هل تراهن «غُرف الأخبار» على نشرات «واتساب»؟

بعد تراجع «فيسبوك» و«إكس»

شعار واتساب
شعار واتساب
TT

هل تراهن «غُرف الأخبار» على نشرات «واتساب»؟

شعار واتساب
شعار واتساب

أثيرت أخيراً تساؤلات بشأن رهان «غرف الأخبار» على نشرات «واتساب»، إثر تراجع «فيسبوك» و«إكس»، أبرز المنصات التي تبنت الأخبار على مدار السنوات الماضية. فلقد شهد يناير (كانون الثاني) الحالي، تراجعاً نسبياً في اهتمام الناشرين بـ«فيسبوك» و«إكس»، لصالح تعميق مكانتهم على منصات أخرى مثل «واتساب»، الذي يضمن لهم اتصالاً مباشراً مع المُستخدم. غير أن بعض الخبراء يرون أن رهان «غرف الأخبار» على «واتساب» يجب أن يتسم بالحذر، لا سيما أن هذا التطبيق تملكه شركة «ميتا» التي تمتلك أيضاً «فيسبوك» و«إنستغرام».

استطلاع لمعهد «رويترز لدراسة الصحافة» بنهاية العام الماضي، أفاد بعد تحليل إجابات واردة من 314 ناشراً للأخبار في 56 دولة، بأن تقليص كل من «فيسبوك» و«إكس» (تويتر سابقاً) حركات الوصول إلى الأخبار فيها «أثار مخاوف الناشرين إلى حد دفعهم نحو البحث عن البديل». وقال الاستطلاع: «يبدو أن صُناع الأخبار بصدد بذل مزيد من الجهد على (واتساب) ثم (تيك توك) لتحقيق حركات وصول أفضل تضمن رواج الخدمات الإخبارية على نطاق أوسع ووسط قيود أقل».

ورغم الضربات المتتالية التي وجهتها منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما «فيسبوك»، إلى «غرف الأخبار» فيما يتعلق بتقليص الدعم والوصول، فإن ما يقرب من نصف المشاركين في الاستطلاع، تحديداً 47 في المائة، أكدوا أنهم «واثقون بشأن آفاق الصحافة العام الحالي».

كذلك سجّلت بيانات معهد «رويترز» سالفة الذكر، أن 77 في المائة من المشاركين بالاستطلاع قالوا إنهم «يركزون أكثر خلال العام الحالي على قنوات التوزيع التي لديها سيطرة مباشرة عليها»، مثل مواقع «الويب والتطبيقات والنشرات الإخبارية والبودكاست»، في حين أكد 61 في المائة ممّن شملهم الاستطلاع أنهم «سيبذلون مزيداً من الجهد على تطبيق (واتساب) خلال العام الحالي». مع هذا، أيضاً وفق الاستطلاع، فإن «واتساب» ليست المنصة الوحيدة التي يهتم بها ناشرو الشبكات الاجتماعية، فقد قال «55 في المائة من المشاركين في الاستطلاع إنهم سيبذلون مزيداً من الجهد على (تيك توك)، و49 في المائة سيعززون حضورهم على (غوغل)، و44 في المائة سيستهدفون (يوتيوب)، و41 في المائة (لينكد إن)، بينما عدّ 39 في المائة فقط أن (إنستغرام) قد يكون فرصة للأخبار، وبالتالي، تذيّل (فيسبوك) التصنيف وحل قبله مباشرة (إكس)».

وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، عزا هاني سيمو، خبير المشاريع الرقمية في دولة الإمارات العربية المتحدة، اتجاه الناشرين نحو «واتساب»، إلى سيطرة خوارزميات المنصات الاجتماعية ومحركات البحث للوصول إلى عدد كبير من الجمهور. وشرح أن «المنصات الإخبارية أمام تحدٍ يتطلب منها ترتيب أولوياتها لضمان الوصول إلى الجمهور، من خلال قنوات مباشرة تستطيع التحكم بها، بحيث يكون استثمارها الاستراتيجي يستهدف وجودها على هذه المنصات على نحو مستقر ودائم، كما يضمن قدرتها على التحكم الكامل به».

ولفت سيمو إلى أن تطبيق «واتساب» يسمح للناشرين بـ«الوصول إلى الجمهور بشكل مباشر، وغير محكوم بخوارزميات تمثل عقبات على بقية المنصات، وتجربة المستخدم التي يقدمها (واتساب) تنسجم مع مفهوم استهلاك المحتوى ضمن تجربة بسيطة ومباشرة». وأرجع أهمية «واتساب» في المرحلة الراهنة، إلى أن «قسماً من الجمهور أصبح ميّالاً إلى مشاركة المحتوى الإخباري مع عدد أقل ضمن شبكاتهم الاجتماعية، تاركاً حضوره على المنصات الاجتماعية للتعبير عن الرأي العام، وهذا التوجه ينسجم بشكل كامل مع أهمية وجود غرف الأخبار على (واتساب)».

من ناحية ثانية، رهن سيمو نجاح تجربة الأخبار على «واتساب» بمعيار «التميّز»، موضحاً أنه «يُمكن لصُناع الأخبار تحقيق الاستفادة القصوى من خلال الحضور المُميز على (واتساب)، فالمنصة تتيح لغُرف الأخبار فرص وصول أفضل إلى الجمهور حيثما كان، وكذلك الاهتمام الاستثنائي في إنشاء قنوات اختصاصية متعدّدة على (واتساب)، مثل السياسة والاقتصاد والفن والأخبار العاجلة، وهذا بجانب قنوات اختصاصية وفق البلدان، الأمر الذي يضمن تقديم تجربة تلائم اهتمامات كل شريحة من الجمهور بشكل مخصص». وفي هذا السياق، يرى الخبير أن فُرص «غُرف الأخبار على (واتساب) كبيرة... ومع أنه حتى الآن هناك غياب لآلية الإعلانات على (واتساب) أو الربح بشكل عام، أرجّح أن تجتهد منصات الأخبار لتحويل (واتساب) إلى مصدر دخل إضافي عبر عرض الإعلانات من خلال منشوراتها عليه، أو تضمينها في مقاطع الفيديو».

من جانبه، يرى الحسيني موسى، المنتج الرقمي في شبكة «سي إن إن»، أن «ميتا» بخدمة الأخبار على «واتساب» تلاحق منافسيها ليس إلا. وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الشركة العملاقة تأخرت كثيراً وسط احتدام المنافسة مع (تيك توك) من جانب، ومع (إكس) و(تلغرام) من جانب آخر... ذلك أن خدمة الأخبار متوافرة على (تلغرام) منذ عدة سنوات، وكان لها الفضل في رواج التطبيق ببعض الأوقات». وأردف: «شركة (ميتا) لم تقدم من خلال (واتساب) ميزة إضافية عن تلك التي قدّمها منافسها (تلغرام)، لذلك سارت في المسار عينه، وهو الصعود والرواج ثم الثبات والتراجع». وأكّد موسى، من ثم، أن «عزوف (فيسبوك) عن الأخبار لم يعد سراً، ففي اجتماع عُقد بين مسؤولي (فيسبوك) بمنطقة الشرق الأوسط، وفريق (سي إن إن)، أُفصِح صراحة عن أن الأخبار لم تعد الاهتمام الأول لـ(ميتا)، وأن الأولويات تراجعت وبات الترفيه في الواجهة، بينما لن ترشَّح الأخبار للمُستخدم».

أما فيما يخص تجربة خدمة قنوات الأخبار، أو «المجتمعات» التي أطلقت على «واتساب» في وقت سابق، فقال موسى: «ليس لدي كثير من الآمال... بنيت آمال كبيرة وكثيرة على انطلاق خدمة (المجتمعات) على (واتساب) خلال العام الماضي، وذهب مختصون إلى أن من شأنها سد الفجوة التي تركها (فيسبوك)... لكن البداية التي كانت قوية ومبشّرة ونجحت في جذب الجمهور والسماح بالوصول إلى الأخبار، عادت فتراجعت نسبياً». وبرّر الحسيني موسى سبب التراجع بأنها «كانت مزعجة للمُستخدم، فقنوات الأخبار على (واتساب) كانت ترسل جميع الأخبار بإشعارات متتالية لا تتسم بالتنوع، من دون أن تلبي حاجة المُتلقي». وبالتالي، لتعزيز فاعلية نشرات الأخبار على «واتساب» لخدمة صُناع الأخبار، فإنه يرى أن «الناشرين بحاجة لإضفاء مزيد من عناصر الجذب، مثل إرسال نشرات صوتية على رأس الساعة تحمل أهم الأخبار، أو تعزيز المحتوى الإخباري بمقاطع مصورة قصيرة».



كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)

أوردت تقارير، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن ناشري الأخبار كثّفوا ظهورهم على «غوغل ديسكوفر» بهدف زيادة حركات المرور على مواقعهم، وهذا بعدما تراجعت وسائل التواصل الاجتماعي عن دعم ظهور الأخبار منذ مطلع العام. إذ اتجهت «غوغل» إلى نموذج الملخّصات المعزّز بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن ترشيح روابط الأخبار من مصادرها، ما أدى إلى تراجع الزيارات تدريجياً. غير أن خبراء ناقشوا الأمر مع «الشرق الأوسط» عدُّوا هذا الاتجاه «رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقد لا يحقق نموذج عمل مستداماً». أبحاث أجرتها «نيوز داش»، وهي أداة متخصصة في تحسين محركات البحث (SEO) موجهة للناشرين والمواقع الإخبارية، أظهرت أن «غوغل ديسكوفر» بات يمثل في المتوسط 55 في المائة من إجمالي حركة المرور الآتية من «غوغل» للناشرين، مقارنة بـ41 في المائة، في دراسة سابقة، ما يعني أن «ديسكوفر» أضحى القناة الكبرى التي تجلب الزيارات إلى مواقع الأخبار.

جدير بالذكر أن «غوغل ديسكوفر» هو موجز للمقالات يظهر على نظامي «أندرويد» و«آبل» عند فتح «غوغل» للتصفّح. ووفق محرّك البحث، فإن المقالات المُوصى بها تُحدَّد وفقاً لاهتمامات المستخدم وعمليات البحث السابقة، ومن ثم، فإن ما يظهر لدى المستخدم من ترشيحات هو موجز شخصي جداً، لذا يحقق مزيداً من الجذب.

محمد الكبيسي، الباحث ومدرب الإعلام الرقمي العراقي المقيم في فنلندا، أرجع تكثيف بعض المواقع الإخبارية وجودها على «غوغل ديسكوفر» إلى احتدام المنافسة الرقمية بين المنصّات للوصول إلى الجمهور. وأوضح: «منطقياً، تسعى مواقع الأخبار إلى الظهور على منصات متعدّدة، مما يعزز فرص الوصول والتفاعل مع الأخبار دون الحاجة للبحث المباشر».

وحدَّد الكبيسي معايير ظهور المقالات على «غوغل ديسكوفر» بـ«جودة المحتوى، والتحديث المستمر، وتوافق SEO، والملاءمة مع اهتمامات المستخدمين وسلوكهم السابق في استخدام وسائل الإنترنت، إضافة إلى الالتزام بمعايير الإعلام والصحافة المهنية».

ومن ثم، بعدما رأى الباحث العراقي تكثيف الاهتمام بأداة «غوغل ديسكوفر» حلاًّ مؤقتاً للمرحلة الحالية، شرح أنه «يمكن القول عموماً إن (غوغل ديسكوفر) قد يُسهم في زيادة معدلات الزيارات للعديد من المواقع الإخبارية، لكن ذلك يعتمد على أهمية المحتوى وملاءمته اهتمامات الجمهور». أما عن الحلول المستدامة فاقترح الكبيسي على صُناع الأخبار تحقيق المواءمة مع تطوّرات المنصات ومواكبة التحديثات؛ لتجنب التبِعات التي قد تؤدي إلى تقليل الظهور أو انخفاض معدلات الوصول».

من جهته، يقول الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة الـ«سي إن إن» العربية، إن «غوغل ديسكوفر» لا يقبل أي مقالات؛ لأن لديه معايير صارمة تتعلق بجودة المحتوى ومصداقيته. وتابع أن «الظهور على (غوغل ديسكوفر) يشترط تقديم معلومات دقيقة تلبّي اهتمامات المستخدمين وتُثري معرفتهم، مع استخدام صور عالية الجودة لا تقل عن 1200 بيكسل عرضاً، وعناوين جذابة تعكس مضمون المقال بشكل شفاف بعيداً عن التضليل». ثم أضاف: «يجب أن تكون المواقع متوافقة مع أجهزة الهواتف الذكية؛ لضمان تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مع الالتزام الكامل بسياسات (غوغل) للمحتوى».

وعلى الرغم من أن معايير «غوغل ديسكوفر» تبدو مهنية، عَدَّ موسى أن هذا «الاتجاه لن يحقق مستقبلاً الاستقرار للناشرين... وصحيح أن (غوغل ديسكوفر) يمكن أن يحقق زيارات ضخمة، لكن الاعتماد عليه فقط قد لا يكون واقعاً مستداماً».

ورأى، من ثم، أن الحل المستدام «لن يتحقق إلا بالتنوع والتكيف»، لافتاً إلى أنه «يُنصح بالتركيز على تقديم محتوى ذي قيمة عالية وتحويله إلى فيديوهات طولية (فيرتيكال) مدعومة على منصات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية وفية».