شاشة الناقد: سينما مستقاة من الواقع

«أغورا» (إكزيت برودكشنز)
«أغورا» (إكزيت برودكشنز)
TT

شاشة الناقد: سينما مستقاة من الواقع

«أغورا» (إكزيت برودكشنز)
«أغورا» (إكزيت برودكشنز)

أغورا ★★

* فيلم جديد من المخرج التونسي علاء الدين سليم | تونس (2024)

* عروض: مهرجان لوكارنو.

‫وفّر فيلما ‬المخرج علاء الدين سليم السابقان، «آخرنا» (2016) و«تلامس»، (2019) جديداً في نطاق سينما الرمزيات المستقاة من الواقع. تمحورا حول صعوبة التفاهم بين أبطاله، واللغزية الخاصة بمصائر شخصيات تلتقي وجدانياً وذهنياً بعدما لجأت إلى أماكن مقفرة بعيدة. وفّرا كذلك نظرة على بيئة بديلة لواقع المدينة تتميّز باللجوء إليها والصمت شبه المطبق.

هنا، في فيلمه الثالث، يبدو المخرج كما لو فقد جزءاً من أسلوب معالجة تلك الدلالات. السيناريو الذي كتبه دفن في طياته المعاني المقصودة وعمّق دلالاتها بحيث بات من الصعب الاتفاق على قراءتها. في الواقع الفيلم أكثر دكانة وغموضاً من أي من أفلامه السابقة ولو أنه معالج فنيّاً بجمالية بصرية مشهودة.

يبدأ الفيلم بحوار مكتوب بالفصحى بين اثنين:

- «هل كنت تحلم؟»،

- «لا، وأنت؟»،

- «لا أرى سوى الكوابيس في الآونة الأخيرة».

- «أنا أيضاً. أشعر بكارثة قادمة».

كلا المتحاورين يقرران بأن القادم أسوأ. لكن ما هو هذا القادم؟ لماذا تكرار الآذان وترداد نباح الكلاب؟ ما دلالات السمك الميّت الذي تجرفه مياه البحر إلى الشاطئ؟ ومن هما أساساً؟

هذه الأسئلة وسواها تتوزع طوال الفيلم لكن السبيل إلى فهمها وتحديد معانيها على نحو يساعد المتلقي على قراءة العمل والانفعال معه مسدود. تنتقل القصّة من بال المخرج إلى صوره من دون كثير اكتراث للمرور جلياً. محورها ثلاثة أشخاص (بينهم امرأة) عادوا من البحر بعدما كانوا غرقوا فيه قبل سنين. كيف ولماذا هو سؤال آخر ينطلق من أن العائدين ليسوا موتى وليسوا أحياء أيضاً والتحري فاتح (ناجي قنواتي) يحقق طارقاً أبواب احتمالات عدّة كلّها مخزونة في لغز يربط الماضي بالحاضر وبمستقبل أسوأ. معه في البحث طبيب لا يملك بدوره أجوبة وابن مدينة اسمه عمر (ماجد مستورة) يصل القرية بعدما تناهى إليه ما ألمّ بالقرية الصغيرة.

ما بين الصورة والكلمة يمضي الفيلم معتمداً على ما يوفره المخرج من دلالات تصل إلى منتصف الطريق وتتوقف. لا يبقى سوى جماليات التصوير الداكن وإيحاء بأن هؤلاء العائدين من الموت ما زالوا يطلبون عدالة مفقودة تبعاً لأحداث مرّوا بها.

LES INDÉSIRABLES ★★★

* مهاجرة أفريقية تتصدى لمحافظ حي يخطط لهدم مجمع سكني.

* عروض: تجارية ومنصّات.

‫من الجو تبدو بلدة Batiment 5 عادية لا تختلف كثيراً عن الأحياء المنتشرة حول باريس (وداخلها إلى حد). لكن، حسب الفيلم، هي مكان لا يُحتمل. مبانٍ قذرة وأرصفة من المخلّفات والقمامة وسكّان متنوّعون في الأصول يعيشون حياة بؤس لا فكاك منها. فقراء متبرّمون من وضع لا يستطيعون تغييره. هذا هو لب الفيلم الجديد للادج لي، الذي كان قدّم قبل خمس سنوات ورقة اعتماده في «البائسون» (Les Misérables) بنجاح.‬

«غير المرغوبين» (سراب فيلمز)

يمكن اعتبار فيلمه الجديد، «غير المرغوبين»، فصلاً ملحقاً لاهتمامات المخرج المالي الأصل في هذه الطبقة من الناس الذين يعيشون ظروف الوضع المجتمعي من القاع.

الحياة صعبة لدى أفراد وعائلات مجمع سكني حكومي مزدحم بالحد الأقصى من الأفراد الذين يعانون التهميش، ومن صعوبة البحث عن كيفية تحسين أوضاعهم المعيشية. وعندما يتولّى محافظ جديد (ألكسيس ماننتي) منصبه ينظر إلى سكان المجمّع كعقبة تواجه تطوير الحي وجعله أكثر جذباً للمستثمرين فيصدر قراراً بالهدم. هناك مهاجرة أفريقية اسمها هابي (زنتا دياو) ذات شخصية قوية تقود حملة مواجهة هذا القرار والمواجهة تتحوّل من مجرد معارضة إلى لقاءات عاصفة بينها وبين المحافظ الذي يستهين بها في مطلع الأمر. حين يسعى لإيجاد حل وسط يقترح إقامة مبنى سكني آخر، لكن ما يطرحه هو مبنى أصغر حجماً، مما يعني أن العديد من سكان المجمّع الحالي سيجدون أنفسهم بلا مأوى.

رغب المخرج من بطلته تأدية الدور بانفعال وقوّة وحققت ذلك بالتأكيد ربما أكثر بقليل من المطلوب في بعض المشاهد، لكن الوضع الذي تجد نفسها فيه مدافعة عن حقوق مهدورة يسمح لها وللفيلم بذلك. ما لا يخدم كثيراً الاتكال على ميكانيكية الأحداث متجاوزة بعض الثغرات لجانب أن ما يعرضه المخرج يتوقّف على ما يخدم الفيلم في سياقه الحدثي الحالي من دون امتداد صوب أصول الوضع السياسي الذي كان يحتاج لبعض الطرح. على ذلك ينجح الدمج بين الموضوع المجتمعي وبين الشكل التشويقي على نحو الفيلم ويساعده على تجاوز تلك الثغرات.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★ ★: جيد | ★★ ★ ★جيد جداً | ★★ ★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )

غياب مُريب لأفلام التاريخ العربي والإسلامي

«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
TT

غياب مُريب لأفلام التاريخ العربي والإسلامي

«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)

يُقيم «مهرجان القاهرة» الذي بدأ دورته الـ45 يوم أول من أمس، ندوة خاصة عن المخرج والمنتج مصطفى العقاد الذي كان رحل في مثل هذه الأيام ضحية عملية إرهابية في عمّان قبل 19 سنة.

مُخرج «الرسالة»، عن نشأة الإسلام، و«عمر المختار»، عن مناضل في سبيل استقلال بلاده، كانا، ولا يزالان، أكبر إنتاجين عربيين- عالميين عرفته السينما.

المناسبة تستحق الاهتمام أولاً لإعادة التّذكير بمخرج عربي اخترق الجدار الصّامت حول تاريخ العرب والإسلام في فيلميه «الرسالة» (1976)، و«أسد الصحراء» (1980). وثانياً، لأنه المخرج العربي الوحيد الذي نجح في تحويل أحداث تاريخية عربية إلى الشاشة بنظام 70 مللم بانافيجين كما أفلام البريطاني ديڤيد لين، وفي مقدّمتها «لورنس العرب» (1962) الذي جمع ممثلين عالميين (أنطوني كوين، وبيتر أو تول، وأليك غينس، وجاك هوكينز، وكلود رينز) إلى جانب عمر الشريف وجميل راتب من مصر.

بعد عرضه الخاص في «مهرجان القاهرة» سينطلق في عروض عربية عديدة في جدّة، والدوحة، ودبي، والقاهرة والسعي جارٍ لتوسيع الرقعة عربياً وعالمياً.

مصطفى العقاد يتوسط عبد الله غيث وأنطوني كوين خلال تصوير «الرسالة» (فالكون إنترناشيونال)

خبرات ومواهب

لم يكن سهلاً على الممثلين الذين ظهروا في فيلمي العقاد تسليمَ مقادير مهنتهم آنذاك لمخرج عربي غير معروف، كلّ ما كان لديه لتقديمه - لجانب طموحه - أنه اشتغل مساعد إنتاج وإخراج في بعض المحطات التلفزيونية الأميركية. لكن العقاد فاز بالثقة سريعاً مع احتمال أن يكون الموضوعان المثاران في هذين الفيلمين عنصرَي جذب إضافي. الأول دار حول رسالةٍ (عن الدين الإسلامي) لم يتعرّف عليها الغرب في فيلم سابق، بل بقيت مودوعة في دراسات أكاديمية وكتب. الثاني ثورة ليبية ضدّ الاستعمار الإيطالي صاغها العقاد بعناية وتوازن. وراعى فيه جودة التقديم أيضاً.

«الرسالة» تم بنسختين منفصلتين واحدة عربية أمّ تمثيلها بعض أفضل الخبرات المصرية والمغاربية والسورية واللبنانية، وواحدة بالإنجليزية وكلاهما كانا نجاح عمل مدروس رغم صعوبة تنفيذه.

الفيلم الثاني حكى أن هناك ثورات أخرى وقعت خلال احتلال أجزاءٍ من العالم العربي وأن الموت الجماعي حاذى سواه ممّا حول العالم.

ما إن وقّع أنطوني كوين وإيرين باباس على العقد المبرم لهما، حتى تداعى الآخرون أمثال مايكل أنسَارا وداميان تومس ومايكل فورست.

لاحقاً، عندما خرج «الرسالة» إلى عروض عالمية شملت بلداناً عربية وغربية عديدة، حتى صار من الأسهل جذب نجوم آخرين تقدَّمهم، مرّة ثانية، أنطوني كوين في دور عمر المختار. حينها قال كوين لهذا الناقد في مقابلة: «لم أكن أعرف شيئاً عن التاريخ العربي. العقاد فتح عينيّ على هذا التاريخ المجهول بفيلميه، وبرؤية ثاقبة، وكيفية إنتاج مناسب لفيلم تاريخي كبير. بصفتي ممثلاً أرى أن كلّ شيء كان في مكانه الصحيح».

«المسألة الكبرى» (المؤسسة العامة للسينما والمسرح)

محاولات غير مجزية

لا يمكن إغفال حقيقة أن الأفلام التاريخية - الدينية العربية كان لها حضور سابق لـ«الرسالة». نتحدّث عن «واإسلاماه» للأميركي أندرو مارتون الذي أُنتج في مصر سنة 1961 وخاض بطولته كلٌ من لبنى عبد العزيز (في دور شجرة الدر)، وأحمد مظهر ورشدي أباظة ويوسف وهبي ومحمود المليجي وكاريوكا وعماد حمدي وفريد شوقي.

قبله بعشر سنوات أقدم إبراهيم عز الدين على تحقيق «ظهور الإسلام» بإمكانات محدودة مع كوكا وعماد حمدي وأحمد مظهر وسراج منير بين آخرين. ثم بعد 10 سنوات على ظهور «واإسلاماه» أنجز صلاح أبو سيف «فجر الإسلام». الذي استفاد من خبرة أبو سيف ولو أنه في النهاية بقي إنتاجاً محلياً للسوق العربية.

هناك أيضاً «الناصر صلاح الدين» ليوسف شاهين (1963)، الذي وظّف فيه المخرج أفضل طاقاته وطواقمه ما ساهم، بجانب اسمه المعروف، في انضمام هذا الفيلم إلى باقي ما ذُكر في عالمٍ عربيٍّ كان يتطلّع إلى مثل هذه الأفلام الترويجية لموضوعاتها باهتمام كبير يناسب كل ذلك الجهد الذي شهدته هذه الأعمال.

أدركت السينما العراقية أن هناك طريقاً لإنتاجات تصبو للعالمية بموازين ونُظم إنتاج برهن العقاد أنها ممكنة. في هذا الصّدد حقّق المخرج صلاح أبو سيف «القادسية» في عام 1981 بطلب من الحكومة خلال الحرب العراقية الإيرانية. الفيلم جاء كبير الإنتاج كما أُريد له أن يكون، ركيكاً في نواحيه الفنية، ودعائياً فيما تبقى.

مؤسسة السينما العراقية التي أنتجته كانت التفتت سنة 1980 إلى المخرج المصري الآخر توفيق صالح، وأصرّت على أن يُنجِز «الأيام الطويلة»، الذي عاد إلى تاريخٍ أقرب ليسرد جزءاً من سيرة حياة الراحل صدّام حسين.

في عام 1983 حقّق العراقي محمد شكري جميل «المسألة الكبرى» (1983) عن ثورة العراقيين ضد الاحتلال البريطاني. جلب المخرج مدير التصوير جاك هيلديارد، الذي كان عمل مع العقاد على فيلميه، والممثل أوليڤر ريد الذي كان اشترك في بطولة «أسد الصحراء»، لكن هذه الأفلام بقيت محدودة الانتشار ولم تتجاوز حدود العرض في بعض الدول العربية.

ما حدّ من انتشار هذه الأفلام عالمياً هو معضلة إنتاجات عربية كثيرة حينها، هي سطو «القضية» على المعالجة الفنية، هذا إلى جانب أن العقاد فَهِم وهضم قواعد الإنتاجات العالمية أكثر من سواه.