استخدام «ميتا» كُتباً لتدريب الذكاء الاصطناعي يُثير جدلاً بشأن الملكية الفكرية

روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (أ. ف. ب.)
روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (أ. ف. ب.)
TT
20

استخدام «ميتا» كُتباً لتدريب الذكاء الاصطناعي يُثير جدلاً بشأن الملكية الفكرية

روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (أ. ف. ب.)
روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (أ. ف. ب.)

أثار استخدام شركة «ميتا» كُتباً لتدريب تطبيقات الذكاء الاصطناعي جدلاً بشأن حقوق الملكية الفكرية، لا سيما مع دعاوى قضائية رفعها ناشرون ومؤلفون ضد الشركات المطورة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وذكر خبراء التقتهم «الشرق الأوسط»، أن تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتدريبها يثيران إشكالات قانونية وتحديات عدة، ما يتطلب العمل على حوكمة الذكاء الاصطناعي ووضع قواعد منظمة لعمله. وللعلم، أعلنت أخيراً منظمات تمثل الناشرين والمؤلفين في فرنسا، عزمها اتخاذ إجراءات قانونية ضد شركة «ميتا» بتهمة «انتهاك حقوق النشر»، وذلك عقب استخدام الشركة التي تملك منصات «فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب»، كتباً لها في تصميم تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدية.

ولقد أدانت المنظمات، في بيان نشرته «وكالة الصحافة الفرنسية»، الاستخدام واسع النطاق للأعمال المحمية بحقوق الطبع والنشر، من دون الحصول على إذن من مؤلفيها وناشريها. وقال رئيس الاتحاد الوطني للنشر (SNE)، فانسان مونتان: «لاحظنا وجود كثير من الأعمال التي نشرها أعضاء الاتحاد في مجموعة البيانات التي تستخدمها (ميتا)».

وفي تصعيد للأزمة، رفع الاتحاد الوطني للنشر وجمعية الأدباء (SGDL) والاتحاد الوطني للمؤلفين والملحنين (SNAC)، الأمر إلى المحكمة القضائية في باريس.

وكانت «ميتا» قد استخدمت حتى عام 2023، قاعدة بيانات تحتوي على نصوص ما يقرب من 200 ألف كتاب، بعضها باللغة الفرنسية، لتحسين النموذج اللغوي «لاما». ودافعت «ميتا» في يناير (كانون الثاني) 2024 عن نفسها، مؤكدة «استخدامها المعقول والعادل لتلك الكتب».

معلقاً على الموضوع، أشار الدكتور أشرف الراعي، الكاتب والخبير القانوني الأردني، إلى إشكالية قانونية جوهرية تتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي للكُتب المحمية بحقوق الطبع والنشر، وما إذا كان هذا الاستخدام يقع ضمن مبدأ (الاستخدام العادل)، أم يعدُّ اختراقاً لحقوق الملكية الفكرية للكتاب والناشرين.

وقال الراعي إن «(ميتا) تزعم أن استخدام الكُتب في تدريب نماذجها الذكية، يُعدُّ تحولياً، أي أنه لا ينسخ النصوص كما هي، بل يستخلص منها أنماطاً لغوية تساعد في تطوير الذكاء الاصطناعي. ولكن في المقابل، يؤكد الكُتاب المتضررون أن (ميتا) حذفت معلومات حقوق الطبع والنشر من أعمالهم، وهو ما يشير إلى محاولة مقصودة لإخفاء استخدام غير مصرح به لمحتواهم، وبالتالي يشكل خرقاً قانونياً».

وأضاف الدكتور الراعي أن «الناشرين والمؤلفين يحاولون حماية أعمالهم من الاستخدام غير المصرح به، بما في ذلك حق إعادة الإنتاج والتوزيع، الذي يتيح لهم التحكم في كيفية استخدام أعمالهم، وحق النسبة الذي يضمن نسبة العمل إلى مؤلفه الأصلي، إضافة إلى حق الترخيص، الذي يمنحهم السلطة لتحديد مَن يمكنه استخدام أعمالهم وبأي شروط، وهو ما قد يشكل نقطة خلاف جوهرية في هذه القضية، إذ إن (ميتا) لم تحصل على إذن مسبق لاستخدام تلك الأعمال».

في الواقع، الأمر لم يقتصر على شكاوى الناشرين الفرنسيين، ففي الولايات المتحدة الأميركية، سمح قاضٍ فيدرالي، أخيراً، بالمضي قدماً في دعوى ضد «ميتا»، بشأن حقوق الطبع والنشر، إثر اتهامات من كتاب أميركيين لـ«ميتا» بانتهاك حقوق الملكية الفكرية واستخدام كتبهم في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي «لاما».

وعدّ محمد فتحي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي خلال حوار مع «الشرق الأوسط»، تدريب برامج الذكاء الاصطناعي وتصميمه من دون انتهاك الملكية الفكرية، بمثابة «تحدٍ كبير ومزداد، في ظل التطور السريع لهذه التقنيات، واعتماد كثير من المطورين على تطوير خوارزميات ونماذج ذكاء اصطناعي جاهزة للحاق بركب التطور الهائل في هذا المجال».

وأشار فتحي إلى أنه لا يوجد قانون أو قيود مفروضة على الشركات ومطوّري برامج الذكاء الاصطناعي، ما يعني غياب أي غطاء قانوني عالمي لحماية الحقوق الملكية الفكرية حتى الآن.


مقالات ذات صلة

الصين تعيد رسم ملامح المستقبل التقني والتواصلي والإعلامي

إعلام بايت دانس... الشركة الأم لـ"تيك توك" (أ ف ب / غيتي)

الصين تعيد رسم ملامح المستقبل التقني والتواصلي والإعلامي

في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بالتحولات الجيوسياسية والاقتصادية، تمضي الصين بخطوات ثابتة نحو إعادة تشكيل المستقبل التكنولوجي والتواصلي والمعلوماتي والاقتصادي.

وارف قميحة (بيروت)
إعلام شعار "ميتا" (أ ف ب)

كفاءة «ملاحظات المجتمع» على منصات التواصل تُثير تساؤلات بشأن مواجهة «التضليل»

أثار إعلان شركة «ميتا»، مالكة منصات «فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب»، عن بدء اختبار «ملاحظات المجتمع» في الولايات المتحدة، تساؤلات بشأن كفاءة هذه الخدمة في الحد…

فتحية الدخاخني (القاهرة)
إعلام سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي يتحدث لبرنامج «الليوان» (روتانا خليجية)

وزير الإعلام السعودي: لدينا حرية منضبطة وإعلامنا الأقوى عربياً

عدَّ سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، إعلام بلاده الأقوى والأكثر تأثيراً وانتشاراً عربياً، ومشاريع «رؤية 2030» أهم أذرعه لمخاطبة العالم.

جبير الأنصاري (الرياض)
إعلام فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل (رويترز)

كيف أظهرت حرب غزة مصطلحات «ملتبسة»؟

على امتداد أكثر من 16 شهراً منذ بدء حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، برزت مصطلحات عدة على السطح مثل «الجحيم» و«التطهير» و«خط أحمر» استخدمها سياسيون،

فتحية الدخاخني (القاهرة)
أوروبا الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير (د.ب.أ)

الرئيس الألماني ينتقد «فقدان التأمل» على وسائل التواصل

أعرب الرئيس الألماني فرانك - فالتر شتاينماير عن قلقه بشأن عواقب تغير وسائل الإعلام.

«الشرق الأوسط» (برلين)

كفاءة «ملاحظات المجتمع» على منصات التواصل تُثير تساؤلات بشأن مواجهة «التضليل»

شعار "ميتا" (أ ف ب)
شعار "ميتا" (أ ف ب)
TT
20

كفاءة «ملاحظات المجتمع» على منصات التواصل تُثير تساؤلات بشأن مواجهة «التضليل»

شعار "ميتا" (أ ف ب)
شعار "ميتا" (أ ف ب)

أثار إعلان شركة «ميتا»، مالكة منصات «فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب»، عن بدء اختبار «ملاحظات المجتمع» في الولايات المتحدة، تساؤلات بشأن كفاءة هذه الخدمة في الحد من «المعلومات المضللة»، لا سيما مع إشارة دراسة حديثة إلى أنها «لم تحقق المطلوب»، بعد سنوات من تفعيلها على منصة «إكس». وجاء هذا التطور عقب إلغاء الشركة برنامجها لتقصي الحقائق.

تتيح تقنية «ملاحظات المجتمع» التي طوّرتها منصة «إكس» - التي يملكها إيلون ماسك - للمستخدمين، إمكانية كتابة وتقييم دقة المحتوى المنشور، وكتابة ملاحظاتهم عليه، في إطار مكافحة انتشار «المعلومات المضلّلة» وجعل المُستخدم شريكاً في التقصّي والتحقق.

ووفق «ميتا»، فإن «نحو 200 ألف مستخدم أميركي سجّلوا ليصبحوا مساهمين محتملين في كتابة ملاحظات المجتمع». وتابعت أنه «يشترط في المساهمين أن يكونوا فوق سن 18 سنة، وأن يدعموا ملاحظاتهم بروابط معلوماتية». وعدّت هذه الطريقة «أقل تحيّزاً من برامج تقصي الحقائق الأخرى التابعة لجهات خارجية».

من جهة ثانية، تزامناً مع إطلاق «ميتا» خدمة «ملاحظات المجتمع» في الولايات المتحدة، بديلاً لمدقّقي الحقائق التابعين لجهات خارجية، ذكرت دراسة جديدة أجرتها «بلومبرغ» على أكثر من مليون «ملاحظة مجتمعية»، عبر منصة «إكس»، أن «غالبية تلك الملاحظات، رغم دقّتها، لا تعرض للمستخدمين على المنصة، وذلك لأن نشرها يتطلب توافقاً في الآراء من أشخاص ذوي توجّهات مختلفة». وأضافت الدراسة أن «نظام (إكس) لـ(ملاحظات المجتمع) الذي اعتمدته (ميتا) لم ينجح في الحد من المعلومات المضللة».

الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام بجامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، أوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن «ملاحظات المجتمع ميزة ليست جديدة، إذ ظهرت للمرة الأولى على منصة (إكس) عام 2021، عندما كانت المنصة تحمل اسم (تويتر)، وحققت انتشاراً أوسع في عام 2023».

وأشارت إلى أن «عمل هذه الخوارزمية يعتمد على مشاركة المستخدمين من خلال تعليقاتهم وتوضيحاتهم المدعومة بالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يتعايشون معها، وهو ما يعرف بـ(السياق) حول المنشور، الذي يرون فيه اختلافاً، أو يحتوي على معلومات غير دقيقة أو زائفة».

وقالت إن إقدام شركة «ميتا» على تطبيق هذه الميزة، «يأتي في إطار الحد من الانتقادات الموجهة إليها في أعقاب الإجراءات الأخيرة، وسياسات تخفيف التحقق من المحتوى التي بدأتها (ميتا) في عام 2017، عندما أزالت التحذير الأحمر الذي كان يرافق الأخبار الزائفة، وصولاً إلى حزمة من الإجراءات المعلنة التي أقرّت في مطلع 2025، الهادفة إلى ألا تكون لمحاربة المعلومات الزائفة أولوية في السياسات التنفيذية الخاصة بالمنشورات على المنصات التابعة للشركة».

وبحسب الباحثة، فإنه «من المُبكر التنبؤ بمدى نجاح إطلاق وتفعيل ميزة ملاحظات المجتمع على منصات (ميتا) في محاربة المعلومات الزائفة أو الحد منها... ثم إنه يوجد خطر من استغلال المجموعات المنظمة لهذه الميزة للتأثير في المحتوى».

ومن ثم، رهنت نجاح «ملاحظات المجتمع» في الحد من «المعلومات المضللة»، بـ«وجود مجتمعات تتمتع بمستوى عالٍ من الثقافة والتربية الإعلامية، إضافة إلى وجود قدر من الشفافية والثقة بين كل من المستخدم والقائمين على سياسات الإشراف على المحتوى».

وبالتوازي، خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلنت «ميتا» إلغاء شراكاتها في برنامج تدقيق الحقائق، ما عُدّ «تحولاً جذرياً» في سياستها لإدارة المحتوى. وقال مارك زوكربيرغ إن «عملاء تدقيق الحقائق الخارجيين كانوا متحيّزين سياسياً للغاية، ودمّروا الثقة أكثر مما كسبوها، لا سيما في الولايات المتحدة». وأردف: «لقد وصلنا إلى مرحلة فيها كثير من الأخطاء وكثير من الرقابة... وحان الوقت للعودة إلى جذورنا بشأن حرية التعبير».

خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، أكد أن «ميزة ملاحظات المجتمع واحدة من الأدوات التي يمكن استخدامها لمواجهة المعلومات المضللة، إلا أن الاعتماد عليها حلّاً وحيداً فعّالاً أمر غير منطقي وغير واقعي».

وشرح البرماوي أن «هناك نوعاً من الجمهور تكون لديه الرغبة في المساهمة لتوضيح سياق معلومات، أو وضع ملاحظات بشأنها لتحسين مستوى الوعي والإدراك... لكن هذه الرغبة من جانب المستخدمين تتطلب مزيداً من العمل من جانب المنصّات في الترويج لميزة ملاحظات المجتمع، ومنح المستخدمين مزايا تحفّزهم على زيادة المشاركة بفاعلية أكبر».