شاشة الناقد

فيلم «باكغراوند» الفائز بجائزة أفضل فيلم تسجيلي في مهرجان مرسيليا (بونغ فيلم)
فيلم «باكغراوند» الفائز بجائزة أفضل فيلم تسجيلي في مهرجان مرسيليا (بونغ فيلم)
TT

شاشة الناقد

فيلم «باكغراوند» الفائز بجائزة أفضل فيلم تسجيلي في مهرجان مرسيليا (بونغ فيلم)
فيلم «باكغراوند» الفائز بجائزة أفضل فيلم تسجيلي في مهرجان مرسيليا (بونغ فيلم)

Backround ****

إخراج: خالد عبد الواحد | ألمانيا | 2023

• تنتهي أسماء العاملين في هذا الفيلم الذي فاز قبل خمسة أيام بالجائزة الكبرى كأفضل فيلم تسجيلي في مهرجان مرسيليا الدولي، بشاشة سوداء مع صوت صادر عن يد شخص وهي تزيح الأوراق عن مكتب ما. قبل ورود تلك الأسماء كنا قد شاهدنا يدي المخرج وهي نشطة في قطع الصورة على آلة القطع اليدوية. كلّما تخلّص من البياض المحيط بالصورة، أزاحها بيده بعيداً. اللقطة، كاللقطات الكثيرة الأخرى تمتد لدقائق في هذا الفيلم الوثائقي الهادئ وغير المستعجل.

يعيش المخرج السوري خالد عبد الواحد، صانع هذا الفيلم، في مدينة ألمانية... والده يعيش في مدينة سورية (لا أسماء هنا أو هناك). والده كان قد درس في ألمانيا غير الموحّدة في الخمسينات. لديه ذكريات. والابن يحاول عبر اتصالاته على الواتس سماع ذكريات والده في تلك الفترة. ترك سوريا لدراسة الهندسة الكيميائية. وصل إلى مدينة لايبزيغ (في القسم الشرقي من ألمانيا آنذاك) حيث كان عليه تعلّم اللغة الألمانية أولاً. بعدها انتقل ورفاقه من الطلاب الأجانب، إلى جامعة دريسدن لدراسة المادة التي رغب فيها.

الخط الهاتفي لا يعمل جيداً. أحياناً ينقطع وأحياناً لا يسمع أحدهما الآخر. لكنّ تأسيس الصلة بين الاثنين جرى على شاشة الفيلم بكل ما تحمله العلاقة بين أب وابنه من حنان ورقّة وصِلة إنسانية. يسعى الابن لما هو أكثر من سماع صوت أبيه، فهو يحاول الحصول له على فيزا لكي ينتقل للعيش معه في ألمانيا.

حين يتحدّثان على الهاتف نسمع، وعن قصد، صوت أحدهما فقط. أحياناً هو صوت الابن مع تغييب صوت الأب وأحياناً هو صوت الأب وحده. حين يسأل أحدهما الآخر لا نسمع الجواب. يأتي ذلك كتفعيلة ذكية بصرف النظر عن المقصود بها. لكن ما يصاحب الصوت لا يقل تأثيراً وأهمية عمّا يدور بينهما من سؤال وجواب وإعادة تأسيس لفترة مضت. يستخدم المخرج تكويناً بسيطاً لفيلمه: صور ثابتة لمباني وطرق وردهات أو صور فوتوغرافية لأبيه وهو يعالجها على الكومبيوتر لاستنساخ حياة والده فوتوغرافياً. صورة مأخوذة في مدينة مكتظّة يقوم المخرج أمام أعيننا بمعالجتها تقنياً لكي تبدو كما لو أنها التُقطت أمام جامعة أو متحف بغية توثيق وجود أبيه في ذلك المكان أيضاً.

كل هذا ونحن لا نرى وجه المخرج مطلقاً. ولا نراه يمشي في مكان أو يقابل أحداً وجهاً لوجه أو يطرح أي سؤال على أي شخص آخر. هذا الفيلم كناية عن يدَي المخرج تعملان وصوته ووالده وصور فوتوغرافية ثابتة ملتقطة بالأبيض والأسود والألوان.

يخلق كل ذلك عملاً بديعاً في بساطته ومفاده وتأثيره ويستمر ذلك إلى الدقائق اليسيرة التي تسبق مشهد النهاية. والده (الذي لا نراه إلا من خلال صور فوتوغرافية قديمة) يسعل بشدّة وهو يتكلم. ثم يقول لابنه: «آسف يا ابني. اتصل بي أنت». حين يتصل الابن نسمع الهاتف يرن ويرن ويرن ولا جواب. يتركنا الفيلم متسائلين وفي الذات حزن دفين صاحب الفيلم من بدايته طبيعياً.

عروض مهرجان مرسيليا (فرنسا)

What She Said‪:‬ The Art of Pauline Kael **

إخراج: ‪روب غارفر‬ | الولايات المتحدة | 2018

مَن يعرف نقاد السينما من خلال كتاباتهم أو من خلال ما يقرأونه عنهم لا بد أنه سمع بالناقدة الأميركية بولين كايل (1919 - 2001). كانت ناقدة ذائعة الصيت ولها جمهور أميركي واسع وقدرة على إثارة خشية شركات الإنتاج إذا لم ينل فيلم ما رضاها.

بدأت الكتابة سنة 1952، كانت تنشر ملخصات الأفلام في مجلة اسمها City Lights Magazine. بعد كتابات متفرقة في عدد من المجلات والصحف في الستينات، تناوبت منذ عام 1968 على كتابة النقد السينمائي في مجلة «ذا نيويوركر» مع بينلوبي جيليات حتى عام 1980 عندما استقلت بنفسها على صفحات النقد في تلك المجلة الأسبوعية المبهرة. وظّفت قلمها هناك لنحو عشر سنوات أخرى وشاع عنها أنها الناقدة التي يخشاها المخرجون أكثر من سواها.

يستعرض الفيلم ذلك بتوليف سريع وبثراء كبير من الصور والمشاهد والمقابلات والتسجيلات الصوتية. لكنّ ترتيب هذه الوثائقيات تبعاً لخطّة جيدة أمر آخر. التواريخ ليست دوماً متتابعة حسب منهج زمني، والمتحدثون عنها لا يبقون على الشاشة إلا ثواني قليلة في كل مرّة لا تكفي لتعميق الفكرة التي يتحدثون حولها.

الفيلم يدعونا لتقدير جهدها وتقدير جهد المخرج الذي يبدو كما لو قفز إلى الموضوع كفرصة وليس نتيجة خطّة، وهذا على عكس ما قام به ستيڤ جيمس، عندما أخرج فيلمه التسجيلي «الحياة نفسها» (Life Itself) حول الناقد الأهم من بولين كايل والذي لا يقل شهرة وتأثيراً روجر إيبرت.

المشكلة هي أن الكثير من نقاد السينما الأميركيين عدّوا بولين كايل «أهم ناقدة سينمائية في العالم»، كما قال عنها أحد نقاد ڤاراياتي أووِن غليبرمان. نعم كان لها صوت عالٍ ومؤثِّر لكنَّ نقدها كان مزاجياً تسوده العاطفة الشخصية. لا أحد يمكن ألا يُعجب بسينما فيلليني وهيتشكوك أو ألان رنيه إلا بناءً على معطيات فنية مفهومة وليس تبعاً لملاحظات شخصية غير مدعومة بالتحليل. يكفي كذلك أن هجومها الشنيع على فيلم أورسن وَلز «المواطن كاين» وادعاءها أن المخرج عمل منفّذاً فقط لسيناريو هرمن مانكڤتز الذي لم يكتب لا قبل هذا الفيلم (1941) ولا بعده سيناريو مهمّاً أو جيداً.

مشهد من فيلم «ترانسفورمر» (باراماونت بيكتشرز)

عروض حالياً على النت

Transformers‪:‬ Rise of the Beasts

إخراج: ستيفن كابل جونيور | الولايات المتحدة | 2023

‫• هناك فن في تحضير التبّولة اللبنانية والطاجين المغربي والمقلوبة السورية أكثر مما هناك فن في سلسلة أفلام «ترانسفورمرز» التي يبلغ عدد أجزائها حتى الآن سبعة تدرّجت من الجودة مع الجزء الأول سنة 2007، والثاني سنة 2009، ثم بدأت بالهبوط التدريجي كما لو كانت طائرة ستحطّ على مدارج المطار. ‬

من الأفلام الثلاثة الأولى التي أخرجها مايكل باي، إلى تلك اللاحقة، حتى هذا الجزء السابع، والحياة على الأرض تحتوي مخلوقات بشرية عاجزة وميكانيكيات صناعية بالغة القدرة والذكاء وتتحدث الإنجليزية بكل طلاقة. هذه دوماً ما تتدخل لإنقاذ هذا الكوكب من المحيط الشرير سواء الهابط من الفضاء أو الخارج من تحت الأرض أو الزائر من أزمنة وعوالم موازية. الفيلم السادس منها (بامبلبي- Bumblebee) الذي حققه ترافيز نايت سنة 2018 حاول بعض التجديد لكنّ الجزء الحالي يضرب بضرورة كل سعي للإتيان بأي جديد عُرض الحائط ويستقدم تلك المشاهد الطاحنة متوقعاً أنها لا تزال تثير المشاهدين كما كان الحال في الماضي.

لكنَّ الفيلم سقط. عجلات الطائرة لم تنزل من مكانها في الوقت المناسب وحطّت الطائرة على شكل جثّة تكلّفت 200 مليون دولار وماتت عند الوصول.

لا يخلو الأمر من مشاهد أفضل من سواها (الفصل الذي تدور أحداثه في البيرو) لكنّ الحبكة تطفح بمحاولات إنقاذ المسلسل. كثرة المحاولات وما يصاحبها من ضجيج ومؤثرات وحوارات فاشلة يؤدي إلى عكس المطلوب.

عروض تجارية عامّة...

ضعيف* | وسط**| جيد ***| ممتاز**** | تحفة*****


مقالات ذات صلة

مهرجان تورنتو يشهد عروضاً ناجحة واحتجاجات أوكرانية

يوميات الشرق المخرجة أناستاسيا تروفيموڤا خلال تصوير «روس في الحرب» (تورنتو)

مهرجان تورنتو يشهد عروضاً ناجحة واحتجاجات أوكرانية

يعتبر اختتام مهرجان تورنتو السينمائي التاسع والأربعين في الخامس عشر من هذا الشهر، الخطوة الأولى نحو سباق الأوسكار

محمد رُضا (تورنتو)
يوميات الشرق صبا مبارك وهنا شيحة مع منظّمي الملتقى (إدارة الملتقى)

«ميدفست مصر»... ملتقى للأفلام يجمع صُنّاع السينما والأطباء

في تجربة سينمائية نوعية، انطلق ملتقى «ميدفست مصر» في دورته السادسة، بقاعة إيوارت في الجامعة الأميركية بالقاهرة، الذي يجمع بين صُنّاع السينما والأطباء.

انتصار دردير (القاهرة )
ثقافة وفنون الممثلة البريطانية كيت وينسلت في ميونيخ (د.ب.أ)

كيت وينسلت: نجاح «تايتانيك» لم يكن أمراً إيجابياً تماماً

قالت الممثلة البريطانية كيت وينسلت إن النجاح العالمي الذي حققه الفيلم الدرامي الرومانسي «تايتانيك» لم تكن له جوانب جميلة بحتة.

«الشرق الأوسط» (ميونخ )
ثقافة وفنون الفنانة المصرية ناهد رشدي (فيسبوك)

وفاة الفنانة المصرية ناهد رشدي بعد صراع مع المرض

غيب الموت الفنانة المصرية ناهد رشدي، بعد صراع مع المرض عن عمر يناهز الـ68 عاماً.

يسرا سلامة (القاهرة)
يوميات الشرق محتجون يرفعون أعلاماً أوكرانية خارج مقر مهرجان تورونتو السينمائي (أ.ب)

احتجاجات في مهرجان تورونتو السينمائي رغم تعليق عرض «روس في الحرب»

واصل كنديون من أصل أوكراني احتجاجاتهم، أمس الجمعة، على هامش مهرجان تورونتو السينمائي حتى بعد قرار منظمي المهرجان وقف عرض وثائقي عن الجنود الروس في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (تورونتو)

شاشة الناقد: سيرة حياة وهجرة

«غير قابل للتوقف» (ريلي غود هوم بيكتشرز)
«غير قابل للتوقف» (ريلي غود هوم بيكتشرز)
TT

شاشة الناقد: سيرة حياة وهجرة

«غير قابل للتوقف» (ريلي غود هوم بيكتشرز)
«غير قابل للتوقف» (ريلي غود هوم بيكتشرز)

UNTSTOPABLE ★★★☆

* سيرة حياة رياضي تكاد لا تُصدّق

* عروض مهرجان تورونتو | الولايات المتحدة، 2024

هناك «كليشيهات» متعدّدة في الأفلام الرياضية: مثل مشاهد لصعود الرياضي من العدم، العقبات التي تواجهه، المشاكل النفسية التي يعاني منها، شكوك البعض من أنه سينجز النجاح المرتقب وفي النهاية النجاح المرتقب يقع فعلاً و«البطل» ينجز ما حلم به.

هذه وصفة «رامبو» وما قبله وبعده، وفيلم «لا يمكن إيقافه» لا يخلو منها. المميَز الوحيد هو أن هذا الرياضي هو المصارع الشاب أنطوني (جارل جيروم) الذي وُلد بساق واحدة. الكل، من مطلع الفيلم، لا يصدق أنه سينتصر في جولاته باستثناء والدته جودي (جنيفر لوبيز) التي تعلم كم عانى أنطوني في حياته وجهد لكي يدخل الحلبة رغم عاهته. بداية من أن زوج والدته (بوبي كاناڤالي) احتقره وأساء معاملته منذ كان أنطوني ولداً صغيراً.

تنضم صورة الأب (والفيلم مأخوذ عن كتاب وضعه أنطوني روبلز عن حياته) إلى صور متعددة لرياضيين عانوا من سطوة آبائهم من بينها «The Warrior» لكيڤن أوكونور عام 2011، و«The Iron Claw» لشون دوركن 2023. لكن بسبب هذه المتاعب يزداد إصرار أنطوني على التحدي والفوز في مبارياته متّبعاً أسلوباً خاصاً به يحوّل عاهته إلى ميزة. تأثيرها على المُشاهد هو مزيج من التأييد والخوف عليه (هكذا أيضاً موقف والدته). الممثل جيروم لم يقم بتأدية مشاهد الحلبة بل جيء بالرياضي روبلز ليؤدي تلك المَشاهد.

هذا هو الفيلم الأول لوليام غولدنبيرغ الذي اشتغل سابقاً وراء طاولة التوليف (المونتاج) وهو يدمج حكاية تراجيدية في أصلها ومواقفها الصّعبة بخيط من الرغبة في الوصول إلى الجمهور الواسع الذي سيجد أن بطولة روبلز تستحق المشاهدة.

ANYWHERE, ANYTIME ★★★

* دراما عن أفريقي آخر يعاني من ويلات الهجرة الأوروبية

* عروض مهرجاني ڤينيسيا وتورونتو | إيطاليا - 2024

المخرج ميلاد تنغشير إيراني المولد، ترك البلاد وهاجر إلى أوروبا ونجح في تحقيق بضعة أفلام مرّت تحت الرادار. فيلمه الجديد يختلف في أنه يستقطب اهتماماً لا بأس به حالياً.

بعض هذا الاهتمام ربما يعود إلى أن حبكة فيلمه تمشي بخط موازٍ مع ذلك الذي اعتمده المخرج الإيطالي الواقعي ڤيتوريو دي سيكا عندما حقق فيلمه الأشهر «سارقو الدرّاجات» في عام 1948. ذلك لأن دراجة بطل هذا الفيلم التي هي سبيل معيشته الوحيد سُرقت منه خلال العمل، كما سُرقت دراجة الأب في الفيلم السابق. لا ينتهي التشابه عند هذا الحد لأن الفيلمين يجولان في الأسلوب الواقعي رغم اختلاف الحكاية.

من «أي مكان، أي وقت» (ڤيڤو فيلمز)

بطل هذا الفيلم عيسى (إبراهيم سامبو) سنغالي مهاجر إلى إيطاليا بلا أوراق شرعية. يُطرد من عمل مؤقت لهذا السبب. يحاول صديقه مساعدته عبر شراء دراجة هوائية يستخدمها في تسليم الأطعمة حسب الطلب. هذا ما يؤدي بنا في الفيلم لحالة تشابه أخرى مع فيلم «قصة سليمان»، الذي تناولناه بتاريخ التاسع من الشهر الماضي. ذاك أيضاً كان عن أيام من حياة مهاجر أفريقي إلى فرنسا حققه بوريس لوبكينو بجدارة ونجاح في الإمساك بما يجعل من العمل إيقاعاً جيداً وأداءات معبّرة. أمران لا يحسنهما الفيلم الجديد.

عيسى يعمل في مهنة تسليم الأطعمة في تلك الشوارع المزدحمة، وقد تتوقع أن يقع له حادث ما خلالها لأن المخرج تنغشير يجيد رصد الحركة تاركاً المجال لوقوع أي شيء. الأمر الأول الذي يقع عاطفي حيث يتعرّف عيسى على فتاة أفريقية أيضاً (سوكيس إدماكيوتا) كخطوة أولى صوب حياة عاطفية. الأمر الثاني سرقة دراجته دافعاً بعيسى لمأزق حياة غير متوقع ويتقاطع مع آماله بأن يستطيع التغلب على مشاكله المادية والعاطفية.

هذا فيلم لديه نوايا جيدة معظمها يصل إلينا في الدقائق الأولى وبعضها يبقى، لكنه كان يحتاج إلى مناخ أثرى ومعالجة مختلفة أكثر حدة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز