شاشة الناقد

«أشياء مسكينة» (إليمنت فيلمز)
«أشياء مسكينة» (إليمنت فيلمز)
TT

شاشة الناقد

«أشياء مسكينة» (إليمنت فيلمز)
«أشياء مسكينة» (إليمنت فيلمز)

تتعرض إيما ستون لعملية زرع دماغ، ويرفض آرون إيكهارت خدمة بلده ومن ثَمّ يوافق. وهناك زلزال مدمّر في فيلم استعادة بمناسبة مرور 50 عاماً عليه.

‫ Poor Things ‬

إخراج: يورغوس لانتيموس | بريطانيا/ آيرلندا | 2023

إذا كان الحكم على فيلم يعتمد على عدد الحسنات وعدد السيئات التي يحتويها، فإن «أشياء مسكينة» (أو الأجدر «أشياء بائسة») هو فيلم معتدل الحسنات والسيئات إنما في عدد غير متساوٍ. كلمة معتدل تعني بدورها أن حسناته لا تكفي لكي يقف جمهور مهرجان «فينيسيا»، حيث شوهد الفيلم للمرة الأولى، 8 دقائق يصفقون تحية. لكن هذا بات مُمارساً بكثرة. الجمهور، العادي والمتخصص على حد سواء، بات يقف ليصفّق كثيراً هذه الأيام، وربما بعد 5 سنوات سيتعود أن يقف ليشاهد الفيلم ويجلس ليصفق. كل شيء بات محتملاً طالما أن فيلماً كهذا نال من المدح أكثر بكثير مما يستحق.

«أشياء بائسة» يدور حول فتاة اسمها بيلا (إيما ستون بحاجبين يختلفان شكلاً وسماكة من مشهد لآخر) كان العالم غودوين باكستر غيّر نخاعها المعطوب بآخر معطوب أيضاً، لكنه قابل للتحسّن. فعل ذلك وسط ديكور من الشرارات الكهربائية. بما أن الأحداث تقع في أواخر الحقبة الفيكتورية (1837-1901)، فإن أول ما قد يستوقف بعضنا إذا ما كانت المنازل تحفل بالثريات المضاءة جيداً على النحو الذي نراه في الفيلم، وإذا ما تجاوزنا هذه العقبة فإن عقبة أخرى تطرح السؤال نفسه عندما تنتقل الأحداث إلى مدينتي لشبونة وباريس، حيث بعض معالم القرن العشرين حاضرة بلا حرج.

لا يمانع المخرج اليوناني يورغوس لانتيموس من استعارة بضع صفحات من رواية ماري شيلي (1797-1851)، التي ألّفت حكاية العالِم الذي استعان بالصواعق الجوية العاتية وما توفّره من كهرباء لبثّ الروح في رجل جُمعت أعضاؤه من موتى. ففيلم لانتيموس مبنيّ على فتاة رُكّبت على هذا النحو أيضاً. الاسم الذي مُنح للعالم، وهو غودوين (ويليم دافو)، هو اسم والد ماري شيلي الفعلي. لكننا نعرف عن تاريخ ماري شيلي أكثر مما سنعرف عن هذا العالِم الذي تعرّض وجهه للتشويه، كما نرى، لكن ذكاءه لا يزال في حالة جيدة. وهو حسب أن بيلا ستُبلوِر نفسها فتنتقل من فتاة لا تفقه شيئاً، تبعاً للمخ المزروع، لامرأة ناضجة وتنوي الخير لكل البشر.

ابتكارات غودوين ليست محدودة. لقد ابتكر حيواناً مؤلّفاً من نصف كلب ونصف بطة. ليس مهماً لماذا فالعلماء كانوا غريبي الأطوار حينها كما حالهم اليوم. كذلك ابتكر حصاناً برأس آلي ربما توفيراً لتكاليف إطعامه. لكن ستبقى بيلا أهم ابتكاراته، سيترك الفيلم العالِم وشأنه عندما تنتقل بيلا إلى البرتغال حيث تنضج عاطفتها، ومن ثمّ تنضج أكثر عندما تنتقل إلى باريس فتتحوّل إلى مومس في بيت للعاهرات كما لو أن هذا دليل الحرية التي تبحث عنها. حين تعود بيلا إلى والدها الروحي غودوين وزوجها (رامي مالك) تكون أكملت مسيرتها نحو الفهم الكامل للحياة.

لم يعرف عن المخرج لانتيموس أنه منطقي التفكير. أفلامه السابقة (مثل «مقتل الغزال المقدّس» و«لوبستر») تمارس ساديتها على المشاهدين ومثلها يفعل هذا الفيلم ولو بلمسات خفيفة. إيما ستون تفتعل ما تؤديه على نحو يجلب بؤساً إضافياً.

* عروض: موسم الجوائز

The Bricklayer

★★

إخراج: ‪رني هارلن‬ | الولايات المتحدة | 2024

مشكلة عملاء أجهزة الـ«سي آي إيه» المتقاعدين الدائمة هي أنه في كل مرّة تعرض عليهم العودة إلى العمل لتنفيذ مهمّة مستحيلة يرفضون في يوم ويوافقون في اليوم التالي. يسألون السؤال نفسه: «لماذا أنا؟»، ويتلقون، والمشاهدين، الجواب نفسه: «لأنك أنت الوحيد الذي تستطيع القيام بهذه المهمّة». يا له من مأزق كبير إذا كان بطل الفيلم المتقاعد هو الوحيد في جهاز المخابرات الذي يمكن الاتكال عليه.

«عامل البناء» (فرتيكال انترتينمنت)

ما بين اليوم واليوم التالي سيقع حدث يجعل العميل السابق يغيّر رأيه ويوافق على العودة للوظيفة. في «عامل البناء» (نراه لدقيقة يبني جداراً من الباطون) سبب تغيير الرأي أن أحداً أراد اغتياله في تلك الليلة. هذه هي البداية التي ستفتح للمشاهد ساعة ونصف الساعة من المفارقات المعهودة، لكنها التي لا تزال تلبّي رغبة الذين يحبّون المعارك اليدوية وتحويل ملهى إلى حطام، ومحاولة الأشرار قتل الأبطال كونهم لم يقرأوا السيناريو جيداً ليعلموا أنه ينصّ على أن الأبطال يبقون أحياء لحين انتهاء الفيلم على الأقل.

آرون إيكهارت هو عامل البناء سابقاً ومنقذ الـ«سي آي إيه» حالياً، ومهمته منع رجل مجهول لديه سُلطة نافذة يهدد بنشر غسيل الـ«سي آي إيه» الوسخ على الملأ. يقول لهم: «أنتم من تقومون بالعمليات الإجرامية وتنسبونها إلى الغير». يطالبهم بمائة مليون دولار لقاء عدم إبلاغ الأوروبيين هذا السر: «تصوّروا ماذا سيحدث إذا علموا».

كان المخرج ريني هارلن وجّه تهمة مماثلة في فيلم قديم سابق له هو «The Long Kiss Goodnight» متهماً جهة رسمية أميركية بارتكاب عمليات إرهابية وإلصاقها بالغير (بالعرب في ذلك الفيلم سنة 1996). هنا يلكز الخاصرة مرّة أخرى في بداية الفيلم عندما يسأله رئيسه أن يقبل بالمهمّة لأجل وطنه، فيرد عليه: «لقد انتهيت من وطني».

في خضم معارك جيدة التنفيذ (وفي فيلم جيد التنفيذ أيضاً)، كان المرء يتمنّى لو أن المخرج تعمّق قليلاً أكثر مضيفاً لما هو جاهز من أفكار باتت مستنسخة ومتكررة. لكن لمن يهوى فيلم أكشن يوظف الأماكن جيداً (بعض المشاهد صوّرت في اليونان) فإن «عامل البناء» يبقى ترشيح الناقد لهذا الشهر.

• عروض: عالمية.

Earthquake

★★★

إخراج: ‪مارك روبسن ‬ | الولايات المتحدة | 1974

في عام 1974 وقع زلزال رهيب في مدينة لوس أنجليس. دمّر المدينة وأزهق الأرواح وترك الكثيرين بلا مأوى. هذا في فيلم أخرجه مارك روبنسون من إنتاج «يونيفرسال» التي مدّت صالات السينما (وبينها سينما كونكورد في بيروت) بجهاز يُحدث رجفة في مقاعد الصالة كلما رجفت الأرض على الشاشة. الفيلم كان ناجحاً في فترة شهدت أفلام كوارث عديدة مثل «مطار» (جورج سيتُون، حول طائرة في خطر التحطّم)، و«جحيم برجي» (The Towering Inferno) (جون غيلرمن، عن حريق ضخم يشب في الطوابق العليا من ناطحة سحاب)، و «The Poseidon Adventure» (لرونالد نيم حين تنقلب باخرة ركّاب رأساً على عقب في مياه المحيط).

«زلزال»: تعلق بأهداب الحياة (يونيفرسال)

كثيرون توقعوا وما زالوا، حدوث زلزال يسلخ كاليفورنيا عن اليابسة الأميركية، وهذا الفيلم لا يتوجه لهذا الحد من النبوءة، لكنه صور الدمار جيداً. بذل فنِّيو الديكور ومصمّمو الإنتاج في هذا الفيلم أكثر مما بذل كاتبا السيناريو، جورج فوكس ومؤلف «العرّاب» ماريو بوزو، لتأمين شيء مختلف عن المتوقع.

ذلك لأن الفيلم جلب كل «ستيريو تايب» ممكن: البطل الباذل في سبيل إنقاذ الأرواح (شارلتون هيستون) والشريف الذي يُطرد من الخدمة بعدما عارض رئيسه (جورج كيندي) والفتاة السمراء التي تجد نفسها مطاردة من قِبل أحد جنود الاحتياط ذوي النزعة العنصرية. وهناك من يحذّر انفجار السد، لكن لا أحد يكترث لما يحذر منه، والسكير (وولتر ماثاو) الذي لا يعي ما حدث تماماً ربما كبعض المشاهدين.

لو أن الكتابة شملت ما هو أعمق في الدلالات وما يوفر بعض العمق في الشخصيات، لكان زلزال الفيلم أكثر وقعاً ممّا جاء عليه. لكنه بقي عملاً ضخماً لم تعمد هوليوود إلى تكراره.

* استعادة...

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

«سينما ترسو»... يستعيد ملامح أفلام المُهمشين والبسطاء

يوميات الشرق لوحات المعرض يستعيد بها الفنان رضا خليل ذكريات صباه (الشرق الأوسط)

«سينما ترسو»... يستعيد ملامح أفلام المُهمشين والبسطاء

معرض «سينما ترسو» يتضمن أفكاراً عدّة مستوحاة من سينما المهمشين والبسطاء تستدعي الذكريات والبهجة

محمد عجم (القاهرة )
يوميات الشرق من أفلام شاشات الواقع «النهار هو الليل» لغسان سلهب (المكتب الإعلامي للمهرجان)

مهرجان «شاشات الواقع» في دورته الـ19 بانوراما سينما منوعة

نحو 35 فيلماً وثائقياً طويلاً وشرائط سينمائية قصيرة، يتألف منها برنامج عروض المهرجان الذي يتميز هذه السنة بحضور كثيف لصنّاع السينما اللبنانيين.

فيفيان حداد (بيروت)
سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)
المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)
TT

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)
المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن لثلاثين سنة مقبلة.

بالنسبة لجوستن (نيكولاس هاولت) في جديد كلينت إيستوود «محلّف رقم 2» (Juror ‪#‬2) هناك طريقة ثانية. بوصفه محلّفاً في القضية المرفوعة في المحكمة سيحاول بعثرة قناعات المحلّفين الآخرين من أن المتهم هو مذنب بالفعل، وذلك عن طريق طرح نظريات (وليس براهين) لإثارة الرّيب في قناعات الآخرين. ليس أن قناعات الآخرين ليست مدفوعة بقصر نظر أو أنانيات أو الرغبة في الانتهاء من المداولات والعودة إلى ممارسة نشاطات أخرى، لكن المحور هو أن جوستن واثق من أن جيمس (غبريال باسو) لم يقتل المرأة التي تشاجر معها والمتهم بقتلها. جيمس لا يملك الدليل، لقد شُوهد وهو يعنّفها في تلك الليلة الماطرة واعترف بأنه وصديقته كثيراً ما تشاجرا، لكنه أكد أنه لم يلحق بها في تلك الليلة المعتمدة ويدهسها. من فعل ذلك، ومن دون أن يدري، هو جيمس وهو في طريق عودته إلى البيت حيث تنتظره زوجته الحامل.

ليوناردو دي كابريو في «ج. إدغار» (وورنر)

بدوره، لم يُدرك في ذلك الظلام وفي تلك الليلة الممطرة فوق ذلك الطريق خارج المدينة ما صدم. ظن أنه غزالاً عابراً. نزل من السيارة ونظر حوله ولم يجد شيئاً ركب سيارته وانطلق مجدداً.

لكنه الآن يُدرك أنه صدم تلك المرأة التي يُحاكم صديقها على جريمة لم يرتكبها. لذا يسعى لإصدار قرار محلّفين ببراءته.

محاكمات مفتوحة

يؤسّس إيستوود (94 سنة) في فيلمه الجديد (وربما الأخير) لما سبق، ثم يُمعن في إضافة تعقيدات على الحبكة تتناول موقف جوستن المصيري، موقف باقي المحلّفين حياله ثم موقف المدعية العامّة فايث (توني كوليت) التي لا يُخالجها أي شك في أن جيمس هو القاتل. في بالها أيضاً أن فوزها في هذه القضية سيساعدها على الارتقاء إلى منصب أعلى.

إنه فيلم محاكمات وليس فيلم محاكمة واحدة. كعادته يُلقي إيستوود نظرة فاحصة وناقدة على كل ما يرد في أفلامه. على بطله الذي تشبّع بالقتل خلال الحرب العراقية في «قنّاص أميركي» (American Sniper)، ومن خلاله حاكم الحرب ومسؤولية من أرسله إلى هناك.

«محلّف رقم 2» خلال المداولات (وورنر)

في «بيرد» (Bird) قدّم سيرة حياة عازف الجاز تشارلي بيرد بايكر الذي سقط مدمناً على المخدّرات، ومن خلاله الطقوس التي تُحيط بأجوائه والمسؤولة عن مصيره.

نراه في «ج. إدغار» (J‪.‬ Edgar) يعرض لحياة ج. إدغار هوڤر، واحد من أقوى الشخصيات السياسية في الولايات المتحدة خلال القرن العشرين، لكنه يمضي ليحاكمه باحثاً في استخدامه سُلطته لهدم الآخرين. وعندما تناول جزءاً من سيرة حياة المخرج جون هيوستن، ذلك الجزء الذي أمضاه في أفريقيا ببندقية اصطاد بها الفيلة، انتقد هذا المنوال ودوافعه وتبعاته.

أما في «سُلطة مطلقة» (Absolute Power) فخيّر المُشاهد ما بين الحكم على لص منازل أو الحكم على رئيس الجمهورية الذي شاهده اللص وهو يقتل عشيقته.

في الواقع كل أفلام إيستوود مخرجاً (من منتصف السبعينات وما بعد) كانت سلسلة من محاكماته للمجتمع. للسُلطة، للقانون، للسياسة، للإعلام وللمصالح التي تربطها مع بعضها بعضاً، ومن ثم الفرد الواقع ضحية كل ذلك التآلف.

في «محلّف رقم 2» يعمّق منظوره من دون أن يشعر المُشاهد بأي ثقل أو عناء. بالنسبة إلى إيستوود هو أستاذ في كيف يطرح الأفكار العميقة والحبكات المستعصية بأسلوب سهل تستطيع أن تأخذه كعمل تشويقي أو تذهب به لما بعد به متجاوزاً حبكته الظاهرة إلى تلك البعيدة.

المواقف في هذا الفيلم متعددة. جوستِن يضع عدداً من رفاقه المحلّفين في شكوك ويُثير غرابة عدد آخر. أحدهم يخبره بأنه يقرأه ككتاب مفتوح ملئ بالنظريات، لكن من دون براهين. يسأله لماذا. جوستن لا يستطيع الإجابة على هذا السؤال.

رقصات التانغو

هو دراما محاكمات، كما كثير من الأفلام من قبله ومن بعده، «12 رجلاً غاضباً» (12Angry Men) الذي حققه سيدني لومَت في 1957 ويُشار إليه أحياناً بأنه أفضل فيلم محاكمات (نظرة موضع نقاش)، لكن على عكس معظمها من ناحية طروحاتها وأبعادها من ناحية، وعلى عكسها على نحو جامع من حيث تخطيه الشكل المستطيل المعتاد لأفلام المحاكمات. مثال، عوضاً أن يقضي إيستوود الوقت في قاعة المحكمة، يقطع قبلها وخلالها وبعدها لمشاهد خارجية داعمة. وعوض تقديم الأحداث كمشاهد استرجاعية (Flashbacks) يوردها ضمن تداول المحكمة كمشاهد موازية لما يدور متجنّباً مشاهد داخلية طويلة.

لا يترك إيستوود نافذة مفتوحة ولا يستخدم مواقف للتخفيف ولا يضيّع الوقت في سردٍ مُعاد أو موقف مكرر. هو أذكى من الوقوع في رقصات التانغو التي تسميها هوليوود اليوم أفلاماً.

فيلم إيستوود، كمعظم أعماله، عمل راقٍ وجاد. لا مزح فيه ولا عواطف ملتاعة عملاً بمقولة أرسطو «القانون هو سبب وجيه من دون العاطفة». إنه كما لو أن إيستوود استوحى من هذا التعريف كيفية معالجة هذا الفيلم وطرحه لولا أنه دائماً ما عالج أفلامه على هذا النحو بصرف النظر عما يسرد فيه. حتى فيلما الوسترن الشهيران له وهما «The Outlaw Josey Wales» و«Unforgiven» حملا لجانب إتقان العمل البُعد النقدي للتاريخ وللمؤسسة.