شاشة الناقد: أفلام المؤامرات السياسية

«ثلاثة أيام سمك» (سيرس فيلمز)
«ثلاثة أيام سمك» (سيرس فيلمز)
TT

شاشة الناقد: أفلام المؤامرات السياسية

«ثلاثة أيام سمك» (سيرس فيلمز)
«ثلاثة أيام سمك» (سيرس فيلمز)

THREE DAYS OF FISH. ★★★★

نال جائزة التمثيل في مهرجان كارلوڤي ڤارى الأخير

* إخراج: بيتر هونغدوم (هولندا، 2024)

في المشهد الأخير من هذا الفيلم الهولندي المعالج بذكاء، يصعد الأب جيري القطار (توم كاس) ويطل من باب المقطورة على ابنه دك (غويدو بولمانز) ويتحادث معه. الثاني يقف على رصيف المحطة يجيب عن الأسئلة. كل منهما يبدو توّاقاً للتواصل، لكن الأيام الثلاثة السابقة كانت المناسبة الصحيحة، وليست وقفة الوداع على رصيف المحطة. يختم المخرج الفيلم قبل أن يتحرّك القطار كما لو أنه يؤكد جمود العلاقة بين الرجلين.

إنها ثلاثة أيام حط فيها الأب في المدينة وأمضاها مع ابنه الراشد. ذهبا معاً إلى الحديقة العامة وإلى التسوّق وفي شوارع المدينة وإلى الطبيبة التي قصدها الأب للكشف عليه كما عادته في كل سنة وخلال تلك الأيام تتحدّث الإيماءات والتصرّفات أكثر من الكلمات. في مشاهد يفتح الأب لابنه الباب ليخرج قبله، في أخرى يفتح الابن الباب ليخرج هو أولاً تاركاً والده وراءه. سلوكياته تكشف تفاصيل مكثّفة. الأب الذي ما يزال يريد ابنه أن يكون مثله والابن الذي يحبس عاطفته تحت عبء الرغبة في الاستقلال من التبعية.

برودة العلاقة واضحة كذلك السبب الذي من أجله قرر المخرج بيتر هوغندوم (في ثاني عمل روائي له) التصوير بالأبيض والأسود وبذلك ضمن أن الفيلم سيوفر لمشاهديه معالجة خالية مما قد يسرق النظر. لا ألوان تشغل العين بها أو تصرفه عن المتابعة الأساسية.

منذ أول خمس دقائق يدلّنا المخرج على نوعية تلك العلاقة بين رجلين انفصلا لكن عليهما البقاء معاً في تلك الأيام الثلاثة. في المشاهد الأولى نجد دك جالساً فوق كرسي وجده في كوم قمامة. يخرج الأب من الحافلة ويسأله عن الكرسي. يخبره دك بأن هذا الكرسي قد يساوي مبلغاً من المال إذا أعاد بيعه. يبدو دك كما لو أنه يحاول الفوز بقبول الأب بفكرته، لكن الأب ينظر إليه بعين ناقدة ويسأله البحث عن عمل. بخاطر مكسور يجيبه الابن «لقد تقدّمت بطلب». كلمات موجزة ومشهد بسيط يمهّدان جيداً لما سيلي.

على المُشاهد أن يتمعن في التصرفات والسلوكيات والإيماءات لكي يقف على خط واحد مع الفيلم. لا يرتفع العمل أو يهبط، بل هو مستوى واحد من التعبير والمعالجة، كذلك هو مستوى واحد من علاقة مشحونة بالانفعالات من دون أن يخرج أي منها إلى السطح مباشرة. الممثلان مسيطران بدوريهما على النبرة والحركة وكلاهما نال جائزة أفضل تمثيل في نهاية المهرجان التشيكي قبل أيام قليلة.

* عروض: مهرجان كارلوڤي ڤاري.

THE MANCHORIAN CANDIDATE ★★★★

استعادة لفيلم من أفلام المؤامرات السياسية الأميركية.

* إخراج: جون فرانكنهايمر (الولايات المتحدة 1962)

«المرشّح المنشوري» واحد من أفلام موجة «نظرية المؤامرة» التي شهدتها هوليوود في الستينات والسبعينات. جون فرانكنهايمر أخرج هذا الفيلم المُعتنى به جيداً عن رواية بالعنوان ذاته وضعها ريتشارد كوندون حول احتمال قيام جزء من المؤسسة العسكرية بانقلاب لإطاحة رئيس الجمهورية وبالحكم الديمقراطي نفسه تبعاً لأجندة شيوعية.

«المرشح المنشوري» (إم سي فيلمز)

الفيلم، كالرواية، مبني على خيال جانح. ثلاثة جنود خلال الحرب الكورية يعودون إلى الولايات المتحدة بعد أن قام أحدهم، شو (لورنس هارڤي) بإنقاذ حياة رفاقه والعودة بهم إلى الأمان بعدما كانوا دخلوا الأراضي التي تستولي عليها القوّات الشيوعية. تحتفي أميركا بعودة شو وتمنحه وسام شرف. لكن لا أحد يعلم أن شو ورفيقين له هما ماركو (فرانك سيناترا) وتشنجن (هنري دي سيلڤا) قد تم القبض عليهم وتجنيدهم للعودة إلى الولايات المتحدة كمتعاونين. على شو أن ينفّذ تعليمات هي بمثابة اختبار له وهو يفعل ذلك. بنجاح. في الوقت ذاته نجد ماركو يعاني من تبعات أسره ولا يفهم سبباً لتلك الكوابيس التي تتكرر. حين يلتقي ماركو بشو تبدو المسافة قريبة بينهما لكن ماركو مشوّش في مقابل شو الجاد في تنفيذ مؤامرة اغتيال المرشح الرئاسي.

القصة مختلقة والمُشاهد يدرك ذلك سريعاً ليس بسبب ثغرات في الرواية بقدر ما تفترضه من أحداث بعيدة الاحتمال. لكن إخراج جون فرانكنهايمر مشغول بوتيرة فنية وتنفيذية عالية. الناتج عن هذا النجاح في المعالجة وتيرة عمل تحمل في طيّاتها الحكاية على الرغم من ثغراتها. يمر الفيلم أمام مشاهديه اليوم موفراً الحدّة في التوليف والبراعة في التنفيذ كما كان حال الفيلم في عام إنتاجه سنة 1962.

* عروض: DVD

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

3 أفلام فلسطينية في القائمة المختصرة لترشيحات «الأوسكار»

يوميات الشرق فيلم «يوم دراسي» ضمن مشروع «المسافة صفر» (الشركة المنتجة)

3 أفلام فلسطينية في القائمة المختصرة لترشيحات «الأوسكار»

دخلت 3 أفلام فلسطينية في القائمة المختصرة لترشيحات الأكاديمية الأميركية لفنون السينما وعلومها (الأوسكار).

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)

نجم بوليوود عامر خان يصرف النظر عن الاعتزال ويواصل التمثيل والإنتاج

خطرت فكرة اعتزال السينما في بال نجم بوليوود، عامر خان، في خضمّ فترة التأمل التي أمضاها خلال جائحة كوفيد-19، لكنّ الممثل والمنتج الهندي بدّل رأيه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما توم كروز مع الجائزة (أ.ب)

البحرية الأميركية تهدي توم كروز أعلى وسام مدني

حصل الممثل توم كروز على أعلى وسام مدني من البحرية الأميركية اليوم الثلاثاء عن «مساهماته الفنية المتميزة في البحرية ومشاة البحرية» في فيلم «Top Gun» وأفلام أخرى.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)

فيلم «ضي» المصري - السعودي يشارك في «برلين السينمائي»

أعلنت إدارة مهرجان «برلين السينمائي الدولي» عن مشاركة الفيلم المصري - السعودي «ضي... سيرة أهل الضي» ضمن مسابقة «أجيال» خلال الدورة الـ75 للمهرجان.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق مشهد من الفيلم الليبي القصير «عصفور طل من الشباك» للمخرج أمجد أبو زويدة (الشرق الأوسط)

السينما الليبية تتكبد فاتورة «أخطاء الساسة»

تكبّدت السينما الليبية فاتورة «باهظة» للقرارات السياسية على مدى عقود، منذ عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، أُصيبت خلالها عناصر الصناعة بنوع من الشلل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.