شاشة الناقد: فيلمان في «مهرجان برلين»

«عندما يومض البرق فوق البحر» (مهرجان برلين)
«عندما يومض البرق فوق البحر» (مهرجان برلين)
TT
20

شاشة الناقد: فيلمان في «مهرجان برلين»

«عندما يومض البرق فوق البحر» (مهرجان برلين)
«عندما يومض البرق فوق البحر» (مهرجان برلين)

WHEN LIGHTNING FLASHES OVER THE SEA

★★⭐︎

* إخراج: إيڤا نيمان

* أوكرانيا | تسجيلي

* عروض مهرجان برلين (2025).

«عندما يومض البرق فوق البحر» مأخوذ من عبارة لصبي ترد قبل نهاية الفيلم، يصف بها أحلامه في بلدة أوديسا غير البعيدة عن لهيب الحرب بين أوكرانيا وروسيا. تلتقط المخرجة أمنياته وأمنيات غيره من أبناء البلدة برقَّة. كيف لا وهي تسعى لتسجيل الحياة في مدينة ليس لدى أهلها سوى الحلم والانتظار.

فيلم نيمان يمر بهدوء مثل نهر الدانوب. يلحظ الأشياء الرتيبة التي تشكِّل حياة المدينة حيث نزح بعضهم هرباً من بلدات حدودية لم تعد آمنة أو خسرت أوكرانيّتها لصالح روسيا. هؤلاء، رجالاً ونساء، يحاولون الاستمرار في العيش على إيقاع يماثل رتابة الحياة. هم متعدِّدون يواجهون الكاميرا بعلمهم، ومن دون علمهم أحياناً. تلتقط الكاميرا حديث امرأتين تحاولان معرفة ما إذا كانت الأصوات التي تسمعانها هي لطائرات روسية أو لمضادات أوكرانية. تلتقط كذلك رجلاً يُحصي الأيام وهي تمر أمامه، وحين تسأله المخرجة كيف تستطيع مساعدته يقترح أن تضع في فنجان القهوة بعض المال. الصبي الصغير في المقابل الذي اتخذت المخرجة عنوان الفيلم منه لا يود أن يُظهر وجهه المليء حزناً. ثم هناك تلك المرأة التي تعيش مع قططها وذكرياتها.

على كل ذلك، ليس هناك كثير من السينما في هذا التسجيل. نعم الألوان جميلة واللقطات معبّرة، بيد أن الفيلم يتألف من ساعتين من التأمّل ليسجِّل مواقف عاطفية معروفة سلفاً إن لم يكن من خلال أفلام أخرى عن كل حروب وقعت في السنوات الـ20 الماضية، فعن أفلام أوكرانية سابقاً روائية وغير روائية تناولت الموضوع نفسه. لا سعي لدى المخرجة لضبط إيقاعها على نحو يقلل من الملل الذي يُصيب المُشاهد بعدما تلقَّف منوال الفيلم ومراده.

WHERE THE NIGHT STANDS STILL

* إخراج: ليريك ديلا كروز

* إيطاليا | دراما

* عروض مهرجان برلين (2025).

ليس الليل وحده الذي لا يتحرّك، بل الفيلم بأسره أيضاً. هذا الفيلم المصوّر بالأبيض والأسود تجربة منهكة لدراما تسرد ما لديها حكياً، علماً بأنه ليس لديها كثير تحكيه. على ذلك، وبعد نحو أول 10 دقائق صامتة، يكرُّ الحوار بين ثلاثة أشخاص ومن دون قصَّة تُذكر.

«حيث لا يتحرك الليل» (إيطاليا فيلمز)
«حيث لا يتحرك الليل» (إيطاليا فيلمز)

يدور حول امرأة فلبينية (والحوار بكامله فلبيني لكن الإنتاج إيطالي) تعيش في رحى منزل كبير، تستقبل مع مطلع الفيلم اثنين من أقاربها (امرأة ورجل) وعند هذه اللحظة المبكرة ينطلق الحديث ليشمل الماضي وذكرياته وليُفصح عن رغبة الرجل في أن تقوم صاحبة البيت ببيعه. هذه تقاوم الفكرة على أساس أن لديها ذكريات كثيرة هنا. عيشها وحيدة لا يخيفها أو يجعلها تفكر في المستقبل عندما تتقدّم في السن أكثر.

يصوّر الفيلم هذا الموضوع كما لو كان المُشاهد معنياً بالشجر والسهل والأبواب نصف المغلقة والستائر التي تطير. كل لقطة من نحو دقيقة، وهناك أخرى بـ5 دقائق أو أكثر. في منتصف الفيلم مشهد للرجل وهو يجلس تحت شجرة يفكِّر. بما أن المشاهد السابقة لا تقترح علينا ما هو الأمر الذي يفكِّر به ليس علينا سوى النظر إليه بانتظار أن يتحرك من مكانه أو تتركه الكاميرا وشأنه.

هذا في حقيقته خلطٌ بين السينما التي تتأمل مستلهمة في لقطاتها ما يتحوَّل إلى ثراء في الأفكار والمفاهيم (كما الحال عند أندريه تاركوڤسكي أو ثيو أنجيلوبولوس مثلاً) وبين تلك التي تصرف الوقت وهي تنظر وتنتظر.

في الصالات

* O‪’‬Dessa ★★ ‫- إخراج جيريمي جاسبر | حكاية عاطفية من مصنع ديزني الذي ضخَّ فيها كل ما هو اصطناعي من عواصف وتصميمات. الأغنيات توقِف قليلاً من الأحداث الواردة. ‬

* The Actor ★★★ - إخراج: دوك جونسون | تشويق جيد عن رجل يجد نفسه في بلدة لا يعرفها من دون هوية أو مال. يمنح المخرج فيلمه أسلوباً فنياً جيداً.

* Aum‪:‬ The Cult at the End of the World لم يُشاهد بعد - إخراج شايكي ياناغيموتو | عن الطائفة الإرهابية التي شنّت قبل 10 سنوات هجوماً على مترو الأنفاق في طوكيو.

* Rule Breakers ★★ - بيل غوتنتاغ | دراما عن امرأة أفغانية تقرر أن عليها تغيير نمط التفكير الرجعي في بلدها والسَّعي إلى إطلاق حرية المرأة. مأخوذٌ عن حادثة حقيقية‬.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

«مولد أمة» يصوَّر التاريخ منحازاً ويدين «الأفارقة»

سينما ليليان غيش في لقطة من «مولد أمّة»  (غريفيث بروكشنز).

«مولد أمة» يصوَّر التاريخ منحازاً ويدين «الأفارقة»

في عام 1916، أقدم رجل أبيض يُدعى هنري بروك على إطلاق النار على فتى أسود يبلغ من العمر 15 عاماً يُدعى إدوارد ماسون، وذلك بعد مشاهدته لفيلم «مولد أُمّة»

محمد رُضا (لندن)
سينما «واحد لواحد: جون ويوكو» (مركوري ستديوز)

شاشة الناقد: وثائقيات عن التاريخ والفن والسياسة

يوفّر هذا الفيلم عن مغنِّي «البيتلز» جون لينون وزوجته أونو يوكو، معلومات ووثائق يمكن تقسيمها إلى ما هو شخصي وما هو عام.

محمد رُضا (لندن: محمد رُضا)
يوميات الشرق لقطة جماعية للفائزين والمكرمين في المهرجان (الشرق الأوسط)

ختام لامع لـ«أفلام السعودية» بتتويج 7 بجوائز «النخلة الذهبية»

في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، اختطف فيلم «سلمى وقمر» للمخرجة عهد كامل، النخلة الذهبية لأفضل فيلم.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
يوميات الشرق لقطة جماعية للفائزين بحفل ختام المهرجان (إدارة المهرجان)

سيطرة نسائية على جوائز مهرجان «جمعية الفيلم» بمصر

استحوذ فيلما «رحلة 404» لمنى زكي، و«الهوى سلطان» لمنة شلبي، على نصيب الأسد من جوائز الدورة الـ51 لمهرجان جمعية الفيلم بمصر.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق يتَّخذ الفيلم الإيطالي من الحرب العالمية الثانية خلفية تاريخية له (نتفليكس)

«قطار الأطفال»... رحلة إنسانية إلى الزمن السينمائي الجميل

ليس فيلم «قطار الأطفال» من الصنف الذي يضيِّع وقت المشاهد. فيه من الثراء الإنساني والتاريخي والسينمائي ما يكفي لإشباع العين والفكر معاً.

كريستين حبيب (بيروت)

«مولد أمة» يصوَّر التاريخ منحازاً ويدين «الأفارقة»

ليليان غيش في لقطة من «مولد أمّة»  (غريفيث بروكشنز).
ليليان غيش في لقطة من «مولد أمّة» (غريفيث بروكشنز).
TT
20

«مولد أمة» يصوَّر التاريخ منحازاً ويدين «الأفارقة»

ليليان غيش في لقطة من «مولد أمّة»  (غريفيث بروكشنز).
ليليان غيش في لقطة من «مولد أمّة» (غريفيث بروكشنز).

في عام 1916، أقدم رجل أبيض يُدعى هنري بروك على إطلاق النار على فتى أسود يبلغ من العمر 15 عاماً يُدعى إدوارد ماسون، وذلك بعد مشاهدته لفيلم «مولد أُمّة»، مشبعاً برسالة الفيلم العنصرية ضد السود. تُعدُّ هذه الحادثة من الأمثلة على تأثير الفيلم في تأجيج العنف العنصري في الولايات المتحدة.​

الفيلم، الذي أخرجه ديڤيد وورك غريفيث وعُرض لأول مرة في عام 1915، أثار جدلاً واسعاً بسبب محتواه العنصري. واجه الفيلم احتجاجات من منظمات مثل الجمعية الوطنية لتقدم الملونين (NAACP)، وحُظر في ولايات مثل (ألاسكا وكاليفورنيا وكنتاكي ونيويورك). دافع غريفيث عن عمله بقوله إنه لم يقصد الإساءة لأحد لكن من حقّه التعبير عن رأيه، بيد أنه في العام التالي أخرج فيلم «تعصّب» (Intolerance)، الذي تناول موضوعات التسامح من خلال 4 قصص تاريخية متوازية، في محاولة للرد على الانتقادات التي وُجهت لفيلمه السابق.

غريفيث في التصوير (غريفيث بروكشنز)
غريفيث في التصوير (غريفيث بروكشنز)

بذرة الشقاق

استند المخرج ديڤيد وورك غريفيث في فيلمه «مولد أُمّة»، إلى رواية «مولد أمّة: رومانسية تاريخية عن الكو كلوس كلان» (The Clansman: A Historical Romance of the Ku Klux Klan) للكاتب توماس ديكسون جونيور، التي نُشرت عام 1905، ومن ثَمَّ حوّلها إلى مسرحية ناجحة بالاسم نفسه. العنوان الأصلي للفيلم كان «The Clansman»، إلا أن غريفيث غيّره لاحقاً إلى (The Birth of a Nation) ليعكس رؤيته الأوسع حول «مولد أُمّة» بعد الحرب الأهلية الأميركية.​

شارك في بطولة الفيلم عدد من نجوم السينما الصامتة، من بينهم ماي مارش، وميريام كوبر، وماري ألدن.

يُعد «مولد أُمّة»، علامة فارقة في تاريخ السينما الأميركية من الناحية التقنية والسردية. وفي مضمونه هو فيلم متعصِّب، هو أكثر من فيلم يؤيد أهل الجنوب الأميركي كونه يُشيد بمنظمة «كوكلس كلان» التي عُرفت بحرقها السود أحياء، ويقدِّم السود في صور بشعة وعنصرية واضحة.

‫يفتح «مولد أمة» بتمهيد يُصوّر وصول السود «عبيداً» إلى الولايات المتحدة في القرن الـ17، وكيف أن إحضارهم إلى الولايات المتحدة «زرع البذرة الأولى للانشقاق» ومن ثم‬َّ هناك مشاهد لبيع الرقيق في الجنوب. بعد ذلك يدلف بنا إلى عائلتي ستونمان المنفتحة على مبدأ «تحرير العبيد» وعائلة كاميرون المناوئة. مع بداية الحرب تصطفُّ كل عائلة ضد الأخرى حسب ميولها السياسية.‫ بطاقة مصوّرة (كون الفيلم أُنتج صامتاً) تقول: «ضعف القائد العظيم سوف يُبلي الأمة»، وذلك في إشارة إلى الرئيس إبراهام لينكولن الذي صدَّق على قانون «تجريم العبودية».

بعد ذلك، يبدأ فصلٌ جديد مع نشوب الحرب الأهلية، حيث تُعرض مشاهد توجُّه أبناء كاميرون الثلاثة إلى القتال، بوصفهم «هدية الأم إلى قضية الولايات الانفصالية». يلي ذلك مشاهد للجنود والمتطوِّعين الجنوبيين المتحمّسين للدفاع عن «القضية الحقة: النصر أو الموت»، كما يوضح الفيلم.

في حماية ««كوكلس كلان» (غريفيث بروكشنز)
في حماية ««كوكلس كلان» (غريفيث بروكشنز)

إنقاذ الشرف الأبيض

بعد عامين ونصف، يبدأ الجيش الشمالي بتحقيق انتصاراته ويغزو المدن والبلدات الجنوبية. يأمر جنرال شمالي أبيض قواته من المجنّدين السود باقتحام منازل البلدة، ومن بينها منزل عائلة كاميرون. يُقدَّم الجنود السود (أدّى أدوارهم ممثلون بيض ملطّخون بالمساحيق) كمصدر تهديد لبنات كاميرون، اللواتي يظهرن في حالة من الخوف من الاغتصاب. تُركِّز الكاميرا على وجوه الجنود السود «المتعطّشة»، في تصوير عنصري فج.

في هذه اللحظة، ينطلق رجال منظمة «كو كلوكس كلان» لإنقاذ نساء البلدة، ويصلون في الوقت المناسب لدحر المجنَّدين السود. في مشهد لاحق، يُعرض موت المجند الشمالي تود ستودمان إلى جانب صديقه الجنوبي ديوك كاميرون، في محاولة لإبراز فكرة المصالحة بين الشمال والجنوب، في سردية تستثني الأميركيين من أصل أفريقي بشكل تام.

هناك سود «أوفياء» (حسب تعريف الفيلم) من بينهم خدم ينقذون حياة «مالكيهم» وآخرون متعاونون مع المنظمة. في المقابل، يُقدَّم المجنَّدون السود كرمز للوحشية، في صورة تهدف إلى إثارة الرعب لدى المشاهدين البيض من «فحولة» السود و«همجيتهم» المحتملة في حال مُنحوا قدراً من الحرية. هذه الصورة النمطية تُسوِّق لفكرة الحاجة إلى منظمة يمينية تفرض «النظام الأبيض» وتمنع ما يُعدُّ، من منظور الفيلم، فوضى تهدّد المجتمع.

من المشاهد اللافتة في هذا السياق، انتحار فلورا (التي تؤدي دورها ماي مارش) بإلقاء نفسها من أعلى هضبة، هرباً من مطاردتها على يد رجل أسود. يظهَر لاحقاً هذا الرجل وهو يتعرّض للجلد على يد عناصر المنظمة، في مشهد يجسِّد بوضوح رسالة الفيلم المنحازة، التي تبرِّر العنف تحت ذريعة «حماية الشرف» وتكرِّس الخطاب «العنصري» الموجّه ضد «السود».

أعمال سابقة

‫استخدم غريفيث المونتاج بأسلوب بارع، مضيفاً إلى فيلمه بعداً تشويقياً لافتاً. بيد أن التوليف لم يكن سوى أحد جوانب إنجازاته التقنية والفنية. فقد اعتمد، على سبيل المثال، على التصوير الليلي في وقت لم يكن شائعاً بعد. كما واظب على التصوير في المناطق الطبيعية خارج الاستوديوهات، وهو أمر نادر آنذاك في إنتاج الأفلام الطويلة. تميّز غريفيث أيضاً باستخدامه اللقطات القريبة لإبراز الانفعالات على وجوه الممثلين، وحرَّك الكاميرا أفقياً (Pan Shots)، ليصبح من أوائل من أدخلوا هذا الأسلوب إلى السينما الأميركية منذ بداياته مخرجاً عام 1905. كما لجأ إلى اللقطات المتحركة بالتوازي مع حركة الموضوع داخل الإطار (Tracking Shots)، كما استخدم تقنيات الانتقال بين المشاهد مثل الإذابة (Dissolve) والتلاشي والظهور التدريجي (Fade In/Fade Out).

صحيح أن هذه الأساليب لم تكن جديدة تماماً على السينما العالمية، بيد أنها كانت في معظمها محاولات محدودة، فيما تمكَّن غريفيث من توظيفها ضمن منهج سردي أكثر دلالة وتأثيراً.