محمد ثروت: الجمهور مشتاق لزمن الغناء الأصيل

تحدث لـ «الشرق الأوسط» عن كواليس حفل «روائع عبد الوهاب» بالرياض

مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)
مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)
TT

محمد ثروت: الجمهور مشتاق لزمن الغناء الأصيل

مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)
مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)

صدى كبير حققه حفل «روائع محمد عبد الوهاب» في «موسم الرياض»، سواء بين الجمهور أو مطربي الحفل، ولعل أكثرهم سعادة كان المطرب المصري محمد ثروت ليس لحبه وتقديره لفن عبد الوهاب، بل لأنه أيضاً تلميذ مخلص للموسيقار الراحل الذي لحن له 12 أغنية وقد اقترب ثروت كثيراً منه، لذا فقد عدّ هذا الحفل تحية لروح عبد الوهاب الذي أخلص لفنه وترك إرثاً فنياً غنياً بألحانه وأغنياته التي سكنت وجدان الجمهور العربي.

يستعد ثروت لتصوير أغنية جديدة من ألحان محمد رحيم وإخراج نجله أحمد ثروت ({الشرق الأوسط})

وقدم محمد ثروت خلال الحفل الذي أقيم بمسرح أبو بكر سالم أغنيتين؛ الأولى كانت «ميدلي» لبعض أغنياته على غرار «امتى الزمان يسمح يا جميل» و«خايف أقول اللي في قلبي» وقد أشعل الحفل بها، والثانية أغنية «أهواك» للعندليب عبد الحليم حافظ وألحان عبد الوهاب.

وكشف ثروت في حواره مع «الشرق الأوسط» عن أن هذا الكوكتيل الغنائي قدمه خلال حياة الموسيقار الراحل الذي أعجب به، وكان يطلب منه أن يغنيه في كل مناسبة.

يقول ثروت: «هذا الكوكتيل قدمته في حياة الموسيقار محمد عبد الوهاب وقد أعجبته الفكرة، فقد بدأت بموال (أشكي لمين الهوى والكل عزالي)، ودخلت بعده ومن المقام الموسيقي نفسه على الكوبليه الأول من أغنية (لما أنت ناوي تغيب على طول)، ومنها على أغنية (امتى الزمان يسمح يا جميل)، ثم (خايف أقول اللي في قلبي)، وقد تعمدت أن أغير الشكل الإيقاعي للألحان ليحقق حالة من البهجة للمستمع بتواصل الميدلي مع الموال وأسعدني تجاوب الجمهور مع هذا الاختيار».

وحول اختياره أغنية «أهواك» ليقدمها في الحفل، يقول ثروت: «لكي أكون محقاً فإن المستشار تركي آل الشيخ هو من اختار هذه الأغنية لكي أغنيها، وكنت أتطلع لتقديمها بشكل يسعد الناس وساعدني في ذلك المايسترو وليد فايد، وجرى إخراجها بالشكل الموسيقي الذي شاهدناه وتفاعل الجمهور معها وطلبوا إعادتها».

وبدا واضحاً التفاهم الكبير بين المايسترو وليد فايد الذي قاد الأوركسترا والفنان محمد ثروت الذي يقول عن ذلك: «التفاهم بيني وبين وليد فايد بدأ منذ عشرات السنين، وكان معي في حفلاتي وأسفاري، وهو فنان متميز وابن فنان، يهتم بالعمل، وهو ما ظهر في هذا الحفل وفي كل حفلاته».

تبدو سعادته بهذا الحفل أكبر من أي حفل آخر، حسبما يؤكد: «حفل تكريم الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب أعاد الناس لمرحلة رائعة من الألحان والأغنيات الفنية المتميزة والعطاء، لذا أتوجه بالشكر للمستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، على الاهتمام الكبير الذي حظي به الحفل، وقد جاءت الأصداء عالية وشعرت أن الجمهور مشتاق لزمن الغناء الأصيل».

ووفق ثروت، فإن عبد الوهاب يستحق التكريم على إبداعاته الممتدة، فرغم أنه بقي على القمة لنحو مائة عام فإنه لم يُكرّم بالشكل الذي يتلاءم مع عطائه.

ويتحمس ثروت لأهمية تقديم سيرة عبد الوهاب درامياً، مؤكداً أن حياته تعد فترة ثرية بأحداثها السياسية والفنية والشخصية، وأن تقدم من خلال كاتب يعبر عن كل مرحلة من حياة الموسيقار الراحل ويستعرض من خلاله مشوار الألحان من عشرينات القرن الماضي وحتى التسعينات.

يستعيد محمد ثروت ذكرى لقائه بـ«موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب، قائلاً: «التقيت بالأستاذ واستمع لغنائي وطلب مني أن أكون على اتصال به، وتعددت لقاءاتنا، كان كل لقاء معه به إضافة ولمسة ورؤية وعلم وأشياء أستفيد بها حتى اليوم، إلى أن لحن أوبريت (الأرض الطيبة) واختارني لأشارك بالغناء فيه مع محمد الحلو وتوفيق فريد وإيمان الطوخي وسوزان عطية وزينب يونس، ثم اختارني لأغني (مصريتنا حماها الله) التي حققت نجاحاً كبيراً وما زال لها تأثيرها في تنمية الروح الوطنية عند المصريين».

ويشعر محمد ثروت بالامتنان الكبير لاحتضان عبد الوهاب له في مرحلة مبكرة من حياته مثلما يقول: «أَدين للموسيقار الراحل بالكثير، فقد شرفت أنه قدم لي عدة ألحان ومنها (مصريتنا) (عينيه السهرانين)، (عاشت بلادنا)، (يا حياتي)، (يا قمر يا غالي)، وصارت تجمعنا علاقة قوية حتى فاجأني بحضور حفل زواجي وهو الذي لم يحضر مثل هذه المناسبات طوال عمره».

يتوقف ثروت عند بعض لمحات عبد الوهاب الفنية مؤكداً أن له لمسته الموسيقية الخاصة فقد قدم أغنية «مصريتنا» دون مقدمة موسيقية تقريباً، بعدما قفز فيها على الألحان بحداثة أكبر مستخدماً الجمل الموسيقية القصيرة مع اللحن الوطني العاطفي، مشيراً إلى أن هناك لحنين لم يخرجا للنور حيث أوصى الموسيقار الراحل أسرته بأنهما لمحمد ثروت.

يتذكر محمد ثروت نصائح الأستاذ عبد الوهاب، ليقدمها بدوره للأجيال الجديدة من المطربين، مؤكداً أن أولاها «احترام فنك الذي تقدمه، واحترام عقل الجمهور، وأن الفنان لا بد أن يكون متطوراً ليس لرغبته في لفت النظر، بل التطور الذي يحمل قيمة»، مشيراً إلى أن الأجيال الجديدة من المطربين يجب أن تعلم أن الفن يحتاج إلى جدية ومثابرة وإدراك لقيمة الرسالة الفنية التي تصل إلى المجتمع فتستطيع أن تغير فيه للأفضل.

ويستعد ثروت لتصوير أغنية جديدة من ألحان محمد رحيم، إخراج نجله أحمد ثروت الذي أخرج له من قبل أغنية «يا مستعجل فراقي». كل لقاء مع «موسيقار الأجيال» كانت به إضافة ولمسة ورؤية وعلم وأشياء أستفيد بها حتى اليوم


مقالات ذات صلة

«حديقة السويدي بالرياض»... منصة للتعرف على ثقافات العالم

يوميات الشرق تجاربَ متعددة وفعاليات متنوعة مليئة بالثقافات المختلفة في حديقة السويدي بالرياض (واس)

«حديقة السويدي بالرياض»... منصة للتعرف على ثقافات العالم

يعيش زوار حديقة السويدي في الرياض تجارب وفعاليات متنوعة مليئة بالثقافات المختلفة ضمن مبادرة «تعزيز التواصل مع المقيمين» التي تأتي تحت شعار «انسجام عالمي».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق «شيبارة» يضم 73 فيللا عائمة فوق الماء وشاطئية (واس)

«شيبارة»... طبيعة بحرية خلابة في السعودية تستقبل زوارها نوفمبر المقبل

يبدأ منتجع «شيبارة» الفاخر (شمال غربي السعودية)، رابع منتجعات وجهة «البحر الأحمر»، استقبال الزوار ابتداءً من شهر نوفمبر المقبل لينغمسوا في تجربة سياحية فاخرة.

«الشرق الأوسط» (تبوك)
يوميات الشرق ليلة في الرياض للاحتفاء بعبقري الألحان محمد عبد الوهاب (بنش مارك)

روائع محمد عبد الوهاب في ليلة خلَّدها «موسم الرياض»

أضفت أبرز الأسماء الطربية العربية، بأصواتها البديعة، لمسة خاصة على مساء الجمعة في الرياض، بإحيائها إرث عبقري الألحان وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الموسيقار محمد عبد الوهاب قدَّم إرثاً لا يُمحى (معهد الموسيقى العربية)

«موسم الرياض» ونجوم عرب يحتفون بالموسيقار محمد عبد الوهاب

يشارك الفنانون محمد ثروت وماجد المهندس وصابر الرباعي ونور مهنا ومي فاروق بقائمة من جماليات أغنيات الموسيقار الكبير وجواهر خالدة قدّمها...

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق 22 منطقة يضمّها «بوليفارد وورلد» تمدّ جسوراً لتقريب الثقافات من بعضها (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 02:41

تركيا وإيران في رحاب «بوليفارد وورلد» بالرياض

مع انطلاق النسخة الجديدة من موسم الرياض 2024 بدأت العاصمة السعودية استقبال الزوار في 22 منطقة يضمّها «بوليفارد وورلد».

«الشرق الأوسط» (الرياض)

هاني العمري لـ«الشرق الأوسط»: أعدّها وقفة مع الذات ومع وطني لبنان

يتمسك العمري في البقاء في بلده كي يكمل مسيرته (هاني العمري)
يتمسك العمري في البقاء في بلده كي يكمل مسيرته (هاني العمري)
TT

هاني العمري لـ«الشرق الأوسط»: أعدّها وقفة مع الذات ومع وطني لبنان

يتمسك العمري في البقاء في بلده كي يكمل مسيرته (هاني العمري)
يتمسك العمري في البقاء في بلده كي يكمل مسيرته (هاني العمري)

في خضم الحرب الدائرة على أرض لبنان، يزداد، يوماً بعد يوم، إطلاق الأغاني الوطنية من قِبل عدة فنانين، فهم يَعدُّونها بمثابة صرخة يوجهونها بأسلوبهم إلى العالم كي يتناولوا معاناة بلدهم.

الفنان هاني العمري اختار مدينة بيروت كي يكرّمها بأغنية تخرج عن المألوف، فهو لم يلجأ إلى وصف مكانتها عنده، أو مناجاتها بحزن بوصفها عاصمة لبنان، بل قدّمها في قالب يحكي عن تبدّل وجهها إلى حدٍّ جعلها غريبة عنه. منتصباً أمام هذا التغيير الجذري الذي أصابها، يرفع هاني العمري صوته متسائلاً عن سبب ترك المدينة وحيدة لمصيرها.

«بيروت ما عرفتا» سبق أن حصد العمري عنها جائزة «بيروت غولدن آووردز» في الذكرى الأولى لانفجار المرفأ. يعيد إطلاقها، اليوم، مع كليب مصور يواكب ما تعيشه المدينة. والجديد فيها هو هذه الخلطة الفنية التي اعتمدها، وتتألف من صوته مغنياً، وبإلقاء كلماتها في قصيدة شعر بصوت مؤلفها النحّات والشاعر رودي رحمة.

لحّن العمري "بيروت ما عرفتا" من تأليف الشاعر رودي رحمة (هاني العمري)

ويخبر العمري حكاية ولادة هذه الأغنية: «كنا نجتمع على مائدة غداء في إحدى المناطق اللبنانية، رودي وأنا وعدد من الأصدقاء. وفجأة صدح صوت رحمة يلقي كلمات قصيدة هزّت مشاعري. استوقفني كلامها المختلف، وطلبت منه أن يعيد تلاوتها. عندها ومن دون أن أشعر قمت بتلحينها ارتجالياً في الوقت نفسه».

في ذلك الوقت فكّر هاني العمري بأن يصدر الأغنية في ذكرى انفجار 4 أغسطس (آب). ويتابع: «لم تأخذ الأغنية حقّها المطلوب في تلك الآونة، لكن، ومنذ نحو أسابيع قليلة، قررت أن أطلقها من جديد مع صورة مختلفة. فالكليب الذي يغلفها، اليوم، من إخراج عبد رمضان أخذها إلى منحى مختلف، ويتناسب مع ما نمرّ به في لبنان. إنه القهر بحد ذاته، والأغنية تجسّده بكلام يتضمن الغُصّة والدمعة في آن. لكنه في الوقت نفسه يأخذنا بصورة شعرية وكأن بيروت إنساناً يهرب من مصيره».

لوحة فنية مؤثرة رسمها هاني العمري بصوته، وبإلقاء كلماتها الشاعرية لرودي رحمة في آن، فجاء وقْعها على مستمعها مختلفاً، يترك أثره الكبير عنده. ويعلّق العمري: «وضع رودي رحمة كلمات هذه الأغنية (بيروت ما عرفتا) في ذكرى انفجار بيروت. ولكن مدينتي، اليوم، أيضاً لم أستطع أن أتعرّف إليها. فالعتب بكلام رودي كان كبيراً ومؤثراً، متسائلاً عن سبب التخلّي عن بيروت. كما أن فكرة هذا الخليط بين الغناء وإلقاء الشعر في الوقت نفسه، لم يسبق أن حصل من قبل في أغنية وطنية. فألقى الكلمات بأسلوب وصوت يُحدثان الخوف عند سامعها، وكأنه يدق ناقوس الخطر. ويأتي غنائي لكلماتها كاسراً مشاعر الخوف بنغمة مشبعة بالإحساس. فالفكرة بحد ذاتها جديدة، كما أن اللحن ينطوي على الحنان والصلابة معاً».

العمري ورودي رحمة قدما صرخة وطنية في "بيروت ما عرفتا" (هاني العمري)

يرى هاني العمري أن من خصائص الأغنية الوطنية الناجحة هو الصدى الذي تتركه عند سامعها. «يجب أن يتلاقى فيها الكلام واللحن والصورة بشكل متناغم. من هذا المنطلق تشق الأغنية الوطنية طريقها لتلامس الناس».

وعما تعني له بيروت، يقول، لـ«الشرق الأوسط»: «تمثّل كل بلدي لبنان بجميع أطيافه وتفاصيله، وتشكّل نموذجاً عنه يضاهيه أهمية. واليوم نقف أمام مشهدية تدميرها من دون رحمة، وكأنه مقدَّر لها دائماً الولادة من تحت الرماد، كما طائر الفينيق».

ويرى هاني العمري أن الأغنية الوطنية تشكّل وسيلة تعبير تفنّد ملامح وطن. «هذه الملامح تحمل مراتٍ أحلامَنا تجاه وطننا، ومراتٍ أخرى ترسم صدماتنا وهواجسنا».

"بيروت ما عرفتا" تحاكي تبدل وجه بيروت في أثناء الحرب (هاني العمري)

ويستذكر العمري كلاماً أسرّ له به الموسيقار الراحل إلياس الرحباني. «قال لي ذات مرة، الفن والموسيقى هما مصدرا ثقافاتنا واعتزازنا بأنفسنا، وذكر لي أهمية الفنان في لبنان، وأعطاني مثالاً على ذلك؛ زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى منزل فيروز. فقد اختارها من بين شخصيات سياسية لبنانية عدّة كي يعرّف عن لبنان الذي يحبّ، للعالم أجمع».

يتسلّح هاني العمري بالتفاؤل، على الرغم من كل المعاناة والحرب الدائرة على أرض الوطن. ويتابع، لـ«الشرق الأوسط»: «لا أحب التشاؤم أبداً، ونحن اللبنانيين نؤمن بقوة ببلدنا لبنان وقدرته على الصمود. لقد عصفت بنا الحروب أكثر من مرة، لكننا لم نستسلم أو نحبط لمصير مجهول. اليوم أيضاً نعيش نفس طبيعة المصير، ولكننا نتمسك بالأمل. ولا بدّ أن نتجاوز كل هذه المخاطر قريباً من دون شك».

ويُعدّ العمري من الفنانين اللبنانيين الذين لم تراودهم فكرة هجرة لبنان. ويختم، لـ«الشرق الأوسط»: «حبّي لبلدي لبنان لا يوازيه أي حب آخر، لذلك لا أستطيع التخلّي عنه أبداً، فأنا متمسك بأرضي وجذوري، وإلا فلن أستطيع إكمال مسيرتي الفنية».