ما تأثير تغيير إجراءات التتبّع لـ«غوغل» على الإعلام؟

تريند

شعار «غوغل» على مدخل بنايتها في مدينة نيويورك الأميركية (أ.ب.)
شعار «غوغل» على مدخل بنايتها في مدينة نيويورك الأميركية (أ.ب.)
TT

ما تأثير تغيير إجراءات التتبّع لـ«غوغل» على الإعلام؟

شعار «غوغل» على مدخل بنايتها في مدينة نيويورك الأميركية (أ.ب.)
شعار «غوغل» على مدخل بنايتها في مدينة نيويورك الأميركية (أ.ب.)

مع اتجاه «غوغل» إلى تبديل ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتتبّع نظام الخصوصية الجديد المسمى «ساند بوكس»، أثيرت تساؤلات حول تأثير تغيير إجراءات التتبع على الإعلام. وعدّ خبراء ذلك تغييراً في سياسات «غوغل» التي يعتمد عليها ناشرو الأخبار، عادّين هذه الخطوة «تشكل تعزيزاً لهيمنتها».

«غوغل» كشفت عن نيتها التخلص من سياسة «الطرف الثالث» من متصفح «كروم» الارتباط بنهاية 2024 كجزء من مشروعها الجديد «ساند بوكس» الذي يعد المستخدمين بمزيد من حماية الخصوصية، عبر تقليل الإشارات الرقمية مثل عناوين «الآي بي» ووكلاء المستخدمين وعناوين المواقع. وللعلم، كانت الشركة تعتزم تخفيف إجراءات التتبع في وقت سابق، منذ مارس (آذار) 2021، غير أن هيئة المنافسة والأسواق في بريطانيا (CMA) أوقفت القرار للتحقيق في شكاوى تتهم «غوغل» بالهيمنة على السوق على نحو مجحف بالنسبة لمنافسيها، وألزمت الشركة بحزمة التزامات طوعية يجب الوفاء بها قبل تطبيق سياسة «ساند بوكس».

خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، قالت شذى أرمنازي، المتخصصة في الإعلام الرقمي بمنطقة الشرق الأوسط: «تاريخياً، كان تجميع البيانات حول سلوك واهتمامات المستخدمين وتحليلها إحدى القوى الرئيسية للأعمال على الإنترنت. وفي عالم الصحافة والإعلام تسمح نتائج تحليل بيانات المستخدمين للمؤسسات الإخبارية بتقديم المحتوى المنسجم مع اهتمامات الجمهور». وأضافت أنه «بخصوص المعلنين، فإن تحليل بيانات المستخدمين مهم للغاية، كونه يسمح بعرض الإعلانات للفئة المستهدفة بدقة أكبر، وبالتالي، يضمن احتمال تفاعل أكثر مع الإعلانات، وفائدة أكبر للمعلن».

وعن الفارق بين نظام ملفات تعريف الارتباط وخصوصية «ساند بوكس» التي ستطرحها «غوغل»، أفادت أرمنازي بأن «التقنيات الحالية لجمع بيانات المستخدمين تسمح بالوصول لكثير من التفاصيل الشخصية، مثل البلد والمدينة ومجموعة متنوعة من التفاصيل الفنية الخاصة بالجهاز المستخدم لزيارة الموقع، والمتصفح، وأسلوب الاتصال بالإنترنت، بما في ذلك القدرة على التعرف على العنوان الإلكتروني (IP) الذي يحدد موقع الجهاز على الشبكة بدقة».

وأردفت أن «جمع بيانات المستخدمين، ومتابعة سلوكهم عبر عدة مواقع يسمح ببناء ملف تفصيلي شخصي وفريد لكل مستخدم بدقة متناهية، ومع ازدياد قدرات خوارزميات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي، أصبحت هذه الملفات مدعاة لقلق كثير من المهتمين بخصوصية المستخدمين على الشبكة، لا سيما أن هذه الأدوات تتجاوز الحدود التقليدية لجمع البيانات البسيطة، وتبني تصورات دقيقة عن كل مستخدم». واستطردت شارحة: «سياسة (غوغل) الجديدة للخصوصية (ساند بوكس) تركز بشكل أساسي على حماية خصوصية المستخدمين عبر الحد من إمكانية جمع بيانات سلوكهم لبناء ملفات شخصية فريدة لهم».

ومن ثم، أوضحت أرمنازي: «في حين تحمي سياسة (غوغل) الجديدة بيانات المستخدمين، فإنها تؤمن للشركات والمطورين الحصول على الأدوات اللازمة لبناء أعمال رقمية مزدهرة وناجحة... وتقنياً، تعمل مبادرة خصوصية (ساند بوكس) على تحقيق هدفين رئيسيين، هما: التخلّص من دعم ملفات تعريف الارتباط من الأطراف الثالثة، وتقليل تتبع المواقع والتطبيقات لتفاصيل المستخدمين الشخصية. ومن الناحية الفنية، يُعد (ساند بوكس) بيئة محمية لجمع البيانات مع التركيز على حماية معلومات المستخدم الشخصية».

من جهة ثانية، صحيح أن الكلام عن الخصوصية وحمايتها هو مرتكز «غوغل» في الدفاع عن نظامه الجديد، غير أن مراقبين رأوا أن سياسة الخصوصية الجديدة قد تمنح «غوغل» مزيداً من إحكام السيطرة على سوق الإعلانات. لكن شذى أرمنازي تدحض هنا هذا التصوّر بقولها: «شخصياً لا أتوقع انهياراً كبيراً في الدخل والإعلانات، بل أتوقع استجابة سريعة من شبكات توزيع الإعلانات، وانتقالاً سريعاً للتقنية الجديدة بشكل يضمن استمرار الإعلانات مع تبني آليات الحفاظ على خصوصية المستخدمين الجديدة».

والواقع، أن تعمل خصوصية «ساند بوكس» على تقليص مجموعة من التقنيات المفتوحة والاستعاضة عنها ببروتوكولات مغلقة ومملوكة لشركة «غوغل»، وفق تقرير نشره «بريس غازيت» أخيراً، أشار إلى أنه يمكن لأي شخص يستخدم ملف تعريف الارتباط تبادل تلك المعلومات مع شركائه التجاريين، من دون طلب إذن من شركة أخرى، ضمن خصوصية «ساند بوكس»، بينما تختفي هذه الحرية في اختيار مجموعتك التكنولوجية وشركاء الأعمال. وإذ ذاك - وفق التقرير المذكور - تكون المحصلة أنه «إذا كنت تريد الوصول إلى غالبية مستخدمي الويب الذين يستخدمون (كروم)، يتوجب عليك استخدام تقنيات (غوغل)». ومن ثم، تعمل خصوصية «ساند بوكس» على ترسيخ حالة الاحتكار من خلال إدراج أعمالهم في كل تفاعل إعلاني على «كروم».

«غوغل» نفسها اعترفت بأن بروتوكولات «ساند بوكس» ما زالت تتطور وأنها ليست مستقرة، ولن تحقق مكاسب الإعلانات الحالية التي تعتمد على ملفات تعريف الارتباط. وبحسب مراقبين، من المتوقع تحقيق نجاح بنسبة من 30 إلى 50 بالمائة في الإعلانات الرقمية مقارنة بأساليب التكنولوجيا الحالية. وهنا يرى مستشار الإعلام الرقمي المصري رامي المليجي، أن «سياسة ساند بوكس بقدر ما تحمي بيانات المستخدمين، ستؤثر على الناشرين من حيث دخل الإعلانات، على الأقل في بدايات التطبيق». وتابع المليجي في حوار مع «الشرق الأوسط»، شارحاً: «لقراءة ما يحدث الآن وتبعاته، يمكن استحضار موقف سابق كان قد جمع بين (فيسبوك) و(آبل)، حين قررت الأخيرة تعزيز سياسة الخصوصية. حينذاك تعرضت إعلانات (فيسبوك) لهزة عنيفة، لكنها سرعان ما تداركت الموقف وتكيفت مع السياسة الجديدة ووضعت أدوات لاستعادة مكاسبها، وهذا هو نفسه ما يتحتم على الناشرين فعله».

وعدّ الخبير المصري أن «ثمة مشكلتين تواجهان سوق الإعلانات في المرحلة المقبلة... فـ(غوغل) ستتحكّم في طبيعة المعلومات الجاري الحصول عليها من قبل المعلنين، وثمة قلق حول نجاح النظام الجديد في تحديد الأشخاص المستهدفين من المعلن... وعلى ضوء ذلك ربما لا يتمكن المعلن من الوصول إلى المستهدفين، فيمنى بخسائر، أو ربما تراجع في ميزانية الإنفاق الإعلاني».

وعن حجم الخسائر المتوقعة للناشرين، يفرّق المليجي بين منصات الأخبار التي تعتمد بشكل أساسي على إعلانات «غوغل» مصدراً للدخل، ومنصات أخرى تتمتع بتنوع في مصادر الدخل، موضحاً أن «منصات الأخبار صاحبة الأسماء الرنانة التي نجحت على مدار السنوات الماضية في جذب معلنين بشكل مباشر وشخصي، لديها آلياتها للتكيف وستكون خسائرها محدودة». ورهن نجاح الناشرين في اجتذاب الدخل الإعلاني المناسب بالاستعانة بفريق تقني متطور، قائلاً: «صحيح أن الأخبار هي المنتج الأبرز لدى أي صحيفة أو موقع، لكن التعامل مع التكنولوجيا التي تتطور بوتيرة سريعة للغاية فرض على الناشرين التسلح بفريق تقني قادر على التعاطي مع التغييرات... وفي النهاية، المحتوى هو الجاذب الأول للقارئ والمعلن، حتى إن تغيرت السياسات، وعليه تتمثل مرتكزات البقاء لأي منصة أخبار بتنوع المحتوى وتطويره ودقّته».


مقالات ذات صلة

«امسك مزيّف»... استنفار مصري لمواجهة «الشائعات»

العالم العربي ندوة «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر

«امسك مزيّف»... استنفار مصري لمواجهة «الشائعات»

حالة استنفار تشهدها مصر أخيراً لمواجهة انتشار «الشائعات»، تصاعدت مع إعلان «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام»، الثلاثاء، عزمه إطلاق موقع «امسك مزيف».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
إعلام إدمون ساسين (إنستغرام)

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق وزير الإعلام سلمان الدوسري التقى رئيسة الإدارة الوطنية للإذاعة والتلفزيون الصينية كاو شومين (واس)

شراكة إعلامية سعودية صينية تطلق برامج تنفيذية مع القطاعين العام والخاص

اختتم وزير الإعلام السعودي، اليوم، أعمال برنامج الشراكة الإعلامية السعودية الصينية، وشهدت الزيارة إبرام اتفاقيات وبرامج تنفيذية وورش عمل بين الجانبين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
إعلام توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين منصة سعوديبيديا وجامعة بكين للغات والثقافة (الخارجية السعودية)

مباحثات سعودية - صينية في بكين لتطوير التعاون الإعلامي

التقى سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، في بكين، اليوم الخميس، مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني مو قاو يي.

«الشرق الأوسط» (بكين)
إعلام ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية

إيلي يوسف (واشنطن)

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».