هل يغير اتجاه «غوغل» للدفع مقابل الأخبار سياسات منصات التواصل؟

شعار شركة "غوغل" على شاشة هاتف ذكي وجهاز كمبيوتر (رويترز)
شعار شركة "غوغل" على شاشة هاتف ذكي وجهاز كمبيوتر (رويترز)
TT

هل يغير اتجاه «غوغل» للدفع مقابل الأخبار سياسات منصات التواصل؟

شعار شركة "غوغل" على شاشة هاتف ذكي وجهاز كمبيوتر (رويترز)
شعار شركة "غوغل" على شاشة هاتف ذكي وجهاز كمبيوتر (رويترز)

بعد اتجاه مجموعة «ميتا» نحو حظر الأخبار في كندا منذ أغسطس (آب) الماضي، اتجهت مؤشرات المراقبين إلى أن «غوغل» سيحذو حذو المجموعة المالكة لـ«فيسبوك» و«إنستغرام»، غير أن شركة «غوغل» باغتت الجميع بصفقة مفادها «الدفع للناشرين مقابل الأخبار»، ما عدّه خبراء تغييراً في قواعد اللعبة ربما يرمي بظلاله على مستقبل سياسات منصات التواصل.

«غوغل» كانت قد أبرمت صفقة قيمتها 100 مليون دولار كندي (75 مليون دولار أميركي) مع ناشري الأخبار في كندا تلزمها بدفع هذه القيمة مقابل نشر الأخبار على محرك البحث، ما عدّه مراقبون انتصاراً للصحافة الرقمية، لا سيما بعد معركة طويلة خاضتها الصحافة الكندية منذ 2021 انتهت بمشروع قانون، صدر في يونيو (حزيران) الماضي، يلزم عمالقة التكنولوجيا بدفع أموال للناشرين.

وجاءت الصفقة التي أبرمت في ديسمبر (كانون الأول) الحالي بالتزامن مع دخول القانون الكندي حيز التنفيذ وسط نزاع مستمر مع مالك «فيسبوك» و«إنستغرام» (ميتا) حول بنوده المُلزمة.

وعدّ بعض الخبراء قرار «غوغل» إطاراً منظماً يضمن تدفقاً ثابتاً للأموال من شركات التكنولوجيا التي تحقق أرباحاً ضخمة من الأخبار إلى صناعة الصحافة، في حين رأى آخرون القرار مجرد مناورة في إطار المنافسة المحتدمة بين قطبي التكنولوجيا الكبيرين.

حاتم الشولي، مشرف تحرير الإعلام الرقمي في قناة «الشرق للأخبار»، يرى أن نهج «غوغل» لم يكن مباغتاً، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «غوغل لديها تاريخياً مسارها المختلف عن مسار ميتا في التعاطي مع الأخبار، فمنذ انطلاقتها تعتمد بشكل كبير على قطاع الأخبار ومعظم إعلاناتها الرئيسية مرتبط به، بينما الأمر يختلف مع ميتا التي تُغير سياستها وفقاً للسياسة الأميركية».

واعتبر الشولي أن «القوانين واللوائح التي تنظم الإنترنت تختلف من دولة إلى أخرى، ففي كندا، على سبيل المثال، هناك قانون خاص يلزم شركات الإنترنت بمشاركة عائدات الإعلانات مع الناشرين، أما في الولايات المتحدة، حيث مقر (ميتا) فالوضع غير ذلك وهذا يؤثر على قرارات شركات التكنولوجيا». لكنه، مع هذا، رأى أن من شأن هذه الخطوة أن تكون مؤشراً واضحاً على تغيير نظرة قطاع التكنولوجيا بشكل عام لخدمات الأخبار، ولكن وفقاً لحاجة كل شركة. وأردف أن «غوغل تتطلع للإعلانات المباشرة، بعكس (ميتا) التي تعتمد بشكل أكبر على الإعلانات المستهدفة، التي تعرض على أساس اهتمامات المستخدمين، وهذا يعني أن (ميتا) تتفاعل بشكل أقل مع الأخبار من غوغل».

من جهة ثانية، صنّف الشولي الأخبار في أهمية متراجعة بالنسبة لـ«ميتا»، وقال إن هذا يتوافق مع رؤية «ميتا» التي كشفت، في تقرير سابق، عن أن «الأخبار لا تشكل أكثر من 3 في المائة من القوة الاقتصادية للشركة»، غير أنه قال إنه يتوقع ثمة تغييرات محدودة في علاقة الشركة بمنصاتها العملاقة مع الأخبار. وأضاف: «ربما تعيد النظر في قرار حظر الأخبار في بعض الدول، فالشركة على علم بحجم الخسارة التي تتكبدها بسبب حظر الأخبار، غير أن السياسات الأميركية تلعب الدور الأكثر تأثيراً في نهج ميتا».

ويتابع الشولي كلامه، فيدحض فرضية «ميتا» بالتقليل من أهمية الأخبار لمستهلكي مواقع التواصل الاجتماعي. وذكر أن «حظر الأخبار لأي منصة أو محرك بحث يعني خسائر فادحة ستكون في قاعدة الجمهور أولاً، لا سيما أن ما شهده العالم في 2023 من أحداث مثل الحرب الروسية - الأوكرانية ثم حرب غزة، دلّ على أن الأخبار هي الجزء الأكثر متابعة، ومع ذلك تحاول بعض شركات التكنولوجيا الابتعاد عن هذا المسار بسبب تحكم سياسات بعض الدول بقرارات هذه المنصات».

وفي هذا السياق، أشار الشولي إلى أن هجوم «ميتا» على الأخبار وصُناعها له أسباب؛ منها أن «الأخبار جزء من سردية صناعة الرأي العام للتأثير على المتلقي والمعلن معاً، ومن ثم جذب الجمهور ثم المعلن إلى ساحات أخرى بعيدة عن الأخبار، وهذا يخلق صعوبة على المنصة في تقبل كل المحتوى المنشور الذي قد يتعارض قطعاً مع آيديولوجيتها وتوجهاتها». وعدّ الشولي اتجاه «غوغل» الأخير «مكسباً لصُناع الأخبار»، متابعاً: «صُناع الأخبار أمام نجاح جزئي محدود بكندا التي تعد جغرافياً واقتصادياً ليست اللاعب الأكبر، بينما الانتقال إلى الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وربما المنطقة العربية، سيكون ذا أثر أكبر».

في جانب موازٍ، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، يصف خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في مصر والمملكة العربية السعودية، صفقة «غوغل» بـ«المبشّرة». وأضاف: «يجب أن تتوصل شركات التكنولوجيا إلى اتفاقيات عادلة مع صُناع الأخبار تضمن تقديم خدمات مستدامة... بل ونتوقع من هذه الشركات أن تتحمل مسؤوليتها في تطوير خدمات تقديم المعلومة والعمل على تحقيق مزيد من الدقة وتوفير الأدوات التي تسهل على صُناع الأخبار تقديم المعلومة الصحيحة والموثوقة للمتلقي... ثم إن السنوات المقبلة ستشهد كثيراً من المستجدات فيما يخص تنظيم نشر الأخبار سواءً عبر غوغل أو ميتا».

وعن أهمية توجه «غوغل» الأخير، قال عبد الراضي إنه «يُسهم في تعزيز بيئة عمل تضمن تدفق الأخبار والمعلومات على نحو مستدام وعادل، لأن جزءاً من دور الصحافة هو تطوير المجتمع وإبقاؤه على دراية بمجريات الأمور، وهو هدف نبيل يجب أن تسهم شركات التكنولوجيا في تدعيمه». غير أن عبد الراضي لا يراهن كثيراً على دعم «فيسبوك» للأخبار حتى في الفترة المقبلة، شارحاً أن «فيسبوك تسعى للتحرّر من الأخبار التي وضعتها في كثير من مآزق السياسة... وكانت (ميتا) قد واجهت أزمة العام الماضي بتراجع قيمة أسهمها نتيجة لانخفاض الإيرادات، وهو ما دفعها إلى العزوف عن دعم الأخبار لصالح الترفيه، الذي تظن الشركة أنه المسار الضامن لبقاء المستخدم في حالة تفاعل دون الدخول في أزمات سياسية أو تهم بشأن المعلومات المغلوطة». ويتوقع عبد الراضي، بالتالي، أن تبحث «ميتا» عن وسيلة للتعاطي مع الأخبار على نحو يضمن لها تدفق الأخبار وتقديم خدمات للمستخدمين بأقل قدر من الأزمات السياسية والاقتصادية.



الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
TT

الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»

للمرة الأولى في العراق، منذ تغيير النظام عام 2003 بواسطة الدبابة الأميركية، تتمكّن وسائل الإعلام العادية ووسائل التواصل الاجتماعي من محاصرة السلطات الثلاث في البلاد، أي التشريعية والتنفيذية والقضائية.

إذ لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن تتناول وسائل الإعلام إحدى السلطات الثلاث أو كلها مجتمعة، إلى الحد الذي دفع أحد أبرز قيادات النظام السياسي وأحد آبائه المؤسسين، وهو نوري المالكي - ثالث رئيس وزراء عراقي بعد التغيير - إلى التحذير في كلمة متلفزة من نقل كل ما يدور في أروقة هذه السلطات إلى الإعلام.

جاءت كلمة المالكي المتلفزة في خضم تفجر تبعات تضارب المصالح والسياسات وتراكم حالات الفساد التي وصلت إلى ما بات يُوصف في وسائل الإعلام بـ«سرقة القرن».

وسعى المالكي في كلمته، إلى دغدغة مشاعر الجماهير، وبالذات، جماهير الأحزاب السياسية التي هي في الوقت نفسها مادتها في الانتخابات. لكن، في حين يعترف المالكي بأنه ليس هناك شيء يهدد الدولة مثل «اضطراب العلاقة بين السلطات الثلاث»، حذّر من حصول سوء تفاهم، وقال بضرورة أن «تسير الأمور وفق الاتصالات والتفاهمات بينها حتى تستقر العملية السياسية». كذلك نبّه في الوقت نفسه إلى ضرورة منع نقل اختلال العلاقة واضطرابها والمشاكل المترتبة عليها إلى «وسائل الإعلام».

تخمة إعلامية

غير أن العراق اليوم حافل بوسائل الإعلام المختلفة والمتعددة، كون غالبية الأحزاب والقوى السياسية باتت تملك وسائل إعلامها الخاصة بها (من صحف وفضائيات وإذاعات بل حتى وكالات). وبالتالي، فإن «الحرب» التي تشنّها وسائل الإعلام ضد هذا الطرف أو ذاك من داخل الطبقة السياسية، وإن كانت تبقى محصورة في نطاق التنافس والابتزاز أحياناً عبر التهديد بالكشف عن ملفّات معينة، تكمن خطورتها أحياناً في أنها تخرج عن السيطرة وتتحول إلى أزمة تهدّد النظام السياسي بكامله.

أيضاً، يرى العراقيون أن المكسب الوحيد الذي حصلوا عليه بعد عام 2003 هو الديمقراطية، وهذا على الرغم من أن حرية التعبير المنصوص عليها في الدستور لم تُنظّم بقانون حتى الآن. فواقع الحال أن وسائل الإعلام، سواءً كانت «ميديا» أو «سوشيال ميديا»، لعبت خلال الفترة الأخيرة دوراً مهماً على صعيد الكشف والمحاسبة ومحاصرة السلطات في عديد من الملفات والقضايا، التي باتت ساحتها وسائل الإعلام، لتتحوّل من ثمّ إلى قضايا رأي عام.

من ناحية ثانية، على الرغم من امتلاك معظم القوى السياسية وسائل إعلامها الخاصة، فإن صراع الأقطاب السياسيين بشأن الملفات المطروحة وتصادمها وتناقضها، يجعل من الحرب الناجمة عن ذلك عرضة للتشظي السريع. وبالتالي، تتحوّل إلى مادة؛ إما يسخر منها الجمهور وإما يتفاعل معها بطرق في الغالب سلبية. ومعلومٌ أن القوى السياسية بدأت منذ الآن «اللعب على وتر» الشعبوية لاستثارة الجمهور العاطفي تمهيداً للانتخابات المبكرة. إذ إن قضايا، مثل قانون العفو العام، سرعان ما تتحول إلى مادة للسخرية والتهجّم على عديد من القيادات السنّية. والأمر نفسه ينطبق على محاولات تعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي تتبنّاه قوى شيعية فاعلة، في محاولة منها لاستمالة أعلى نسبة من الجمهور الشيعي... الذي يعيش انقساماً بيّناً داخل المكون الشيعي.

ذكاء اصطناعي بالمقلوب

على صعيد آخر، تنشط وسائل الإعلام ووسائطه المختلفة، بما في ذلك ما يُسمى «الجيوش الإلكترونية». وهذه في الغالب اختصاص الأحزاب والقوى السياسية في متابعة الأحداث، وبخاصة قضايا الفساد، كونها المادة الأكثر إثارة عاطفية للجمهور العراقي.

إلا أن التحوّل الأخطر اليوم هو دخول الذكاء الاصطناعي على الخط. ففي حين يسعى كثير من الدول إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بكل ما هو إيجابي، فطبقاً لما جرى تداوله أخيراً في العراق على نطاق واسع، تسريبات صوتية تخصّ رئيس «هيئة النزاهة» حيدر حنون، وتتهمه بتلقي رشى لقاء تسهيلات معينة في «الهيئة».

الجديد في الأمر أن وسائل الإعلام حاولت اللعب على وتيرة ما قيل إن هذه التسريبات ليست حقيقية بل هي عملية مفبركة من خلال الذكاء الاصطناعي. ولكن بصرف النظر، عما إذا كانت التسريبات حقيقية أم لا - خصوصاً أن القضاء الذي يحقّق بالأمر لم يقل كلمته بعد - فإن الأحكام في الغالب بدأت تصدر من خلال التناول المكثّف لمثل هذه القضايا عبر وسائل الإعلام. وطبعاً، بقدر ما يؤثّر مثل هذا الضغط الإعلامي الواسع في تغيير وجهات نظر الناس، والتأثير فيهم، فإنه في النهاية يؤدي إلى مزيد من الإرباك وزيادة الغموض بين ما هو صحيح وما هو مفبرك.

تضارب الآراء هذا لا يعني أن قضية التسريب هي الأولى من نوعها في العراق، لكن الناس، في مطلق الأحوال، صاروا يشكّكون في التوقيت والسبب وراء نشر أمور كهذه أمام الجميع وتحت متناول وسائل الإعلام... كي تنتج منها ظاهرة خطيرة قد تُشعل الأجواء أو تغيّر النظام. وعلى الرغم من أن أزمات من هذا العيار قد تكون مدوّية وفاضحة للنظام السياسي، فإنها حتماً ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ذلك أنه سبق أن انتشرت تسريبات صوتية لنوري المالكي، نفسه، قبل سنتين، وأحدثت ضجة كبيرة في الأوساط العراقية، لكن الأزمة سرعان ما انتهت من دون ترك أثر سياسي خطير يُذكر.

طبيعة النظام وأزمات الإعلام

في النهاية، يقول مراقبون إن طبيعة النظام السياسي في العراق أصبحت جزءاً من عملية «صنع الأزمة الإعلامية» والتلاعب عليها... سواءً كانت عبر التنافس بين القوى السياسية أو عبر التسقيط والابتزاز وفضح الآخرين. كذلك بات المواطن العراقي يفهم جيداً طريقة التلاعب والابتزاز في صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية. والحال، أن الخبر في العراق قد يمتد صداه إلى ثلاثة أيام فقط وبعدها ينتهي، والسبب أن المواطن اعتاد على أزمات سياسية بين القوى والأحزاب... على هذا المستوى أو حتى أعلى. وأيضاً، فإن وسائل «السوشيال ميديا» ساعدت في تسطيح الأزمات السياسية الخطيرة في العراق، إما عبر التهكّم بجعلها مادة للسخرية والتنمّر الاجتماعي، وإما عبر التذمّر والامتعاض الذي يؤدي إلى رفض كامل للواقع السياسي.