«بي بي سي» و«حماس»... قصّة مقالين

هيئة الإذاعة البريطانية تواجه انتقادات حادّة لتغطيتها حرب غزة

شرطيان خارج مقر «بي بي سي» في لندن بعد تلطيخ مدخلها بطلاء أحمر في 14 أكتوبر (أ.ف.ب)
شرطيان خارج مقر «بي بي سي» في لندن بعد تلطيخ مدخلها بطلاء أحمر في 14 أكتوبر (أ.ف.ب)
TT

«بي بي سي» و«حماس»... قصّة مقالين

شرطيان خارج مقر «بي بي سي» في لندن بعد تلطيخ مدخلها بطلاء أحمر في 14 أكتوبر (أ.ف.ب)
شرطيان خارج مقر «بي بي سي» في لندن بعد تلطيخ مدخلها بطلاء أحمر في 14 أكتوبر (أ.ف.ب)

أثارت تغطية هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) لحرب إسرائيل على غزة عاصفة إعلامية وسياسية، تجاوز صداها أروقة البرلمان البريطاني إلى طاولة مباحثات جمعت رئيس الوزراء ريشي سوناك بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ.

السبب؟ رفض «بي بي سي» وصف مقاتلي «حماس» بـ«الإرهابيين» في الأيام التي تلت الهجوم الذي شنّته الحركة على إسرائيل، والذي أسقط 1400 قتيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وردّت عليه تل أبيب بحرب، هي الأعنف على غزة، أسقطت أكثر من 8 آلاف قتيل حتى اليوم.

متظاهرون يحملون أعلاماً إسرائيلية وينتقدون سياسة «بي بي سي» التحريرية خارج مقرها بلندن في 16 أكتوبر (إ.ب.أ)

وعلى الرغم من دفاع الشبكة البريطانية الأبرز عن قرارها التحريري لأيام، فإنها أذعنت للضغوط السياسية والدولية، وأصبحت ترفق الإشارة إلى «حماس» بتصنيفها على قائمة المنظمات الإرهابية في بريطانيا. وفي تأكيد على مراجعتها توصيف «حماس»، قالت ناطقة باسم «بي بي سي» لـ«الشرق الأوسط» إن المؤسسة ابتعدت عن استخدام كلمة «مسلّح» لوصف مقاتلي «حماس» و«حزب الله»، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن «(بي بي سي) لا تحظر الكلمات، وقد تكون هناك أوقات، اليوم أو في المستقبل، يكون من المناسب فيها استخدام هذا المصطلح».

كان هذا التصريح اقتباساً من مقال نشرته مديرة أخبار «بي بي سي»، يستعرض الصعوبات الكبيرة التي تواجهها المؤسسة في تغطية حرب غزّة، خاصّة أن الانتقادات لم تقتصر على وصف «حماس»، بل تجاوزتها لاتهامات بالانحياز لإسرائيل، وأخرى للفلسطينيين.

عاصفة انتقادات

شهدت «بي بي سي» خلال السنوات القليلة الماضية سلسلة أزمات على خلفية تعليقات اعتُبرت «غير محايدة»، أو شبهة تجاوزات أخلاقية لأحد مذيعيها، حتى اتّهامات بالتحيّز لهذا الحزب أو ذاك. لكن أيّاً من هذه الأزمات لم يتحوّل إلى محور نقاش حكومي، أو يُثر هذا الكمّ من الاهتمام الدولي.

فقد نقلت تقارير إعلامية بريطانية أن الرئيس الإسرائيلي أثار قضية وصف حركة «حماس» مع سوناك لدى زيارة الأخير تل أبيب الأسبوع الماضي. وذكر موقع صحيفة «ذي إندبندنت» أن هرتسوغ عبّر عن استيائه لرئيس الوزراء البريطاني، ووصف تغطية «بي بي سي» بـ«الفظيعة». وقال: «حقيقة كونها لا تعترف بـ(حماس) كمنظمة إرهابية أمر يتطلب معركة قانونية وشعبية كاملة». ورداً على ذلك، رأى سوناك أنه يجب تسمية هجمات 7 أكتوبر «كما هي، أي عمل إرهابي ارتكبته منظمة إرهابية شريرة».

هيرتسوغ لدى استقباله سوناك في 19 أكتوبر (إ.ب.أ)

وفي السياق ذاته، حرص وزراء بارزون في الحكومة البريطانية على إثارة هذه القضية في تصريحاتهم خلال الأسبوعين الماضيين. فوزير الدفاع البريطاني غرانت شابس وصف سياسة «بي بي سي» بأنها «تكاد تكون مشينة»، ومن ثم ينبغي على المؤسسة تحديد «بوصلتها الأخلاقية». وكذلك، حضّها وزيرا الخارجية جيمس كليفرلي والثقافة لوسي فرايزر على مراجعة موقفها.

اختبار الحياد

لم تتردّد «بي بي سي» في معالجة هذه الانتقادات، ومحاولة شرح سياستها التحريرية؛ خصوصاً عبر مقالين، أولهما بقلم جون سيمبسون، محرّر الشؤون الدولية فيها، أعقبه بعد أيام مقال لمديرة الأخبار ديبورا تورنيس.

وفي 11 أكتوبر، نشر سيمبسون مقاله بعنوان «لماذا لا تصف (بي بي سي) مسلحي (حماس) بـ(الإرهابيين)؟»، في أول محاولة من المؤسسة للردّ على تسونامي تساؤلات الإعلام والدوائر الحكومية والنيابية والمسؤولين الأجانب عن سبب تحفّظها عن استخدام وصف «الإرهابي» عند الإشارة إلى «حماس»، رغم التصنيف الرسمي البريطاني للحركة والمزاج السياسي السائد.

منطق سيمبسون، والمؤسسة التي يمثّلها، اختصره في هذه الفقرة: «الإرهاب كلمة مشحونة يستخدمها الناس لوصف جماعة لا يوافقون عليها أخلاقياً. ليست مهمة (بي بي سي) أن تقول للناس من يجب أن يدعموا ومن يجب أن يدينوا، من هم الأخيار ومن هم الأشرار».

واستشهد سيمبسون في معرض شرحه بالضغوط التي تعرّضت لها مؤسسته في ثمانينات القرن الماضي ببريطانيا. وقال إنه «كان من الصعب الحفاظ على هذا المبدأ عندما كان (الجيش الجمهوري الآيرلندي) يقوم بحملة تفجيرات في إنجلترا ويقتل المدنيين الأبرياء، لكننا فعلنا ذلك. وكانت حكومة مارغريت ثاتشر تمارس ضغوطاً هائلة على (بي بي سي)، وعلى المراسلين الأفراد من أمثالي في هذا الشأن، وخاصة بعد تفجير برايتون الذي نجوت فيه من القتل، فيما قتل وجُرح كثير من الأبرياء الآخرين».

موظّف ينظّف مدخل مقر «بي بي سي» في لندن بعد تلطيخه بالطلاء الأحمر (رويترز)

تمسكت «بي بي سي» بموقفها لأيام، قبل أن تراجعه أمام تصاعد الضغوط. وفي هذا الصدد، يقول ديس فريدمان، مدير مركز أبحاث الإعلام في كلية غولدسميث، التابعة لجامعة لندن، إن هيئة الإذاعة البريطانية تعرّضت لضغوط هائلة للتخلي عن سياستها المتمثلة في الامتناع عن وصف «حماس» بالإرهابية. وهي اليوم تواصل وصف «حماس» بأنها «حركة فلسطينية تحكم قطاع غزة منذ عام 2007»، مع الإشارة إلى حقيقة أن بعض الدول «صنفتها جماعة إرهابية».

ورأى فريدمان، متحدّثاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك حجة قوية مفادها أنه إذا كان لهيئة الإذاعة البريطانية أن تؤخذ على محمل الجد، سواء داخل المملكة المتحدة أو على المستوى الدولي، فلا بد أن تكون مستقلة عن تلك الحكومات، وأبرزها حكومتا المملكة المتحدة وإسرائيل، اللتين تطالبانها بتغيير رأيها».

انتقادات عكسية

بالتزامن مع العاصفة السياسية التي واجهتها «بي بي سي» على خلفية توصيفها لحركة «حماس»، وجدت المؤسسة نفسها أمام موجة انتقادات موازية اتّهمتها بالانحياز لصالح إسرائيل في تغطية حرب غزة.

ولفت فريدمان إلى هذه المفارقة، مسلّطاً الضوء على انتقادات وجّهها صحافيون داخل «بي بي سي» لتغطية اعتبروها مؤيدة لتل أبيب. وقال: «أرسل موظفون رسالة هذا الأسبوع إلى المدير العام، مفادها أن المؤسسة تتعامل مع حياة الإسرائيليين باعتبارها أفضل من حياة الفلسطينيين». وتابع: «في كثير من الأحيان، نرى عناوين الصحف، بما في ذلك في هيئة الإذاعة البريطانية، أن الإسرائيليين (يُذبحون)، بينما (يموت) الفلسطينيون في القصف المستمر، أو نقرأ عن (الفظائع التي ترتكبها حماس)، في مقابل (المعاناة في غزة)، كما لو أن الأخيرة لا تمثّل فظاعة غير مسبوقة».

متظاهر يحمل علماً فلسطينياً خارج مقر «بي بي سي» بغلاسكو في 14 أكتوبر (أ.ف.ب)

تطرّقت ديبورا تورنيس، مديرة الأخبار في «بي بي سي»، لمجمل هذه الانتقادات في مقال نشرته الأربعاء، اعتبرت فيه أن «هذه الحرب هي من الأحداث الأكثر تعقيداً واستقطاباً التي غطيناها في تاريخنا». ولفتت إلى أن «بي بي سي» واجهت «انتقادات وشكاوى بأننا منحازون لإسرائيل وضدها، ولصالح الفلسطينيين وضدهم».

وفيما جددت تورنيس التزام المؤسسة بمبدأ الحياد، أكّدت اتّخاذها عدداً من الإجراءات الإضافية «حول كيفية إسناد ووصف المصادر والمعلومات في تغطيتنا لهذه الحرب».

كما تطرّقت إلى اللغة المستخدمة في وصف الضحايا المدنيين، وقالت إنه «يتعين علينا أن نفكر ملياً في الطريقة التي نتحدث بها عن الوفيات بين المدنيين، وكيف أن اللغة التي نستخدمها قد تعطي، عن غير قصد، الانطباع بأننا ننظر إلى بعض الوفيات على أنها أكثر أهمية من غيرها أو نعامل الناس على أي من الجانبين بشكل مختلف». وأشارت إلى «تداول تغريدة تقول إن الناس (ماتوا) في غزة و(قُتلوا) في إسرائيل على نطاق واسع كمثال على ذلك».

وعبّر فريدمان عن تخوّفه من تعرض «بي بي سي» لمزيد من الضغوط لـ«لتأطير الحرب على الفلسطينيين من منظور مؤيد لإسرائيل» على حد قوله، مشيراً إلى لقاء جمع تيم ديفي، المدير العام لـ«بي بي سي»، بأعضاء حزب المحافظين في البرلمان الأسبوع الماضي.

وشدد فريدمان على ضرورة تحوّل النقاش الحالي من كيفية وصف «حماس» إلى ما قد يشكل جرائم حرب وإبادة جماعية، خاصة في إطار الغزو البري المحتمل لغزة.


مقالات ذات صلة

«شرق ليبيا» يرحّب بـ«قافلة الصمود» ويشدد على احترام «الضوابط المصرية»

شمال افريقيا ليبيون يرحبون بالمشاركين في «قافلة الصمود» أثناء مرورها بشوارع طرابلس (أ.ف.ب)

«شرق ليبيا» يرحّب بـ«قافلة الصمود» ويشدد على احترام «الضوابط المصرية»

في حين كانت تعبر «قافلة الصمود» مدينة مصراتة في غرب ليبيا، أبدت سلطات شرق ليبيا ممثلة في وزارة الخارجية بحكومة أسامة حمّاد، ترحيبها بالمبادرة المغربية.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شؤون إقليمية النائبة الأوروبية ريما حسن (أ.ف.ب) play-circle 01:32

6 من ركاب السفينة «مادلين» بينهم ريما حسن بصدد مغادرة إسرائيل جواً

أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية، مساء الخميس، أن ستة من ركاب السفينة «مادلين» بينهم النائبة الأوروبية ريما حسن، بصدد مغادرة إسرائيل جواً.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يحملون مساعدات إنسانية في رفح بجنوب قطاع غزة (أ.ب)

وثائق للجيش الإسرائيلي: «حماس» تصادر المساعدات لتمويل عملياتها ودفع رواتب عناصرها

نشر الجيش الإسرائيلي وثائق يزعم أنها من إعداد «حماس»، ويقول إنها تُظهر أن الحركة «حافظت على سياسة مصادرة من 15 إلى 25 في المائة من المساعدات التي دخلت غزة».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا تونسيون يحملون لافتات مؤيدة للفلسطينيين يرحبون بقافلة «الصمود» المتجهة براً نحو غزة (أ.ف.ب)

«قافلة الصمود» المغاربية تقترب من مصر... فما موقف القاهرة؟

اقتربت «قافلة الصمود» المغاربية لفك الحصار المضروب على غزة، من بلوغ مدينة الزاوية التي تبعد 51 كلم عن العاصمة الليبية، بعد عبورها من تونس، في طريقها إلى مصر.

هشام المياني (القاهرة)
المشرق العربي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحدث خلال فعالية في نيس بفرنسا يوم 9 يونيو 2025 (رويترز)

ماكرون: الحصار الإنساني على غزة «فاضح»

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الاثنين، إن الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية إليه أمر «فاضح».

«الشرق الأوسط» (باريس)

إعلامي سوري يوثق تجربته في «ألغام غرفة الأخبار»

المؤلف مكرماً في دولة الإمارات العربية المتحدة (الشرق الأوسط)
المؤلف مكرماً في دولة الإمارات العربية المتحدة (الشرق الأوسط)
TT

إعلامي سوري يوثق تجربته في «ألغام غرفة الأخبار»

المؤلف مكرماً في دولة الإمارات العربية المتحدة (الشرق الأوسط)
المؤلف مكرماً في دولة الإمارات العربية المتحدة (الشرق الأوسط)

يتحدّث الصحافي آلجي حسين في كتابه الأول «ألغام غرفة الأخبار»، في تجربته الأولى عن الواقع الإعلامي بشقَيْه: الميداني على الأرض/ والعمل في غرف الأخبار، ونقل تحديات مهنة الصحافة في دول العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط.

الكتاب وقّعه كاتبه في معرض أبوظبي الدولي للكتاب بدورته الرابعة والثلاثين، أخيراً. وهو صادر عن «دار تعلّم للنشر والتوزيع» في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويتطرّق إلى خفايا غرف الأخبار ومقارنتها مع أكثر أنوع الأسلحة خطورةً مثل النووية.

من جهة ثانية، يتوزّع الكتاب على عشرة فصول، ويتضمّن مقدمة بعنوان «هذا الكتاب لهذا»، ثم تتوالى عناوين الفصول «الكلمة رصاصة في حقل ألغام»، و«الأخبار المروعة»، و«القوة الناعمة للأخبار»، و«فلسفة نظريات الإعلام». ويأتي وسط زحمة أخبار جذابة يصنعها الصحافيون ويتسيّدون أبطالها، وبين مشاهد الرعب والدمار والألغام في العالم. ثم إن الكتاب يدق ناقوس الخطر، محذراً من الاستخدام غير السليم للكلمة؛ إذ يقول حسين إن «الكلمة رصاصة، يجب حسن استخدامها وترتيب توقيتها وانتقائها ووضعها في سياقها الصحيح، إنسانياً ومهنياً».

آلجي حسين (الشرق الأوسط)

السير في حقل الألغام

آلجي حسين، المحرّر الصحافي السوري الكردي الذي عايش وغطى إعلامياً حروباً وأزمات عديدة في سوريا والعراق والصومال، تناول في بداية حواره مع «الشرق الأوسط» عن كتابه الأول، أنه كُتب بعيداً عن غرف الأخبار المكيفة. كما يصف، موثقاً عبر عدسة كاميرته وقلمه مشاهد النزوح القسرية ومآسي المخيمات وأهوال الإرهاب، والأزمات الإنسانية التي عصفت بمسقط رأسه القامشلي وبلده سوريا على مدار 14 سنة مضت.

ويشرح حسين: «الكتاب نبع من تجربة شخصية؛ ليعبّر عن هواجس وتساؤلات عما يدور في ذاكرتي الصحافية اليومية بين ثنايا الأخبار، ولا سيما نقل الهموم والتطورات المتسارعة إلى جمهور القراء». ويضيف أن الشريحة الأكبر من الجمهور يجهلون أن هذه المهنة لا تخلو من المصاعب والتحديات «ولا سيما العمل الميداني».

يعرض آلجي حسين في كتابه «دهاليز» اجتماعات إدارة التحرير وغرف الأخبار وتغطيات المراسلين الميدانيين، التي يشبهها بمذكراتِ جندي نجا من الموت بعد سيره في حقلِ ألغام. ولا ينسى التغطيات الساخنة، وكيف أن كثيرين من الصحافيين والإعلاميين لاقوا حتفهم وهم ينقلون الحقيقة. ويروي أسئلة الموت والحياة في عالمِ الصحافة، وكيفَ تحولت إلى قوة ناعمة، وكلمةِ الفصل في ساحاتِ الحرب.

«ألغام غرفة الأخبار» يقع في 100 صفحة من القطع المتوسط. وحسب كلام مؤلفه، يبيّن أن محرّر الأخبار هو ذاته الذي عليه السير في حقل الألغام أو حتى في منجم فحم. وهنا يوضح المؤلف شارحاً: «قد ينفجر بك لغم في أي لحظة، أما غرفة الأخبار فهي تحدٍّ من نوع آخر!... لأن عالم النشر تحدٍّ في زمن تسارع الأحداث وتعقيدات الوضع الميداني على الأرض».

ثم يقول إن الفرق الوحيد بين «الزرّين» في النشر و«الأسلحة النووية» هو أن الأسلحة تدمر البنية التحتية والبشرية، في حين أن «زر النشر» قادر على تغيير المعارف والاتجاهات الإنسانية، ويؤثّر في السلوك العام، ويلعب دوراً كبيراً في تبنّي المواقف.

بعد ذلك، يسرد حسين: «من تطورات الحرب السورية بعد سقوط النظام المخلوع نهاية العام الماضي، واستمرار الحرب الروسية - الأوكرانية، وتقلّبات الحربَيْن السودانية واليمنية، وكوارث الحرب في غزة، والملفات الساخنة في أفريقيا... ومروراً بالانقسامات اللبنانية، فضلاً عن أحداث اللجوء وصعود اليمين المتطرف في أوروبا، إلى أميركا اللاتينية وانتخاباتها، مع تعقيدات آسيا؛ كلها أحداث يلخصها هذا الكتاب كما لو كانت (وجبات سريعة يقتاتها الصحافي في غرفة الأخبار)».

الصحافة مهنة السّير بين الكلمات

وفي فصل «الأخبار لذة وأذى» يعلّق حسين، قائلاً إن «مهنة الإعلام تحرق الأعصاب، وتتطلّب المتابعة الكثيفة ودقة في نقل الأخبار»، مضيفاً: «قدرُنا أن نبقى ساعات طوالاً جالسين وراء شاشات الكمبيوتر نتابع ونرصد ونحرر ونترجم ونصنع ما يصلنا من الأخبار». ويتابع مؤكداً أنه يعيش كل يوم أكثر من عشر ساعات مضنية بين ثنايا الأخبار؛ «لأستكمل المهمة في المنزل على شاشة التلفاز، مروراً بالهاتف المتحرك (بين بين)، وليس انتهاءً بمذياع السيارة، ما يعني أنني وصلت إلى مرحلة من الذروة في تذوّق الأخبار، لا يمكن الانفصال عنها بسهولة».

وفي فصل «الكلمة رصاصة في حقل ألغام» يبدأ المؤلف كاتباً عن الصحافة: «علّمتنا ولا تزال كيفية السير بين الكلمات، فالسير بين الكلمات كالسير بين ألغام، هذا إذا افترضنا أن فريق كشف الألغام الذي يرافقنا هو حسّنا الأمني والإنساني والمهني».

ثم يوصي المؤلف زملاءه في فصل «النداء الأخير للمحرّرين» من الكتاب، بتعزيز مهارة الإيجاز أو الاختصار أو البلاغة في كتاباتهم، من دون إخلال باللغة أو المعنى أو التفاصيل، ناصحاً: «استخدموا اللغة الإعلامية البيضاء البسيطة الفصيحة من دون أخطاء أو بلاغة فجة، واصقلوا مواهبكم بشكل كبير، والبحث عن الملاحظات وليس المديح؛ لأننا تلاميذ إلى الأبد».

في رأي آلجي حسين، يضع الإعلام، وبالذات عالم الأخبار، الصحافي أمام اختبار في كل خبر وتغطية قد لا ينظر إليها محرر آخر بالأهمية نفسها، ثم يقول: «إن الملفات الحساسة التي تهمّ الموقع، حسب سياسة التحرير، هي من القصص التي أضع لها اعتباراً كبيراً، وتشكل معضلة أخلاقية كبيرة، وهذا يتحقق بطبيعة الحال في المواضيع السياسية حسب كل دولة»، وهذا بالطبع، إلى جانب معرفة التشابكات ولغة المصالح بين الدول، وانعكاس ذلك على سياسة الوسيلة الإعلامية.