«أوبنهايمر».. تحفة فنية عن سيرة مبتكر القنبلة الذرية

الفيلم حصد 7 جوائز أوسكار

الممثل كيليان مورفي مؤدياً دور عالم الفيزياء الأميركي روبرت أوبنهايمر (أ.ب)
الممثل كيليان مورفي مؤدياً دور عالم الفيزياء الأميركي روبرت أوبنهايمر (أ.ب)
TT

«أوبنهايمر».. تحفة فنية عن سيرة مبتكر القنبلة الذرية

الممثل كيليان مورفي مؤدياً دور عالم الفيزياء الأميركي روبرت أوبنهايمر (أ.ب)
الممثل كيليان مورفي مؤدياً دور عالم الفيزياء الأميركي روبرت أوبنهايمر (أ.ب)

رجل سحقه الشك من أجل اختراع غيّر تاريخ البشرية... هي قصة «أوبنهايمر» عن سيرة مبتكر القنبلة الذرية، الذي حصد، أمس الأحد، أوسكار أفضل فيلم، أبرز مكافأة سينمائية في هوليوود..

شبه تحفة كريستوفر نولان الفنية هذه النمط السينمائي القديم: طاقم تمثيلي مميز، وميزانية ضخمة، ورهانات عالية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

ويتبع الفيلم الذي يمتد على أكثر من ثلاث ساعات، اللحظات الأساسية في حياة روبرت أوبنهايمر، الفيزيائي الذي أدخل الكوكب إلى العصر النووي، وعجّل بنهاية الحرب العالمية الثانية قبل أن ينتابه الشك بشأن ابتكاره الذي استحال أداة تدميرية فتاكة.

ويغيّر هذا الفيلم البالغة ميزانيته مائة مليون دولار، الاتجاه السائد في السنوات الأخيرة المتمثل بمنح جائزة أوسكار أفضل فيلم لإنتاجات مستقلة بتكلفة إنتاجية أصغر.

المخرج كريستوفر نولان يتوسط كيليان مورفي وإيميلي بلانت خلال تصوير مشهد من «أوبنهايمر» (أ.ب)

وقالت منتجة الفيلم إيما توماس: «لقد حلمتُ بهذه اللحظة منذ زمن بعيد. ولكن بدا من غير المرجح أن يحدث ذلك على الإطلاق (...) السبب وراء ظهور هذا الفيلم بالشكل الذي ظهر فيه هو كريس نولان. إنه فريد من نوعه. إنه رائع»، مشيدة بكريستوفر نولان الذي فاز أيضاً بجائزة أفضل مخرج عن «أوبنهايمر».

 

ولغايات التصوير، أمر نولان بإعادة بناء لوس ألاموس في سهول جنوب غربي الولايات المتحدة، وقد صُوّرت المشاهد الرئيسية في الفيلم، الذي يعيد إنتاج أول انفجار نووي في يوليو (تموز) 1945، باستخدام متفجرات حقيقية.

 

وقد كانت هذه التركيبة فعالة، إذ نجح الفيلم في إقناع النقّاد والجمهور على السواء.

وحقق الفيلم إيرادات تجاوزت مليار دولار في جميع أنحاء العالم، كما حصد جوائز كبرى كثيرة في عالم السينما، وصولاً إلى تتويجه بأبرز مكافأة سينمائية عالمية.

حلم وكابوس

شرع كريستوفر نولان، الذي يحفل رصيده السينمائي بإنتاجات ضخمة بينها «إنسبشن» وثلاثية باتمان «ذي دارك نايت»، في المشروع بعد قراءة سيرة ج. روبرت أوبنهايمر الذاتية المتعمقة (American Prometheus: The Triumph and Tragedy of J. Robert Oppenheimer)، بقلم كاي بيرد ومارتن شيروين.

كريستوفر نولان فاز بجائزة أفضل مخرج عن «أوبنهايمر» (أ.ب)

وتحمل السيرة في طياتها عناصر درامية قوية: شخصية فريدة تنجرف في مأساة تجمع بين «الحلم والكابوس»، بحسب المخرج.

فبعد أن عرف المجد بوصفه «عراب القنبلة الذرية»، أصبح روبرت أوبنهايمر غارقاً في الندم على عواقب اختراعه.

واستحال بعدها داعية لنزع السلاح النووي، إلى أن دُفع للتنحي جانباً بسبب تعرضه للملاحقة للاشتباه في تعاطفه مع الشيوعية.

وقال كريستوفر نولان: «ليست هناك إجابة واضحة لقصته، فهي تحتوي على مفارقات رائعة».

وأصبحت صورة العالِم واضعاً يده على جبهته، وهو يحدق في الفضاء، مسترسلاً وسط هذه التناقضات اللامتناهية، أيقونة الفيلم الروائي الطويل.

ثلاثة أنواع

بُني هذا الفيلم حول مزيج ذكي من ثلاثة أنواع: القصة البطولية، وأفلام السطو، والدراما القانونية. من هنا، تتعاقب المشاهد في العمل حول السباق لصنع القنبلة الذرية بمواجهة النازيين، وإقامة فريق من الخبراء لتنفيذ المشروع، ومحاكمة عبقري أصبح هدفاً لاتهامات بالتآمر والخيانة.

واختار كريستوفر نولان لأداء الدور الرئيسي في الفيلم كيليان مورفي، وهو ممثل آيرلندي معروف لدى المخرج، فاز أمس الأحد بجائزة أوسكار أفضل ممثل.

فاز كيليان مورفي بجائزة أوسكار أفضل ممثل عن فيلم «أوبنهايمر» (رويترز)

ويمثل أمامه، في العمل الذي تدور أحداثه في واشنطن حين كانت تسودها أجواء مناهضة للشيوعية في خمسينات القرن العشرين، روبرت داوني جونيور الذي فاز الأحد بأوسكار أفضل ممثل بدور ثانوي.

ويزخر الفيلم بطاقم تمثيلي قوي يشمل أسماء لامعة بينها إميلي بلانت، ومات ديمون، وفلورنس بيو، وكينيث برانا، وغاري أولدمان، ورامي مالك.

روبرت داوني جونيور فاز بأوسكار أفضل ممثل بدور ثانوي عن فيلم «أوبنهايمر» (أ.ب)

«باربنهايمر»

ويعود النجاح التجاري الهائل لهذا الفيلم أيضاً إلى ظاهرة «باربنهايمر». فقد كان طرح العمل الدرامي عن مبتكر القنبلة الذرية، والكوميديا الأنثوية «باربي»، في اليوم نفسه من شهر يوليو (تموز) الماضي، خلال فترة إضراب هوليوود، بمثابة حافز لآلاف المتفرجين للتعرّف إلى الفيلمين، المختلفين تماماً.

مرتادة للسينما تشتري تذكرة بينما يظهر أفيشا فيلمي «باربي» و«أوبنهايمر» (أ.ب)

وبمواجهة الدمية الشهيرة «باربي»، كانت هناك حاجة لاستقطاب الجمهور إلى فيلم طويل يمزج بين التساؤلات التاريخية والفيزياء النووية وجلسات المحاكمة المليئة بالبيروقراطية.

مع مثل هذا السيناريو، «لا تقول لنفسك إنه سيحقق إيرادات بمليار دولار»، وفق تشارلز روفن، أحد منتجي الفيلم الذي طرحته شركة «يونيفرسال».

جنيفر لايم وكيليان مورفي يحملان جائزتي أوسكار عن فيلم «أوبنهايمر» (أ.ب)

ورأى روفن أن «تحقيق هذا الأمر على أرض الواقع، مع سيل التقويمات الإيجابية للعمل، أمر ممتع للغاية!».

ولم يوقف أي شيء مذاك مسيرة «أوبنهايمر» الناجحة، إذ حصد في الأشهر الأخيرة جوائز مرموقة كثيرة أبرزها في حفلات «غولدن غلوب»، و«بافتا» البريطانية، وحتى جوائز نقابة ممثلي الشاشة (ساغ)، قبل أن يتوّج هذا المسار الأحد في حفلة الأوسكار.


مقالات ذات صلة

أصغر فرهادي... عن أسرار المهنة ومجد الأوسكار من تحت سماء عمّان

يوميات الشرق المخرج الإيراني أصغر فرهادي الحائز جائزتَي أوسكار عامَي 2012 و2017 (إدارة مهرجان عمّان السينمائي الدولي)

أصغر فرهادي... عن أسرار المهنة ومجد الأوسكار من تحت سماء عمّان

المخرج الإيراني الحائز جائزتَي أوسكار، أصغر فرهادي، يحلّ ضيفاً على مهرجان عمّان السينمائي، ويبوح بتفاصيل كثيرة عن رحلته السينمائية الحافلة.

كريستين حبيب (عمّان)
يوميات الشرق تمثال «الأوسكار» يظهر خارج مسرح في لوس أنجليس (أرشيفية - أ.ب)

«الأوسكار» تهدف لجمع تبرعات بقيمة 500 مليون دولار

أطلقت أكاديمية فنون السينما وعلومها الجمعة حملة واسعة لجمع تبرعات بقيمة 500 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (لوس انجليس)
يوميات الشرق الممثل الشهير ويل سميث وزوجته جادا (رويترز)

«صفعة الأوسكار» تلاحقهما... مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية تُغلق أبوابها

من المقرر إغلاق مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية بعدما شهدت انخفاضاً في التبرعات فيما يظهر أنه أحدث تداعيات «صفعة الأوسكار» الشهيرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق أبطال المنصات (مارتن سكورسيزي وبرادلي كوبر) يغادران «أوسكار» 2024 بوفاضٍ خالٍ

هل تخلّت «الأوسكار» عن أفلام «نتفليكس» وأخواتها؟

مع أنها حظيت بـ32 ترشيحاً إلى «أوسكار» 2024 فإن أفلام منصات البث العالمية مثل «نتفليكس» و«أبل» عادت أدراجها من دون جوائز... فما هي الأسباب؟

كريستين حبيب (بيروت)
سينما مخرجة الفيلم مع رئيسة مجلس أمناء مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي جمانا الراشد ومحمد التركي الرئيس التنفيذي للمهرجان

«صندوق البحر الأحمر» وراء المنافس العربي الوحيد في «الأوسكار»

فيلم «بنات ألفة» المدعوم من مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي، كان المنافس العربي الوحيد في كل فئات جوائز «الأوسكار».

«الشرق الأوسط» (هوليوود)

مخرجون كبار يحشدون أفلامهم في مهرجان «ڤينيسيا»

أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)
أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)
TT

مخرجون كبار يحشدون أفلامهم في مهرجان «ڤينيسيا»

أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)
أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)

يعود مهرجان «ڤينيسيا» إلى الأضواء مجدداً في 27 من الشهر المقبل وحتى 11 من الشهر التالي، ومعه يعود الحديث عن أحد أهم ثلاثة مهرجانات سينمائية في العالم، والحدث الأول في عداد الاهتمام بتوفير النوعية بعيداً عن اللمعان الخاطف والبهرجة المعهودة لمهرجانات أخرى. المهرجانان الآخران هما «برلين» و«كان». الأول يقف على أهبة تغيير شامل حالياً لكي يعاود إطلاقاً جديداً بعد سنوات من تآكل البرمجة، والثاني يشبه قطار إكسبرس جامح ملئ بالأنوار والإغراءات الإعلامية وعقود البزنس.

اختلاف «ڤينيسيا» يبدأ بالتقدير الكبير الذي يكنّه له نقاد السينما العالميين، وذلك تبعاً لما ينتخبه من أفلام ويوفره من برامج.

الحال أن الدورة الـ81 لا تختلف مطلقاً عن الدورات السابقة في هذا المجال. أفلام عديدة، وأسماء كبيرة وأخرى جديدة واعدة، وأقسام تتنقل بينها وكل منها يوفر متعاً بصرية مختلفة.

مايكل كيتون ووينونا رايدر في «بيتلجوس» (بلان ب انترتاينمنت)

بداية ونهاية

الافتتاح سيكون من نصيب الفيلم الأميركي (Beetlejuice Beetlejuice) «بيتلجوس، بيتلجوس» لتيم بَرتون، الذي أنجز بدوره «بيتلجوس» الأول سنة 1988 حين كان لا يزال في بداياته. الآن يعاود طرق باب هذه الفانتازيا التي منحته مكانة لدى النقاد مع ممثلين جدد (مونيكا بيلوتشي، وويليم دافو، وجينا أورتيغا، داني ديفيتو)، وقدامى لعبوا أدوارهم في الفيلم السابق (مايكل كيتُن، كاثرين أوهارا، ووينونا رايدر).

فيلم الختام إيطالي للمخرج بوبي أڤاتي بعنوان «الحديقة الأميركية» (L‪’‬orto americano) مع ثلاثة ممثلين في القيادة ينتمون إلى الجيل الجديد، هم كيارا كازيللي، وفيليبو سكوتي، وأندريا رونكاتو. كلا الفيلمان يعرضان خارج المسابقة.

بين الافتتاح والختام 21 فيلماً في المسابقة الرسمية من بينها فيلم جديد للإسباني بيدرو ألمودوڤار بعنوان «الغرفة المجاورة» (The Room Next Door) مع تيلدا سوينتون، وجوليان مور.

في «ساحة المعركة» (Campo di Battaglia) للإيطالي جياني أميليو سنجد الإنفلونزا الإسبانية اجتاحت المدينة التي تقع فيها الأحداث خلال الحرب العالمية الأولى وتنافُس طبيبين على حب ممرضة.

المخرج التشيلي بابلو لاران (الذي استعرضنا له قبل أسابيع قليلة فيلمه الجديد الآخر «الكونت») لديه جديد بعنوان «ماريا» عن المغنية الشهيرة ماريا كالاس (تؤديها أنجيلينا جولي) وهو، حسب ما صرّح به المدير العام للمهرجان ألبرتو باربيرا، قد يكون آخر أعمال المخرج المستندة إلى شخصيات حقيقية التي بدأت سنة 2016 بفيلم «نيرودا».

من فيلم وولتر ساليس «لا زلت هنا» (فيديوفيلمز)

عودة ثنائية

هناك عودة من مخرج لاتيني آخر غاب طويلاً اسمه وولتر ساليس عبر فيلم «أنا لا زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) الفيلم يلعب على معنيين: الأول مشتق من ذكريات امرأة اختفى زوجها خلال حكم العسكر في البرازيل سنة 1964. والثاني حقيقة أن المخرج غاب لعشر سنوات كاملة تفصل ما بين هذا الفيلم وآخر أفلامه السابقة «جيا جانكي: رجل من فنيانغ». آخر مرّة شارك ساليس في هذا المهرجان كانت قبل 23 سنة عندما عرض - في المسابقة - «وراء الشمس» عن أحداث وقعت سنة 1910.

الإيطالي لوكا غوادانينو يوفر لمشاهديه فيلمه الجديد «غريب» (Queer) حول رجل يبحث عن آخر في مدينة نيو مكسيكو. البطولة لدانيال كريغ، ولسلي مانڤيل وجاسون شوارتزمان.

هناك فيلمان أميركيان قد يسرقان الضوء أولهما (The Order) «النظام»، والثاني (Joker‪:‬ Folie à deux) «جوكر، على حافة الجنون».

الأول للمخرج الأسترالي جوستين كورزل حول تحري في مدينة أميركية صغيرة تعاني من جرائم رهيبة. هو الوحيد الذي يؤمن بأن هذه الجرائم من ارتكاب عصابة إرهابية محلية. البطولة هنا لجود لو، ونيكولاس هولت.

أما «جوكر، على حافة الجنون» فهو الجزء الثاني من «جوكر»، الذي كان حصد الجائزة الأولى سنة 2019. المخرج تود فيليبس والبطولة ما زالت لواكيم فينكس، الذي يجسّد الدور كما لم يفعل «جوكر» آخر في أفلام «باتمان» السابقة. معه في الدور الرئيسي لايدي غاغا.

فيلم ثالث من أميركا يبدو أقل إثارة للاهتمام حالياً عنوانه «بايبي غيرل» من بطولة نيكول كيدمان، وهاريس ديكنسون، وأنطونيو بانديراس.

الاشتراك الأميركي موجود خارج المسابقة أيضاً. في هذا القسم، وإلى جانب «بيتلجوس، بيتلجوس» سنستقبل الفيلم التسجيلي الجديد «منفصلان» (Separated) الذي كان عرض سنة 2013؛ فيلمه الأسبق (The Unknown Known) «المعلوم المجهول» حول حرب العراق ودور وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد فيها.

هناك أيضاً «وولفز» (Wolfs)، الذي يجمع بين براد بِت وجورج كلوني في تشويق معاصر (العنوان الإنجليزي الوارد هنا هو المستخدم للفيلم عوض Wolves).

جبهتان ساخنتان

طبعاً لا يوجد مهرجان بهذا الحجم من دون سياسة. هناك حربان دائرتان في العالم حالياً؛ واحدة في فلسطين، والأخرى في أوكرانيا.

يعالج الأولى المخرج الإسرائيلي أمور غيتاي عبر فيلمه «Why War» (من دون إشارة السؤال)، ويطرح الثانية الفيلم التسجيلي الروسي «روسيا في الحرب» لأناستاسيا تروفيموڤا. فيلم آخر عن الموضوع الفلسطيني نجده في فيلم تسجيلي آخر «إسرائيل فلسطين على التلفزيون السويدي: 1958 - 1989» كما يكشف عنوانه.

حقيبة المهرجان العام الحالي مزدحمة بأنواع الموضوعات المطروحة، وبالفنانين الواقفين وراء كاميراتها. وإلى جانب من ذكرناهم، اليابانيان تاكيشي كيتانو، وكيوشي كوروساوا، والصيني وانغ بينغ، والفرنسيان إيمانويل موريه، وكلود ليلوش، والبريطاني عاصف قبضايا، الذي يوفر فيلماً وثائقياً عن المخرج كريس ماركر وفيلمه «المرفأ» (La Jetée) المُنتج سنة 1962 حول مصير العالم كما تخيّله ماركر آنذاك.