في برنامج الهواة «ستار أكاديمي 1» سجّلت التونسية بهاء الكافي أولى بداياتها الفنية. لم تمرّ خلاله مرور الكرام، فكانت موهبة فنية لافتة بشهادة كبار أساتذة الأكاديمية، واحتلت يومها المركز الثالث بين زملائها الـ17. نشاطات مختلفة حققتها في عالم الفن، وترجمتها في التمثيل وإحياء الحفلات.
فجأة غابت بهاء عن الأضواء وما عادت تطلّ، لا عبر وسيلة إعلامية ولا حفلة غنائية أو ألبوم. بعض من متابعيها اعتقد أنها اعتزلت الفن بعد زواجها من رجل لبناني. وعندما انشغلت بتربية ولديها جويا وكيان، اقتنع كثيرون بهذه الفكرة. ولكن فجأة عادت بهاء الكافي وظهرت من جديد على الساحة الفنية، وبأغنية عنوانها «الردّ الطبيعي» تجاوزت حتى اليوم المليوني مشاهدة.

ردّت على هذه الشائعة. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «أقدّم عائلتي الصغيرة على الفن، ولكن شعلة هذا الأخير لم تنطفئ في داخلي. انتظرت الوقت المناسب، وتخلّصت من مشاعر التردد والخوف التي كانت تنتابني. فالعودة إلى الساحة بعد طول غياب ليست بالأمر السهل. حزمت أمري وبدأت المشوار مرة جديدة». والأغنية هي من كلمات صبري رياض وألحان محمد راجح وتوزيع ياسر ماجد.
تؤكد في سياق حديثها أن أي مهنة نبتعد عنها لفترة طويلة يصعب وُلُوجُها مرة أخرى. «اعتقدت لوهلة أني لن أستطيع العودة إلى الفن. فكل شيء تغيّر على الساحة وما عاد يشبه ما سبق وعشته فيها خلال بداياتي. تساؤلات عديدة راودتني أخّرت في اتخاذي قراري. ولكن طبيعتي الإيجابية انتصرت على تردّدي السلبي».

تصف بهاء نفسها بالصديقة الصدوقة التي تصغي لمشاكل الآخرين باهتمام. فتزودهم بالحلول المطلوبة، وبطاقة إيجابية تشجّعهم على المضي في مشوار حياتهم من جديد. «عندما فكرت بهذا الأمر قلت لنفسي كيف لدي المقدرة على مصالحة الناس مع ذاتهم وتشجيعهم على النجاح فيما أفتقد هذا الأمر مع نفسي؟ وبالفعل كان عليّ القيام بهذا الدور مع حالي. فتشجعت وخرقت حواجز وهمية كانت تسهم في ترددي. وتماماً كما الجنين الذي يتحضّر في رحم والدته لرؤية النور، خرج الفن من أعماقي مرة جديدة. ولاقيته بحبّ وأغدقت عليه شغفي فجاءت النتيجة كما رجوتها تماماً».
تطلّ بهاء في «الرد الطبيعي» كما عرفناها دائماً، خفيفة الظلّ وجميلة وشغوفة بموهبتها، ومع مخرج كليب الأغنية جان بيار عبدايم، زادت الصورة من تألقها، فهو عرف كيف يرسم لها هذه العودة بعينه الثاقبة. وتعلّق بهاء الكافي لـ«الشرق الأوسط»: «أعجبت كثيراً برؤية جان بيار الفنية، وكل ما قلته له هو رغبتي بتذكير الناس بشخصيتي، وأن يظهر تطورها فتواكب العصر. وبالفعل جاءني بفكرة أعجبت بها بسرعة، فهي مشبعة بالطاقة الإيجابية والأمل والألوان، كما أن الأغنية بحد ذاتها فيها رسالة أمل وقوة للمرأة عامة، فكانت خلطة فنية جميلة ترجمها جان بيار بكاميرته وبأسلوبه الذكي».

تعترف بهاء بأن قرارها بالعودة يقف وراءه تشجيع من محيطها، ومن زوجها «لقد لعب دوراً رئيسياً في هذا الموضوع، أمسك بيدي وأوصلني من جديد إلى الساحة، وكذلك الأمر بالنسبة لصديقتي المقربة الفنانة يسرا محنوش، ومن خلال هذه التشجيعات استرجعت قوتي وعدت».
وتُسرّ بهاء لـ«الشرق الأوسط» بأن أغنية «الردّ الطبيعي» موجودة في درج خزانتها من زمان. «لقد جهزتها منذ فترة طويلة إضافة إلى أغان أخرى أنوي إصدارها قريباً. فكنت أؤجل عودتي سنة بعد سنة وهذه الأغنية تنتظرني. وسأثابر على إطلاق الأغاني فترة بعد أخرى. وأحضر لأغانٍ جديدة ولإصدارات متتالية في الوقت القريب. فهذه الغيبة لن تتكرر مرة أخرى».
«الرد الطبيعي» قدمتها بهاء الكافي بإنتاجها الخاص. فلماذا اتخذت هذا القرار؟ «أشعر بأني قمت بالصواب وأنتجت لنفسي. وبذلك تحررت من تداخلات وأفكار خارجية قد تفرض عليّ. فزمن البحث عن شركة تنتج لي أعمالي ولّى. وما عدت قادرة على خوض تجارب تقيّد حريتي بتوقيع اتفاقات وعقود. واليوم نعيش عصراً فنياً مغايراً. وهو عصر الأغنية وليس المرتكز على الألبومات. ومع وسائل التواصل الاجتماعي أصبح الفن أكثر سهولة. وباتت الأغنية تنتشر بين ليلة وضحاها من دون عملية تسويق مرهقة ومكلفة».
وعن التبدلات التي لاحظتها على الساحة تقول: «لقد تغيرت تماماً كما الأبيض والأسود. وصاروا يملّون بسرعة ويبحثون عن السريع والقصير. وبات الفنان تلزمه ثوان قليلة كي يوصل أغنيته لأكبر شريحة ممكنة».
خلال غيابها وحتى اليوم لا تزال بهاء الكافي تتابع الإصدارات الفنية الجديدة على الساحة. فمن يلفتها اليوم على الساحة؟ تردّ: «نشهد ولادة مواهب فنية كثيرة إن في عالم التلحين أو الشعر والغناء، ومن بينهم الملحن نبيل خوري»، فيما تبدي إعجابها الكبير بالفنانة عبير نعمة، وتبدي سعادتها لنجومية تكلل مشوارها الفني اليوم. «أحب أيضاً الاستماع إلى ناصيف زيتون وهو خريج «ستار أكاديمي»، وكذلك الفنان ملحم زين الذي أُكن إعجاباً كبيراً بصوته».
بهاء التي اشتهرت بأداء أغان للراحلة صباح تفكرّ بإصدار وتوزيع جديد لإحدى أغانيها، «هذا المشروع يراودني منذ زمن، وتقريباً اخترت الأغنية التي سأؤديها، وهي غير مشهورة كثيراً خارج لبنان، وإذا ما تم شراء حقوقها فلدي فكرة عن كيفية تحديث توزيعها الموسيقي». بعد كل هذه القرارات التي اتخذتها على الصعيدين العام والخاص، بماذا تهمس بهاء لنفسها؟ تختم لـ«الشرق الأوسط»: «أقول لها لا تتراجعي وتمسكي بقوتك وانظري إلى الأمام. فبهاء أيام زمان كانت خجولة، أما اليوم فلقد نضجت وصارت تدرك جيداً ما تريد».
وبالنسبة للمرأة عامة تتوجه إليها بالقول: «لا تفكري أبداً بأن الوقت سبقك، أصغي لنفسك فقط وصوتك الداخلي، ولا تكترثي للضجيج الخارجي».









