(الحلقة 2): السينما العربية : الفيلم العربي يتأخر... يتقدّم أو يبقى في مكانه؟

«مندوب الليل» (مهرجان البحر الأحمر)
«مندوب الليل» (مهرجان البحر الأحمر)
TT

(الحلقة 2): السينما العربية : الفيلم العربي يتأخر... يتقدّم أو يبقى في مكانه؟

«مندوب الليل» (مهرجان البحر الأحمر)
«مندوب الليل» (مهرجان البحر الأحمر)

أُعلنت، مساء أمس (الخميس)، القائمة القصيرة للمسابقة الـ96 لجوائز الأوسكار. لم يتسنَّ الوقت قبل تقديم هذه الصفحة ظُهراً للنشر، الاطلاع عليها، لكن المعروف أن هناك 9 أفلام عربية أُرسلت إلى الأكاديمية؛ كل فيلم منها يحمل أملَين اثنين: أن ينضم إلى الترشيحات الرسمية التي ستُعلن في غضون نحو أسبوعين، وأن يفوز بالأوسكار الذي من أجله اختير للمناسبة.

من المتوقَّع أن يكون هناك فيلم عربي في القائمة القصيرة أكثر مما هو متوقَّع دخوله في الترشيحات الرسمية المؤلفة عادة من 5 أفلام تنتمي إلى مسابقة «الأفلام الدولية»، كما صار اسمها منذ بضع سنوات.

سنة أولى خطف (شركة إتحاد الفنانين)

الأفلام التي انتُدبت تمثيلاً للدول العربية هي 9:

«فوي فوي فوي» (مصر)، «حدائق معلّقة» (العراق)، «الهامور ح ع» (السعودية)، «أم كل الأكاذيب» (المغرب)، «باي باي طبرية» (فلسطين)، «وداعاً جوليا» (السودان)، «إن شاء الله ولد» (الأردن)، و«المرهقون» (اليمن)، و«أربع بنات»، أو «بنات ألفة»، كما في تسمية أخرى، للفيلم (تونس).

تقسيم حصيلة

ما عاد جديداً القول إن الأوسكار بات مقصداً سنوياً لهذه الدول المذكورة، بالإضافة إلى لبنان والجزائر عندما يكون هناك ما يستحق الترشيح. لكن الجديد قوله أن فيلمين فقط قد يظهران في القائمة القصيرة (التي تتألف عادة من 10 إلى 11 فيلماً) هما فيلم «وداعاً جوليا» لمحمد كردفاني، وفيلم «أربع بنات» لكوثر بن هنية.

إلى ذلك، تتوجه الأفلام العربية (التي بات العديد منها يتبع تمويلاً غير عربي) إلى المهرجانات السينمائية الكبرى، مثل «كان»، و«فينيسيا»، و«برلين». الغاية تأهيل الفيلم لجوائز هذه المهرجانات وتأسيس قاعدة انطلاق لما بعدها من جوائز، وفي مقدّمتها الأوسكار.

كل هذا مشروع يستند إلى طموح هو حق أي مخرج من أي مكان في العالم أن يسعى لتحقيقه، لكن ماذا عن وضع السينما العربية في بلدانها؟ ما الكاسب وما الخاسر في نهاية عام شهد انطلاقات واعدة ومختلفة؟

الحال أنه من الممكن تقسيم حصيلة العالم العربي من الأفلام والنشاطات إلى ثلاثة أقسام: قسم تقدّم، وآخر تراجع، وقسم ما زال يراوح مكانه.

الأفلام السعودية هي التي تشهد، بصفة استثنائية، التقدم الشامل في أرجاء صناعتها. تشجيع المواهب كافّة لتحقيق الأفلام التي كانت سابقاً ما تحلم بتحقيقها قفزة كبيرة إلى الأمام عرض منها «مهرجان الأحمر»، العام الحالي، عدداً كبيراً، من بينها «مندوب الليل»، و«إلى ابني»، و«نوره»، و«الناقة»، و«حجين»، لجانب أفلام عديدة أخرى.

«وداعاً جوليا» (ستايشن فيلمز)

رغم أهميّته، فإن هذا التقدم له في إطار الرغبة بتحقيق أفلام جماهيرية بالدرجة الأولى. بذلك استجاب معظم المخرجين الجدد إلى السوق وشركات الإنتاج. ما هو مطلوب خط رديف يواكب هذا التقدّم، والنجاح تشغله الأفلام الفنية التي يستطيع المخرج التعبير فيها عن ذاته ورؤيته ورؤاه.

هذا النوع لا يمكن أن يحدث إلا برعاية مكثّفة من «هيئة الأفلام السعودية»، التي ترعى شبكة كبيرة من العناصر المكوّنة للصناعة السينمائية.

الظروف تجعلها محدودة النجاح

لكن تبقى حقيقة التقدّم الكبير لصناعة الأفلام السعودية حالة منفردة واستثنائية قياساً بكل سينمات الدول العربية الأخرى. تلك السينمات إما غير موجودة أو محدودة النجاح.

هذا ما يجعل القسم الأكبر من السينما العربية يراوح مكانه عاماً بعد عام. الحقيقة أن ظروفها لا تسمح لها بإنجاز تقدُّم ما على نحو متوالٍ. السينما اللبنانية مثلاً تحظى في سنوات متباعدة بتقديرات عالية كما حال أفلام نادين لبكي، لكن الظروف الإنتاجية لا تساعد نادين لبكي أو غيرها من المواهب اللبنانية على فعل المواظبة الدائمة ومتعددة الحضور.

كذلك فإن عودة السودان إلى الظهور مجدداً عبر فيلم محمد كردفاني «وداعاً جوليا»، هو أمر رائع في حد ذاته، بسبب كل ما حواه الفيلم من عناصر فنية ومضامين جيدة، لكنه الفيلم السوداني الأول الذي يترك مثل هذا التقدير الشاسع (نحو 20 جائزة من مهرجانات مختلفة)، منذ أن قدم أمجد أبو العلا فيلمه الروائي الطويل الأول «ستموت في العشرين» قبل 5 سنوات.

تختلف الظروف بين لبنان والسودان وبقية الدول العربية غير المنتجة أو غير المثابرة على الإنتاج. لبنان في أزمة اقتصادية، وفي السودان حرب ضروس تمنع مجرد التفكير بالعمل على نحو شبه مستمر.

أعمال ناجحة هنا وهناك

تلك السينمات التي لا تزال تراوح مكانها هي تونس والمغرب ومصر والعراق، من دون ذكر الدول التي أنتجت، ومن ثَمّ توقف إنتاجها المثمر بسبب ظروف مختلفة، كما الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة التي ارتفع نصيبها من الأفلام القصيرة والطويلة في النصف الأول من العقد الثاني، ليهبط كمّاً ونوعاً بتوقف مسببات ذلك النجاح.

وصول «أربع بنات» للتونسية كوثر بن هنية، و«أم الأكاذيب» للمغربية أسماء المدير، فعل ناجح للسينما التونسية والمغربية ككل خصوصاً أنهما قادا، عبر اشتراكهما في مسابقات مهرجان «كان» الماضي، إنتاجات أخرى من البلدين. من تونس «تحت شجرة التين» لأريج سحيري، و«وراء الجبال» لمحمد بن عطية، و«كواليس» لعفاف بن محمود وخليل بن كيران. أما السينما المغربية التي هي أكثر نشاطاً، فإن بعض أهم أعمالها للعام الحالي كان «الربع الخالي» لفوزي بن سعيدي، و«الكلاب» لكمال لزرق.

النشاط السينمائي المغربي على تعدد مضامين أفلامه، يبقى نوعياً أفضل من سواه من السينمات العربية الأخرى وفي مقدّمتها مصر التي لم تعرف العام الحالي الفيلم الذي يمكن أن يُحدث الضجة نفسها التي أحدثها «كذب أبيض» لأسماء المدير، أو «أربع بنات» للتونسية كوثر بن هنية. معظم ما أنتجته السينما المصرية كان من النوع التجاري سواء نجح تجارياً بالفعل أو لم ينجح (لم ينجح بغالبيته). من بين هذه الأفلام «مندوب مبيعات» لأحمد صالح، و«دولارات دولارات» لمحمد خضر، و«الصف الأخير» لشريف محسن (أفضلها رغم متاعبه)، والفيلم الذي انطلق الأسبوع الحالي تحت عنوان «سنة أولى خطف» لأسامة عمر.

مستوى هذه الإنتاجات بمثابة استدارة صوب الأمس غير البعيد (السبعينات والثمانينات)، عندما سادت أفلام السّلع التجارية. لكن حتى في ذلك الحين كانت هناك مجموعة كبيرة من المخرجين المختلفين والمواظبين على تحقيق أفلامهم الجادة، أمثال محمد خان ورضوان الكاشف وخيري بشارة وعاطف الطيّب وسواهم.

وضع السينما المصرية في 2023 ليس بهيّاً، بسبب الهجمة على أفلام الكوميديا والأكشن التي تبدو للعين متقدمة التنفيذ، لكنها مستنسخة فنياً بعضها من بعض.

التمويل الغربي يضعف الهوية الوطنية

تبقى مسألة اتكال بعض الدول العربية على الإنتاجات الأوروبية معضلة مستمرة كما كان حالها في السنوات السابقة. علمياً لا ينتمي الفيلم للمخرج إلا في حال ذكر من حقّقه، لكن الانتماء رسمياً يبقى للمموّل الأساسي والأفلام التي تؤم العروض المختلفة (مهرجانات وأسواقاً) من دول المغرب العربي ومن بعض الدول العربية الأخرى هي أوروبية (فرنسية، ألمانية، بلجيكية أساساً) وأحياناً مع مِنح من قطر.

الإشكال هنا أن دخول المموّل الغربي صرح الفيلم العربي سينفي عنه انتماءه ولو على صعيد هويّته الثقافية والوطنية. ولكن ما العمل إذا كان هذا التمويل الغربي هو الذي يفتح الأبواب أمام المخرجين الطامحين للعب دور كبير على سطح السينمات العالمية؟ وهل سنرى فيلماً مُنتجاً محلياً يستطيع مزاحمة فيلم من إخراج عربي بتمويل أجنبي ويصل أيضاً إلى المراتب نفسها؟

أفضل أفلام العام العربية

تقييم الناقد لأفضل ما شاهده ما بين منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2022 وحتى منتصف ديسمبر 2023 أنيسي (سويسرا) حسب الترتيب الأبجدي للأفلام

1- الأستاذ | فرح النابلسي (فلسطين، بريطانيا) ★★★★

2- أشكال | يوسف الشابي (تونس) ★★★★

3- إن شاء الله ولد | أمجد الرشيد (الأردن)

4- أنا يوسف يا أبي | محمد ملص (سوريا)

5- حرقة | لطفي نتان (تونس) ★★★★

6- القطان الأزرق | مريم توزاني (المغرب) ★★★

7- قلق في بيروت | زكريا جابر (لبنان) ★★★★

8- مندوب الليل | علي الكلثمي (السعودية) ★★★★

9- نوره | توفيق الزايدي (السعودية) ★★★

10- وداعاً جوليا | محمد كوردوفاني (السودان) ★★★



مهرجان القاهرة المقبل بين أيدٍ خبيرة


مدير المهرجان عصام زكريا (مهرجان القاهرة).
مدير المهرجان عصام زكريا (مهرجان القاهرة).
TT

مهرجان القاهرة المقبل بين أيدٍ خبيرة


مدير المهرجان عصام زكريا (مهرجان القاهرة).
مدير المهرجان عصام زكريا (مهرجان القاهرة).

على مدار 44 دورة سابقة، جسّد مهرجان القاهرة السينمائي شخصيات مدرائه وقدراتهم على إنجاز دورات متفاوتة النجاح ومختلفة في أسباب ذلك. في أحيان كانت الإدارة جيدة وجادّة (وهو شرط رئيسي لأي مهرجان) وفي أحيان أخرى كان الفشل والعجز في استقطاب أفلام جيّدة أو قصور في الميزانية.

أدار سعد الدين وهبة المهرجان في سنوات ربيعه على نحو صارم ثم مرّ المهرجان بإخفاق مدراء لاحقين، كل حسب خبرته (وأحياناً مزاجه)، وصولاً إلى الدورة الحالية التي يقودها حسين فهمي بالتزام وثيق لتأمين حاجة القاهرة لمهرجان سينمائي دولي ناجح، وليس فقط لمهرجان سينمائي.

أفضل ما استطاع المهرجان في دورته الجديدة التي تبدأ يوم الأربعاء المقبل في الثالث عشر وتمتد لعشرة أيام لاحقة، هو تعيين الناقد السينمائي عصام زكريا في الإدارة.

عصام زكريا ليس أي ناقد بل يملك خبرة واسعة في الثقافة السينمائية وملم جيد بما يدور حول العالم من اتجاهات وتيارات وإنتاجات. هذا حدث عندما تسلم الراحل سمير فريد إدارة المهرجان لدورة واحدة كانت لامعة وحيدة قبل تقديمه استقالته تبعاً لانتقادات معظمها حجج اختلقت لدفعه للاستقالة. قبله تسلمت الناقدة ماجدة واصف لدورتين ثم اعتزلت عندما وجدت نفسها في مشاكل مشابهة.

من الفيلم اللبناني «أرزة» (مهرجان القاهرة).

حضور سعودي

يقع مهرجان القاهرة العتيد وسط مجموعة من المهرجانات العربية المجاورة. هناك في مصر مهرجان «الجونة» الذي بذل كثيراً في هذه الدورة لاستقطاب المواهب في كل الخانات ورفع عدد الجوائز والمسابقات. هناك «مراكش» الذي يبني نفسه بصبر ودراية، وهناك مهرجان «قرطاج» الذي يمر بفترة صعبة لا تلغي ماضيه الكبير، ثم هناك مهرجان «البحر الأحمر» الذي يشبه النجمة المضيئة، ويُدار ببذل وجهد مثاليين، متمتعاً باهتمام الدولة والسينمائيين السعوديين على حد سواء.

من بين هذه المهرجانات وسواها من التي تشهدها المنطقة العربية في فترات مختلفة من السنة، اثنان وفّرا للسينما العربية حضوراً أساسياً بمنهج يعكس اهتماماً خاصّاً ودائماً، هما مهرجان «القاهرة» ومهرجان «قرطاج». في سنوات غابرة نجح مهرجانا دبي وأبوظبي (قبل توقفهما) في دعم السينما العربية على نحو لم يكن منظوراً من قبل.

شارك الفيلم السعودي «ثقوب» ضمن مسابقة (آفاق السينما العربية) (الشرق الاوسط)

في مهرجان القاهرة هذا العام وضمن مسابقة آفاق السينما العربية أربعة عشر فيلماً لأربعة عشر مخرجاً جديداً أو شبه جديد. من بينها فيلم «ثقوب» المنتظر للمخرج السعودي عبد المحسن الضبعان في ثاني عمل روائي له بعد فيلمه الجيد السابق «آخر زيارة» (2019).

في ذلك الفيلم حكى المخرج قصّة أب وابنه في زيارة غير متوقعة لوالد الأول المسجى على سرير المرض. يتوخى الأب المناسبة كفرصة للتباهي بابنه الشاب كولد طيّع وصالح ضمن المفهوم التقليدي للعائلة المحافظة. هذا ما يخلف تباعداً بين الأب وابنه. في «ثقوب»، يواصل المخرج الاهتمام بالمنحى العائلي عبر حكاية شقيقين في زيارة لوالدتهما وما يفضي إليه ذلك اللقاء من نتائج.

الحضور السعودي متعدد في هذه المسابقة المهمّة التي تداوم العمل على كشف الجديد من الإنتاجات العربية. هناك فيلم له، لسبب غير معروف بعد، عنوانان «فخر السويدي»؛ والسويدي هنا لا يمت إلى البلد الأوروبي بل إلى مدرسة أهلية يقرر مديرها إنشاء فصل لتشجيع الشبان على مواجهة تحديات العصر عوض القبول بها.

ثمة مشاركة سعودية في فيلم لبناني- مصري بعنوان «أرزة» لميرا شعيب يبدو غير بعيد، في فكرته، عن «سارقو الدراجات» للإيطالي ڤيتوريو دي سيكا (1948).

وهناك مشاركة ثانية متمثلة في فيلم «مثل قصص الحب» لمريم الحاج التي تحاول فيه الإحاطة باضطرابات أوضاع العالم العربي الحالية.

فلسطين في أفلام

في هذه التظاهرة المهمّة هناك ثلاثة أفلام تدور في الشأن الفلسطيني وهي «الإجازات في فلسطين» للفرنسي مكسيم ليندون. يتداول الفيلم التسجيلي وضع فلسطيني مهاجر، يعود إلى بلد مولده ويستخدمه الفيلم لإلقاء نظرة على الوضع المتأزم في فلسطين.

في الجوار «غزة التي تطل على البحر»، وثائقي طويل آخر لمحمد نبيل أحمد الذي تم تحقيقه قبل الحرب الجارية، ويدور حول أربع شخصيات تبحث عن حياة أفضل.

شعار مهرجان القاهرة (مهرجان القاهرة)

الفيلم الثالث هو «حالة عشق»، وهو أيضاً من أعمال السينما التسجيلية؛ إذ يدور حول الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة وهو من إخراج كارول منصور ومنى خالدي.

باقي أفلام هذه المسابقة تتوزع «أرض الانتقام» لأنيس جعاد (الجزائر)، و«مدنية» لمحمد صباحي (السودان)، و«سلمى» لجود سعيد (سوريا)، و«المرجا الزرقا» لداود أولاد السيد (المغرب)، و«قنطرة» لوليد مطار (تونس)، و«وين صرنا» لدرة زروق (مصر) و«مين يصدق؟» لزينة عبد الباقي (مصر).

لجنة التحكيم لهذا القسم النشط من أعمال المهرجان تتألف من ثلاثة سينمائيين هم المنتج الإيطالي أنزو بورسللي، والكاتبة والمخرجة السعودية هند الفهاد، والموسيقار المصري تامر كروان.

لا يخلو المهرجان المصري العريق من البرامج المهمّة الأخرى بما فيها المسابقة الرسمية، وقسم خاص لمسابقة للأفلام الأفريقية، وتظاهرة للسينما الصينية من بين تظاهرات أخرى. كذلك في أهمية اختيار المخرج البوسني دنيس تانوفيتش لرئاسة لجنة التحكيم الرئيسية.