السينما تستعيد مواقعها التجارية التي فقدتها

فرنسا تأتي في المقدّمة أوروبياً

من «أوبنهايمر» (يونيفرسال)
من «أوبنهايمر» (يونيفرسال)
TT

السينما تستعيد مواقعها التجارية التي فقدتها

من «أوبنهايمر» (يونيفرسال)
من «أوبنهايمر» (يونيفرسال)

بدأت أرقام الإيرادات عمّا سجّلته صالات السينما وشركات الإنتاج تتبدّى منذ مطلع العام الحالي. الإقبال ارتفع هنا وانخفض هناك، أو ما زال على ما هو عليه في سوق ثالثة. لكن معظم الناتج، وكما تؤكد الأرقام، هو إيجابي ومهم ويدفع من تساءل في الماضي عمّا إذا كانت السينما دخلت مرحلة الاحتضار لتغيير موقفه.

الحقيقة، أن لا المنصّات الشرعية ولا غير الشرعية أثّرت على إيرادات السينما في الأسواق الكبرى. هي استفادت من انتشار الوباء وحملات التخويف التي سادته قبل ثلاث سنوات فامتدت ونشطت واستفادت. لكن صناعة السينما نفسها من تلك الصناعات الراسخة التي ما أن يبرز منافس لها حتى تلتف حوله وتستفيد منه. في واحد من أوجه تاريخ السينما مرورها بأزمات مختلفة (اليأس الاقتصادي في الثلاثينات، الحروب العالمية، اختراعات التلفزيون والفيديو ومن ثمّ المنصّات)، وفي كل مرّة تخرج نبوءات لا تتحقق تقترح بأن السينما تحتضر.

الأرقام لديها لغة خاصّة في هذا الموضوع. لغة لا تتحمّل النقاش. عندما يُعلن عن أن العروض السينمائية في فرنسا شهدت ارتفاعاً بيّناً في العام الماضي (2023)، عن ذاك المسجل في العام السابق له (2022)، فإن هذا برهان مؤكد على أن الأزمة تمر من تحت الجسر ولا تطمره.

ما حدث في فرنسا هو أن عدد التذاكر المباعة ارتفع في العام الماضي 19 في المائة عمّا كان عليه في العام السابق. عدد التذاكر المباعة ارتفع إلى 181 مليوناً و200 ألف تذكرة. بتحويل هذا الرقم إلى دولارات فإن الناتج مليار و400 مليون دولار.

بذلك، فإن فرنسا تقود حالياً الدول الأوروبية النشطة (مثل ألمانيا وأسبانيا وإيطاليا) بحجم إيرادات الأفلام المعروضة فيها. هذا على الرغم من أن النسبة المُشار إليها لا تزال أقل من تلك المسجّلة في الأعوام السابقة لسنة 2019 عندما انتشر الوباء.

في ألمانيا، فإن الإقبال ما زال أقل ممّا كان عليه سابقاً بنسبة 17 في المائة. وفي إسبانيا بنسبة 24 في المائة. أما في إيطاليا فالنسبة تبلغ 21‪.‬8 في المائة.

أميركا والعالم

واحدة من الأسواق التي ما زالت تعاني أكثر من سواها مما وقع في عام 2020 هي السوق الكورية التي كانت مع الصينية واليابانية، ضلعاً أساسياً في تلك المنطقة والتي عُدّت السوق الخامسة الكبيرة حول العالم.

الأرقام المعلنة، تشير إلى أن الإقبال على السينما (رغم ارتفاع عدد مشتري التذاكر في الشهر الأخير من السنة المنصرمة) لم يتجاوز الـ964 مليون دولار عن ذلك العام بأسره. هذا أقل بنسبة 44 في المائة عمّا كان حال الإقبال على صالات السينما في كوريا (الجنوبية طبعاً) سنة 2019. هذا على الرغم من ارتفاع عدد التذاكر المباعة في العام الماضي بنسبة 11 في المائة عمّا كان عليه في عام 2022.

علينا ملاحظة أنه في كل الأسواق المذكورة تلعب السينما الأميركية دوراً رئيسياً في الوضع التجاري المسجل على درجاته كافة. السينما الأميركية تقود أو تأتي، في بعض الأسواق، في المركز الثاني بين أعلى الإيرادات التي تسجلها الأسواق المحلية حول العالم.

الأفلام الأميركية بحد ذاتها هي الأعلى نجاحاً وإيراداً من أي سينما أخرى. هذا الوضع ساد قبل «كورونا» بعقود طويلة وخلاله وإلى اليوم.

وهذا ما يثير الانتباه إلى أن شركة «ديزني»، ولأول مرّة منذ عام 2015 فقدت ريادتها كأنجح شركة إنتاج وتوزيع حول العالم. الأرقام المعلنة حول نتائج 2023 بالنسبة للسينما الأميركية تفيد بأن شركة «يونيفرسال» هي التي قادت إيرادات السينما الأميركية في السنة الماضية حاصدة 4 مليارات و907 ملايين دولار.

الاستوديو الأول

الأفلام التي مكّنت «يونيفرسال» من تحقيق هذا الفوز هي «ذَا سوبر ماريو بروس موفي» و«M3GAN» و«أوبنهايمر». هذا الأخير (سجل حتى الآن 950 مليون دولار) يختلف عن الفيلمين الآخرين في أنه ليس مبنياً على قواعد تجارية محضة. ليس من صنع فانتازيات الكوميكس (مثل «ذا سوبر ماريو بروس موفي»)، ولا من الأجواء المخيفة كفيلم الطفولة القاتلة في «M3GAN»، بل سيرة حياة لرجل ذاع صيته لدى الأجيال الأخيرة تدريجياً إلى أن أعاده المخرج كريستوفر نولان إلى الواجهة.

«الحورية الصغيرة» (ديزني)

«ديزني» لم تتأخر كثيراً على أي حال. في العام الماضي عرضت 17 فيلماً (في مقابل 24 فيلماً لـ«يونيفرسال») وحصدت 4 مليارات و800 مليون دولار. أحد أنجح أفلامها كان «إنديانا جونز وقرص القدر» وفيلم المغامرات الولادية «الحورية الصغيرة» (The Little Mermaid). وحسب مجلة « فارايتي» المطّلعة، فإنها المرّة الأولى، ومنذ سنوات بعيدة، التي لا يحقق فيلم من إنتاجها الإيراد الأعلى بين الأفلام «السوبر» ناجحة. وهي على التوالي:

• «باربي» (وورنر) الذي سجل وحده ملياراً و400 ألف دولار.

• The Super Mario Bros‪.‬ Movie (يونيفرسال): سجّل ملياراً و300 مليون دولار.

• «أوبنهايمر» (يونيفرسال) الذي جمع 950 مليون دولار.

بمراجعة أرقام الأمس، يتبيّن هنا أن «ديزني» لأول مرّة منذ عام 2014 خسرت تحقيق إيراد يتجاوز مليار دولار عن أحد أفلامها أسوة بالأفلام الثلاثة المذكورة.

حقيقة أخرى، هي أن تبوأ فيلم «باربي» المركز الأول في الإيرادات الأميركية في العام الماضي لم يسعف «وورنر» إلا بحدود؛ إذ حلّت ثالثاً في القائمة، إذ بلغت مجمل إيراداته 3 مليارات و840 مليون دولار. تليها «سوني» في المركز الرابع (ملياران و94 مليون دولار) ومن ثَمّ «باراماونت» (ملياران و26 مليون دولار).

«أم 3 غان» (يونيفرسال)

بالعودة إلى فرنسا، لأهمية ما تعنيه سوقها ولصادرتها الأوروبية، فإن نصيباً كبيراً من التعافي والإيرادات المسجّلة يعود إلى عاملين شبه وحيدين: الأفلام الفرنسية والأفلام الأميركية. هناك بالطبع أفلام من كل بلد ونوع منتشرة في مئات الصالات المستقلة (وأحياناً الرئيسية أيضاً)، لكن السائد والجاذب الأكبر للجمهور موزع بين المستورد الهوليوودي والمنتج المحلي.

في النطاق الأميركي ارتفع عدد الأفلام الأميركية التي عُرضت في العام الماضي في السوق الفرنسية إلى 81 فيلماً مقابل 68 فيلماً في العام الأسبق. حسب «المجلس الوطني للفيلم» (CNC)، فإن هذا العدد ما زال أقل ممّا سجّل في السنوات السابقة للوباء؛ إذ بلغ ما معدّله 127 فيلماً أميركياً في العام الواحد.

نسبة التذاكر المباعة للأفلام الأميركية في 2023 بلغ 41‪.‬3 في المائة. نسبة التذاكر المبيعة للأفلام الفرنسية بلغ 39‪.‬8 في المائة، بما في ذلك الأفلام التي شاركت فرنسا في تمويلها (بصرف النظر عن حجم ذلك التمويل).

توب تن الأسواق

لا بدّ من الإشارة إلى أن السنوات القليلة الماضية منعت الكثير من الأسواق من التقدم إلى مراتب غير تلك التي احتلتها من قبل. مثلاً، لا تزال السوق الألمانية تحتل المركز الثامن بين أسواق العالم والسوق الأسترالية تحتل المركز التاسع. سنوات الأمس القريب هزّت كل الأسواق السينمائية من الولايات المتحدة إلى فرنسا، ومن فرنسا إلى الصين وكوريا وباقي دول العالم. لذلك؛ من الأمان القول: إن الدول المذكورة في القائمة التالية لأعلى 10 أسواق نجاحاً في الإيرادات ما زال على نحو قريب جداً مما كان عليه حتى عام 2020، وهي:

1- الولايات المتحدة

2- الصين

3- الهند

4- كوريا

5- فرنسا

6- اليابان

7- المكسيك

8- ألمانيا

9- بريطانيا

10- إسبانيا

وكانت السوق الروسية تحتل المركز التاسع حتى ذلك التاريخ، بيد أنّ الحرب الأوكرانية وظروفها الاقتصادية حدّت من توزيع الأفلام الغربية فيها في حين لا توجد بيانات تحدّد مدى نجاح الأفلام محلية الصنع فيها.

حين يأتي الأمر لضمّ الأسواق العربية إلى ذلك المحيط، فإنّ السوق السعودية تتقدمها حالياً، تليها سوق الإمارات. لا أرقام جديدة معلنة من قِبل المراقبين أو المؤسسات في كلا البلدين، لكن هذا ما يجتمع عليه الموزّعون اللبنانيون الذين يتولّون معظم الوارد إلى الأسواق الخليجية من أفلام أميركية.

باقي الأسواق العربية هي في نهايات السّلم الدّولي كما كان حالها قبل وخلال عام 2020 وإلى اليوم.

5 أفلام برسم النجاح في 2024

ستعتمد هوليوود على نحو 15 فيلماً من تلك التي ستشهد عروضها في العام الجديد لجذب النجاح الكبير، الذي تعد به تلك الإنتاجات. التالي أهم الأفلام الأكثر ضمانة للنجاح:

1- Dune Part Two

الجزء الثاني (وربما الأفضل) من الملحمة الشهيرة (وورنر)

2- Gladiator Part 2

قد يعوض خسارة ريدلي سكوت في «نابليون» (باراماونت)

3- Mufasa: The Lion King

رسوم متحركة مشتقّة من شخصية «ذَا ليون كينغ» (ديزني)

Civil War-4

احتمال حرب أهلية جديدة في الولايات المتحدة هو موضوع هذا الفيلم (A2A)

5- Deadpool 3

الجزء الثالث (ويا ليته الأخير) من فانتازيا يقودها رايان رينولدز (ديزني)


مقالات ذات صلة

أربعينات القرن الماضي تجذب صناع السينما في مصر

يوميات الشرق أحمد عز في لقطة من فيلم «فرقة الموت» (الشرق الأوسط)

أربعينات القرن الماضي تجذب صناع السينما في مصر

يبدو أن سحر الماضي دفع عدداً من صناع السينما المصرية إلى اللجوء لفترة الأربعينات من القرن الماضي بوصفها مسرحاً لأحداث أفلام جديدة.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق مهرجان القاهرة السينمائي لتنظيم ورش على هامش دورته الـ45 (القاهرة السينمائي)

«القاهرة السينمائي» يدعم صناع الأفلام بالتدريبات

أعلن «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» عن تنظيم مجموعة متخصصة من الورش لصنّاع الأفلام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج معتز التوني يتوسط وأمينة خليل فريق العمل خلال العرض الخاص بالقاهرة (الشركة المنتجة)

«X مراتي» فيلم مصري جديد يراهن على «الضحك» فقط

يرفع الفيلم المصري «X مراتي» شعار «الضحك للضحك» عبر كوميديا المواقف الدرامية التي تفجرها قصة الفيلم وأداء أبطاله.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق  الحدث يهتم بالتنوّع البيولوجي والسينما (مهرجانات ريف)

انطلاق «مهرجانات ريف»... ومشكلات بيئة جنوب لبنان في الصدارة

تُعدّ «مهرجانات ريف» المُقامة في بلدة القبيات، الوحيدة لبنانياً التي تتناول موضوعات البيئة، فتضيء على مشكلاتها وتزوّد روّادها بحلول لمعالجتها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق حورية فرغلي (إنستغرام)

حديث حورية فرغلي عن حياتها الشخصية يلفت الانتباه في مصر

لفتت الفنانة المصرية، حورية فرغلي، الانتباه في مصر بعد حديثها عن تفاصيل في حياتها الشخصية، والسبب الذي لأجله قالت إنها «تمنت الموت».

محمد الكفراوي (القاهرة )

مهرجانات العالم تصعد وتهبط أو تبقى حيث هي

حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين استقبل توم كروز في إحدى دورات مهرجان «دبي»
حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين استقبل توم كروز في إحدى دورات مهرجان «دبي»
TT

مهرجانات العالم تصعد وتهبط أو تبقى حيث هي

حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين استقبل توم كروز في إحدى دورات مهرجان «دبي»
حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين استقبل توم كروز في إحدى دورات مهرجان «دبي»

يحتفي مهرجان شيكاغو، في الشهر العاشر من هذا العام، بمرور 68 سنة على ولادته سنة 1956. هو بالطبع ليس أقدم مهرجان سينما في العالم، لكنه أقدم مهرجان سينمائي في الجزء الشمالي من القارة الأميركية.

المهرجان الأميركي العتيد تمتع بالفرادة عاماً واحداً، إذ انطلق على إثره في عام 1957 مهرجان كبير آخر هو سان فرانسيسكو.

كل منهما كان له شأن كبير في الستينات والسبعينات. لكنهما اليوم أقل استدعاء لعناصر النجاح وأقل شهرة من مهرجانات أميركية أخرى مثل «صندانس» و«بالم سبرينغز» و«سانتا باربرا» و«ترايبيكا».

المهرجانات الثلاثة الأولى (صندانس وبالم سبرينغز وسانتا باربرا)، كلها في ولاية كاليفورنيا، كذلك حال مهرجان سان فرانسيسكو، فهل يعكس ذلك أهمية الموقع الجغرافي بالنسبة لمهرجان ما؟ وإذا كان يفعل لماذا لا يواكب النجاح ذا الأمد الطويل مهرجانات أخرى تُقام في مدن وعواصم رئيسية مثل القاهرة وأثينا وطوكيو وروما؟

مهرجان «سان سيباستيان» نافس «كان» (سان سيباستيان)

حديث العالم

الأسئلة كثيرة وكاشفة عن أن النوايا لا تحقق النجاح بالضرورة. هناك باع واسع بينها وبين ما يمكن فعلاً تحقيقه، وبين ما يمكن تحقيقه لكن الممكن يتحوّل إلى المستحيل بسبب عوائق أهمها عدم الدراية والسرعة في محاولة إثبات الفاعلية والشهرة.

قبل 60 سنة أو ما يواكبها لم تكن المهرجانات في الأساس غزيرة العدد (نحو 9 آلاف مهرجان حسب موقع IMBd معظمها صغير لكنه منتظم) مما جعل المهرجانات الموجودة في ذلك الحين قادرة على البروز واحتلال المكان المتقدّم في خريطة المهرجانات. لكن حتى في ذلك الحين كانت هناك مهرجانات ترتفع عن سواها وأخرى تهبط كالمصاعد الكهربائية. على سبيل المثال شكّل مهرجان سان سيباستيان السينمائي (الذي احتفى بمرور 60 سنة على إنشائه العام الحالي) شوكة في خاصرة مهرجان «كان» في مطلع الستينات ولبضع سنوات. كان أشهر وأكبر وتحلّى بميزانية أوفر وجمع أفلاماً أهم.

شيكاغو وسان فرانسيسكو كانا حديث العالم في ذلك الحين تماماً كمهرجانات أوروبا. إلى حدٍ كبير بقي هذان المهرجانان في مرمى اهتمام العالم. السينما الفرنسية اختارت شيكاغو سنة 1972 لعرض نسخة مرممة من فيلم «بونابرت والثورة» لآبل غانس، وروسيا اختارته ليكون العرض الأول لفيلم غريغوري كزنتزيف «الملك لير» (ما زال أحد أهم الإنجازات الفيلمية عن ذلك النص الشكسبيري الذي لا يُهزم).

على الجانب الأوروبي أحاط مهرجان موسكو نفسه بهالة كبيرة من النجاح مستقبلاً أفلاماً شرقية وغربية. وقف وراء نجاحه حقيقة أن العالم المنقسم على نفسه بين يسار ويمين وجد فيه ضالة فريدة من حيث رغبة ذلك المهرجان الدفع إلى الواجهة في سينما تقدمية سياسياً وجيدة فنياً.

لم يكن التنويع أمراً سهلاً في البداية. رغم ذلك، وفي إطار الدورة الرابعة سنة 1956 (حين كان لا يزال يُقام كل عامين بالتناوب مع مهرجان كارلوڤي ڤاري في تشيكوسلوڤاكيا، سابقاً) جاءت الأفلام من النادي الأوروبي الشرقي: بلغاريا، ورومانيا، وألمانيا الشرقية والمجر كما من السينمات الغربية مثل إيطاليا وبريطانيا والدنمارك وفنلندا والولايات المتحدة).

السينما العربية وجدت في موسكو ملاذاً جيّداً منذ الستينات وما بعد، فعرض فيه مخرجون عرب لامعون أفلامهم. من بينهم المصريون، حسين كمال، وصلاح أبو سيف، وحسام الدين مصطفى، والسوري صلاح ذهني، والجزائريان محمد بوعماري ومرزاق علواش، وعديدٌ غيرهم؛ صلاح أبو سيف، ومديحة يسري، ويوسف شاهين كانوا من عداد لجان التحكيم الرئيسية في تلك الآونة.

للملاحظة، كان وجود حسام الدين مصطفى في مهرجان موسكو أمراً غير متوقع بسبب مواقفه السياسية، لكنه عرض هناك فيلمه «سونيا والمجنون» (المأخوذ عن رواية «الجريمة والعقاب» لفيودور دوستويفسكي)، ما يبرر رغبة المخرج في الذهاب به إلى ذلك المهرجان.

طبعاً كان مهرجان موسكو محطة سياسية الهدف، لكن المهرجانات الكبرى الثلاث، فينيسيا وكان وبرلين، كانت بدورها ردات فعل سياسية حيال أحداث وتطوّرات من هذا النوع ألمّت بالعالم قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها.

«سونيا والمجنون» لحسام الدين مصطفى (ستديو مصر)

صعود وهبوط

بالممارسة وتبعاً للمتغيّرات، تهاوت العناصر السياسية جانباً كسبب لإطلاق مهرجان أو نجاحه. مهرجانات الثمانينات والتسعينات وما بعد أقيمت لغايات أخرى في صدرها الرغبة في أن يكون للمدينة أو للبلد الذي تنتمي إليه موقعاً بين هذه الاحتفالات الكبيرة. في هذا السياق نجد نشأة معظم المهرجانات الدولية مثل مهرجانات القاهرة وإسطنبول وأثينا وروتردام وتورونتو ونيويورك وساراييڤو ونيودلهي ومهرجانات أخرى من تلك المذكورة آنفاً.

وعى العالم العربي أهمية المهرجانات باكراً: قرطاج في مطلع الستينات ثم دمشق والقاهرة وصولاً إلى دبي وأبوظبي ومراكش ثم، في السنوات العشر الأخيرة، البحر الأحمر والجونة وعمّان وبغداد وسواها.

في مضمار ما يتناوله هذا الاستعراض ارتفعت مهرجانات عربية عديدة وهبطت. الحال أن «القاهرة» بدا فاعلاً أساسياً في هذه المنطقة من العالم، وكوّن لنفسه صدى طيّباً لجانب ذاك الذي اشتهر به مهرجان قرطاج بوصفه مناسبة لجمع الأفلام العربية والأفريقية. لكن الطموح الكبير للقاهرة لم يصاحبه معرفة الكيفية الصحيحة للإدارة فتحوّلت المناسبة إلى غاية بحد نفسها.

مع «دبي» و«أبوظبي» ارتفعت الآمال بمهرجانين حدثيين في العالم العربي خصوصاً «دبي»، الذي استفاد سريعاً من خبرة من عملوا فيه ومن حقيقة أن مدينة دبي تجذب، طبيعياً الإعلام ولها موقع جيد بوصفها مدينة مزدهرة ومختلفة. شهرة مهرجان «دبي» وقيمته الفنية والإعلامية سادت طوال سنوات إقامته التي امتدت لـ10 سنوات قبل إيقافه وهو في أوج نشاطه.

بينما تسهر الكفاءات اليوم على دفع جميع المهرجانات، عربية وغير عربية، إلى صف أمامي أول، لا بدّ الإشارة إلى أن كلمة «العالمي» لا تعني شيئاً أكثر من التعريف بتصنيف الأفلام التي يعرضها. نحن نبلغ العالمية عندما يختار مهرجاناتنا صانعو الأفلام قبل سواها.