في سباق الأوسكار... 3 يتقدّمون احتمالات الفوز

رايت وجياماتي ومورفي يتقدّمون في فئة التمثيل

بول جياماتي: «المستمرون» (ميراماكس).
بول جياماتي: «المستمرون» (ميراماكس).
TT

في سباق الأوسكار... 3 يتقدّمون احتمالات الفوز

بول جياماتي: «المستمرون» (ميراماكس).
بول جياماتي: «المستمرون» (ميراماكس).

في السادس عشر من هذا الشهر أُقفلت صناديق التصويت أمام المنتسبين لأكاديمية الفنون والعلوم السينمائية، ولن يعرف أحد اتجاه المصوّتين في أيٍّ من الأقسام التقليدية في سباق الأوسكار إلا عندما يقام الحفل الكبير المنتظر في العاشر من شهر مارس (آذار).

لكن ككل عام هناك توقعات ودلالات لا تتدخل فيها قراءة الكف ولا أجهزة الساتالايت الفضائية. لا تنجيم في فناجين القهوة ولا في ورق اللعب.

ما تقوم عليه التوقعات (التي قد تصيب وقد تخطئ؛ فهي ليست أكثر من توقعات) هي مقارنة السينمائيين، في المجالات المختلفة، بعضهم ببعض. كذلك يفيد أخذ بعض العبر من سوابق مختلفة وقراءة بعض الظواهر التي تدفع بهذا الاسم أكثر أو أقل من سواه.

ممثلون متميّزون

الواجهات كثيرة بعدد ميادين التنافس وإحدى أهم هذه الواجهات تلك التي تدور في نطاق أفضل ممثل في دور أول هذا العام. هذه واجهة مزيّنة بأنماط تمثيل مختلفة وتشمل نحو 20 ممثلاً منح كل منهم أفضل ما يمكن أن يمنحه في الأفلام التي اختير لبطولتها. وكما هي العادة، فإن هناك ممثلون هم أفضل ما في أفلامهم، وهناك آخرون يشعر المرء بأنهم قدّموا ما دون المتوقع.

أحد هؤلاء هو تيموثي شالامات الذي تعرض دور السينما له حالياً «Wonka». لا شك أنه حاول جهده لكي يمثل ويغنّي ويبدو «فرندلي»، لكنه ليس فرِد أستير أو جين كَلي. آخر هو نيكولاس كايج الذي تعتقد أنه درس سلوك وودي ألن وقلّده في كل حركاته وحتى في نطقه وذلك في «DreamScenario». هذان الممثلان من بين مجموعة لا يُعتقد أن حظوظها كبيرة.

إذن مَن الذين يقفون فعلاً في الواجهة؟ مَن مِن الممثلين الذين سيجدون أسماءهم متداولة أكثر وأكثر مع اقتراب موعد إعلان الفائزين؟

إنهم خمسة ممثلين يجلسون في الصف الأول من التوقعات، وهم: مات دامون عن «Air»، وجِفري رايت عن «رواية أميركية» (American Fiction)، وبول جياماتي عن «المستمرون» (The Holdovers)، وسيليان مورفي عن «أوبنهايمر»، وبرادلي كوبر عن «مايسترو».

جفري رايت: “أميركان فيكشن» (ثري آرتس إنترتاينمنت)

عند هذه اللحظة المبكرة لا يمكن القيام بنوع من الفتاوى حول من الذي سيحمل التمثال الذهبي دون سواه. لكنّ الدلالات يمكن لها أن تتشكل على مستوى لا بأس به بدراسة طبيعة كل واحد من هؤلاء الممثلين. هذا ما يفعله المقترعون أنفسهم، أو هكذا يتوقع المرء منهم أن يفعلوا.

هناك ثلاثة ممثلين في سباق هذا العام يتميّزون عن سواهم بما يمكن وصفه بالانتقال الصعب بين الشخصية المكتوبة التي قرأوها في السيناريو وتلك التي سيجسدونها. المفتاح هنا هي اللغة التقنية التي يعتمدها كل ممثل منهجاً. كيف سيُلقي حواراً ولو بسيطاً مثل «أشعر بالمسؤولية لما فعلت»، (سيليان مورفي في «أوبنهايمر»)، أو كيف سيعبّر عن انزعاجه (جِفري رايت في «أميركان فيكشن»)، أو كيف سيتصرّف في مشهد عليه أن يعكس فيه شخصيّته المحافظة أمام طلاب من جيل جديد، (بول جياماتي في «المستمرون»).

هذه تقنيات تختلف عن معظم السائد من التمثيل. ذلك الذي لا يمانع في أن يبقى هو على الشاشة كما هو في الحياة، أو ذلك الذي لا يجتاز الخطوة الأخيرة صوب تمييز أدائه بشيء يشي بالتلاحم بينه وبين الشخصية التي يؤديها.

أدام درايڤر في «فيراري» (فوروورد باس).

تركيبة شخصية

كل من بول جياماتي وجِفري رايت يلعبان دور أستاذين. في «المستمرون» هو أستاذ دائم في المدرسة. هذا عمله. يمارسه لأنه لا يعرف كيف يمارس سواه. جِفري رايت مدرّس لغة إنجليزية ومؤلف روائي. كلاهما لا يستحوذ على رضا الهيئة التعليمية في مدرستيهما. جياماتي يتعرّض لنوع من العقاب عندما يُفرض عليه التزام المدرسة خلال عطلة الكريسماس مع بعض تلامذته. جِفري رايت يتعرّض لخيبة أمل عندما ترفض دار النشر مؤلّفه الأخير على أساس أنه «ليس أسود كفاية».

الأستاذ «بول» في «المستمرون» أبيض البشرة. الأستاذ «ثيلونيوس مونك» في «أميركان فيكشن» هو أسود البشرة وأصلع تماماً (جياماتي لا يزال يحتفظ ببعض شعر في النصف الخلفي من الرأس).

الصلعة هنا مهمّة لأنها جزء من التركيبة الشخصية. سننظر إلى الشخصيّتين نظرة مختلفة (ولو صامتة) لو كانا كثيفَي الشعر. جِفري، أكثر من جياماتي، عُرضةً للملاحظة ليس لأنه لا يوجد أساتذة أو أفرو- أميركيين صُلَعاء، بل لأنها تساعد الممثل على الانصهار من دون حواجز مع ما يؤديه. عند جياماتي تأتي هذه الحقيقة عارضةً وبعد حين هي أكثر لفتاً للنظر.

لو أن «الأوسكار» في هذا السباق يُمنح لاثنين لاستحقّاه معاً على وقع أنهما ممثلان من النوع المسمّى «Character Actor» وليس الممثل-النجم كحال البعض الآخر.

أين يقف سيليان مورفي عن دوره في «أوبنهايمر»؟ إنه على الأرجح الحل الثالث إذا ما تردد البعض في التفضيل بين جياماتي ورايت.

احتمالات نص - نص

وضعُ سيليان مورفي مختلفٌ من حيث إنه يؤدي شخصية حقيقية ومعروفة. هو مرتبط، ولو إلى حدٍّ، باحتواء الشخصية التي يؤديها على نحو أقل حريّة من تلك التي عند منافسيه. عند هذا الحد يستطيع الممثل أن يخلق شيئاً من هذا الوضع، حيث لا حرية كافية، أو يستطيع محاولة تقليدها، وهو اختار الحل الأول بكفاءة. الحل الثاني يتساوى، في بَهَتَانه، مع حل ثالث وهو استبدال شخصيّته أو اختياره الخاص على نحو مطلق بالشخصية الحقيقية.

هذا ما لم يفعله برادلي كوبر في «مايسترو» الذي هو بدوره فيلم سيرة يمثّل فيها شخصية الموسيقار ليونارد برستين. ما فعله كوبر هو عكس ما فعله مورفي وهو أنه حافظ على برادلي في الفيلم أكثر ما منح بيرنستين ما يحتاج إليه من حضور.

كل من «أوبنهايمر» و«مايسترو» يلتقيان مع أكثر من فيلم من نوع السيرة كما حال «هواء» (Air)، و«Rustin» من بطولة كولمان دومينغو. دايمون يلتقي مع كوبر في منوال تقديمه الشخصية بينما يتبع دومينغو قواعد الأداء القوي الذي من الصعب الحكم على حقيقة الشخصية التي يؤديها (بايارد رستِن كان أحد النشطاء في حركة المساواة في أميركا الخمسينات).

سينتمي دومينغو إلى الممثلين اللاحقين. أولئك الذين يقفون عند حظوظ قليلة إزاء التنافس الكبير بين جياماتي ومورفي (أولاً) وجِفري رايت.

أحد هؤلاء أدام درايڤر في أحسن أدواره في فيلم «فيراري» وأنطوني هوبكنز لاعباً شخصية فرويد في «الحصّة الأخيرة لفرويد» (Freud‪’‬s Last Session)، ومايكل فاسبيندر في «القاتل» (The Killer).

وبالنسبة ليواكين فينكس (والاحتمال ضعيف) عن دوريه في «نابوليون»، و«بيو خائف» (Beau is Afraid)، فوضعه مثل وضع سيليان مورفي إزاء «أوبنهايمر»، وهو قد يكون الحصان الأسود فيما لو نال التصويت الكافي عن أحد فيلميه.

لكن ماذا عن ليوناردو ديكابريو وروبرت دينيرو عن «قتلة ذا فلاور مون»؟

سيكون الأمر مفاجئاً لو ورد اسم دِينيرو بين المرشّحين لسبب واحد هو أن دوره مساند أكثر مما هو رئيسي. هذا على الرغم من كثرة ظهوره في ذلك الفيلم. ما حدث هو أن المخرج مارتن سكورسيزي نفّذ فيلماً من بطولة ممثليه المذكورين معاً. عدد المشاهد التي يؤدي فيها كل منهما دوره منفرداً عن الآخر متساوٍ تقريباً، وهذا لجانب المشاهد التي يظهران فيها معاً.

لذا، فالسؤال البدهيّ هو: كيف يمكن فصل دي كابريو واحتمال ترشيحه بعيداً عن دينيرو كما حدث في ترشيحات «غولدن غلوبس»؟

لكنه ليس أفضل أدوار ديكابريو. هذا الممثل كان أفضل بكثير في فيلمين سابقين لسكورسيزي وهما «المغادر» (The Departed)، و«جزيرة مغلقة» (Shutter Island). واللافت هو أن ديكابريو رُشِّح مرّتين سابقتين في فيلمين لسكورسيزي هما «The Aviator» («الملاح»، 2005)، و«The Wolf of Wall Street» («ذئب وول ستريت»، 2014)، ولم يَنَل الأوسكار عن أيٍّ منهما. الأوسكار الوحيد الذي فاز به كان عن «The Revenant» («المنبعث»، 2015)، وكان هذا من إخراج أليهاندرو غونزالِز إيناريتو.

‫الممثلون الفائزون بأوسكار أفضل‬ تمثيـل رئيـسي فـي السنوات العشر الأخيرة

2023: برندان فريزر، عن «The Whale».

2022: وِل سميث، عن «King Richard».

2021: أنطوني هوبكنز، عن «The Father».

2020: واكيم فينكس، عن «The Joker».

2019: رامي مالك، عن «Bohemian Rhapsody».

2018: غاري أولدمن، عن «Darkest Hour».

2017: كايسي أفلك، عن‫ «Mancheter By the Sea‬».

1916: ليوناردو ديكابريو، عن «The Ravenant».

1915: إيدي ردماين، عن «The Theory of Everything».

2014: ماثيو ماكونوهي، عن «Dallas buyers Club».


مقالات ذات صلة

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
TT

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

أرزة ★★☆

دراجة ضائعة بين الطوائف

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة. هي تصنع الفطائر وابنها الشاب يوزّعها. تفكّر في زيادة الدخل لكن هذا يتطلّب درّاجة نارية لتلبية طلبات الزبائن. تطلب من أختها التي لا تزال تعتقد أن زوجها سيعود إليها بعد 30 سنة من الغياب، بيع سوار لها. عندما ترفض تسرق أرزة السوار وتدفع 400 دولار وتقسّط الباقي. تُسرق الدرّاجة لأن كينان كان قد تركها أمام بيت الفتاة التي يحب. لا حلّ لتلك المشكلة إلا في البحث عن الدراجة المسروقة. لكن من سرقها؟ وإلى أي طائفة ينتمي؟ سؤالان تحاول أحداث الفيلم الإجابة عليهما ليُكتشف في النهاية أن السارق يعيش في «جراجه» المليء بالمسروقات تمهيداً لبيعها خردة، في مخيّم صبرا!

قبل ذلك، تنتقل أرزة وابنها والخلافات بينهما بين المشتبه بهم: سُنة وشيعة ومارونيين وكاثوليك ودروز. كلّ فئة تقترح أن واحدة أخرى هي التي سرقت وتشتمها. حتى تتجاوز أرزة المعضلة تدخل محلاً للقلائد وتشتري العُقد الذي ستدّعي أنها من الطائفة التي يرمز إليها: هي أم عمر هنا وأم علي هناك وأم جان- بول هنالك.

إنها فكرة طريفة منفّذة بسذاجة للأسف. لا تقوى على تفعيل الرّمز الذي تحاول تجسيده وهو أن البلد منقسم على نفسه وطوائفه منغلقة كل على هويّتها. شيء كهذا كان يمكن أن يكون أجدى لو وقع في زمن الحرب الأهلية ليس لأنه غير موجود اليوم، لكن لأن الحرب كانت ستسجل خلفية مبهرة أكثر تأثيراً. بما أن ذلك لم يحدث، كان من الأجدى للسيناريو أن يميل للدراما أكثر من ميله للكوميديا، خصوصاً أن عناصر الدراما موجودة كاملة.

كذلك هناك لعبٌ أكثر من ضروري على الخلاف بين الأم وابنها، وحقيقة أنه لم يعترف بذنبه باكراً مزعجة لأن الفيلم لا يقدّم تبريراً كافياً لذلك، بل ارتاح لسجالٍ حواري متكرر. لكن لا يهم كثيراً أن الفكرة شبيهة بفيلم «سارق الدّراجة» لأن الحبكة نفسها مختلفة.

إخراج ميرا شعيب أفضل من الكتابة والممثلون جيدون خاصة ديامان بوعبّود. هي «ماسة» فعلاً.

• عروض مهرجان القاهرة و«آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

سيلَما ★★★☆

تاريخ السينما في صالاتها

لابن بيروت (منطقة الزيدانية) لم تكن كلمة «سيلَما» غريبة عن كبار السن في هذه المدينة. فيلم هادي زكاك الوثائقي يُعيدها إلى أهل طرابلس، لكن سواء كانت الكلمة بيروتية أو طرابلسية الأصل، فإن معناها واحد وهو «سينما».

ليست السينما بوصفها فناً أو صناعة أو أيّ من تلك التي تؤلف الفن السابع، بل السينما بوصفها صالة. نريد أن نذهب إلى السينما، أي إلى مكان العرض. عقداً بعد عقد صار لصالات السينما، حول العالم، تاريخها الخاص. وفي لبنان، عرفت هذه الصالات من الأربعينات، ولعبت دوراً رئيسياً في جمع فئات الشعب وطوائف. لا عجب أن الحرب الأهلية بدأت بها فدمّرتها كنقطة على سطر التلاحم.

هادي زكّاك خلال التصوير (مهرجان الجونا)

فيلم هادي زكّاك مهم بحد ذاته، ومتخصّص بسينمات مدينة طرابلس، ولديه الكثير مما يريد تصويره وتقديمه. يُمعن في التاريخ وفي المجتمع ويجلب للواجهة أفلاماً ولقطات وبعض المقابلات والحكايات. استقاه من كتابٍ من نحو 600 صفحة من النّص والصور. الكتاب وحده يعدُّ مرجعاً شاملاً، وحسب الزميل جيمي الزاخم في صحيفة «نداء الوطن» الذي وضع عن الكتاب مقالاً جيداً، تسكن التفاصيل «روحية المدينة» وتلمّ بتاريخها ومجتمعها بدقة.

ما شُوهد على الشاشة هو، وهذا الناقد لم يقرأ الكتاب بعد، يبدو ترجمة أمينة لكلّ تلك التفاصيل والذكريات. يلمّ بها تباعاً كما لو كان، بدُورها، صفحات تتوالى. فيلمٌ أرشيفي دؤوب على الإحاطة بكل ما هو طرابلسي وسينمائي في فترات ترحل من زمن لآخر مع متاعها من المشكلات السياسية والأمنية وتمرّ عبر كلّ هذه الحِقب الصّعبة من تاريخ المدينة ولبنان ككل.

يستخدم زكّاك شريط الصوت من دون وجوه المتكلّمين ويستخدمه بوصفه مؤثرات (أصوات الخيول، صوت النارجيلة... إلخ). وبينما تتدافع النوستالجيا من الباب العريض الذي يفتحه هذا الفيلم، يُصاحب الشغف الشعور بالحزن المتأتي من غياب عالمٍ كان جميلاً. حين تتراءى للمشاهد كراسي السينما (بعضها ممزق وأخرى يعلوها الغبار) يتبلور شعورٌ خفي بأن هذا الماضي ما زال يتنفّس. السينما أوجدته والفيلم الحالي يُعيده للحياة.

* عروض مهرجان الجونة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز