دعم مطلق لإسرائيل في الإعلام الألماني

منسجماً مع سياسة الحكومة الاتحادية إزاء «حرب غزة»

تجاهل آلام غزة (ا ب)
تجاهل آلام غزة (ا ب)
TT

دعم مطلق لإسرائيل في الإعلام الألماني

تجاهل آلام غزة (ا ب)
تجاهل آلام غزة (ا ب)

تشبه تغطية الصحافة الألمانية للحرب في غزة موقف الحكومة الألمانية من تلك الحرب إلى حد بعيد. فالتوازن في التعامل مع القصة شبه غائب في الإعلام الألماني، كما هو غائب في التصريحات السياسية منذ هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. فمنذ اليوم الأول الذي تلا عملية «حماس» في إسرائيل، خرجت الصحف الألمانية بافتتاحيات تتحدث عن ضرورة أن تقدم ألمانيا الدعم غير المشروط لإسرائيل في الدفاع عن نفسها، مستندة إلى المسؤولية التاريخية للدولة التي تسببت بـ«المحرقة» النازية، وتتعهد منذ ذلك الحين بـ«ألا يتكرّر ذلك».

صحف ألمانيا... تأييد بلا تحفظ للسردية الإسرائيلية (د ب ا)

بعدها، في أعقاب اشتداد القصف الإسرائيلي على امتداد قطاع غزة وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، ورغم اتهام منظمات دولية لإسرائيل بخرق القانون الدولي واستهداف المدنيين بشكل عشوائي، ظلت الصحف والقنوات الألمانية تدافع عن استمرار الحرب، وتتجاهل أعداد الضحايا من المدنيين. بل مع أنها تذكر أعداد القتلى نقلاً عن وزارة الصحة في غزة، فهي دائماً تشير إلى أن الوزارة مرتبطة بـ«حماس»، وأنه، بالتالي، «لا يمكن التأكد من صحة الأرقام». ومن ثم، فإنها تغيّب القصص الإنسانية الواردة من غزة بشكل كامل تقريباً، في حين تركز القصص الإنسانية على الضحايا الإسرائيليين.

مقر دار شبرينغر(أ ف ب / غيتي)

من جهة ثانية، يهتم الصحافيون الألمان الذين يغطون الحرب كثيراً بتقارير وروايات الجيش الإسرائيلي ويعرضونها من دون تشكيك. وتبدو القنوات والصحف الألمانية وكأنها تبرّر استهداف إسرائيل للمستشفيات والمدارس في القطاع، ودائماً تقرن قصصها عن استهداف الإسرائيليين للمقرات المدنية بأن «حماس» تستخدمها مخازن أسلحة. وهنا تستعين بخبراء قانونيين يسندون هذه النظرية، علما بأن الأمم المتحدة تقول بأنه لا يجوز، بحسب المواثيق الدولية، استهداف المستشفيات حتى ولو كانت تستخدم من قبل مسلحين.

المستشار الألماني أولاف شولتز (رويترز)

وعلى سبيل المثال، نقلت صحيفة «تزايت»، التي تعد من أكثر الصحف يسارية، عن شتيفان تالمون، الخبير في القانون الدولي، قوله إنه «حتى المدارس يمكن أن تصبح هدفاً مشروعاً إذا استخدمها الطرف الآخر عسكرياً»، مضيفاً: «يتعين تبرير كل حالة بمفردها». وحيال القصف الإسرائيلي لمستشفى الشفاء في مدينة غزة قال تالمون: «إنه مبرّر، ويعدّ إجراءً متوازياً بسبب وجود مقاتلين من (حماس) بداخله».

كذلك تطرقت صحيفة «تسودويتشه تزايتونغ» إلى النقطة نفسها، ونقلت عن خبراء بأنه «يتوجب» على إسرائيل أن تثبت أن «حماس» تستخدم المستشفيات والمدارس التي تتعرض للقصف لأهداف عسكرية، قبل أن تستدرك فتضيف، نقلاً عن البروفسور شتيفان أوتر من جامعة هامبورغ، قوله: «في حالات القتال لا يمكن فرض المعايير نفسها للأدلة، بل يكفي جعل إسرائيل فرضية استخدام المكان مقراً عسكرياً، ممكناً».

في السياق نفسه، لم تنتقد وسائل الإعلام الألمانية قرار حكومة المستشار أولاف شولتز حظر التجمعات المؤيدة لفلسطين، بل دافعت عنه. بل إن مجلة «فوكس» كتبت على موقعها مقالاً تحت عنوان «اليهود أو العرب العنيفون: علينا أن نختار من نبقي منهم عندنا». وانتقد المقال مظاهرة من المظاهرات القليلة التي سمحت بها الشرطة، وخرجت تدعو لوقف الحرب. وضمن المقال، دعا الكاتب ليس فقط إلى نزع الجنسية الألمانية عن المشاركين في المظاهرات الذين وصفهم بأنهم من المعادين للسامية، ولكن أيضاً إلى وقف التعديلات على قانون الجنسية الذي يقلّص عدد السنوات للحصول على الجنسية، ويسمح بتعددها الجوازات. وللعلم، كانت الحكومة الألمانية قد أجلت تعديل القانون بسبب الحرب على غزة، وقالت بأنها ستسعى لإضافة بنود للتأكد من منع تجنيس «معادي السامية وإسرائيل».

أكثر من هذا، عندما امتنعت ألمانيا يوم 27 أكتوبر عن التصويت على مشروع قرار داخل الأمم المتحدة يدعو إسرائيل لوقف حربها على غزة، خرجت الصحف في اليوم التالي تنتقد وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك متهمة إياها بـ«خذلان» إسرائيل. واعتبرت صحيفة «بيلد» الشعبية، الأكثر انتشاراً في البلاد، في مقال تحت عنوان «تصويت العار»، الامتناع عن دعم إسرائيل. ويُذكر أنه يومذاك صوتت 120 دولة آنذاك لصالح القرار مقابل 14 دولة صوتت ضده. وفي تصويت آخر داخل الجمعية العامة في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) حين طرحت 9 مشاريع قرارات تنتقد إسرائيل، صوتت ألمانيا ضد 8 منها، وامتنعت في واحد منها عن التصويت، وخرجت «بيلد» مجدداً لتكتب أن «ألمانيا تركت إسرائيل وحيدة».

أما على صعيد الإعلام المرئي فقد ركزت القنوات الألمانية وتركز في حواراتها على الطرف الإسرائيلي؛ إذ استضافت القناة الألمانية الأولى في منتصف نوفمبر السفير الفلسطيني في برلين ليث عرفة في حوار كاد معظمه يدور حول سبب الإحجام عن إدانة «حماس» على هجوم 7 أكتوبر، ولم يعلق المقدّم على انتقادات السفير لألمانيا وللإعلام الألماني على التجاهل المستمر للضحايا الفلسطينيين، والكيل بمكيالين.

وحقاً، لا يجد الصحافيون الألمان المعتدلون، وهم قلائل، اليوم منبراً لهم في الصحافة الألمانية. وكمثال، فإن هانو هاونستين الذي كان محرراً في صحيفة «برلينر تزايتونغ» ينتقد الإعلام الألماني بشكل لاذع على صفحته على منصة «إكس» (تويتر سابقاً). وهو حالياً يكتب عن الحرب في صحف غير ألمانية مثل «الغارديان» البريطانية التي نشرت له مقالاً ينتقد سحب جائزة أدبية من كاتبة فلسطينية. وعلى «إكس» كتب مرة تعليقاً على تغريدة لصحافي ألماني قال فيها: «صحافي ألماني يصف بشكل واضح كل سكان غزة المدنيين بأنهم (جناة) وليس فقط (حماس). هذه ذريعة لتبرير التطهير العرقي. في ألمانيا، أصبح هذا أمراً طبيعياً».

وبالفعل، ينتقد كثيرون من الألمان المسلمين تغطية الصحافة الألمانية للحرب. ولقد كتبت سوسن شبلي، السياسية في الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) الحاكم، في الأسابيع الأولى بعد عملية «حماس»، أنها باتت تتابع الإعلام البريطاني «كي تحافظ على صحة عقلها». أضف إلى ذلك أن قنوات ألمانية تواجه الآن اتهامات بممارسة الرقابة على المحتوى. وبعد أسبوع تقريباً على بدء الحرب، نشر موقع «ذي إنترسبت» الاستقصائي قصة حول «إرشادات» تتعلق بتغطية الحرب وزعتها دار «شبرينغر»، أكبر دار نشر أوروبية - ضمن ممتلكاتها «بيلد» و«دي فيلت» - دعت الصحافيين فيها «لإعطاء أولوية لوجهة النظر الإسرائيلية وتقليص فترة البث حول الضحايا الفلسطينيين». وأفاد موقع «إنترسبت» بأنه حصل على المعلومات من عدد من العاملين داخل الدار الذين تلقوا هذه «الإرشادات». وحذّرت المذكرة التي تحمل توجيهات التغطية من كتابة عناوين «يمكن أن تعتبر وكأنها تميل لفلسطين».

يهتم الصحافيون الألمان الذين يغطون الحرب كثيراً بتقارير وروايات الجيش الإسرائيلي ويعرضونها من دون تشكيك

وضمن الإطار ذاته، واجهت القناة الألمانية الأولى كذلك اتهامات بممارسة الرقابة بعدما ألغت عرض فيلم فلسطيني كان مبرمجاً عرضه قبل أشهر. وعنوان الفيلم «واجب»، وهو من تمثيل محمد بكري، ويروي بسرد فكاهي درامي، قصة أب فلسطيني يعيش في الناصرة، ويعود ابنه من إيطاليا لحضور عرس شقيقته، ومن ثم يبدأ رحلة توزيع دعاوى الزفاف مع والده.

وجاء في تعليق المنتج المشارك الألماني تيتوس كريانبيرغ أن المبرر الذي أعطته القناة لإلغاء عرض الفيلم، أن «الوقت غير مناسب في الوقت الحالي لعرض فيلم فلسطيني». وأردف كريانبيرغ أن القناة أبلغته بوجود «قلق» من عرض فيلم من بطولة محمد بكري الذي أخرج الفيلم الوثائقي «جنين، جنين» قبل 20 سنة. ويروي هذا الفيلم الوثائقي أحداثاً تتصل بعملية توغل الجيش الإسرائيلي في مدينة جنين بالضفة الغربية خلال أبريل (نيسان) 2002، من وجهة نظر فلسطينية فقط، بحسب ما قالت القناة لكريانبيرغ. ووفق المنتج الألماني، فإنه كتب للقناة يقول إنه «بغض النظر عن الرأي في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ففي مكان ما سيتوقف الصراع، وكلا الطرفان سيجلس على الطاولة للحوار، وهذا الفيلم يتناول حواراً بين والد وابنه. كما أن السينما يمكنها أن تساعد في الحوار». ووصف المنتج وقف عرض الفيلم الفلسطيني في حين لم يوقف عرض أي فيلم آخر بأنه «نوع من الحظر والرقابة».


مقالات ذات صلة

فشلٌ دراسيّ ونجاحٌ عالميّ... عباقرة ونجوم لم يحملوا شهادات جامعية

يوميات الشرق فشلٌ دراسيّ ونجاحٌ عالميّ... عباقرة ونجوم لم يحملوا شهادات جامعية

فشلٌ دراسيّ ونجاحٌ عالميّ... عباقرة ونجوم لم يحملوا شهادات جامعية

فشلوا في الدراسة لكنهم حققوا نجاحاً باهراً في المهنة والحياة وأصبح نهجُ بعضهم مدرسة بحدّ ذاته

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق الدكتور نبيل الخطيب مدير عام قناة «الشرق للأخبار» يتحدث بعد حصوله على الجائزة (الشرق الأوسط)

«مي شدياق للإعلام» تتوِّج الخطيب بـ«جائزة الإنجاز مدى الحياة»

​كرَّمت مؤسسة «مي شدياق للإعلام»، الدكتور نبيل الخطيب، مدير عام قناة «الشرق للأخبار»، بجائزة «الإنجاز مدى الحياة»، وذلك خلال حفل سنوي أقامته في دبي الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (دبي)
أوروبا الصحافية الروسية يكاتيرينا برباش تتحدث خلال مؤتمر صحافي في مقر منظمة «مراسلون بلا حدود» في باريس 5 مايو 2025 (إ.ب.أ)

كيف هربت صحافية روسية من الإقامة الجبرية في موسكو وظهرت في باريس؟

ظهرت الصحافية الروسية يكاتيرينا برباش في باريس الاثنين عقب هروب جريء من موسكو الشهر الماضي، بعد أن وُضعت تحت الإقامة الجبرية، وواجهت حكماً بالسجن لعشر سنوات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي أعلنت الحكومة السورية اليوم (الاثنين) إعادة إطلاق بث قناة «الإخبارية» التلفزيونية الرسمية (سانا)

سوريا: إعادة إطلاق بث تلفزيون «الإخبارية» الرسمي

أعلنت الحكومة السورية اليوم (الاثنين) إعادة إطلاق بث قناة «الإخبارية» التلفزيونية الرسمية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي صحافيون يحملون جثمان زميلهم الفلسطيني ياسر مرتجى الذي قُتل خلال مواجهات مع القوات الإسرائيلية بغزة (د.ب.أ)

212 صحافياً ضحايا حرب غزة... وأكثر من 400 مصاب

تجمَّع عشرات الصحافيين الفلسطينيين، اليوم (السبت)، أمام «مجمع ناصر الطبي» في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، رافعين صور زملائهم الذين قُتلوا في الحرب الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«تشات جي بي تي» يثير جدلاً بشأن تحديث أسماء المُستخدمين

هاني سيمو (الشرق الأوسط)
هاني سيمو (الشرق الأوسط)
TT

«تشات جي بي تي» يثير جدلاً بشأن تحديث أسماء المُستخدمين

هاني سيمو (الشرق الأوسط)
هاني سيمو (الشرق الأوسط)

أثار تحديث ظهر على تطبيق «تشات جي بي تي» سجالاً بين خبراء التكنولوجيا والمُستخدمين، بعد ملاحظة أن الروبوت الخاص بالتطبيق يسمّي المُستخدمين بأسمائهم، حتى من دون إخباره بتلك الأسماء أو إعطائه صلاحية تخزينها، ما عدّه بعض الخبراء «اختراقاً للخصوصية». وأيضاً فتح التحديث جدلاً حول مستقبل بيانات المُستخدمين وحدود استخدامها دون موافقة مسبقة.

كان التطبيق قد عزّز تجربة الاستخدام منذ أبريل (نيسان) الماضي، بميزة «غير معلنة» تتلخّص في تقديم الإجابات أو الاستنتاجات بشكل شخصي للمُستخدم من خلال ذكر اسمه، وهو «سلوك لم يكن موجوداً في النسخ السابقة».

اللافت أن بعض المُستخدمين تكلّموا عن تجربتهم عبر تطبيق «إكس»، وقالوا إنهم عطّلوا خاصية «الذاكرة» وإعدادات التخصيص، ومع ذلك لم يتوقف الروبوت عن إدراج اسم الشخص داخل الإجابة، الأمر الذي أثار تساؤلات حول مدى اهتمام الشركة المالكة للتطبيق «أوبن إيه آي» بـ«حماية الخصوصية»، ومدى وعي المُستخدم بهذه التعديلات البرمجية المثيرة للقلق.

وعلى منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، توالت تغريدات عشرات المُستخدمين الذين أعربوا عن استيائهم أو ارتباكهم من أن يبدأ الروبوت في مخاطبتهم بأسمائهم دون طلب.

فادي عمروش (الشرق الأوسط)

ميزة غير معلنة

جدير بالإشارة أن شركة «أوبن إيه آي» لم تعلن بشكل رسمي عن هذا التحديث، كما لم تردّ حتى الآن على استفسارات المُستخدمين حول السبب وراء التحديث أو إمكانية تعطيله حسب الرغبة. ومع أن البعض يربط السلوك بميزة «الذاكرة» الجديدة التي تمكن «تشات جي بي تي» من تخصيص الردود بناءً على محادثات سابقة، فإن ظهور الأسماء لدى مَن عطّلوا هذه الميزة «يضع علامات استفهام حول مستوى الشفافية في التصميم البرمجي».

هاني سيمو، خبير المشاريع الرقمية في دولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن استخدام «تشات جي بي تي» أسماء المٌستخدمين «لا يخرج عن كونه ميزة ضمن تطوير النماذج، وتهدف إلى تحسين تجربة المُستخدم»، مضيفاً: «استخدام الأسماء في المحادثات يضفي مزيداً من الطابع الشخصي، ويجعلها أقرب إلى التواصل البشري. ومن ثم جاء التحديث لتحسين أسلوب التفاعل بين الذكاء الاصطناعي والمُستخدمين من خلال تخصيص طريقة مخاطبة المستخدم بناءً على الاسم الذي يحدده بنفسه أو الاسم الموجود في حسابه».

سيمو قال إن أمام المُستخدم آليات واضحة لطلب حذف بياناته الشخصية من «تشات جي بي تي»، وأضاف أنه «لأصحاب الحسابات عدة خيارات للتحكم في الخصوصية، ومن أهم الخيارات الموجودة حالياً، التحكّم بالسماح أو رفض السماح باستخدام محادثات وتفاعل المُستخدم مع (تشات جي بي تي) في عمليات تحسين تدريب النموذج».

وتابع أنه «وفق التفاصيل التي توضحها الشركة بخصوص هذا الخيار، فإن كل البيانات الشخصية والتفاصيل مثل الأسماء، والأرقام، والعناوين، تُزال قبل معالجة بيانات المحادثات في عمليات تحسين التدريب».

كذلك أشار سيمو إلى ميزة «الذاكرة» لدى «تشات جي بي تي»، موضحاً أنه «لجعل الإجابات أكثر شخصية، ومناسبة لطبيعة الاحتياجات الخاصة لكل مُستخدم، فإن التطبيق يجمع ويحلل ويتذكر تفاصيل من المحادثات، وأخيراً يتذكر محادثات كاملة سابقة بينه وبين المُستخدم». إلا أن حدود هذه الذاكرة هو تحسين التفاعل بين التطبيق والمُستخدم، وتحسين جودة الإجابات وسياقها، ولا يشارك هذه التفاصيل مع مُستخدمين آخرين، أو في عمليات تهدد الخصوصية. وفي هذا السياق - كما أردف - «يوجد أيضاً خيار المحادثات المؤقتة، التي تختفي بمجرد الخروج منها بشكل مباشر».

ومن ثم، عدّ سيمو مسألة الخصوصية في أنظمة الذكاء الاصطناعي من بين عوامل المنافسة المحتدمة؛ «إذ ستتسابق الشركات على اتباع أعلى المعايير وإثبات التزامها الكامل بالحفاظ على الخصوصية، ويساعدها هذا ليس فقط على الاحتفاظ بالمستخدمين، بل على جذب المزيد منهم».

محمد عبد الوهاب السويعي (الشرق الأوسط)

للعلم، هذا التحديث يأتي في ظل تصريحات صحافية من سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، الذي تطرق أخيراً إلى رؤية مستقبلية تطمح إلى تعريف أنظمة الذكاء الاصطناعي على مستخدميها بشكل مستمر وطويل الأمد لتقديم تجارب «شخصية ومفيدة للغاية». لكن ردود الفعل على هذا التحديث تشير إلى أن «هذه الرؤية قد لا تلقى ترحيباً واسعاً، على الأقل في شكلها الحالي».

طابع بشري يثير مخاوف

من جهة ثانية، في حين يمنح تضمين الاسم في المحادثة المُستخدم شعوراً بتجربة أكثر ودية وإنسانية - وهو ما يمثل في جوهره أحد أهداف التخصيص في أنظمة الذكاء الاصطناعي - اعتبر محمد عبد الوهاب السويعي، المتخصص في إدارة تقنية المعلومات والأمن السيبراني، والباحث في أنظمة الذكاء الاصطناعي بالمملكة العربية السعودية، «أن هذا الأسلوب قد يفتح باب المخاوف والتأويل إذا لم يُوضح بشفافية». وتابع خلال حوار مع «الشرق الأوسط» أن «مخاوف الخصوصية تتزايد عالمياً بسبب تتبع البيانات واستخدامها لأغراض تسويقية أو تصنيفية من دون علم المُستخدم».

وأوضح السويعي أنه من الناحية التقنية «فإن اسم المُستخدم الذي يظهر في (تشات جي بي تي) يُستخرج من إعدادات الحساب العامة كجزء من بيانات الجلسة، وليس من قاعدة بيانات مخفية أو من تتبع مباشر». ثم أضاف: «لكن يظل التحدي في أن كثيرين من المُستخدمين لا يدركون هذه التفاصيل التقنية، ما يعني أن الثقة قد تهتز بسهولة حتى من دون وجود خرق حقيقي... ولذا يُنصح بأن تقدم المنصات مثل (أوبن إيه آي) تفسيرات صريحة حول الخصائص التي ترتبط بالمعلومات الشخصية مهما كانت بسيطة».

الخبير السعودي ذكر أنه «لا توجد حالات موثّقة تشير إلى أن (تشات جي بي تي) استخدم معلومات شخصية للمُستخدمين بشكل غير مناسب أو في سياقات مضللة... فالنموذج مصمّم بطريقة عديمة الحالة، ما يعني أنه لا يحتفظ بسجل دائم للمُستخدم، ولا يمكنه استدعاء معلومات من جلسات سابقة، إلا إذا كانت ظاهرة ضمن المحادثة الجارية».

ومع أن هذا التصميم الآمن، أفاد السويعي أن عام 2023 شهد حادثة تقنية عابرة، حين اكتشف بعض المُستخدمين أنهم قادرون مؤقتاً على رؤية عناوين محادثات تعود لمُستخدمين آخرين، من دون القدرة على الاطلاع على محتوى تلك المحادثات. وشرح قائلاً: «صحيح أن (أوبن إيه آي) تعاملت بسرعة مع هذه الثغرة وأغلقتها، إلا أنها كانت تنبيهاً مهماً حول ضرورة تعزيز تدقيقات الأمان الداخلي في هذه الأنظمة». وأردف: «هذه الواقعة لم تكن متعلقة باستخدام مقصود للمعلومات، لكنها تؤكد أن حتى أكثر الأنظمة تقدماً ليست محصّنة ضد الأخطاء البرمجية، وأن الشفافية وسرعة الاستجابة هما ما تصنعان الفارق في الحفاظ على الثقة».

«تشات جي بي تي»... وتحيزاته

أيضاً، أثار الخبير السعودي بُعداً آخر مثيراً للاهتمام حال استخدام الروبوت لأسماء المُستخدمين، هو التحيّزات القائمة على الدين أو العرق أو الجنس، فقال: «استخدام اسم المُستخدم قد يُفسّر من قبل النموذج على أنه مؤشر على الجنس، أو الخلفية الدينية، أو الهوية الثقافية، وبالتالي قد يؤثر - من دون وعي - على صياغة الردود. فمثلاً، قد يتغير أسلوب المخاطبة أو مستوى التفصيل بحسب الاسم، من دون أن يقصد النظام ذلك».

وأضاف أن رغم بذل «أوبن إيه آي» وغيرها من الجهات المطوّرة لتقنية الذكاء الاصطناعي جهداً كبيراً لتقليل الانحيازات في النماذج اللغوية، يظل خطر التحيزات المبطّنة قائماً.

في هذه الأثناء، اعتبر الدكتور فادي عمروش، الباحث المختص في التحوّل الرقمي والذكاء الاصطناعي التوليدي، أن التحديث يُعد اختراقاً لقوانين حماية البيانات الدولية. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التحديث جاء جزءاً من ميزة الذاكرة الشاملة، والتي تشمل مهمتها تخزين معلومات من المحادثات السابقة تلقائياً، مثل الأهداف الشخصية، والاهتمامات، وأسلوب الكتابة، من دون الحاجة إلى إدخال يدوي من قِبل المُستخدم».

وأفاد بأنه «على الرغم من أن الهدف من هذه الميزة تعزيز التخصيص، وتحسين تجربة المُستخدم، فإنها تثير تساؤلات جدية تتعلق بالخصوصية وحماية البيانات المحمية بقوة القوانين الدولية. ونتيجة لتلك المخاوف، لم تُطرح هذه الميزة في دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك إسبانيا، بسبب التحديات المرتبطة بالامتثال للوائح اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)».

أخيراً، قال عمروش: «تنص المادة الرابعة من اللائحة على أن الاسم الشخصي يُعد من البيانات الشخصية، وبالتالي فإن استخدام أو تخزين أسماء الأفراد من دون الحصول على موافقة صريحة، أو من دون وجود أساس قانوني واضح، مثل المصلحة المشروعة أو تنفيذ عقد، قد يُعدّ انتهاكاً لتلك اللائحة». ومن ثم «في سياق استخدام (تشات جي بي تي)، إذا خزّن النظام أو استخدم أسماء أشخاص من دون الحصول على موافقة صريحة، فإن هذا قد يُعد معالجة غير قانونية للبيانات الشخصية. وعليه، يتوجب على شركة (أوبن إيه آي) توفير آليات واضحة وفعالة للمُستخدمين تتيح لهم إدارة بياناتهم».