رَبِحا الجمهور... فمَن سيربح الجوائز؟

المنافسة بين ابنة الدُّمى وأبي الذّرّة بدأت

«باربي» عالم زهري (وارنر)
«باربي» عالم زهري (وارنر)
TT

رَبِحا الجمهور... فمَن سيربح الجوائز؟

«باربي» عالم زهري (وارنر)
«باربي» عالم زهري (وارنر)

خروج «باربي» من جوائز «غولدن غلوب» من دون جائزة رئيسية لا يعني أنها المرّة الأخيرة التي سنسمع فيها عن هذا الفيلم، أو أنه لن يرتقي درجات المنصّة لتسلم جائزة أفضل إخراج أو أفضل تمثيل نسائي أو أفضل فيلم.

جوائز الأوسكار ليست على ذلك البُعد، وسنرى. أما الجائزة التي نالها في حفل الـ«غولدن غلوب» يوم الأحد الماضي، وهي جائزة أفضل فيلم ناجح، فهي لا تعني شيئاً كثيراً. بطبيعة الحال، ومع مليار و446 مليون دولار حتى الآن فإن قرار منح هذه الجائزة لهذا الفيلم يبدو أسهل قرار اتخذته مؤسسة جوائز في التاريخ.

وبناءً على ما يتردد الآن في هوليوود، من أن الشركة المنتجة (وورنر) ستُطلق صواريخ باربي جديدة العام المقبل 2025 وما بعد، فإن توديع «باربي» لا يزال بعيداً.

ومع دخول هذين الفيلمين مؤخراً الترشيحات الرسمية المعلنة لجائزة «نقابة المخرجين الأميركية»، سنشهد منافسة أخرى، ولو أنها مختلفة كما سيتبين لنا بعد قليل.

«أوبنهايمر» معضلة الموقف الغائب (يونيفرسال)

بداية ألمانية

ما شغل بال كثيرين مؤخراً هو مقارنة فيلم غريتا غرويغ «باربي» بفيلم كريستوفر نولان «أوبنهايمر». بعض المقارنات انطلقت من مبدأ أن كليهما جيد. فريق آخر رأى أن «باربي» أفضل، أو العكس.

في الواقع لكل فيلم منحاه المختلف حتى قبل المعاينة والتفضيل أو الموافقة على إذا ما كانا متساويين في اتجاه ما. الأصل في «باربي» هو سيدة أميركية اسمها روث هاندلر كانت في زيارة لبرلين (الغربية آنذاك) سنة 1956 عندما وقعت عيناها على دمى مختلفة عن دمى الألعاب كانت شركة ألمانية قد ابتدعتها باسم ليلي (Lili) أعجبتها الفكرة واشترت ثلاثاً منها وعادت إلى أميركا وعرضتها على شركة «ميتل» -حيث يعمل زوجها- التي تبنّت المشروع سنة 1959.

جَنَت «ميتل» أرباحاً طائلة من وراء تلك الدُّمى التي ترتدي شتّى أنواع الملابس والأزياء. في عام 2019، وبعد سنوات من التحضير، نالت غرويغ موافقة شركتي «ميتل» و«وارنر» على إنتاج هذا الفيلم.

كان هذا الناقد قد شاهد الفيلم في عرض في صالة امتلأت عن آخرها على الرغم من أن عروض الفيلم كانت قد دخلت شهرها الثاني. في العادة أتحاشى حضور الأسبوعين الأولين من أي فيلم ناجح حتى لا أصاب بزكام الإعجاب المفرط الذي يتناوله المشاهدون مع «البوبكورن». كرهت الفيلم مباشرةً بعد تلك النكتة الساخرة التي تَرِد في دقائقه الأولى عن فيلم ستانلي كوبريك «2001 أوديسا الفضاء». المشاهدة الثانية كانت بعد نحو شهر وأسبوع من الأولى بعدما كانت دُمى الفيلم تحلّق على علوٍّ منخفض فوق الرؤوس. كانت المرّة الثانية لتأكيد أن الموقف السابق لم يكن نتيجة إرهاق في العمل، أو كرهاً في اللون الزهريّ.

نقد في غير مكانه

لهذا الفيلم جملة من المشكلات. تبدأ بمحاولة المخرجة غريتا غرويغ تبرير الفيلم بأنه كل شيء ما عدا الدافع المادي. تقول في حوار مع صحافيّ متحمس في «نيويورك تايمز» إن فيلمها التقى روحياً مع منتجات «ميتل» وإن فيه لمسات شعرية لأن «باربي هي كل الدُّمى وكل الدُّمى هي باربي».

محاولة فهم ذلك لا تتضمن القناعة. لكن ما هو أكثر وضوحاً أن المسألة المادية هي الطاغية. الحديث ليس عن نجاح مفاجئ كما هو حال فيلم «روكي» الأول لسيلفستر ستالون، ولا كحال فيلم «هالووين» الذي تكلّف 325 ألف دولار وجمع 47 مليون دولار أيام ما كان سعر التذكرة لا يزيد على 5 دولارات، بل عن دراسة اقتصادية كاملة جذبت شركة «ميتل» للمساهمة في تمويل الفيلم مقابل الاحتفاظ بجميع حقوقها الأدبية بالإضافة إلى 5 في المائة من الإيرادات.

هذه نعمة لم تكن محسوبة لشركة كانت لا تزال تُنتج هذه الألعاب متحملةً تراجع الطلب عليها بسبب التقدم التكنولوجي الذي خلق بدائل كثيرة.

«باربي» الفيلم قد يتحدّث عن أشياء كثيرة من بينها نقد المجتمع الذي تنتقل إليه بطلة الفيلم (مارغوت روبي) من عالم الدُّمى إلى عالمنا نحن، لكنه آخر مَن يحق له مثل هذا النقد لأن عالمنا نحن هو الذي صنع الفيلم وما يروّجه.

لهْوٌ مطلق

المعضلة مختلفة تماماً مع «أوبنهايمر». هذا فيلم برسالة سياسية تناسب البعض ولا تناسب البعض الآخر، لكنها جادّة وذات اشتغال فني لا يمكن إغفاله. حكاية ج. روبرت أوبنهايمر، عالم الذرّة الذي صنع القنبلة الذرية وبارك إرسالها إلى عدو كان قد أخذ ينهزم حتى من قبل إلقاء القنبلتين عليه (واحدة فوق هيروشيما والآخر فوق جارتها نغازاكي). معظم ما يَرِد مأخوذ عن كتاب لكاي بيرد ومارتن شروِين قيل فيه إنه المرجع الشامل لحياة أوبنهايمر.

عنوان الكتاب: «ميثالوجيا أميركية». العنوان الفرعي هو «النصر والتراجيديا لدى ج. روبرت أوبنهايمر». وهو عنوان ينص على مرحلتي ما قبل الهجوم النووي وما بعده وهو المنهج الذي اتّبعه المخرج كريستوفر نولان في هذا الإنتاج. كان، بشهادة من قرأ الكتاب البيوغرافي، أميناً للأصل. طبعاً أضاف المخرج إليه بعض المشاهد (مثل لقاء مطوّل بين أوبنهايمر وسيرغي أينشتاين) لكنه اتّبع، عموماً، خطوات الكتاب. ما قام به في نطاق السرد إحداث نقلات زمنية من وإلى مواقع مختلفة (بينها الاستجواب الذي قامت به لجنة حكومية).

من العيوب

المقارنة بين الفيلمين غير عادلة؛ كون أحدهما مطلقاً، والآخر جدية كاملة. «باربي» مصنوع لغاية ربحية و«أوبنهايمر» (إنتاج يونيفرسال) مخاطرة تجارية مع احتمالات نجاح بدت في مطلع الأمر محدودة. حقيقة أنه جمع أقل من مليار دولار بقليل (952 مليون دولار تحديداً)، أمر لم يكن في الحسبان وهو فعل ذلك بسبب الموضوع ومفتاحه (أوبنهايمر) والمخرج وشهرته (كريستوفر نولان).

بلا موقف!

لكنّ «أوبنهايمر» ليس خالياً من العيوب بدوره. في ثلاث ساعات يبدو الفيلم بلا موقف المخرج، حين يأتي الأمر إلى وجهة نظر. هو غائب عن طرح وجهة نظر خاصة مكتفياً بمواقف الآخرين في الفيلم كلٌّ منهم حيال الآخر. أوبنهايمر حيال الآخرين، والآخرون حيال أوبنهايمر.

في مأزق أوبنهايمر مع الحكومة، التي أخذت تحاسبه على انتماءاته السابقة لليسار بعدما انتقد استخداماً آخر للسلاح النووي، لا يوجد ما يوعز بموقف مع أو ضد هذه المحاسبة. والقليل من المشاهد مدروس لطرح أزمة الضمير عندما بارك أوبنهايمر استخدام النووي ضد اليابان، ثم القليل من الندم. قوله إنه بدأ يفكّر في الضحايا الأبرياء ما هو إلا لمسة بسيطة وعابرة لما كان يمكن توظيفه لنقطة أهم من موقف أوبنهايمر الشخصي (على أهميّته)، وهي حقيقة أن أميركا لم تكن بحاجة لضرب اليابان؛ إذ كانت هذه قد بدأت تخسر الحرب فعلاً، وبعض المؤرخين يذكرون أن البيت الأبيض كان يعلم ذلك.

إنه كما لو أن الفيلم (كتابةً وإخراجاً) أراد تحاشي السياسة في الوقت الذي كان الفيلم يحتاج إليها، إنْ لم يكن عن طريق تحليل أو-على الأقل- استكشاف موقف أوبنهايمر بكامله (مع أو ضد القنبلة) فعلى الأقل شيء من الدواعي الحقيقية لأوامر إلقاء القنبلتين وما تسببتا به من ضحايا ودمار.

سباق آخر

عكس موقف معظم الإعلام العربي للإعراب عن معاداة فيلم «أوبنهايمر» بناءً على ما أظهره أو أخفاه على صعيد المضمون متحاشياً الحديث عن الأداءات الرائعة لمجموعة ممثليه (خصوصاً كيليان مورفي، وروبرت داوني جونيور) وعن الجانب الفني بأسره. في حين تناول الإعلام الجوانب الفنيّة (أو ما عدّها فنية) في فيلم «باربي» التي هي، في مجملها، مظهرية وبصرية.

الحاصل الآن هو أن الفيلمين الكبيرين (اعتباراً وإيراداً) وقد غادرا مرابع الـ«غولدن غلوب» بفوز «أوبنهايمر» على «باربي» باستحواذه على 5 جوائز مهمّة (فيلم، إخراج، تمثيل رجالي أول «كيليان مورفي»، تمثيل رجالي مساند «داوني جونيور»، وتمثيل نسائي مساند «إميلي ستون») لديهما مواجهات مقبلة.

واحدة من هذه المواجهات ستكون في نطاق الجوائز السنوية لنقابة المخرجين الأميركية، إذ يتصدّرها كريستوفر نولان وغريتا غرويغ.

لكن على عكس جوائز «غولدن غلوب» وتلك التي تتألف منها جوائز الأوسكار، معركة النقابة (التي ستوزّع جوائزها في 10 فبراير - شباط المقبل) محدودة بالمخرجين وحدهم. ما يجعلها، إلى حد بعيد، هو أنها من محترفين ينظرون إلى كيفية تنفيذ الفيلم أكثر مما يكترثون لما يقوله.

المسابقة الرئيسية (وهناك مسابقات فرعية لمخرجين جدد وللإخراج التلفزيوني) تضم 5 أسماء هم: كريستوفر نولان، وغريتا غرويغ، إلى جانب يورغوس لانتيموس عن «أشياء مسكينة»، وألكسندر باين عن «المستمرون»، ومارتن سكورسيزي عن «قتلة ذا فلاور مون».

بالنسبة إلى سكورسيزي، الذي لم يُتَح له بعد الخروج بجائزة من مناسبة رسمية (أي خارج مجال الجوائز التي توزعها الجمعيات النقدية)، هذا هو الترشيح الـ11 له لهذه الجائزة في إطار هذه النقابة، إذ سبق وفاز بها مرّتين من قبل (سنة 2006 عن «The Departed»، ومرّة تلفزيونية عن إخراجه حلقات «Boardwalk Empire» سنة 2010)، وهناك مرّة ثالثة عندما كانت الجائزة تذهب من دون تسمية أفلام بعينها؛ نالها سكورسيزي سنة 2002.

إنه من المحتمل جداً أن يتوجه أعضاء هذه النقابة لتقدير «أوبنهايمر» ومنحه جائزتها للعام الحالي، وهذا أكثر من مجرد توقع.

روزنامة الجوائز لهذا الشهر

-‫12: إعلان جوائز «معهد الفيلم الأميركي»

-12: انتهاء التصويت على جوائز «بافتا» البريطانية

-12: إعلان ترشيحات جوائز «نقابة المنتجين الأميركية»

-15: إعلان جوائز «إيمي» التلفزيونية

-17: بداية التصويت على «جوائز نقابة الممثلين الأميركية»

-18: إعلان ترشيحات «بافتا»

-22: بدء التصويت على «جوائز جمعية المنتجين»

-22 : بدء التصويت على جوائز «الأوسكار»


مقالات ذات صلة

نجوم مصريون يعودون للسينما بعد سنوات من الغياب

يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز تعود للسينما بفيلم «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

نجوم مصريون يعودون للسينما بعد سنوات من الغياب

تشهد شاشات السينما المصرية خلال الفترة المقبلة عودة عدد من الفنانين الذين اختفوا لفترات طويلة، بعد تصدرهم لأدوار البطولة.

مصطفى ياسين (القاهرة )
يوميات الشرق عصام عمر والكلب رامبو في مشهد بالفيلم (الشركة المنتجة)

«السيد رامبو» و«دخل الربيع يضحك» للمشاركة في «عمّان السينمائي»

تشهد الدورة السادسة من مهرجان «عمّان السينمائي» المقررة إقامتها في العاصمة الأردنية من 2 إلى 10 يوليو (تموز) المقبل حضوراً مصرياً لافتاً.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق منى زكي تستعد لفيلم جديد (حسابها في «فيسبوك»)

«رزق الهبل» هل يُعيد السيطرة النسائية على صناعة السينما؟

يشهد فيلم «رزق الهبل» عودة التعاون الفني بين الفنانة منى زكي والمخرجة كاملة أبو ذكري بعد مشاركتهما معاً في فيلم «عن العشق والهوى» عام 2006.

داليا ماهر (القاهرة )
سينما  «بعد 28 أسبوعاً» (فوكس أتومِك)

عودة «الزومبي» قريباً إلى الصالات

ينطلق ‫في العشرين من الشهر الحالي ‬فيلم «بعد 28 سنة» (‪28 Years Later‬) للبريطاني داني بويل مخرج «مليونير العشوائيات»

محمد رُضا (نيويورك)
سينما  جاكي شان (يسار) في «كاراتيه كِيد» (كولمبيا)

شاشة الناقد: فيلمان جديدان معروضان في الصالات القريبة منك

كاراتي كِيد: تستطيع أن تتنبأ بما سيحدث منذ مطلع الفيلم، بل ومنذ بدايته: الشاب الذي وعد أمّه بعدم ممارسة الكاراتيه، ويخلف وعده مضطراً

محمد رُضا (نيويورك)

عودة «الزومبي» قريباً إلى الصالات

 «بعد 28 أسبوعاً» (فوكس أتومِك)
«بعد 28 أسبوعاً» (فوكس أتومِك)
TT

عودة «الزومبي» قريباً إلى الصالات

 «بعد 28 أسبوعاً» (فوكس أتومِك)
«بعد 28 أسبوعاً» (فوكس أتومِك)

ينطلق ‫في العشرين من الشهر الحالي ‬فيلم «بعد 28 سنة» (‪28 Years Later‬) للبريطاني داني بويل مخرج «مليونير العشوائيات»، و«127 ساعة». الفيلم الجديد هو الثالث من سلسلة بدأت سنة 2002 حين قدّم بويل «بعد 28 يوماً». في 2007 اكتفى بإنتاج «بعد 28 أسبوعاً» من إخراج الإسباني خوان كارلوس فرسناديل. واليوم، موعد جديد مع جزء ثالث يتسلم عبره بويل زمام الإخراج مرة أخرى.

فيلم «بعد 28 سنة» هو فيلم رعب كسابقيه. يتحدث عن وباء يحول البشر إلى «زومبي» يتكاثرون بسرعة، ويهاجمون البشر الأصحاء الذين يحاولون الدفاع عن أنفسهم بالنبال. صورة لعالم مستقبلي يعود إلى عصر موحش وبعيد.

«بعد 28 سنة»: عدوة الزمبيي (كولمبيا)

نحن وهُم

المتوقّع للفيلم نجاح كبير، كما حظي به الفيلمان السابقان. على أن ما هو مهم بدوره هو استيلاء أفلام «الزومبي» على اهتمام مشاهدي اليوم والأمس غير البعيد، عندما قدّم جورج أ. روميرو فيلمه المفصلي لهذا النوع من أفلام الرعب «ليل الموتى الأحياء» (The Night of the Living Dead) سنة 1968.

ما أرساه روميرو في ذلك الفيلم لم يكن فقط ابتداع معالجة جديدة لأفلام «الزومبي»، بل اعتماد مبدأ «نحن وهم»، مقسّماً المواجهات العنيفة إلى بشر معافين وآخرين لا حياة فيهم ولا موت.

قلة من أفلام «الزومبي» هي التي فشلت، أو على الأقل لم تُثِر الاهتمام الجماهيري. منذ ذلك الحين، تمّت دراسة أسباب اهتمام (وأحياناً اندفاع) الجمهور لمشاهدة هذه الأفلام. مجلات علم نفس ومجتمع مثل «مثل Live Science وPsychology Today» درست الظاهرة، وكانت النتائج دوماً متقاربة في تحليلاتها ومنحها الأسباب التي من أجلها تُثير أفلام «الزومبي» كل هذا الإقبال.

من نافل القول، (كما يرى كاتب هذه السطور)، إن الشاشة هي الحاجز بين الجمهور وبين الفيلم المعروض. مهما كان نوعه، فإن ما يحدث فيه يبقى في إطار المعروض. ليس هناك من طريقة لصاروخ فضائي يضلّ طريقه ويحطّ في الصالة، وليس هناك أي احتمال في أن يسقط أحدهم أرضاً في الفيلم فتتلقّفه أرض الصالة، أو أن تُصيب رصاصة البطل أحد المشاهدين. «الزومبي» بدورهم محصورون في «الكادرات» المخصصة لهم، ولن يفلت أحدهم ليهاجم الجالسين في المقاعد الأمامية.

لذلك، فإن أحد أعمدة التحليلات في لماذا نقبل على أفلام «الزومبي» يعود إلى حقيقة أن المُشاهد يدرك أنه في مأمن مما يقع، مهما كان مخيفاً وعنيفاً.

«الحرب العالمية زد»: ثورة كبيرة (باراماونت)

أرضاً وجوّاً

التركيبة هي نفسها، سواء في هذه السلسلة أو في أجزاء روميرو اللاحقة، أو كما في «الحرب العالمية زد» (World War Z) لمارك فورستر (2013) وبطولة براد بِت، حيث خرجت الأمور من بين أيدي الحكومات وانتشرت جيوش «الزومبي» حول العالم. مشاهد الرعب في هذا الفيلم فاقت سواه من النوع نفسه، وكذلك الحكاية التي مزجت بين العاصفة والخوف.

أحد أهم مشاهد هذا الفيلم يدور في طائرة مدنية، حيث يهاجم متحوّلون في الدرجة الأولى جموع الأصحّاء ويبدأون الفتك بهم. هي الطائرة نفسها التي يستقلّها براد بِت.

الطائرة مصيدة للجميع، لا مهرب للأصحّاء منها، كما نرى في فيلم أومبرتو لنزي (1980) «نايت مِير سيتي» (Nightmare City). ڤيروس سببه مادة كيميائية يبثّها مكيّف الهواء في الطائرة، وتصيب البشر وتحوّلهم جميعاً إلى وحوش. تهبط الطائرة في مطار شيكاغو، ويهرع هؤلاء صوب طعام جاهز في باحات المطار.

أما في «زومبيلاند» (2009) لروبن فلايشر، فنحن أمام صراع آخر من أجل البقاء في مدينة مفخّخة بالوحوش البشرية.

هزيمة حتمية

فكرة وجود «زومبي» على الأرض فكرة مخيفة بحدّ ذاتها، وحسب أحد التفسيرات النفسية، فإن الأفلام المذكورة وسواها تُرى على أن المشاهدين يقبلون على هذه الأفلام لأنهم مشحونون بأخبار الحروب والمآسي المنتشرة حول العالم، ويتوقون لمشاهدة أفلام تحاكي هذا الواقع.

كيف يمكن لهذا العالم الذي نعيش فيه أن يبقى سالماً؟ هو عنصر مثير بحد ذاته، ينتقل فيه المُشاهد من الحياد إلى تأييد الأصحّاء المقاومين «للزومبي»، من منطلق أن هذا ما يجب أن يحدث فيما لو انتشر ڤيروس كهذا.

هنا تتدخل الرغبة في مواصلة الحياة لمنحنا الشعور بأن «الزومبي» يجب أن يُهزموا، ولو في الفيلم المقبل فقط.

في كتابه «صدمة حالية: عندما يقع كل شيء الآن»، يذكر المؤلف دوغلاس رشكوف أن الرغبة في البقاء أحياء تدفع الناس لمشاهدة أفلام «الزومبي»، لأنها تطرح احتمالاً واقعياً حول مستقبل أرض يتنازع عليها الأصحّاء والمرضى.

يمكن أن نضيف أن «الزومبي» خرجوا عن حياتنا العصرية، التي تُقيّدها القوانين والتعليمات والنُظم الجديدة. لا تجد في يد «زومبي» هاتفاً يدوياً، وليس من بينهم رئيس يأمر وجمعٌ يخضع. هي أشبه بثورة ضد العالم الذي نعيشه.

في بعض أفلام روميرو تأسيس لذلك، فهؤلاء الموتى الأحياء متمرّدون على حياة لم يتسنَّ لهم فيها تحقيق ما طمحوا إليه. في «فجر الموتى الأحياء» (Dawn of the Dead) سنة 1978، نراهم يجولون في مركز تجاري (مول) كما لو كانوا أصحّاء يودّون التبضّع منه. في عام 2005، سُمح لهؤلاء باجتياح البيت الأبيض. هم ما عادوا جموعاً متوحّشة فقط، بل قوة سياسية أيضاً.

تلتقي هذه المبرّرات في حقيقة أنها إعلان لنهاية العالم الذي نعيشه، حيث سيُقضى على كل الحضارات القائمة.

تشير مجلة «سايكولوجي توداي» في مقال منشور سنة 2020 إلى أن الفترة التي بدا فيها أن ما نراه على الشاشة صار وشيك الحدوث، هي تلك التي انتشر فيها وباء «كورونا» في ذلك العام.

وتضيف أن مخاوف الناس من الإصابة، وانعزالهم في منازلهم المغلقة، والانقطاع عموماً عن ممارسة أي شكل من أشكال الحياة العادية، كان الأقرب لما سيحدث لو كان هناك زومبي بالفعل، خصوصاً أن مصدر الوباء واحد: ڤيروس قاتل.