أفلام «كان» العربية أجنبية غالباً

قبل انطلاقة الدورة الجديدة

مهدي فليفل (مهرجان «برلين»)
مهدي فليفل (مهرجان «برلين»)
TT

أفلام «كان» العربية أجنبية غالباً

مهدي فليفل (مهرجان «برلين»)
مهدي فليفل (مهرجان «برلين»)

يزداد الخلاف في وصف هوية الفيلم العربي. هل يكون عربياً إذا كان مخرجه من أصل عربي؟ هل يكون عربياً إذا كان تمويله آتٍ، في غالبه، من الغرب؟ هل هو فيلم عربي إذا كانت أحداثه تقع في الغرب؟ أو هو ما زال فيلماً عربياً إذا كان المخرج عربياً وشخصياته فرنسية أو كندية أو هندية؟

إلى ذلك، هل يكفي أن يكون المخرج عربياً، أو من أصول عربية، لاعتبار أن أي فيلم ينجزه هو عربي؟ هذا السؤال الأخير ليس جديداً، لكن كثيرين من النقاد العرب عدّوا ذلك كافياً على أساس أن هوية الفيلم تتبع المخرج وليس الإنتاج.

ما يحدث يؤكد عكس ذلك، وما سنراه في مهرجان «كان» يدعم منحى أنّ الفيلم ينتمي إلى جهة إنتاجه الغالبة، وليس إلى أي فرد فيه حتى ولو كان مخرجاً. ومهرجان «كان» الذي سينطلق في 14 من هذا الشهر يأتي بدوره تأكيداً على ذلك.

هناك 6 أفلام سيُعدّها كثيرون عربية، في حين أن هناك فيلماً واحداً بينها عربي بالفعل، الباقية تختلف، لكن ليس من بينها ما هو إنتاج عربي فعلي.

6 أفلام طويلة

«نورة» هو الفيلم الوحيد الذي كان إنتاجاً سعودياً بالكامل من قِبل شركة «العلا»، وكان فاز سابقاً بجائزتها الخاصّة في مهرجان «البحر الأحمر» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ويدخل مسابقة قسم «نظرة ما» في دورة «كان» العام الحالي بوصفه أول مشاركة رسمية سعودية في المهرجان العريق.

لا بدّ من القول إن السينما السعودية شاركت خارج الإطار الرسمي في عام 2006 عندما عرض المخرج السعودي عبد الله المحيسن فيلمه الروائي «زمن الصمت». وفي العام نفسه عرضت شركة «روتانا» فيلمها «كيف الحال»، الذي دارت أحداثه في المملكة من إخراج الكندي (من أصل فلسطيني) إيزادور مسلّم.

الأفلام الأخرى المعروضة لمخرجين عرب أو من أصول عربية هي، «رفعت عيني للسما» لندى رياض وأيمن الأمير؛ التمويل فرنسي ويعرض في قسم «أسبوع النقاد». في المسابقة الرسمية هناك فيلم للمخرج الكندي (الجزائري الأصل) كريم عينوز عنوانه «موتيل دستينو».

«شرق الظهر» لهالة القوصي (مهرجان «كان»)

وهناك فيلمان ناطقان بالعربية معروضان في تظاهرة «نصف شهر المخرجين» هما، «إلى أرض مجهولة» للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل، الذي حصد تمويلاً من بريطانيا واليونان وهولندا، و«شرقي الظُهر» (East of Noon) للمخرجة هالة القوصي وهو من تمويل هولندي بمشاركتين مصرية وقطرية.

خارج المسابقة نجد «الجميع يحبون تودا» تمويله فرنسي بالكامل ومن إخراج المغربي نبيل عيوش.

«الكل يحب تودا» (فيلم دو لا نوڤو موند)

أبيض - أسود

حقيقة اعتماد معظم هذه الأفلام على «معونات» غربية أو تمويل أجنبي كاملٍ ليس حكماً عليها (أو لها) على الإطلاق. المسألة هي مسألة إطلاق التسمية على أفلام تنتمي إلى دول غير عربية إما جزئياً أو كلياً.

هو اعتمادٌ ناتجٌ عن غياب مظلّة إنتاجية جيدة في معظم دول الإنتاج العربي، تؤمن بالفيلم المحلّي الجاد والفني، الذي يمكن إطلاقه في المحافل والمناسبات العالمية المختلفة. إنه نقصٌ موجودٌ، والحديث فيه يتداخل، والأوضاع والظروف الإنتاجية والاقتصادية والسياسات المحلية التي لا تنصّ في معظم هذه الدول المنتجة، على توفير دعمٍ مدروسٍ للإنتاجات المحلية.

الاستثناء الفعلي في هذا الوضع هو من نصيب السينما السعودية، التي تمكّنت في فترة قصيرة من القفز قُدُماً في مجال صناعة الفيلم السعودي والثقافة السينمائية بوجه عامٍ تبعاً لاهتمامات الدولة.

القليل معروف عن هذه الأفلام التي لا يجوز الحكم لها أو عليها إلا تبعاً لمستوياتها الفنية، وهذا غير متاحٍ إلا من بعدِ عروضها الموزّعة على مدار الأيام الـ11 للمهرجان (14 - 25 من الشهر الحالي).

تحدثنا هنا أكثر من مرّة عن فيلم «نورة» للمخرج توفيق الزايدي واهتمامه بوضع فتاة شابّة في قرية بعيدة عن الحياة المدنية (وفي سنوات عدّة سابقة)، تجد في أستاذ المدرسة المنتدب من المدينة فرصة لتحقيق حلمها بالعيش في مكان آخر ترى منه العالم الذي تطالعه في بعض المجلات الفنية المتاحة لها. موضوعٌ جديرٌ بالاهتمام، صاغ منه الزايدي عملاً يعكس طموحاته جيداً.

على صعيد آخر، من المهم انتظار فيلم هالة القوصي بكل الاهتمام الذي يستحقه. في الأساس، وبشجاعة محسوبة، صوّرت المخرجة المصرية فيلمها الجديد بالأبيض والأسود (ثاني فيلم عربي حديث يختار الأبيض والأسود للتعبير لجانب «مندوب الليل» للسعودي علي الكُلثمي).

أظهرت هالة القوصي إبداعاً وإتقاناً في فيلمها السابق (الروائي الطويل الأول لها) «زهرة الصبار» (2017)، حين عرضت حياة امرأة شابّة (سلمى سامي). ممثلة لا تجد عملاً ولا أمل لها في ذلك. حالياً تمثل إعلاناً إذاعياً. تجول مع جارتها التي طُردت من منزلها (منحة البطراوي)، باحثة عن مأوى لها. وفي الوقت نفسه تلتقي بكاتبين كانت على علاقة معهما: شاب يتحاشى الارتباط بها، والثاني (زكي عبد الوهاب) كاتب مخضرم هي التي تحاشت ذات يوم الارتباط به. لكن المدينة لا تبدو بعد كل ذلك الخيار الصحيح، وها هي تقصد منزل أمّها الريفي، وتجدُ المخرجة هناك فسحة من الوقت لتوسيع رقعة اهتماماتها بإضافة وضع الأم وعلاقتها المتوترة بابنتها، لتخلص المخرجة إلى مشهد تلتقط فيه كاميرا علوية للنساء الثلاث مستلقيات على الحشيش الأخضر في مشهد رومانسي آخر من مشاهدها.

«زهرة الصبّار» جاء مُحاكاً جيداً، فكرة جديدة التناول لا من حيث مفارقاتها فحسب، بل من خلال أماكن حدوثها غير المستهلكة للعين.

فلسطيني في اليونان

أيضاً من المهم الوقوف عند فيلم «إلى أرض مجهولة» لمهدي فليفل، الذي كان قدّم سابقاً فيلماً جيداً عنوانه «عالم ليس لنا» (2012). فيلم تسجيلي عن أحوال ثلاثة أجيال من المهاجرين الفلسطينيين لا يزالون يعيشون بين الأمل والواقع الصعب.

فيلمه الجديد «إلى أرض مجهولة» يختلف عن سابقه حكاية، لكنه ما زال متصلاً بفلسطين من خلال شخصية شاب فلسطيني (محمود بكري) يبحث عن مهرّب سرقه ليستعيد ما هو ملكه. الفلسطيني المهاجر إلى اليونان، حسب الفيلم، يعيش في وضع مزرٍ وليس أمامه سوى الانتقام من الشخص الآخر.

بالنسبة لفيلم نبيل عيّوش «الجميع يحب تودا»، هو دراما خفيفة مؤلّفة من 102 دقيقة، يبدو - ظاهرياً - كما لو كان جزءاً من مسلسل تلفزيوني أنتجته «أمازون» في العام الماضي من إخراج عيوش وبعنوان مشابه.

نشاط ملحوظ لممثلات طموحات ومكرّمات

هناك نشاطٌ نسائيٌّ ملحوظٌ في ميادين شتّى من العمل السينمائي. طبعاً التوقف عند هذه الكلمات ليس جديداً، فالعقود القريبة الماضية شهِدت ارتفاع نسبة العاملات في السينما، كتابةً وإخراجاً وتمثيلاً وتصويراً.

عودة المخرجة المصرية هالة القوصي إلى العمل السينمائي بعد 7 سنوات من الغياب، ينخرط في هذا النشاط، كما وصول المخرجة اللبنانية نادين لبكي للتربّع بوصفها عضو لجنة تحكيم في مهرجان «كان» السنة الحالية. لكن ذلك ليس الصورة بكاملها فهناك ما يتعدّى هاتين الشخصيّتين حالياً.

* إيزابيل أوبير

الممثلة الفرنسية المشهورة ستقود لجنة تحكيم مهرجان «ڤينيسيا» في دورته المقبلة بمطلع سبتمبر (أيلول) المقبل. اختيارها يبدو ردّاً على اختيار مهرجان «كان» للممثلة والمخرجة الأميركية غريتا غيرويغ. المقارنة بين أوبير وغيرويغ تميلُ لصالح الأولى إن لم يكن لثراء أدوارها فلحقيقة أنها في الـ71 من عمرها وما زالت تتلألأ في أي فيلم تحل به.

* تيلدا سوينتون

انتهت من تصوير أول فيلم لها مخرجةً في حياتها المهنية، التي تمتد لـ38 سنة. عنوان الفيلم «الخلية السُّداسية والفأر في المتاهة» وقد اختير لافتتاح «مهرجان شفيلد الدّولي للأفلام الوثائقية» الذي يُنظّم سنوياً في بلدة شَفيلد البريطانية. انتقالها ذاك قد يوازي شغفها الكبير في إتقان ما تؤديه من أدوارٍ آخرها كان، دورها الصغير في «القاتل» لديڤيد فينش.

* الممثلة كريتي سانون

هي إحدى أكثر وجوه السينما الهندية نشاطاً هذه الأيام، لكنها على أهبّة التحوّل كذلك إلى الإنتاج إذ ارتبطت بعقد مع «نتفليكس» لإنتاج «دو باتي» الذي سيُعرض على المنصّة العام الحالي.

* جيسيكا لانج

ستعود من سنوات الغياب لحضور مهرجان «ميونيخ» المقبل، ليس بسبب فيلم جديد، بل لمنحها جائزة شرفيّة عن جميع أعمالها السينمائية. وبعد غياب دام 7 سنوات، شُوهدت في عام 2022 في «مارلو»، فيلمٌ بوليسي يا ليته كان بمستوى إبداعاتها.


مقالات ذات صلة

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )

«وين صرنا؟»... التجربة الإخراجية الأولى للتونسية درة تلفت الأنظار

الممثلة التونسية درة وعلى يمينها حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع أبطال فيلم «وين صرنا؟» خلال عرضه الأول في المهرجان أمس (إكس)
الممثلة التونسية درة وعلى يمينها حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع أبطال فيلم «وين صرنا؟» خلال عرضه الأول في المهرجان أمس (إكس)
TT

«وين صرنا؟»... التجربة الإخراجية الأولى للتونسية درة تلفت الأنظار

الممثلة التونسية درة وعلى يمينها حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع أبطال فيلم «وين صرنا؟» خلال عرضه الأول في المهرجان أمس (إكس)
الممثلة التونسية درة وعلى يمينها حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع أبطال فيلم «وين صرنا؟» خلال عرضه الأول في المهرجان أمس (إكس)

لم تكن الحياة في غزة سهلة أو حتى طبيعية قبل حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، لكن حتى هذه الأيام يحن لها الآن الناجون من القطاع ويتمنون استعادتها، ومنهم نادين وعائلتها أبطال الفيلم الوثائقي «وين صرنا؟» الذي يمثل التجربة الإخراجية والإنتاجية الأولى للممثلة التونسية درة زروق، والذي لفت الأنظار خلال العرض في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

يستعرض الفيلم على مدى 79 دقيقة رحلة نزوح نادين وطفلتيها التوأمتين وإخوتها وأمها من حي تل الهوى بمدينة غزة يوم 13 أكتوبر 2023 وصولاً إلى مصر بعد ثلاثة أشهر من بدء الحرب.

ويعتمد في مجمله على سرد أفراد العائلة في القاهرة لذكريات حياتهم في غزة قبل الحرب ومغادرتهم منزلهم قسراً بناء على أمر إخلاء من القوات الإسرائيلية، حاملين معهم أبسط المتعلقات الشخصية على أمل العودة قريباً وانتقالهم إلى مخيم النصيرات، ثم رفح.

وفي مقابل ارتياح مؤقت بالنجاة من قصف مكثف حصد آلاف الأرواح من بينهم جيرانها وأصدقاؤها، يعتصر الخوف قلب نادين بسبب زوجها عبود الذي لم يستطع الخروج مع العائلة وظل عالقاً في غزة.

ويظهر عبود في لقطات من غزة معظمها ملتقط بكاميرا الهاتف الجوال وهو يحاول تدبير حياته بعيداً عن الأسرة، محاولاً إيجاد سبيل للحاق بهم في القاهرة حتى يكلل مسعاه بالنجاح.

وفي رحلة العودة يمر عبود بشواطئ غزة التي اكتظت بالخيام بعدما كانت متنفساً له ولأسرته، والأحياء والشوارع التي دُمرت تماماً بعدما كان يتسوق فيها ويعمل ويعيل عائلته رغم الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات، ويتساءل قائلاً: «يا الله... وين كنا ووين صرنا؟!».

وقالت الممثلة درة زروق مخرجة الفيلم قبل عرضه العالمي الأول، أمس (الجمعة)، في دار الأوبرا المصرية ضمن الدورة الخامسة والأربعين للمهرجان: «أبطال الفيلم ناس حقيقية من فلسطين... كلنا عملنا الفيلم بحب وإيمان شديد بالقضية الإنسانية اللي بنتكلم عنها».

وأضافت حسبما نقلت وكالة «رويترز» للأنباء: «حبيت أقرب منهم من الجانب الإنساني، المشاعر؛ لأنهم عمرهم ما هيبقوا أرقام، هما ناس تستحق كل تقدير، وشعب عظيم».

وينافس الفيلم ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية» في المهرجان الذي يختتم عروضه يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني).