الروس يبحثون عن مصادر خارجية للمعلومات

وسط عودة الروح «السوفياتية» إلى خطاب موسكو الإعلامي

ماريا زخاروفا (وزارة الخارجية الروسية/ «تويتر»)
ماريا زخاروفا (وزارة الخارجية الروسية/ «تويتر»)
TT

الروس يبحثون عن مصادر خارجية للمعلومات

ماريا زخاروفا (وزارة الخارجية الروسية/ «تويتر»)
ماريا زخاروفا (وزارة الخارجية الروسية/ «تويتر»)

شكّل التمرد العسكري لمجموعة «فاغنر» قبل أسابيع، اختباراً لافتاً لعمل وسائل الإعلام في روسيا. وبينما كانت وحدات المتمردين تحتل قطعات عسكرية مهمة في جنوب البلاد، وتتقدم نحو موسكو فارضةً سيطرتها في الطريق على بعض المدن، كان الإعلام الرسمي الروسي يقدم صورة مختلفة للتطورات الجارية، تعتمد على بيانات وزارة الدفاع، التي كانت مقتضبة وخجولة، وبالكاد تتضمن تفاصيل حول ما يجري في البلاد.

«آر تي» (رويترز)

في ذلك اليوم، الذي هزّ روسيا بقوة، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي عبارة لافتة مفادها أن الحدث أحيا عادة قديمة عند الشعوب السوفياتية، عندما كان المواطن يتلقط أخبار ما يجري في بلاده من وسائل الإعلام الإجنبية.

وحتى بعد انتهاء الحدث، لم تتوقف وسائل الإعلام الرسمية طويلاً، أمام المعطيات التي قدّمتها «فاغنر» ومصادر غربية عدة، حول إسقاط طائرات ومقتل عسكريين من الطرفين. لم تهتم أي مؤسسة إعلامية بإطلاق تحقيق صحافي متكامل حول ما جرى، حول الأسباب والنتائج، والتداعيات المحتملة لاحقاً.

كان ذلك الحدث الداخلي الأبرز في روسيا خلال سنوات طويلة، وهو أظهر بوضوح مستوى عجز المؤسسات الإعلامية الروسية، وافتقارها للقدرة والرغبة في فتح أبواب النقاش حول القضايا التي تهم ملايين الروس وتؤثر في حياتهم ومصائرهم. كذلك أظهر الحدث، ضخامة الفجوة التي أحدثها الغياب الكامل لوسائل الإعلام المستقلة، ناهيك عن المعارضة لسياسات الكرملين.

المشهد الإعلامي الداخلي

إعلاميون روس يشكون من أن تجربة الصحافة في روسيا لم تأخذ حقها في التطور. وما أن شهدت البلاد موجة انفتاح قصيرة، وذاقت لسنوات محدودة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي طعم الصحافة المستقلة حتى عاد الوضع إلى الانكفاء سريعاً بحلول عام 2000، وبسرعة تلاشت التجربة الفتية وعاد الوضع إلى ما يشبه سياسة الإعلام الموجه في العهد السوفياتي.

خلال السنوات الماضية، كان هناك ما مجموعه 93000 وسيلة إعلام في روسيا، الجزء الأكبر منها يصدر محلياً في الأقاليم النائية ولا يصل إلى خارج حدود منطقته. ويشمل هذا الرقم 27000 صحيفة ومجلة و330 محطة تلفزيونية. ويعد التلفزيون المصدر الأكثر شعبية للحصول على المعلومات. بينما عدت الصحف والمجلات الخيار الثاني الأكثر شعبية عند الروس، وعلى الرغم من القفزة الكبرى التي أحدثها انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أشارت الدراسات حتى اندلاع الحرب في أوكرانيا، إلى أن الإنترنت يقبع في المرتبة الثالثة لجهة الشعبية والثقة كمصدر للمعلومات.

حتى وقت قريب كانت ملكية وسائل الإعلام تقوم على مزيج مما هو مملوك للدولة وما هو ملكية خاصة. وتعدّدت هذه الأخيرة بين وسائل إعلام تملكها الاحتكارات الكبرى مثل «غاز بروم» و«روس نفط» وغيرهما من الشركات الكبرى أو المصارف.

بعض هذه «الامبراطوريات الإعلامية» ما زال قائماً، وتدخل فيها أكثر الصحف الروسية رصانة مثل «كوميرسانت» و«فيدوموستي». وغالبية هذه المؤسسات الإعلامية تقدم خطاباً يتحاشى الاحتكاك مع السلطات ويتقيد بتعليماتها، مثل استخدام «قاموس خاص» تفرضه هيئات الرقابة. وكمثال لا يمكن الإشارة في أي منشور إعلامي إلى منظمات المجتمع المدني المصنفة في روسيا على لوائح «العملاء الأجانب» إلا بإضافة فقرة إلزامية تشير إلى هويتها وتمويلها الخارجي، كما لا يمكن ذكر أي منظمة إرهابية من دون إشارة بين هلالين تذكر أن المنظمة مُدرجة على لوائح الإرهاب الروسية. وبجانب ذلك قاموس كامل من العبارات والإضافات التي يجب أن تلتزم المؤسسات الإعلامية غير الحكومية بها، تبدأ من تسمية العملية العسكرية الخاصة، في إشارة للحرب الأوكرانية ولا تنتهي عند الالتزام بالنقل الحرفي لبيانات الجيش ووزارة الدفاع.

في المقابل، اختفى الإعلام الروسي المستقل نهائياً مع التطورات التي تلت اندلاع الحرب في أوكرانيا، وشكّلت قرارات إغلاق عشرات المطبوعات والمحطات التلفزيونية والإذاعية ومنصات الإنترنت طياً لمرحلة كاملة، عاشت خلالها هذه المؤسسات صراعاً خفياً مع السلطة وصل في حالات عدة إلى المواجهة المباشرة. وهو ما حصل لصحيفة «نوفاي غازيتا»، التي دأبت لسنوات على نشر تحقيقات استقصائية عن وضع الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان، ودفعت ثمناً باهظاً تمثل في مقتل أربعة من أبرز صحافييها في ظروف غامضة لم تنكشف كل تفاصيلها بعد مرور سنوات.

وبعد 24 فبراير (شباط) 2022، قام الكرملين بسلسلة خطوات لإغلاق سوق الإعلام الروسية بشكلها السابق. وراهناً تعمل القلة المتبقية من المطبوعات المستقلة من الخارج، أما مواقعها فمحظورة في روسيا.

في المقابل، ممارسة الصحافة غير الخاضعة للرقابة داخل البلاد أمر خطير للغاية، بل هذه مهنة ممنوعة. وكانت شبكة «ميدوزا» المستقلة التي تبثّ أخبارها من الخارج حالياً، قد نشرت تحقيقاً موسعاً رصد مصائر المؤسسات الإعلامية التي أُغلِقت ولوحق المسؤولون فيها. وأظهر التحقيق أن السلطات أغلقت خلال السنوات الأخيرة، فضلاً عن المؤسسات الكبرى، عشرات الآلاف من الصفحات الإلكترونية والمنصات التي نشطت إعلامياً على مستوى فيدرالي أو بشكل محدود في الأقاليم.

أدى هذا الوضع إلى تراجع تصنيف روسيا على لوائح حرية التعبير العالمية، إلى ما دون المرتبة الـ160 من أصل 180 للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.

ووفق تصنيف حديث لـ«مراسلون بلا حدود» تناول «مؤشر حرية الصحافة»، صُنّفت روسيا ضمن 31 دولة ذات المؤشرات الأسوأ. وحقاً، تراجعت روسيا، التي كانت أصلاً في فئة «الوضع الصعب» قبل الأخير بعد غزو أوكرانيا، تسعة مراكز أخرى هذا العام إلى المرتبة الـ164 في آخر فئة «وضع خطير للغاية». ومع أن هذا التقييم ليس جديداً، فهو مؤشر واضح على تفاقم وضع الحرية الإعلامية في روسيا.

للمقارنة، في عام 2016، احتلت روسيا المرتبة الـ148 من بين 179 دولة، في حين رصدت منظمة «فريدوم هاوس» تصنيفاً مشابهاً ووضعت روسيا في المرتبة الـ176 من أصل 197 دولة في مجال حرية الصحافة لعام 2013؛ ما جعلها في نفس مستوى السودان وإثيوبيا. كذلك أفادت «لجنة حماية الصحافيين» أن روسيا كانت الدولة التي قتل فيها عاشر أكبر عدد من الصحافيين منذ عام 1992، 26 منهم منذ بداية عام 2000، بينهم أربعة من «نوفايا غازيتا». وجاءت في المرتبة التاسعة في العالم من حيث عدد الصحافيين القتلى مع الإفلات التام من العقاب.

تباين حول الثقة بالإعلام الحكومي

على تلك الخلفية، شكّلت أحداث العام الماضي تحدياً خطيراً لكل من وسائل الإعلام المحلية وجمهورها. وكان من الصعب، بسبب القيود الكثيرة المفروضة على الإعلام، دراسة مستوى تفاعل الجمهور مع الإعلام الرسمي والإعلام الذي يدور حوله. واللافت هنا، أن المعطيات حول الموضوع تباينت بشكل كبير بين المعطيات التي قدمتها المؤسسات المقربة من الكرملين، والمؤسسات شبه المستقلة. إذ أظهر استطلاع نُشر في مطلع العام الحالي، أن مستوى ثقة الروس بأنواع مختلفة من وسائل الإعلام يتفاوت تفاوتاً كبيراً، لكن الأولوية لا تزال مخصّصة للإعلام التقليدي.

وذكرت الدراسة التي نشرها «مركز دراسات الرأي العام» القريب من الكرملين، أن التلفزيون المركزي يحظى بأكبر قدر من ثقة الجمهور الروسي بنسبة 53 في المائة. وفي المرتبة الثانية بهامش صغير، ولكن مهم من الناحية الإحصائية، حلّت قنوات التلفزيون المحلية في الأقاليم بنسبة 47 في المائة، تليها الصحافة المكتوبة بأنواعها المختلفة. أما مصادر المعلومات الأخرى، بما فيها الإنترنت، فجاءت في مرتبة متأخرة للغاية. إذ حصلت المواقع الإخبارية والتحليلية الحكومية على 35 في المائة، وجاءت الصحافة المركزية والإقليمية في المرتبة الرابعة بنسبة 33 في المائة لكل منهما، فمحطات الراديو الإقليمية والمركزية التي يستقي منها المعلومات - وفقاً للدراسة - نحو ربع الروس. وفي ذيل القائمة بـ23 في المائة، حلّت شبكات التواصل الاجتماعي. واللافت، أن الدراسة وضعت مؤشر «عدم الثقة» في شبكات التواصل ليظهر الفارق الضخم؛ إذ اتضح أن 43 في المائة قالوا إنهم لا يثقون بمعطيات تلك الشبكات.

بالتالي، أظهرت الدراسة أنه، على الرغم من الوتيرة العالية للتحول في المشهد الإعلامي العام في العالم تحت تأثير التقنيات الرقمية، ما زال المجتمع الروسي يثق بالصيغة التقليدية لتلقي المعلومات. ولا تخفى هنا الأسباب السياسية خلف ذلك.

لكن، هذه المعطيات فنّدتها دراسات استطلاعية أخرى نشرتها صحف فيدرالية روسية، وأجريت في مايو (أيار) الماضي؛ إذ أظهرت أن ثقة الروس بالمحتوى الذي تقدمه وسائل الإعلام الحكومية، وخصوصاً التلفزيون، تراجعت إلى معدلات غير مسبوقة لتصل إلى 33 في المائة.

الإعلام الموجه سلاح بوتين القوي

مقابل المشهد الإعلامي الداخلي، نشّطت الحرب الأوكرانية وسائل الإعلام الموجّهة إلى الخارج بشكل قوي خلال الفترة الماضية. وأبرز المؤسسات التي تلعب دوراً بارزاً في إدارة السياسة الإعلامية للكرملين اليوم تبث بنحو 11 لغة، وهي تعدّ لتوسيع نطاق حضورها الجغرافي لتصل مستقبلاً إلى بلدان ولغات جديدة، وخصوصاً في أفريقيا.

كان لافتاً خلال أعمال القمة الروسية - الأفريقية الأخيرة، أن الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قالت: إن «واحدة من المشكلات التي تعرقل جهود التقارب مع أفريقيا هي أن الغالبية الساحقة من الأفارقة يتلقون معلوماتهم عن روسيا من وسائل إعلام غربية»؛ ما يضيف أهمية خاصة لوصول القنوات الروسية بشكل مباشر إلى بلدانهم. وفي هذا السياق، نصّ البيان الختامي للقمة على تطوير التعاون الإعلامي وتبادل الخبرات وتوسيع حضور اللغة الروسية في بلدان القارة.

عموماً، تتربع شبكة «روسيا سيفودنيا» (روسيا اليوم) التي تدير وكالة «نوفوستي» و«سبوتنيك» وعشرات المنصات بلغات مختلفة على رأس «أمبراطورية» الكرملين الإعلامية الموجهة للخارج، إلى جانب قناة «آر تي»، التي تخلت عن اسمها السابق «روسيا اليوم» لتجنب الوقوع في تضارب. ويلاحظ متابع المؤسستين العملاقتين، أن التركيز الأساسي ينصبّ على الدعاية والتحريض؛ الأمر الذي تسبب بفرض رزم عقوبات واسعة من جانب الغرب على المؤسستين.

"سبوتنيك" (تاس)

وكمثال، أفردت «نوفوستي» و«سبوتنيك»، وكذلك «آر تي»، مساحات واسعة خلال العام الأخير لتغطية نشاطات اليمين الأوروبي، وهللت مراراً لصعوده المتواصل. وقدّمت لقاءات مع ناشطين وخبراء يدعمون أفكار اليمين، مع الترويج إلى أن كل مشكلات أوروبا سببها قِصر نظر السياسات المتبعة حالياً، وأن المستقبل هو للقوى الصاعدة التي لا تُناصب روسيا العداء.

وفي المقابل، وسائل الإعلام الموجهة تتجنب استضافة خبراء يطرحون وجهات نظر مغايرة للموقف الرسمي الروسي، وهي باتت تعتمد على جيش من الخبراء الذي يبرّر سياسات الكرملين، ويتبنى أحياناً مواقف أكثر تشدداً حيال الغرب من أصحاب الموقف، الروس انفسهم.

وبالتالي، السياسة الإعلامية الروسية الموجّهة تصر اليوم على حشر كل المعطيات التي يقدمها الغرب عن سير المعارك في أوكرانيا، أو الوضع الداخلي في روسيا في إطار «سياسات التضليل» التي يتبعها الغرب.


مقالات ذات صلة

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)

الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
TT

الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)

يبدو أن انتخابات الرئاسة الأميركية، التي أُجريت يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، عزّزت مكانة منصة «بلوسكاي» منافساً رئيساً لـ«إكس»، ما أثار تساؤلات بشأن مستقبل المنصتين، ولمَن ستكون الغلبة في سباق منصات التواصل الاجتماعي للتنافس على زيادة عدد المستخدمين. وفي حين عدّ خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط» أن «بلوسكاي» قد تكون «بديلاً» لـ«إكس»، فإن هؤلاء توقّعوا أن هذا التغير قد يحتاج لسنوات.

من جهتها، أفادت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية بأن منصة «بلوسكاي» شهدت زيادة مليون مستخدم جديد خلال الأسبوع الذي أعقب الانتخابات الأميركية، وعلّقت قائلة «في الوقت الراهن يبحث بعض مستخدمي (إكس) عن منصة بديلة للتفاعل مع الآخرين ونشر أفكارهم». أما صحيفة «الغارديان» البريطانية، فأوردت في تقرير نشرته منتصف الشهر الحالي، أن كثيراً من المستخدمين «يسعون الآن للهروب من (إكس)، وسط تحذيرات من زيادة خطاب الكراهية والمعلومات المضلّلة على المنصة». وحقاً، وفق «بلوسكاي» ارتفع عدد مشتركيها «من 10 ملايين في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى 16 مليون مستخدم حالياً».

رائف الغوري، المدرّب والباحث المتخصّص في الذكاء الاصطناعي التوليدي، أرجع ازدياد الإقبال على منصة «بلوسكاي» إلى «فقدان منصة (إكس) مكانتها تدريجياً». وأردف أن جاك دورسي نقل الخبرات والتجارب الناضجة لـ«تويتر» سابقاً و«إكس» عند تأسيس «بلوسكاي»، ما منح المنصة «عناصر قوة تظهر في مزايا اللامركزية، والخوارزميات التي يستطيع المستخدم أن يعدلها وفق ما يناسبه». وتابع: «انتخابات الرئاسة الأميركية كانت من أهم التواريخ بالنسبة لبلوسكاي في ظل ازدياد الإقبال عليها».ولذا لا يستبعد الغوري أن تصبح «بلوسكاي» بديلاً لـ«إكس»، لكنه يرى أن «هذا الأمر سيحتاج إلى وقت ربما يصل إلى سنوات عدة، لا سيما أن بلوسكاي حديثة العهد مقارنة بـ(إكس) التي أُسِّست في مارس (آذار) 2006، ثم إن هناك بعض المزايا التي تتمتع بها (إكس)، على رأسها، تمتعها بوجود عدد كبير من صنّاع القرار الاقتصادي والسياسي والفنانين والمشاهير حول العالم الذين لديهم رصيد واسع من المتابعين، وهذا عامل يزيد من صعوبة التخلي عنها».

ويشار إلى أن «بلوسكاي» تتمتع بسمات «إكس» نفسها، ويعود تاريخها إلى عام 2019 عندما أعلن جاك دورسي - وكان حينئذٍ لا يزال يشغل منصب المدير التنفيذي لـ«تويتر» («إكس» حالياً) - عن تمويل الشركة تطوير منصة تواصل اجتماعي مفتوحة ولا مركزية تحمل اسم «بلوسكاي». وفي فبراير (شباط) 2022 تحوّلت إلى شركة مستقلة، لتطلق نسختها التجريبية مع نهاية العام.

من جانبه، قال محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «منصة (بلوسكاي) في طريقها بالفعل للاستفادة من التغيّرات الجذرية التي تشهدها منصات كبيرة مثل (إكس)». وأوضح أن «النموذج اللامركزي الذي تعتمده (بلوسكاي) يمنحها ميزةً تنافسيةً ملحوظةً، لا سيما مع ازدياد الوعي حول الخصوصية والتحكم في البيانات، أضف إلى ذلك أن المستخدمين اليوم يبحثون عن منصات توفر لهم الأمان، لا سيما بعد التحوّلات الكبيرة التي شهدتها (إكس) تحت قيادة ماسك... ومن هذا المنطلق يبدو أن لدى (بلوسكاي) فرصة حقيقية للنمو، إذا استمرت في تعزيز مبادئها المتعلقة بالشفافية وحرية التعبير».

الصاوي أشار أيضاً إلى أن عمل ماسك مع ترمب قد يكون له تأثير مزدوج على منصة (إكس)، بشأن الرقابة على المحتوى، وقال: «إن العلاقة الحالية بينهما قد تدفع نحو تغييرات دراماتيكية في إدارة (إكس) وتوجهاتها المستقبلية، ما يزيد ويبرّر الحاجة إلى منصات بديلة أكثر استقلالية مثل (بلوسكاي)».