تحملها تلك المشاهد ومضامينها.

الراجح إذن أن كوبريك أراد تصوير الحفل بهذه الطريقة ليبعث رسالة غير احتفائية، تتجاوز الماسونية لتدين قوى مختلفة تقف وراء ستائر العالم، تمتلك قدرة على السيطرة الخفية.

ويليام (كروز) يمر بهذه التجربة ثم يعود إلى زوجته، مع احتمال أن كل ما مرّ به في تلك الليلة لم يكن سوى وهم وفانتازيا - لكن هذا أمر آخر.

نيكول كيدمان وتوم كروز في مشهد من الفيلم (وورنر)
نيكول كيدمان وتوم كروز في مشهد من الفيلم (وورنر)

تمهيدات فلسفية

أفلام كوبريك، منذ «لوليتا» (1962) و«دكتور سترينجلوف أو كيف تعلمت التوقف عن القلق وأحببت القنبلة» (1964)، تبدأ بمقدمات ذات بعد فلسفي، ليست كغيرها من مقدمات الأفلام، بل تهيئة فكرية لما سيُكشف لاحقاً.

نجد هذا في 2001: أوديسا الفضاء (1968)، حيث تبدأ القصة بصراع قبيلتين من القردة على الماء، قبل الانتقال إلى حكاية فضائية.

وفي «اللامع» (The Shining)، حيث ينتقل الكاتب (جاك نيكولسون) من عالم يعرفه إلى عالم مخيف وغامض.

وفي «سترة معدنية كاملة» (Full Metal Jacket)، حيث تبدأ القصة بمقدمة طويلة عن المجند الذي ينتحر بسبب عنف المؤسسة العسكرية، قبل أن ننتقل إلى حرب في ڤيتنام.

هذه النماذج تعكس أفكاراً فلسفية وسياسية واضحة، وتتقاطع مع ما يعيشه ويليام في «عيون مغلقة على اتساعها» من انتقال إلى اكتشافات محظورة.

عين ويليام هي عين المخرج، وهي أيضاً عين المشاهد، إذ يلج ما يريده المخرج له أن يراه، وفق رحلة البطل الاستكشافية.

في هذا الفيلم، هناك محطات تمهّد لدخول ويليام المنطقة المحظورة. زوجته أليس تعترف له بأنها تخيّلت نفسها تخونه مع ضابط في البحرية.

ينطلق ويليام من هذا الاعتراف في عالم من الخيال، ثم الرغبة في عيش تلك الحالة متجسدة.

وهذا يعزز فرضية أن الفيلم، بمعظمه، هو حلم ويليام، وليس واقعاً يقدّمه كوبريك. بمعنى آخر، ما نشاهده هو انعكاس لرغبات بطل الفيلم وليس واقعه، ما يعني أن الحفل الماسوني (أو ما يشبهه) ليس بدوره سوى وسيلة استخدمها كوبريك لنقد عالمنا المعاصر. ذاك العالم الذي يؤثر فينا دون أن نعيه.

حقيقتان

يدعم هذا الطرح ما تقوله أليس لزوجها وهما في المتجر برفقة ابنتهما، وهما يشتريان حاجيات عيد الميلاد، إذ تقول: «أنا واثقة من أن حقيقة ليلة واحدة، أو حتى العمر كله، لا يمكن اعتبارها الحقيقة بعينها».

(تستخدم أليس كلمتي Reality وTruth للتأكيد على الفرق بينهما).

بكلمات أخرى: من يستطيع أن يؤكد أن ويليام خاض فعلاً ما اعتقد أنه عاشه؟

هنا يلعب القناع (المتوفّر في الحفل كما في مشاهد خارجه) دوره في فك لغز هذا الفيلم.

فهو رمز للمزج بين الحقيقة والخيال.

أليس هي القوة الخفية وراء رجل كان يظن نفسه القوة الفعلية.

القناع هو طريقته في خداع نفسه والاعتقاد بأنه شخص آخر.

إنه القناع الذي نرتديه جميعاً لأن أعيننا، كما يقول كوبريك، «مغلقة... على اتساعها» عن الحقيقة.