«منتدى مصر للإعلام» يحذر من الانزلاق نحو «عالم بلا صحافة مؤسسية»

رئيسته قالت لـ «الشرق الأوسط» إن حرب غزة «جلبت الكابوس»

نهى النحاس أثناء إلقاء كلمتها بالجلسة الافتتاحية للمنتدى (الشرق الأوسط)
نهى النحاس أثناء إلقاء كلمتها بالجلسة الافتتاحية للمنتدى (الشرق الأوسط)
TT

«منتدى مصر للإعلام» يحذر من الانزلاق نحو «عالم بلا صحافة مؤسسية»

نهى النحاس أثناء إلقاء كلمتها بالجلسة الافتتاحية للمنتدى (الشرق الأوسط)
نهى النحاس أثناء إلقاء كلمتها بالجلسة الافتتاحية للمنتدى (الشرق الأوسط)

النحاس: لكل منتدى عربي نكهته الخاصة لا سيما أن المنتدى الإعلامي انعكاس للمجتمع الذي يقام فيه ومرآة لقضاياه

جاء «منتدى مصر للإعلام»، الذي عُقد في القاهرة أخيراً، ليدق ناقوس الخطر، ويثير تساؤلات حول مستقبل العالم «حال تُرك بلا إعلام». ويصدق هذا الواقع مع تصاعد الانتقادات لأداء الإعلام المؤسسي في تغطية الحرب على غزة، بالتوازي مع اتساع مساحة دور منصات التواصل بوصفها مصادر للمعلومات، لا سيما وقت الحروب والأزمات.

في حوار مع «الشرق الأوسط» حذّرت نهى النحاس، رئيسة «منتدى مصر للإعلام»، من «خطورة الانزلاق نحو عالم بلا إعلام وصحافة مؤسسية». وقالت: «لا يمكن تحمل نتائج وجود مثل هذا العالم»، إلا أنها أشارت في الوقت نفسه إلى أن «هذا الاحتمال يتعزّز كلما فقدت صناعة الإعلام اتجاهها على الصَعود المهني، أو أخفقت في تطوير نماذج أعمال قادرة على تحقيق الاستدامة».

كان هذا هو الدافع الرئيسي في اختيار عنوان النسخة الثانية من «منتدى مصر للإعلام»، ليكون «عالم بلا إعلام». ووفق النحاس: «وُلدت الفكرة قبل حرب غزة، بهدف مناقشة سؤال مركزي مفاده: ماذا لو تُرك الجمهور بلا إعلام مؤسسي يعتمد معايير التحقق وتدقيق المعلومات؟ ماذا لو تُرك الجمهور لمنصات التواصل ومنشورات غير موثوقة؟».

وحقاً، جاءت حرب غزة «لتعزز هذه الأسئلة، وتزيد حضورها مع ما شهده العالم من تراجع في الأداء المهني لمؤسسات إعلامية كبرى»، حسب النحاس التي ترى أن «حرب غزة جلبت كابوس سقوط الإعلام المؤسسي في فخ اللامهنية، تاركاً الساحة لمنصات التواصل ولمصادر غير موثوقة لتُشكّل الوعي الجمعي».

وأضافت رئيسة «منتدى مصر للإعلام» أنه «بينما تزداد حدة الحروب والنزاعات والجوائح والكوارث الطبيعية، تتعاظم الضغوط على الممارسات الإعلامية الاحترافية الجادة. ومع تزعزع ثقة قطاعات واسعة من الجمهور العالمي في أداء الإعلام المؤسسي، تخفق وسائط التواصل الاجتماعي، رغم ما تشهده من رواج وتأثير، في التمتع بقدر مناسب من المصداقية».

النحاس تنبّه إلى «ازدياد المخاطر بشأن مستقبل الإعلام ووجوده؛ بسبب تراجع الثقة المُطرد»، لافتة إلى معضلة أخرى تكشفها دراسات عدة صدرت أخيراً تتحدث عن «زيادة مؤشرات تجنب الأخبار منذ (كوفيد-19)». وحقاً، رصد تقرير معهد «رويترز» السنوي حول الإعلام الرقمي، الصادر في يونيو (حزيران) الماضي، «انخفاضاً مستمراً في التفاعل النشط مع الأخبار على منصات التواصل». وأكد ما سبق أنْ رصدَه في تقرير سابق من أن «أربعة من كل عشرة أشخاص صاروا يتجنبون الأخبار؛ لأنها تؤثر سلباً في مزاجهم»، كما أكدت تقارير عدة «تراجع معدلات الثقة في الإعلام».

ولذا، على مدار يومين بحث «منتدى مصر للإعلام» هذه المخاطر، في محاولة للتوصل إلى السبل التي يمكن من خلالها استعادة الثقة في وسائل الإعلام المهنية، وضمان استدامة أدائها، عبر الابتكار والحوكمة ومبادرات توليد العوائد.

جانب من فعاليات "منتدى مصر للإعلام" (الشرق الأوسط)

حلم سنوات عدة

حلم عقد منتدى عن الإعلام في مصر راود النحاس سنوات عدة تجاوزت العشر سنوات، لا سيما أنها كانت «تحرص» على حضور المنتديات الإعلامية في دول عدة حول العالم، تشارك في مناقشاتها، وتحضر جلساتها وورشها التدريبية. وهنا قالت: «كانت المنتديات الإعلامية تثري تكوينها المعرفي، وتدفعها للتساؤل عن سبب عدم وجود منتدى إعلامي في مصر، بتاريخها الكبير والممتد في مجال الإعلام والصحافة».

النحاس أكدت «أهمية» منتديات الإعلام العربية والأجنبية في تكوين المعارف المهنية، وتطوير العمل الصحافي والصحافيين أنفسهم. وقالت إنها «فرصة للاحتكاك والتعرف على الجديد في عالم الإعلام»، لا سيما لأولئك الذين لم تتح أمامهم فرصة السفر، للاطلاع على الجديد في المهنة، ولذلك سعت لإنشاء نسخة مصرية تناقش قضايا الإعلام الحالية، وتسهم في تدريب الشباب.

من ناحية ثانية، أشادت النحاس بالمنتديات العربية التي تصفها بـ«الناجحة»، وتقول إن «لكل منتدى عربي نكهته الخاصة، لا سيما أن المنتدى الإعلامي هو انعكاس للمجتمع الذي يقام فيه ومرآة لقضاياه ورؤيته لحلها، وإن تشابهت المهنة ومعاييرها وقواعدها، ما يضفي أهمية على وجود منتديات متعدّدة، لكلٍ شخصيته وهويته ودوره في إثراء المهنة وتطوير أداء العاملين بها».

من هذا المنطلق، لا تعتقد النحاس بوجود «فجوة» بين المنتديات العربية ونظيرتها الأجنبية، وإنْ أشارت إلى «زيادة مساحة المناقشات الحرة في المنتديات الغربية التي عادة ما تعكس الواقع السياسي لمجتمعاتها». وحقاً، فإن قضايا المهنة هي الهَمُّ الشاغل للنحاس ولـ«منتدى مصر للإعلام»، الذي يحرص على تقديم جرعات متنوعة من المناقشات وورش العمل بهدف «إنشاء جسر يجمع إعلام الشرق والغرب».

غير أن تركيز نهى النحاس على المهنة وقضاياها لا يعني الابتعاد عن الواقع السياسي في المنطقة، حيث فرضت الحرب الإسرائيلية على غزة حضورها في أجندة النسخة الثانية من «منتدى مصر للإعلام»، وأكدت أنه «حتى عند التطرق لقضية سياسية مثل الحرب على غزة، فالمناقشات كانت تتعلق بالمهنة وانعكاسات الحرب عليها». ومن ثم، قالت إن الحرب على غزة حدث مهم أثر في الجميع وألقى بظلاله على المهنة، وفرض تحديات وإشكاليات وقع فيها الإعلام وكان لا بد من مناقشتها، لا سيما أن «وسائل إعلام تموضعت، بوصفها نماذج ومدارس مهنية، سقطت في اختبار تغطية الحرب على غزة، وظهرت بوصفها وسائل غير مهنية».

حول تغطية غزة

هنا لا ترى النحاس أن المشكلة تكمن في انحياز مؤسسة أو وسيلة إعلام لطرف من طرفَي الصراع على حساب الآخر، بل في «عدم إعلانها لهذا الانحياز، وتقديمها أنماطاً غير مهنية ورؤية مشوّشة لما يحدث في غزة، وصلت حد تبرير انتهاكات حقوق الإنسان في بعض الأحيان»، محذرة من «اندماج الانتماءات السياسية في العمل الإعلامي لما لذلك من تأثير على مصداقية الوسيلة وثقة الجمهور فيها».

وحسب النحاس، لا يعني هذا «حظر وجود إعلام يعبّر عن آيديولوجية أو حزب سياسي معين»، فهذا «أمر مقبول ووارد»، لكن شريطة أن «تعلن المؤسسة انحيازاتها وانتماءاتها السياسية، لا أن تقدم نفسها نموذجاً مهنياً، ثم تعمد للدفاع عن طرف ضد آخر، وتشويه طرف لصالح آخر».

وبالفعل، شهدت الفترة الأخيرة انتقادات لمؤسسات إعلامية كبرى اتُّهمت بتخليها عن المعايير المهنية. إذ وصفت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) متظاهرين داعمين لفلسطين في لندن بأنهم «داعمون لحماس»، ثم ما لبثت أن اعتذرت عن ذلك. كذلك روجت وسائل إعلام غربية بينها «سي إن إن» شائعات «إقدام حركة حماس على ذبح أطفال»، وهذا الادّعاء كرره الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه، ما دفع البيت الأبيض لإصدار بيان أشار فيه لـ«تلك المعلومة غير دقيقة».

من هنا، ترى نهى النحاس أن المهنية هي السبيل لاستعادة الثقة، وتؤكد دوماً أن «كل شيء يبدأ وينتهي عند الجمهور»، الذي تعدّ أنه لا بد من دراسته وتحليل أنماطه الاستهلاكية وتفضيلاته لوضع استراتيجية عمل مهنية قادرة على جذبه واستعادة ثقته.

وتطرقت نهى النحاس إلى التاريخ الممتد للإعلام العربي. وهنا تتساءل عن سبب قلة فعاليته في التأثير على نطاق عالمي، بالقول: «للأسف هناك فراغ يتيح للإعلام الغربي أن يكون ساحة لعرض ومناقشة قضايا المنطقة»، إلا أنها لا تزال مؤمنة بأن الإعلام العربي «قادر على وضع معاييره الخاصة وتأسيس مدرسته المهنية اعتماداً على تاريخه الطويل، والأهم التزامه بالمعايير المهنية».

الإعداد للنسخة الثالثة

ومع إعلان نهاية النسخة الثانية من «منتدى مصر للإعلام» بدأت النحاس على الفور الإعداد للنسخة الثالثة، التي تعد بأن «تكون مختلفة شكلاً وموضوعاً، وتضم أنشطة ذات طابع خاص، مع إتاحة الفرصة لمشاركة طلبة من المنطقة العربية وأفريقيا».

أيضاً يسعى المنتدى لإطلاق جائزة باسمه في الدورة المقبلة، تقول النحاس «إن التخطيط لها بدأ في 2023، لكن رغبتها في الإعداد لها بشكل مبدع لابتكار اتجاهات جديدة، أجّلت الإعلان عنها». مع هذا وعدت بأن يشهد عام 2024 إطلاق جائزة «منتدى مصر للإعلام».

التدريب أيضاً يعدّ شاغلاً أساسياً للمنتدى، حيث تُقام ضمن فعالياته ورش تدريبية في مجالات عدة. وتوضح النحاس أن ما «قدمه المنتدى مجرد نبذة سريعة عن أهم التطورات في صناعة الإعلام تفتح آفاق الصحافيين للتبحر في المزيد». وأن «فلسفة التدريب أكثر عمقاً، ويجب أن تُبنى على استراتيجيات واضحة قائمة على فهم احتياجات السوق والجمهور وتحديد أهداف المؤسسات الإعلامية من التدريب». وتلفت النحاس إلى أنه في «إطار المنتدى تُعقد دورات تدريبية على مدار العام في مصر ودول عربية عدة، بالتعاون مع مؤسسات الإعلام بتلك الدول».

النحاس تتوخى أن «يكون منتدى مصر للإعلام نقطة تلاقٍ حقيقية بين إعلام الشرق والغرب، لعرض تجارب الجانبين وفتح حوار حقيقي بين الصحافيين». وتوضح أن «جزءاً من هذا الهدف تَحقَّق بالفعل في النسخة الثانية، حين تحاور الضيوف في أروقة المنتدى حول الحرب في غزة، فاتفقوا على بعض الأشياء واختلفوا على الآخر... لكن يبقى هدف المنتدى أن يتوسع في استضافة أفكار وتوجهات مختلفة، ويتسع للجميع ليكون بحق جسر تواصل بين صحافيي مصر والمنطقة والعالم، يرسخ أسس المهنية، ويرفع شأن الإعلام المؤسسي».


مقالات ذات صلة

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

مذاقات البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات.

إيمان مبروك (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد عز في لقطة من فيلم «فرقة الموت» (الشرق الأوسط)

أربعينات القرن الماضي تجذب صناع السينما في مصر

يبدو أن سحر الماضي دفع عدداً من صناع السينما المصرية إلى اللجوء لفترة الأربعينات من القرن الماضي بوصفها مسرحاً لأحداث أفلام جديدة.

داليا ماهر (القاهرة)
شمال افريقيا سيارة إطفاء تعمل بعد إخماد حريق كبير في الموسكي بوسط القاهرة (رويترز)

حرائق متكررة في وسط القاهرة تُثير جدلاً

أعاد الحريق الهائل الذي نشب في بنايتين بمنطقة العتبة في حي الموسكي وسط القاهرة، وتسبب في خسائر كبيرة، الجدل حول تكرار الحرائق في هذه المنطقة

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يتخوفون من غلاء أسعار السلع بعد رفع الوقود (الشرق الأوسط)

مصريون يترقبون تحركات حكومية لمواجهة الغلاء بعد رفع أسعار الوقود

وسط ترجيحات بزيادة جديدة على «أسعار السلع والمنتجات خلال الأيام المقبلة» عقب تحريك أسعار الوقود، يترقب مصريون «التحركات الحكومية لمواجهة موجة الغلاء المتوقعة».

محمد عجم (القاهرة)
شمال افريقيا مجلس الوزراء المصري برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء)

الحكومة المصرية لتشديد عقوبات «سرقة الكهرباء»

وسط إجراءات مصرية مكثفة لاستمرار «تنفيذ خطة عدم قطع الكهرباء» في البلاد، تدرس الحكومة المصرية تشديد عقوبات «سرقة الكهرباء».

أحمد إمبابي (القاهرة )

عرض برنامج «عقول مظلمة» على منصة «نتفليكس»

عرض برنامج «عقول مظلمة» على منصة «نتفليكس»
TT

عرض برنامج «عقول مظلمة» على منصة «نتفليكس»

عرض برنامج «عقول مظلمة» على منصة «نتفليكس»

بعد النجاح الذي حققه على قناة «الشرق ديسكفري»، يعُرض برنامج «عقول مظلمة»، أول برنامج تلفزيوني عن الجريمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من إنتاج «SRMG Studios» للمرة الأولى على منصة «نتفليكس».

ويعد «عقول مظلمة» أول برنامج تلفزيوني عن الجريمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أعمال «الشرق ديسكفري» الأصلية يتم تقديمه للجمهور العربي، حيث تستكشف هذه السلسلة الوثائقية المشوّقة قصص أبرز القتلة المتسلسلين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتجمع بين الصحافة الاستقصائية والسّرد الواقعي لقصص حقيقية هزّت المجتمع.

برنامج «عقول مظلمة» هو الإنتاج الأول لـ«SRMG Studios»، قسم الإنتاج في «SRMG»، الذي يهدف إلى إنتاج محتوى أصلي للجمهور العربي وتلبية احتياجات الصناعة من خلال الاستفادة من الشراكات الدولية لـ«SRMG»، والعمل مع المواهب الإقليمية، لإنتاج عديد من المشروعات الكبرى، التي هي قيد التنفيذ حالياً.

ويقدم البرنامج منظوراً فريداً لم يسبق طرحه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يسلط الضوء على جوانب إجرامية عاشتها بعض المجتمعات، وتمّ تجاهلها على نطاق واسع، بالإضافة إلى أنه يُلقي نظرة متعمّقة على الجوانب التي لم تناقش على نطاق واسع، كما يُبحر في أساليب ودوافع هذه الجرائم عبر تحليل دقيق لسلوكيات القتلة المتسلسلين مبني على لقاءات مع اختصاصيين، وخبراء جنائيين، وقانونيين، وأطباء.

ويعرض «عقول مظلمة» قصصاً من تونس والأردن والعراق والمغرب ولبنان ومصر، وتشمل: نصير دمرجي، والإخوة تانيليان، ولؤي التقي، وسفّاح الجيزة، وبلال وسوزان، وسفّاح مديونة.

وتهدف «الشرق ديسكفري» من خلال «عقول مظلمة»، وهو البرنامج الفريد من نوعه ضمن الأعمال الأصلية للقناة، إلى تقديم محتوى تثقيفي وترفيهي عربي مجاني لم يسبق له مثيل في المنطقة، حيث تسعى من خلاله إلى تقديم القصص غير المسبوقة في قالب مشوّق ورصين يواكب الطلب المتزايد على الإنتاجات العربية عالية الجودة.

تقدّم «الشرق ديسكفري» عدداً واسعاً من البرامج المجّانية الحصرية من مكتبة «وارنر براذرز ديسكفري»، بالإضافة إلى برامج الإنتاج الأصلي والإنتاج المشترك مع «وارنر براذرز ديسكفري»، و«HBO».