أفلام عربية قصيرة تعِدُ بمواهب كبيرة

«المفتاح» لركان مياسي (راكان مياسي)
«المفتاح» لركان مياسي (راكان مياسي)
TT

أفلام عربية قصيرة تعِدُ بمواهب كبيرة

«المفتاح» لركان مياسي (راكان مياسي)
«المفتاح» لركان مياسي (راكان مياسي)

أول فيلم عن أحداث غزّة اليوم قصير عنوانه «في حدا عايش؟» لعمر العماوي. بعده سيكون هناك أفلام أخرى بلا ريب. لكن على الرغم من أن بعض أهمية هذا الفيلم تاريخية، كونه الفيلم الأول غير الريبورتاجي، إلّا أن ما هو أهم وأجدى هو أنه فيلم جيد الإخراج والكتابة والموسيقى. في الواقع هو مثل وردة تنبع من أرض الركام.

يبدأ بمشهد حالك الظلمة وصوت لاهث. إنه صوت الرجل المدفون حيّاً تحت أنقاض بيته إثر قصف إسرائيلي. بعد اللهاث يبدأ بالدعاء، ومن ثم يرفع صوته عالياً طالباً النجدة متسائلاً إذا ما كان هناك من يسمعه. بعد قليل يدرك أن ابنه الصغير معه في المكان، لكن كيف سيجده والظلام حالك؟

فيلم بسيط التنفيذ، عميق الدلالات وحابس للأنفاس.

تتكرّر الظلمة في العديد من هذه الأفلام. قد تكون «موضة» لبعضها لكن بعضها الآخر يستخدم الظلام جزءاً من المعايشة مثل فيلم «المفتاح» لركان مياسي.

إنه فيلم فلسطيني - بلجيكي الإنتاج ناطق بالعبرية عن عائلة إسرائيلية مؤلفة من زوج وزوجته وابنتهما الصغيرة التي تستيقظ ليلاً على صوت أحد يحاول فتح باب الشقة. لا يصدقها والدها لكن زوجته في ليلة أُخرى تسمع الشيء نفسه. ثم ها هو الزوج يستل مسدسه ويطلق النار على من يقف أمام الباب من الخارج دون أن يراه. الشرطة تأتي وتحقّق. لا تجد دلائل من أي نوع لكن صوت مفتاح يدخل ثقب الباب لفتحه، رمز واضح. هذه العائلة تعيش في بيت محتل وصاحبه الفلسطيني (لن نراه) يحاول فتح الباب بمفتاحه. لكن وضوح الرمز لا يأتي مجاناً ولا وحيداً، فعتمة البيت مقصودة لتشي بعتمة البيئة ذاتها.

«ترانزيت» لباقر الربيعي من العراق يأخذنا إلى موضوع آخر. انفجارات الحرب الدائرة أيام الغزو الأميركي مسموعة. الشخص الماثل في الفيلم هو موظف في دائرة تسجيل أسماء الموتى. نراه منكبّ في ليلة ظلماء لتدوين الأسماء. الهاتف يرن كل قليل. المكالمة الأولى من أب يبحث عن ابنه. اسمه غير موجود في السجل. أب آخر يتصل مراراً للغاية نفسها. مكالمته تأتي بعد مكالمة فتاة في الثامنة تبحث عن أبيها. حال الموظف النفسية تعيسة. يبكي خلال حديثه للفتاة ولا يحتمل اتصال الأب الثاني.

الحدث مبني في داخل مكان ضيق وشخص واحد. مشكلة الفيلم الوحيدة هي أن هذا الموظف يتأثر خلال تلك الليلة ويبكي، كما لو كانت هذه ليلته الأولى في هذه الوظيفة.

يختلف الوضع تماماً في فيلم «الأجسام أقرب مما تبدو عليه» لأحمد صبحي (مصر). الحكاية عائلية بحتة عن شاب يترك صديقته في الشارع ليزور شقيقته ليستدين منها بعض المال. يكتشف خلافاً بينها وبين زوجها الذي يريدها أن تأخذ الأولاد وتترك البيت.

الكاميرا هناك محمولة وفي حركة دائمة. تبدأ بملاحقة الشاب وصديقته ثم هي بانورامية في انتقالها من شخص لآخر داخل البيت. أسلوب يذكّر ببعض الأفلام الرومانية التي خرجت في مطلع العقد السابق. الدراية متوفرة لكن ما ينقصها هو الإقناع بأنها ضرورية.

أمام هؤلاء المخرجين وسواهم عديدون طريق طويلة قد يطرقونها بأمل الوصول إلى إنجاز الفيلم الطويل، أو يتوقفون عن المحاولة كما حال عديدين شاهدنا لهم أفلاماً واعدة لكنهم اختفوا بعدها.


مقالات ذات صلة

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )

شاشة الناقد: حرب ومجرم

لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
TT

شاشة الناقد: حرب ومجرم

لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)

‫ISRAEL PALESTINE ON SWEDISH TV 1958-1989 ★ ★ ☆‬

تاريخ القضية الفلسطينية على الشاشة السويدية

حسب المخرج السويدي غوران أوغو أولسن فإن هذا الفيلم استغرق 5 سنوات قبل إتمامه. 200 دقيقة من أرشيف التلفزيون السويدي الذي تابع الوضع الفلسطيني- الإسرائيلي منذ وثيقة هرتزل وتأييد بريطانيا لها حتى عام 1989 الذي كانت القضية ما زالت تبرح مكانها ما بين نازحين فلسطينيين وسُلطة إسرائيلية حاكمة.

يعرض المخرج مراحل مختلفة، بما فيها مرحلتا الحروب الصعبة التي خاضتها بعض الدول العربية، كما تلك العمليات الفدائية التي قام بها الفلسطينيون في ميونيخ وسواها. هذه التغطية الموسّعة تشمل الدور الذي لعبه ياسر عرفات خلالها والمحاولات الجادة أحياناً لإيجاد حلٍّ ما لقضية شعبين. أحدهما نزح من قراه ومدنه والآخر نزح إليها واحتلها.

كثيرٌ ممّا يعرضه الفيلم مرّ، مثل تاريخ في الأفلام الوثائقية المنتجة في الغرب (وبعض ما أُنتج في سوريا والعراق والأردن ولبنان في السبعينات والثمانينات). لذلك ليس هناك جديدٌ يُضاف فعلياً إلّا لمن فاتته تلك الأفلام ويتطلّع إلى عمل يستعرضها كاملة. هذا هو الدور المُناط بالفيلم الذي يوفّر أسبابه.

نقطتا اهتمام هنا، الأولى أنه مؤلّف من وثائقَ استخرجها أولسن من أرشيف ضخم للتلفزيون السويدي (SVT) وانكبّ عليها فحصاً ومحصاً حتى ألَّف هذا الفيلم الذي يُعيد الاعتبار لنوعٍ من العمل الصّحافي والريبورتاجات التلفزيونية في تلك الفترة. الثانية أن الفيلم يقف على الحياد غالباً، لكنه لا يُخفي أحياناً تعاطفاً مع الفلسطينيين في مشاهد عدّة تحيط بما عانوه.

* عروض مهرجان ڤينيسيا.

DON’T MOVE ★ ★ ★‬

تشويق يسود رغم ثغرات حكايته

الطلب بعدم الحركة موجه إلى بطلة الفيلم (كيلسي أسبيل). شابة خطفها مجرم (فين ويتروك) وحقنها بما يشلّ حركتها. تستطيع أن ترى وترمش وبالكاد تحرّك أصابع يديها لكنها، في غالب أحداث الفيلم، حبيسة هذه التركيبة التي وضعها المخرجان برايان نيتو وآدم شيندلر بعناية وبإخراج جيدٍ إلى حدٍ مقبول.

كيلسي أسبيل في «لا تتحركي» (هامرستون ستديوز)

ينطلق الفيلم من لحظات حاسمة. تقف بطلته على حافة جبلٍ تفكّر بإلقاء نفسها بعدما فقدت ابنها الصبي. يُنقذها الرجل نفسه الذي يريد قتلها. بذلك، المرأة التي كادت أن تنتحر هي نفسها التي باتت تصارع من أجل بقائها حيّة.

يختفي من الفيلم التبرير المطلوب للطريقة التي يتّبعها القاتل للتخلص من ضحاياه. إذا كان سيقتلهن لماذا لا يفعل ذلك مباشرة؟ هناك مفارقات أخرى كانت تتطلّب سدّ ثغرات، واحدة منها، أن المرأة تنطق لأول مرّة منذ اختطافها بعد دقائق من اكتشاف شرطي للحالة المريبة. لم تستطع أن تنطق بالكلمة المأثورة «Help» حينها، لكنّها نطقت بعد دقائق قليلة وتكلّمت بلا عناء. لو نطقت بها في الوقت المناسب لما تغيّر المشهد لأن المجرم سيقتل الشرطي في جميع الأحوال، ولكان الفيلم استفاد من تبريرٍ أقوى لشكوك رجل الأمن.

* عروض منصّات.

ذكرياتي مليئة بالأشباح ★★

الحرب السورية في ذكريات الذين عانوا

يتبع هذا الفيلم التسجيلي السوري، من إخراج أنَس زواهري، سلسلة الأفلام التي تناولت الحرب، مثل «آخر رجال حلب» و«العودة إلى حمص» و«لأجل سما»، التي دارت في مرحلة ما عُرف بـ«ثورة الربيع» قبل أكثر من 15 سنة. يختلف عنها بأنه لا يتقرّب من الجماعات التي حاربت الحكومة ويشيد بها، لكنه - في الوقت نفسه - بعيدٌ عن أن يصفّق لنظام أو يشيد به.

«ذكرياتي مليئة بالأشباح» (ويند سينما)

إنه عبارة عن ذكريات عدد من المتحدّثين وحكاياتهم خلال الحرب التي دارت حول وفي مدينة حمص خلال تلك السنوات. يوفّر صور دمار الأحياء ومقابلات مع أصحاب تلك الذكريات وهم ينبشون في ماضٍ قريب وما يحمله من آلام نفسية وعاطفية على خلفية ذلك الدمار. يختار الفيلم أن نستمع لأصوات أصحاب الذكريات في حين تتولّى الكاميرا تصويرهم صامتين ينظرون إليها أو بعيداً عنها. هذا بالطبع لجانب صور الأحياء والمباني والشوارع التي لا تعجّ بالحياة كسابق عهدها.

معظم ما يسرده الفيلم من ذكريات لا يُضيف جديداً ولا ينبش عميقاً. هو وصف مؤلم لحالات يمكن تقدير مصادر أحزانها وأسبابها، لكن الإخراج يختار أن يمضي في خطٍ غير متصاعدٍ ولا يتجنّب تكرار السّرد بالوتيرة نفسها (ولو بذكريات مختلفة). طبعاً لا يتوخّى المرء فيلماً يسرد ما هو حزين ومؤلم بفرح وغبطة أم بإثارة، لكن اعتماد توالي تلك الذكريات يؤدّي بعد سماعها إلى استقبالٍ يبدأ مثيراً للفضول وينتهي فاتراً.

* عروض مهرجان الجونة‫‫

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز