جنيفر لوبيز… أمٌّ حتى القتل

فيلم مفصّل على مقاس النجمة الأميركية يثبت أن الأكشن يليق بالنساء

جنيفر لوبيز ولوسي بايز في مشهد من فيلم «الأمّ» (نتفليكس)
جنيفر لوبيز ولوسي بايز في مشهد من فيلم «الأمّ» (نتفليكس)
TT

جنيفر لوبيز… أمٌّ حتى القتل

جنيفر لوبيز ولوسي بايز في مشهد من فيلم «الأمّ» (نتفليكس)
جنيفر لوبيز ولوسي بايز في مشهد من فيلم «الأمّ» (نتفليكس)

من مشهده الأول، يبدو جلياً أن فيلم الحركة والتشويق «The Mother» (الأمّ) ينوي أخذ المتفرّج إلى مراحل متقدّمة من قطع الأنفاس. الأمومة هنا مجرّد عنوان، فلا مساحة للعواطف والحنان. أما الأم فتسرق الأضواء ببطولاتها الخارقة، وبقسوتها الجليديّة، وبمجرّد أنها جنيفر لوبيز.

بالتزامن مع عيد الأم الذي تحتفل به الولايات المتحدة الأميركية في الأسبوع الثاني من مايو (أيار)، أطلقت منصة نتفليكس الفيلم الذي أخرجته نيكي كارو وكتبت قصته ميشا غرين. تتمحور السرديّة حول شخصية «الأم» التي تؤدّيها الفنانة الأميركية جنيفر لوبيز، وهي تلعب دور قنّاصة محترفة سبق أن خدمت مع القوات الأميركية الخاصة في العراق وأفغانستان، حيث قتلت 46 شخصاً.

تدريب عسكريّ على يد «الأمّ»

لوبيز التي لا يُعرّف عنها الفيلم باسمٍ ولا بشُهرة، فتقتصر تسميتها على «Mother» (أمّ)، يكتشف المُشاهد حملَها ضمن لقطة صادمة وعنيفة في مطلع الفيلم. من أجل هذه الطفلة المولودة من رحم العنف، ستفعل «الأمّ» المستحيل؛ بما في ذلك التضحية بأمومتها والابتعاد عن ابنتها لحمايتها من العصابة المتربّصة بالوالدة. وإذ يلمّح الفيلم إلى احتمال أن يكون أحد أفراد العصابة والد الفتاة، يتضح أن لوبيز تورطت معهم خلال خدمتها العسكرية، ثم قررت فضحهم أمام الـFBI بعد أن اكتشفت اتجارهم بالبشر.

تهجر لوبيز مرغمةً طفلتها وتتركها في عهدة عائلةٍ تتبنّاها بحُب، ويبقى أحد عناصر الـFBI صلة وصلٍ بينها وبين «زوي»، التي لا تعرفها سوى من خلال الصور الواردة إليها في منفاها في ألاسكا. تمضي «الأمّ» 12 سنة في الولاية المُثلجة، لتجد نفسها بعدها في خضمّ المطاردات من جديد، والتي تأخذها من ألاسكا إلى جزيرة كوبا، مروراً بولاية أوهايو، والهدف... إنقاذ ابنتها من أيدي الخاطفين.

تنجح لوبيز في امتحان الأمومة الخارقة فتحرّر «زوي»، لكنها تفشل في الأمومة الواقعية عندما تُجيب بـ«لا» قاطعة على سؤال ابنتها الغريزيّ الحارق: «هل أنتِ أمّي؟». رغم تركيزه على «الأكشن» قبل أي شيء، فإن الفيلم لا يغفل اللحظات الإنسانية المؤثرة بين الأم وابنتها، حتى وإن كانت خاليةً من الكلام والعواطف. وتبلغ تلك المواجهات ذروتها وسط طبيعة ألاسكا، حيث تختلي الأم بابنتها مرغمةً لحمايتها مرة جديدة.

لوبيز التي لا يُعرّف عنها الفيلم باسمٍ ولا بشُهرة، تقتصر تسميتها على «Mother» (نتفليكس)

بين ترويض الذئاب وصيد الغزلان وتعلّم القنص والقيادة في الثلج، تمضي «زوي» وقتها في ألاسكا حيث تخضع لما يُشبه التدريب العسكري على يد «الأم». تتعرّف هناك على والدةٍ لا شيء فيها يشبه الأمومة، سوى أنها تحرص على تحضير ابنتها لأسوأ ما في الآتي من أيام. لا يتأخر حدس الأم في أن يَصدق، ليكتمل الفيلم كما بدأ؛ بمشهدٍ تشويقي طويل يقطع الأنفاس ويكاد أن يُذيب ثلج الغابة لشدّة سخونته.

«جي لو»... قلب الفيلم النابض ومُنقذتُه

ما بين البداية والنهاية، أحداث سريعة الإيقاع ومثيرة لفضول المُشاهد، يكمّلها إخراجٌ متقَن يحاول جاهداً إنقاذ الفيلم من نصّه المعلّب والمتوقّع، ومن التسلسل غير المنطقي لسرديّته في معظم الأحيان. قد يسأل المتفرّج مثلاً: كيف تذهب «الأمّ» إلى كوبا لتنفيذ عملية تحرير الطفلة، وبرفقتها عنصر واحد من الـFBI فقط؟ كيف تهرب من ساحة جريمة من دون أن تطاردها الشرطة؟ تبقى الأسئلة عالقة وعدد من العناصر الروائية مفقود.

وحدَه لمعان لوبيز يُنقذ الموقف. هي لا ترفع الفيلم من مستوى إلى آخر لمجرّد أنها النجمة العالمية جنيفر لوبيز، أو لأنها إحدى مُنتجيه الأساسيين، بل لأنها تؤدّي دورها بشراسة وجدّية فائقتَين. صحيح أن الفيلم مبنيّ بمعظمه على مبدأ «الأكشن للأكشن»، فإن لوبيز مُبدعة فيه وقد ساعدها في ذلك كونها رياضية ذات لياقة بدنية عالية، وكونها فنانة استعراضية وراقصة محترفة.

تبلغ تلك البراعة التشويقية ذروتها في مشهد المُطاردة الساخن الذي يدور بين أزقّة كوبا الملوّنة (جرى التصوير في جزر الكناري)، وفوق سطوحها، ووسط أعراسها... هنا كذلك، تستحوذ لوبيز على حصريّة النجومية فتسرق العرض وتُثبت مرة أخرى أنها القلب النابض للفيلم. قد يكون هذا الأمر ظالماً لزملائها الممثلين، أمثال جوزيف فاينز وبول راسي؛ إذ كانت تستحق تلك الشخصيات مزيداً من الضوء والغوص في خلفيّة أدوارها. لكن يبدو وكأن كل شيء في هذا الفيلم قد جرى تفصيله مسبقاً على مقاس لوبيز ليتمحور حول شخصها. إنه فيلمها هي! ومن المنطقي السؤال: لو لم تكن «جي لو» بطلة «The Mother»، ماذا كان ليحلّ بالفيلم؟

أبدعت لوبيز في الأكشن وقد ساعدها في ذلك كونها رياضية وفنانة استعراضية (نتفليكس)

بواقعيّةٍ وإقناع، يُثبت أداء لوبيز أن «الأكشن» يليق بالنساء. وقد جاء حضورها على قدر توقّعات نيكي كارو، لا بل أعلى. فالمخرجة النيوزيلندية التي اشتُهرت في أفلام مثل «Whale Rider» و«Mulan»، تعاملت مع المادة السينمائية التي بين يديها بعمق ووقار، محوّلةً إياها إلى مثال عن قوّة المرأة. وهي ليست المرة الأولى التي تضع فيها كارو نساءً في المقدّمة، لتؤكد أنهن قادرات على الإمساك بزمام أقدارهنّ.

في نسخة غير تقليدية عن البطولة النسائية، يسقط دم ورصاص كثير حتى تبرهن «الأم» أنها بطلة. تنأى المشهدية عن الواقعية في معظم الأحيان، غير أن جنيفر لوبيز تسهّل المشاهَدة وتؤكّد أن الأم مستعدة لفعل أي شيء من أجل أولادها، حتى إن اقتضى الأمر القنص والقتل.

جنيفر لوبيز تستمع إلى تعليمات المخرجة نيكي كارو في موقع التصوير (نتفليكس)


مقالات ذات صلة

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

يوميات الشرق بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

في خطوة عدّها الاتحاد الأوروبي «علامة فارقة في الشراكة الثقافية مع ليبيا»، يواصل مهرجان للأفلام الأوروبية عرض الأعمال المشاركة في العاصمة طرابلس حتى الخميس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)

انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

تقع أهمية النسخة الـ10 من المهرجان بتعزيزها لدور الصورة الفوتوغرافية ويحمل افتتاحه إشارة واضحة لها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

بدأت المرحلة الثانية لـ «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» لتحديد القائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر قبل إعلان الفائزين في فبراير.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)

فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

أكد الفنان السعودي فهد المطيري أن فيلمه الجديد «فخر السويدي» لا يشبه المسرحية المصرية الشهيرة «مدرسة المشاغبين» التي قدمت في سبعينات القرن الماضي.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق تجسّد لبنى في «خريف القلب» شخصية السيدة الثرية فرح التي تقع في ورطة تغيّر حياتها

لبنى عبد العزيز: شخصية «فرح» تنحاز لسيدات كُثر في مجتمعنا السعودي

من النادر أن يتعاطف الجمهور مع أدوار المرأة الشريرة والمتسلطة، بيد أن الممثلة السعودية لبنى عبد العزيز استطاعت كسب هذه الجولة

إيمان الخطاف (الدمام)

شاشة الناقد: حرب ومجرم

لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
TT

شاشة الناقد: حرب ومجرم

لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)

‫ISRAEL PALESTINE ON SWEDISH TV 1958-1989 ★ ★ ☆‬

تاريخ القضية الفلسطينية على الشاشة السويدية

حسب المخرج السويدي غوران أوغو أولسن فإن هذا الفيلم استغرق 5 سنوات قبل إتمامه. 200 دقيقة من أرشيف التلفزيون السويدي الذي تابع الوضع الفلسطيني- الإسرائيلي منذ وثيقة هرتزل وتأييد بريطانيا لها حتى عام 1989 الذي كانت القضية ما زالت تبرح مكانها ما بين نازحين فلسطينيين وسُلطة إسرائيلية حاكمة.

يعرض المخرج مراحل مختلفة، بما فيها مرحلتا الحروب الصعبة التي خاضتها بعض الدول العربية، كما تلك العمليات الفدائية التي قام بها الفلسطينيون في ميونيخ وسواها. هذه التغطية الموسّعة تشمل الدور الذي لعبه ياسر عرفات خلالها والمحاولات الجادة أحياناً لإيجاد حلٍّ ما لقضية شعبين. أحدهما نزح من قراه ومدنه والآخر نزح إليها واحتلها.

كثيرٌ ممّا يعرضه الفيلم مرّ، مثل تاريخ في الأفلام الوثائقية المنتجة في الغرب (وبعض ما أُنتج في سوريا والعراق والأردن ولبنان في السبعينات والثمانينات). لذلك ليس هناك جديدٌ يُضاف فعلياً إلّا لمن فاتته تلك الأفلام ويتطلّع إلى عمل يستعرضها كاملة. هذا هو الدور المُناط بالفيلم الذي يوفّر أسبابه.

نقطتا اهتمام هنا، الأولى أنه مؤلّف من وثائقَ استخرجها أولسن من أرشيف ضخم للتلفزيون السويدي (SVT) وانكبّ عليها فحصاً ومحصاً حتى ألَّف هذا الفيلم الذي يُعيد الاعتبار لنوعٍ من العمل الصّحافي والريبورتاجات التلفزيونية في تلك الفترة. الثانية أن الفيلم يقف على الحياد غالباً، لكنه لا يُخفي أحياناً تعاطفاً مع الفلسطينيين في مشاهد عدّة تحيط بما عانوه.

* عروض مهرجان ڤينيسيا.

DON’T MOVE ★ ★ ★‬

تشويق يسود رغم ثغرات حكايته

الطلب بعدم الحركة موجه إلى بطلة الفيلم (كيلسي أسبيل). شابة خطفها مجرم (فين ويتروك) وحقنها بما يشلّ حركتها. تستطيع أن ترى وترمش وبالكاد تحرّك أصابع يديها لكنها، في غالب أحداث الفيلم، حبيسة هذه التركيبة التي وضعها المخرجان برايان نيتو وآدم شيندلر بعناية وبإخراج جيدٍ إلى حدٍ مقبول.

كيلسي أسبيل في «لا تتحركي» (هامرستون ستديوز)

ينطلق الفيلم من لحظات حاسمة. تقف بطلته على حافة جبلٍ تفكّر بإلقاء نفسها بعدما فقدت ابنها الصبي. يُنقذها الرجل نفسه الذي يريد قتلها. بذلك، المرأة التي كادت أن تنتحر هي نفسها التي باتت تصارع من أجل بقائها حيّة.

يختفي من الفيلم التبرير المطلوب للطريقة التي يتّبعها القاتل للتخلص من ضحاياه. إذا كان سيقتلهن لماذا لا يفعل ذلك مباشرة؟ هناك مفارقات أخرى كانت تتطلّب سدّ ثغرات، واحدة منها، أن المرأة تنطق لأول مرّة منذ اختطافها بعد دقائق من اكتشاف شرطي للحالة المريبة. لم تستطع أن تنطق بالكلمة المأثورة «Help» حينها، لكنّها نطقت بعد دقائق قليلة وتكلّمت بلا عناء. لو نطقت بها في الوقت المناسب لما تغيّر المشهد لأن المجرم سيقتل الشرطي في جميع الأحوال، ولكان الفيلم استفاد من تبريرٍ أقوى لشكوك رجل الأمن.

* عروض منصّات.

ذكرياتي مليئة بالأشباح ★★

الحرب السورية في ذكريات الذين عانوا

يتبع هذا الفيلم التسجيلي السوري، من إخراج أنَس زواهري، سلسلة الأفلام التي تناولت الحرب، مثل «آخر رجال حلب» و«العودة إلى حمص» و«لأجل سما»، التي دارت في مرحلة ما عُرف بـ«ثورة الربيع» قبل أكثر من 15 سنة. يختلف عنها بأنه لا يتقرّب من الجماعات التي حاربت الحكومة ويشيد بها، لكنه - في الوقت نفسه - بعيدٌ عن أن يصفّق لنظام أو يشيد به.

«ذكرياتي مليئة بالأشباح» (ويند سينما)

إنه عبارة عن ذكريات عدد من المتحدّثين وحكاياتهم خلال الحرب التي دارت حول وفي مدينة حمص خلال تلك السنوات. يوفّر صور دمار الأحياء ومقابلات مع أصحاب تلك الذكريات وهم ينبشون في ماضٍ قريب وما يحمله من آلام نفسية وعاطفية على خلفية ذلك الدمار. يختار الفيلم أن نستمع لأصوات أصحاب الذكريات في حين تتولّى الكاميرا تصويرهم صامتين ينظرون إليها أو بعيداً عنها. هذا بالطبع لجانب صور الأحياء والمباني والشوارع التي لا تعجّ بالحياة كسابق عهدها.

معظم ما يسرده الفيلم من ذكريات لا يُضيف جديداً ولا ينبش عميقاً. هو وصف مؤلم لحالات يمكن تقدير مصادر أحزانها وأسبابها، لكن الإخراج يختار أن يمضي في خطٍ غير متصاعدٍ ولا يتجنّب تكرار السّرد بالوتيرة نفسها (ولو بذكريات مختلفة). طبعاً لا يتوخّى المرء فيلماً يسرد ما هو حزين ومؤلم بفرح وغبطة أم بإثارة، لكن اعتماد توالي تلك الذكريات يؤدّي بعد سماعها إلى استقبالٍ يبدأ مثيراً للفضول وينتهي فاتراً.

* عروض مهرجان الجونة‫‫

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز