شاشة الناقد: فيلمان عن الأرض

«جَنين جِنين» شهادات (بكري ستديوز)
«جَنين جِنين» شهادات (بكري ستديوز)
TT

شاشة الناقد: فيلمان عن الأرض

«جَنين جِنين» شهادات (بكري ستديوز)
«جَنين جِنين» شهادات (بكري ستديوز)

جَنين جِنين ★★★

* تسجيلي: محمد بكري يعود إلى مذبحة جِنين | فلسطين (2024)

* عروض: خاصّة

«حي الدّمج صمد أمام الجيش الذي لا يُقهر أكثر ممّا صمدت الجيوش العربية سنة 1967». ملاحظة يطلقها أحد المتحدّثين في فيلم محمد بكري الجديد «جَنين جِنين»، تفضي إلى بعض تلك الحروب التي شهدها تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، كما إلى قيام الجيش الإسرائيلي باقتحام مخيم جِنين قبل 31 سنة.

إنه الاقتحام الذي أدى إلى مجزرة والذي أخرج عنه محمد بكري فيلمه السابق «جَنين جِنين» سنة 2002. ذلك الفيلم شهد اهتماماً عربياً (بطبيعة الحال)، وعالمياً متناولاً شهادات بعض سكان المخيم وبعض الجنود الإسرائيليين الذين وصفوا ما شهدوه وشاركوا فيه من عنف وإرهاب.

كذلك هو الفيلم الذي دفع الإسرائيليين لشن هجوم إعلامي ضد محمد بكري وتقديمه إلى المحاكمة بتهمة الإساءة إلى الجيش الإسرائيلي بهدف تشويه سمعته. بعد تلك المحاكمة نظرت محكمة الاستئناف في القضية وخلُصت إلى النتيجة نفسها، وقضت عليه باستمرار منع الفيلم من العرض، وتغريم المخرج مادياً. آخر تلك المحاكمات وقعت في العام الماضي ونتج عنها استمرار منع الفيلم من التداول.

كلّ ذلك لم يمنع بكري من العودة إلى بلدة جِنين بعد واحدة من عمليات الجيش الإسرائيلي في العام الماضي. في البداية يعرض المخرج مشاهد من فيلمه السابق يصاحبه تعليق بصوته يوفر خلفيات ما جرى قبل 31 سنة. بعد ذلك ينطلق ليقابل بعض من كان التقى بهم، وسجل أحاديثهم في ذلك الفيلم الأول. يتجنّب بكري هذه المرّة مقابلة إسرائيليين كونه لا يودّ خوض مرافعات ودعاوى جديدة ضده، ويعمد فقط إلى الصوت الفلسطيني لوصف العملية العسكرية الجديدة والحديث عن تلك السنوات الفاصلة.

الفيلم جهد في مكانه. منفّذ برويّة ومن دون تحديّات. يكفيه أنه مستمد من الواقع ومؤثر على صعيد أحداث قضية تشهد هذه الأيام حرباً جديدة. أحد العناوين الفرعية للفيلم هو «ما قبل غزة»، وهو عنوان مستخدم للإيحاء بأن الاعتداءات لا تتوقف حتى تبدأ من جديد.

لكن الفيلم أقل حدّة من سابقه. أقل حتمية إذا ما استثنينا أنه فيلم لم ينوِ أساساً أكثر من تقديم شهادات جديدة لمن سبق له مقابلتهم ليسردوا ما عايشوه وشاهدوه خلال الهجوم الأخير وما خرجوا به من تجربة الهجوم الأول. هو فيلم شهادات توثيقية بالتأكيد، يزيّنه صوت المخرج وهو يعلّق على ما يقوم به. تأثير ما يعرضه من أحوال وما يسمعه من مواقف وشهادات يبقى مؤثراً كما حال الوضع الفلسطيني بأسره. منفّذ جيد ضمن ما هو متاح وهذا في خضمّ الأحداث، إنجاز بحد ذاته.

THE PROMISED LAND ★★★☆

* دراما دنماركية من بطولة الموهوب مادس ميكلسن | الدنمارك (2023)

* عروض: منصّات.

‫لودڤيغ (مادس ميكلسن) هو ابن خادمة كانت تعمل في بعض قصور الطبقة العليا ووضعته. عنوان الفيلم الأصلي «ابن عاهرة» لتأكيد وضعية طبقته. في شبابه انضم للجيش الألماني في بعض تلك الحروب الأوروبية وأمضى 25 سنة بعيداً عن بلده.‬ مع عودته بات يسعى للحصول على إذن لحرث أرض تُمنح له. حين يواجه لودڤيغ اللورد المسؤول ومستشاريه يسخرون منه ومن طبقته ويقضون أن الأرض بور لا تصلح لشيء. يرد على ذلك بأن كل أرض صالحة للزرع. حين يجد أن طلبه سيرفض يتطوّع بأن يموّل مشروعه بنفسه مقابل منحه، إذا ما حقق الحلم، لقب لورد وتخصيصه بما يلزم المكان من عمّال وخدم.

مادس ميكلسن في «الأرض الموعودة» (زنتروبا إنترينمنت)

هنا تبرز قيمة العنوان البديل. إنها أرض موعودة له إذا نجح في ترويضها، وفي هذه الحالة سيمكن سلبها منه بقرار من الذين منحوها له. لا يعرف لودڤيغ هذا الجانب من الخطّة وينهمك في العمل ليثبت أنه سيحوّل تلك الأرض البور إلى مزرعة مثمرة.

هذا واحد من الأفلام الأوروبية التي تنتمي، روحاً وعملاً، إلى تعاليم سينما كلاسيكية جميلة ومنفّذة بإحكام كاف، رغم بعض المشاهد التي تدلف في الفيلم إلى مواقف عاطفية. بذلك يخرج عن نطاق ادعاء التجديد في «الفورم» الروائي أو الانتماء إليه.

يتطوّر ما يسرده المخرج نيكولاي آرسل صوب مواجهات ونزاعات بين حاكم المنطقة والقاضي من جهة وبين لودڤيغ. لا تفضي هذه إلى فيلم مغامرات، بل إلى وصفٍ مثيرٍ ومقنع لما تعرّض له بطل الفيلم من محاولات تقويض نجاحاته لمجرد أنه لا ينتمي إلى الطبقة الأثرى. العواطف العاتية التي تموج في صدر القاضي شينكل (سايمون بنبيرغ) تقوده إلى اختيار مجرمين لمهاجمة لودڤيغ الذي يزداد عناداً وبأساً، محاولاً الحفاظ على أرضه.

أداء ميكلسن محسوب كعادته. يعكس وجهه تلك الصرامة وذلك السعي خافياً مشاعره وراء ستارة رقيقة تعكس أكثر مما تبدي.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

سينما «السوبر هيروز» وأزماتها غير المحسوبة

سينما من اليمين: كريس إيفانز وروبرت داوني جونيور وكريس همسوورث: نجومية عابرة (مارڤل ستديوز)

سينما «السوبر هيروز» وأزماتها غير المحسوبة

فيلم فرنسيس فورد كوبولا الجديد «ميغالوبوليس»، الذي سيعرض خلال مهرجان تورنتو الحالي من 5 سبتمبر إلى 15 منه، ليس فيلماً سياسياً، بيد أنه يتضمن فكرة سياسية الجوهر

محمد رُضا‬ (لندن)
إعلام نجم مسلسل «فريندز» ماثيو بيري (أرشيفية - رويترز)

مساعد ماثيو بيري من بين 5 أشخاص متهمين في قضية وفاته

قال المدعي العام الأميركي إن خمسة أشخاص وُجهت إليهم اتهامات فيما يتعلق بوفاة الممثل ماثيو بيري بسبب جرعة زائدة من مادة الكيتامين العام الماضي.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق تصميم أزياء الأفلام يبدأ من مرحلة قراءة النص والاجتماع مع المخرج (الصورة من منسج)

الأزياء في الأفلام السعودية... مشاريع جديدة ببُعد سينمائي

الملابس ليست مجرد أشياء يرتديها الممثلون في الأفلام، وإنما هي لغة سينمائية بصرية في حد ذاتها، وهو ما تفطّنت له جهات سعودية واعدة.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق فيلم «داديو» من بطولة شون بن وداكوتا جونسون (سوني بيكتشرز)

«داديو»... 90 دقيقة سينمائية داخل سيارة أجرة

ثنائيّ سينمائي لا تتوقّعه العين ذاك الذي يشكّله الممثلان شون بن وداكوتا جونسون في فيلم «داديو»، والعمل عبارة عن محاولة غير مكتملة للغوص في الأعماق النفسية.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمود حميدة في برومو الفيلم (الشركة المنتجة)

مخرج «المُلحد» يتهم الرقابة بوقف عرض الفيلم

اتهم محمد العدل، مخرج فيلم «الملحد»، هيئة «الرقابة على المصنفات الفنية» في مصر بـ«الوقوف وراء منع عرض فيلمه، الأربعاء، كما كان مقرراً.

أحمد عدلي (القاهرة)

فيلم آخر يفترض وقوع حرب أهلية في الولايات غير المتحدة

من «حرب أهلية»: خراب المدن ( Films A24)
من «حرب أهلية»: خراب المدن ( Films A24)
TT

فيلم آخر يفترض وقوع حرب أهلية في الولايات غير المتحدة

من «حرب أهلية»: خراب المدن ( Films A24)
من «حرب أهلية»: خراب المدن ( Films A24)

قبل 4 أشهر انطلق للعروض التجارية عالمياً، وبنجاح، فيلم «حرب أهلية Civil War»، الذي افترض أن حرباً بين فريقين أميركيين اشتعلت بعنف وقسمت البلاد إلى معسكرين، كما حصل في عام 1861 عندما وقعت الحرب الأهلية الأميركية الفعلية واستمرت 4 سنوات، ذهب ضحيتها مئات الألوف.

حروب افتراضية

هذا الأسبوع ينطلق فيلم آخر بعنوان «لعبة حرب War Game» ليتناول الموضوع نفسه. ماذا لو شهدت الولايات المتحدة حرباً أهلية جديدة؟ ما الذي سيحدث؟ كيف سيتصرّف أهل الحكم في البيت الأبيض والحكومة؟

في الحقيقة لم يسعَ فيلم أليكس غارلاند «حرب أهلية»، 2024، للافتراض. عالج موضوعه بوصفه حقيقةً محتمَلة الوقوع. لم يتطرّق مثلاً إلى كيف ولماذا، ولم يُجب عن أسئلة وتوقعات، بل استبدل بكل ذلك الحديث عن بذل سيدتين ورجلين من الصحافة جهدهم لنقل الحقيقة كما يجب لها أن تُنقل، وهذا يعني دخول المعترك وتحمّل المخاطر، بل دفع الأرواح فديةً لعمل ينقل إلى الجالسين أمام أجهزتهم التلفزيونية (أو شاشات الكومبيوتر)، ما يبذله الآخرون من مشاق ومخاطرَ لنقله.

«لعبة حرب» يفترض، بذلك يعالج المسألة من زاوية مختلفة، الفارق أن الفيلم الأول ينحى جانباً بموضوعه ولو أن هذا يعني توقعاً محدوداً لقيام حرب بين الأميركيين لأسباب سياسية.

«كابتن أميركا: حرب أهلية» (مارڤل استوديوز)

سياسيون ممثلون

الفيلم الجديد، للمخرجَين توني غربر وجيسي موس، يضع تصوّراً افتراضياً لنشوب تلك الحرب إثر انتخابات الرئاسة. ما إن يجلس الرئيس المنتخب في البيت الأبيض، ومن قبل أن يسخن مقعده الوثير تحته، يفتح منافسه جبهة ضدّه. لكلّ فريق أعوان ولكلّ منهما ذخيرته من السلاح والقوى العسكرية.

كلا الفيلمين استنتج احتمالات هذا الوضع من بين حيثيات فعلية مطروحة. تحديداً، صعود نجومية دونالد ترمب واحتمالات خسارته مجدداً في الانتخابات المقبلة، والإشاعات التي سادت أن حرباً أهلية ستقع بين بعض الولايات ضد ولايات أخرى. نوع من المواجهة المسلحة بين الديمقراطيين والجمهوريين.

في «لعبة الحرب» يضعنا الفيلم في المعضلة السياسية مباشرةً ومن خلال شخصيات سياسية وأمنية فعلية من بينها، ويسلي كلارك، ودوغ جونز، وستيف بولوك (الذي يؤدي دور رئيس الجمهورية المنتخب جون هوثام)، ولويس كولديرا. هناك ممثلون غير مشهورين بينهم روبرت ستريكلاند، مُزجوا بين الشخصيات الفعلية. ستريكلاند يلعب دور الرئيس الذي خسر الانتخابات بفاصل دقيق، لكنه ليس من النوع الذي يقبل النتيجة. الحرب ولا الهزيمة.

بعض المراجع من بينها (IMDb) عدّت الفيلم تسجيلياً. هو في حقيقته طبخة تجمع المنهج التسجيلي مع التفعيل الدرامي. من ناحية، لا يمكن اعتبار فيلم يقع في أي لحظة مستقبلية عملاً تسجيلياً، ناهيك بأن يكون وثائقياً أيضاً. لكن استخدامه شخصيات حقيقية (بعضها ظهر في برامج ومقابلات تلفزيونية متحدّثاً عن الأمن والسياستين المحلية والدّولية، ولعب دوره محافظاً أو حاكم ولايات) يجعله نوعاً من الافتراض المبرمج ليبدو تسجيلاً.

مجلس حرب وهمية في «لعبة حرب» (أنونيموس كونتنت)

بلا حكاية... بلا نتيجة

يتداول المجتمعون في غرفة العمليات التابعة للبيت الأبيض الوضع فيما لو حاولت المعارضة المسلحة انتزاع الحكم بالقوّة. تستمر المداولات 6 ساعات حاسمة، كان المطلوب خلالها وضع خطّة للقضاء على التّمرد المحتمَل. وضع المخرجان الخطة الزمنية لأجل إحداث تشويق وتوتر وهما ينجحان في ذلك إلى حدٍّ كافٍ، لكن كل شيء يتبخر في النهاية نظراً لأن القرار النهائي هو أن على الحكم أن يبقى كما هو وأن الحل هو للقيادة بصرف النظر عن أي مشكلة أمنية أو سياسية تقع.

مسرح الأحداث محدود بمكان واحد غالباً. هذا يجعل الفيلم يبدو أقرب إلى لعبة مسرحية لا كلعبة حرب أهلية. هم «ذي غود غايز»، الرجال الصالحون. الآخرون يوصفون بـ«المتطرفين». لكننا إذ نتابع فيلماً يبحث في هذه الاحتمالات نتابع لعبة فعلية كتلك التي يلعبها الأطفال على طريقة «أبطال وحرامية». فالمسألة الواضحة للجميع أن لا شيء جاداً يقع وأن الجانبين يمنحان المشاهد افتراضاً مُمثّلاً لا حقيقة له ولا يأتي بجواب شافٍ.

هو فيلم خالٍ من القصّة الفعلية يقوم على مبدأ «ماذا لو؟»، وهو مبدأ جيد ما دام هناك جواب عليه أو، على الأقل، عمق في الطرح. هذا على صعيد المادة التي يسردها الفيلم، أمّا على صعيد الحرفة نفسها فالوضع أفضل. حتى التمثيل من غير المحترفين يشارك في جعل الفيلم ترفيهاً صغيراً.

يجب ألا يغيب عن البال أن فكرة العودة إلى حرب كبيرة تقع في الولايات المتحدة في الزمن الحاضر وردت في أكثر من فيلم (وبعض الأعمال التلفزيونية)، كما حال «كابتن أميركا: حرب أهلية»، الذي أخرجه الأخوان أنطوني وجو روسو في غمار سلسلة الكوميكس الشهيرة. في هذا الفيلم الذي عُرض في عام 2016 فإن تلك الحرب نشبت بسبب الأمم المتحدة (هناك منصّات أميركية حالياً تعدّ الأمم المتحدة وكالة ذات مكائد ومآرب ضد الولايات المتحدة)، وقسّمت أبطال الكوميكس إلى فريقين كلٌّ في اتجاه مضاد للآخر.