يشكّل اليتم حالات إنسانية نلتقيها في يومياتنا تولّد عندنا تساؤلات كثيرة في ظروفها وطبيعتها. بعض الأطفال يتيتّمون بعد خسارة أحد الوالدين أو وفاتهما معاً في حادث ما. وبعضهم يسكن دور الأيتام بعد تخلي والديهما عنهم.
قصة مريانا الخالد تنتمي إلى الفئة الثانية من حالات اليتم. والداها قررا تركها في ميتم بدير للراهبات في بلدة غدراس بعد طلاقهما. رحلة إنسانية بامتياز تطل على حياة فتاة وحيدة منذ طفولتها، على الرغم من وجود جميع أفراد عائلتها على قيد الحياة. فينقلها المخرج حبيب صدقة ضمن «وثائقي» قصير بعنوان «لمريانا الخالد»، وفيه نتعرف إلى ظروف حياة مريانا التي تنقلت فيها مع إخوتها بين منزل جدتها وبين الميتم. يأخذنا المخرج إلى عالمها البسيط والمعقد في الوقت نفسه. فهي تقف عند مفترق طريق سيحدد مصير حياتها. دراستها الثانوية أنهتها بنجاح والمطلوب اليوم الانتقال من الميتم لتبدأ حياة جديدة. يحاول صدقة في الفيلم الذي دعا أهل الصحافة والإعلام لمشاهدته في صالات «غراند سينما» في مجمع «أ.ب.ث» الأشرفية إلقاء الضوء على قصتها. قصة حقيقية تحكي عن تخبط فتاة في الـ17 من عمرها في صراع مع نفسها لأخذ القرار المناسب. خيارها هذا سيحدد معالم حياتها الجديدة التي تفتقد فيها عطف وحنان ومسؤولية أهل كان يجب أن يحيطوها بدل إهمالها.
وخلال 20 دقيقة هي مدة الفيلم، نتابع يوميات مريانا الخالد، التي تمسك بكاميرا التصوير لأول مرة محققة حلمها. خيالها لطالما أخذها إلى مجال السينما والتصوير، ولكن وصية جدتها لها بعدم دخول هذا المجال وقفت حاجزاً بينها وبين مستقبلها. وبين كاميرا حبيب صادق وكاميرا مريانا الخالد تمتزج صور إنسانية ولقطات ومواقف معبرة تترجم معاناة فتاة تتساءل، لماذا تزوج أهلها في سن مبكرة، ومن ثم تخلوا عنها وعن إخوتها؟ فهل كان من الضروري الإقدام على خطوة بهذا الحجم من دون التفكير بتداعياتها؟
ويروي حبيب صدقة ظروف ولادة هذا الفيلم لـ«الشرق الأوسط»: «أخبرني صديق لي قصة هذه الفتاة فلامست مشاعري، وقررت أن ألحق بتفاصيلها. استغرق مني تحضير هذا الفيلم أكثر من سنة. وتابعت مريانا عن قرب وتعرفت إلى يومياتها وقررت ترجمتها في وثائقي قصير. وما حفزني على القيام بهذه الخطوة حلم مريانا بدراسة ممنوعة عنها ألا وهي الإخراج السينمائي. فأخذت على عاتقي الإمساك بيدها لتقوم بأول خطوة فيها. ومن هناك بدأ المشوار الذي ينتهي بعلامة استفهام كبيرة تطرحها مريانا على نفسها».
الفيلم بسيط، صوّر بين منزل مريانا الأبوي والميتم حيث عاشت. يلقي الضوء بوضوح ومن دون تدخل عناصر فنية أو بشرية كثيرة، على معاناة فتاة يتيمة. فيتابعه مشاهده بسلاسة بحيث تمر الـ20 دقيقة وكأنها لحظات قليلة.
ويعلق صدقة: «الوثائقي لا يشبه بتاتاً الفيلم الروائي بحيثياته وأدواته الفنية. فننقل قصة واقعية قائمة على شهود عيان يشكلون بطولتها. ولذلك فهو لا يتحمل فزلكات سينمائية وما يشابهها».
قصة مؤثرة تلامس القلب وتطرح عند مشاهدها تساؤلات عدة. فحياة مريانا ينفطر لها القلب، ومتعلقة بلعبة «دب من الصوف» تحملها بين يديها وتتكئ على رأسها، تنقل إليك حاجتها لمن يهتم بها ويحيطها بالحب.
يرى حبيب صدقة أن الفيلم يحمل رسائل إنسانية كثيرة بينها نتائج الزواج المبكر وتأثيره على الأولاد. وكذلك يضع الأهل أمام مسؤوليات غضوا النظر عنها، فأسفرت عن ضياع في تحديد مستقبل فتاة بعمر الورد. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «هناك قصص إنسانية كثيرة مخبأة، علينا إلقاء الضوء عليها كي نستخلص منها العبر. وأنا شخصياً لدي ضعف أمام هذا النوع من القصص التي تلامس الروح والقلب. وقصة مريانا هي واحدة من آلاف الحكايات التي بانشغالنا وانغماسنا بحياتنا المادية لا نلتفت إليها».
درس حبيب صدقة الإخراج والسينما في جامعة القديس يوسف في بيروت. وبدأ مشواره مع التصوير وهو في الـ16 من عمره. قدم برامج تلفزيونية، وتعاون مع أبرز نجوم الغناء من بينهم مايا دياب وليال عبود ونيكول سابا وعاصي الحلاني وغيرهم. كما نظم مهرجانات في شارع الجميزة، وتعاون مع شركة «هيو مانجمنت» ويملك شركة «حبيب فيلمز» للإنتاج.
وبين صور ولقطات مسجلة التقطها حبيب صدقة وأخرى قامت بها مريانا بُني محتوى هذا الفيلم. ويختم صدقة: «كنت أرغب في تشجيعها على تحقيق حلمها بعيداً عن أي قيود فرضت عليها. قلت لها إنه حلمك، وعليك أن تعيشينه. فكسرت عندها هذا الخوف الذي كان يعتريها لمجرد التفكير بدراسة الإخراج».