عبر «تعزيز المقاطع القصيرة للفيديو بأدوات ومزايا جديدة» يلاحق «يوتيوب»، «تيك توك» وذلك لاستقطاب مُستخدمين جُدد. وكشف تطبيق «يوتيوب» نهاية يوليو (تموز) الماضي عن أن «المقاطع القصيرة (شورتس) يشاهدها شهرياً نحو ملياري مُستخدم حول العالم»، لا سيما أن «(شورتس) بالأساس خرجت بعدما اجتذب (تيك توك) مستخدمي (يوتيوب)، ونجح في تصدر قائمة التطبيق الأكثر تحميلًا على مدار عامين».
وبات الآن بإمكان المستخدمين الاستفادة من خدمة «الشاشة المنقسمة» لعرض أكثر من فيديو في آنٍ واحد، وهي خدمة بالفعل متوافرة لدى «تيك توك»، وأسهمت في خروج مسابقات ومشاركات عبر البث المباشر.
وطرح «يوتيوب» خدمة الملصقات والمؤثرات، وبينها ملصق جديد للأسئلة والأجوبة، ليتمكن من طرح أسئلة على الجمهور، والحصول على ردود مباشرة في التعليقات. كذلك طرح ميزة تسمح بالتمرير بين مقاطع الفيديو القصيرة مباشرة. وأفاد «يوتيوب» عبر المدونة الخاصة به: «سيتوافر للمستخدم موجز قابل للتمرير من مقاطع الفيديو الحية الأخرى، بهدف تعزيز المشاركات، وتسهيل التواصل المباشر مع جمهور جديد». ومن أبرز الأدوات التي قام «يوتيوب» بإضافتها لتحسين تجربة «شورتس» تحويل الفيديو الأفقي المعتاد على التطبيق إلى تطبيق رأسي بتقنيات «شورتس»، ما يعني «السماح لصانع المحتوى أو المستخدم بـ(ضبط الفيديو) من خلال التكبير أو التصغير والقص».
ويثمن بعض الخبراء خطوة تحديثات «يوتيوب»؛ لكن البعض الآخر يرى أنها «مجرد خطوة لمحاولة اللحاق بـ(تيك توك)، لا سيما أن جميع الأدوات بالفعل متوافرة لدى التطبيق الصيني»، وهنا أثيرت تساؤلات حول جدوى تحديثات «يوتيوب»، وهل كان من الأفضل أن يستثمر «يوتيوب» في مساحات جديدة ليستعيد جمهوره؟
الدكتور أنس النجداوي، الأستاذ المشارك بجامعة أبوظبي، مستشار الأعمال الرقمية، اعتبر أن اتباع هذا النموذج «يعد خطوة استراتيجية من قبل (يوتيوب)». ويبرهن على ذلك بقوله إن «هذه الأدوات بالفعل حققت نجاحاً كبيراً عند تجربتها في (تيك توك)، تحديدًا بين المستخدمين من جيل الألفية، ومن ثم المنافسة تحتم على (يوتيوب) تضمين المزايا عينها أولًا، ثم تأتي مرحلة الابتكار في مساحات جديدة».
ويرى النجداوي أن «(يوتيوب) هو التطبيق الأصيل في خدمة الفيديو»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، إن «(يوتيوب) بالفعل يحتوي على مجموعة متنوعة من الخدمات، كما توجد لديه قاعدة جماهيرية تتميز بالاختلاف والتنوع، بينما تحديثاته الأخيرة جاءت للحاق بالركب فحسب». وشرح: «ما يقدمه (يوتيوب) بالأساس وما يحتاجه الجمهور من التطبيق، لا يتوافر على تطبيقات أخرى، وعلينا أن نأخذ في الاعتبار سلوك المُستخدم الذي تعوّد على الفيديوهات الطويلة بغرض التسلية وربما التعلم».
ووضع النجداوي مكتبة «يوتيوب» الموسيقية ضمن أسباب استمرار العلاقة بينه وبين المستخدمين، وجميعها خدمات ربما لا توفرها التطبيقات الحديثة مقارنة بـ«يوتيوب»، معتبراً أن «مزايا الفيديو المتوافرة لدى (يوتيوب) تتخطى تلك التي يوفرها (تيك توك)»، كما أنه «ما زالت خدمات الفيديو على (يوتيوب) أكثر (احترافية)».
وأعلن «يوتيوب» مطلع أغسطس (آب) الحالي عن تضمين خدمات الذكاء الاصطناعي ضمن مزاياه الجديدة، من خلال تقديم ملخص الفيديو الذي يستهدف توفير الوقت على المستخدم.
ووفق ما كتبه «يوتيوب» على مدونته، تستهدف الخدمة التي لا تزال في طور التجربة، «مساعدة المُستخدم على تحديد المحتوى الذي يريد مشاهدته، وتظهر خلاصات الفيديو، التي تعتمد بالكامل على أدوات الذكاء الاصطناعي في (يوتيوب ووتش) وفي صفحات البحث».
وهنا يُثمن النجداوي خطوة تضمين الذكاء الاصطناعي، بقوله إن «الدوبلاج والترجمة خدمات يُمكن أن يقوم بها الذكاء الاصطناعي، وفي الوقت نفسه تُعطي دفعة لصُناع المحتوى لمزيد من الإبداع»، مضيفاً أن «ما يُميز (يوتيوب) هو تقديم تحديثات ذات قيمة».
عن تعزيز خدمات الأخبار بعد مزايا «يوتيوب شورتس»، يرى النجداوي أن «الناشرين أمامهم فرصة جديدة لتجربة صحافية أكثر تفاعلية»، فـ«يُمكن لصُناع الأخبار الاعتماد على الفيديوهات القصيرة لتقديم خدمات إخبارية سريعة ومحددة، فضلًا على المزايا الحية داخل التقارير مثل الأسئلة والأجوبة التي تخلق تجربة (تفاعلية) خصوصاً بين المصدر والجمهور».
ويحظى «يوتيوب» بنحو 2.6 مليار مُستخدم نشط شهرياً بداية من عام 2023، بينما وصل عدد المشتركين عالمياً في «يوتيوب بريمير» ومكتبة الموسيقى إلى أكثر من 80 مليوناً، ويستخدم أكثر من نصف سكان العالم «يوتيوب» شهرياً حتى إن لم يكن لديهم حساب، وذلك وفق بيانات نشرها «جلوبال ميديا إنسايتس» في أغسطس الحالي. فيما يحظى «تيك توك» بأكثر من 1.677 مليار مستخدم على مستوى العالم، منهم 1.1 مليار مستخدم نشط شهرياً بداية من عام 2023.
تاج الدين الراضي، المتخصص في الإعلام الرقمي بالإمارات، يعتقد أن «منافسة (تيك توك) مهمة تحتاج لكثير من الجهد، لا سيما أنها اعتمدت على الجمهور من الشباب ما يعني المستقبل». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تمكنت منصة (تيك توك) من إثبات وجودها وتعزيز انتشارها بشكل كبير وفي وقت قياسي، مقارنة ببقية منصات التواصل الاجتماعي المعتمدة على المحتوى المصور بالفيديو، كما نجحت في استقطاب نسبة كبيرة للغاية من مستخدمي بقية المنصات، إضافة لفئات عمرية، ومستويات ثقافية مختلفة ومتفاوتة على مستوى العالم، ما جعل بقية المنصات ذات المحتوى المشابه خصوصاً «يوتيوب» تبحث عن طُرق جديدة لجذب المستخدمين وصُناع المحتوى، وإعادة الثقة لمستخدميها، ودفعهم للاستمرار وتطوير نشاطاتهم ومحتواهم على «يوتيوب» من خلال توفير أدوات ومزايا وخصائص متعددة لم تكن متوافرة على «يوتيوب» قبل ظهور «تيك توك».
ووفق الراضي فإن «محاولات (يوتيوب) خصوصاً خلال النصف الثاني من عام 2022 والنصف الأول من 2023 إضافة أدوات جديدة وتوفير خصائص أكبر لصناع المحتوى، تبدو كأن المنصة تسابق الزمن للحاق بـ(تيك توك) فقط، غافلة التطوير الحقيقي، وتحسين تجربة صناع المحتوى على (يوتيوب)».
وعن المزايا الأخيرة لـ«يوتيوب»، شرح الراضي «إضافة الخصائص الأخيرة لفيديوهات (شورتس) على (يوتيوب) تقليد يكاد يكون غير متوافق أساساً مع الهدف من منصة (يوتيوب)». ويرى في هذا التوجه «خطأ فنياً» لا يجب الاستمرار فيه، خصوصاً أن الأمر يبدو كأنه يشير إلى «عدم نجاح (يوتيوب) في الحفاظ على مستخدميها، ويعكس خوف القائمين عليها من منافسة (تيك توك) لهم».
الراضي عدّ المنافسة بين «يوتيوب» و«تيك توك»، (غير متوافقة)، قائلاً: «برز (تيك توك) في بداياته كمنافس لـ(سناب شات) وليس (يوتيوب)، لكن النجاح الكبير الذي حققته منصة (تيك توك)، المتمثل في تغيير عادات المستخدمين لمثل هذه المنصات، من المحتوى ذيو البعد المُكثف أو التحليلي وربما الأغنى مضموناً، إلى المحتوى الأقصر وقتاً أو الأسرع في التصفح بغض النظر عن المضمون، إضافة لتمكن (تيك توك) من جذب فئات عمرية ومستويات ثقافية لم تكن قادرة من قبل على الدخول إلى هذا العالم، كل هذا جعل القائمين على (يوتيوب) يفكرون في توفير أدوات مشابهة لما توفره (تيك توك)». غير أنه يقول: «هذا في رأيي أسهم خلال الأيام الأولى لتوفير خاصية (شورتس) على ظهور محتوى لا يليق باسم منصة كـ(يوتيوب)، التي كانت ولا تزال المنصة الأولى لتوفير المحتوى الأكثر غنى والأعلى مضمونًا بحد كبير».
ويرى الراضي أن هدف صُناع المحتوى من الظهور على «يوتيوب» يختلف عن بقية المنصات، موضحاً أن «الجمهور أو صُناع المحتوى على (يوتيوب) ليسوا موجودين أساساً لصُنع محتوى قصير أو بلا مضمون، لكنهم بالتأكيد استفادوا في التسويق لأنفسهم من خلال توفير مزايا جديدة مشابهة لما توفره منصة (تيك توك)، وذلك هو السبب الأساسي الذي جعل (يوتيوب) تعمل على توفير أدوات وخصائص مشابهة لـ(تيك توك)، وهو الحفاظ على صُناع المحتوى الأساسيين، وليس جذب جمهور أو مستخدمين جُدد كالذين يتعاملون مع (تيك توك)».
ووفق الراضي فإن «(يوتيوب) لا تزال تحظى بأكبر قاعدة إعلانية، وهذه ميزة تضعها في مكانة خاصة»، مضيفاً: «سعت (يوتيوب) لعمل استبيانات وجلسات (عصف ذهني)، وعقدت اجتماعات مكثفة وكثيرة مع أبرز وأكبر صُناع المحتوى الدائمين لديها، كما سلكت المسار نفسه مع المعلنين الذين يشكلون الداعم الأكبر أو أحد أبرز أسباب استمرار وتفوق (يوتيوب) على بقية المنصات ذات المحتوى المشابه». موضحاً: «ما يعني أن القائمين على (يوتيوب) يسعون لكسب وتوفير قاعدة إعلانات أكبر من الحالية لديهم، وهذه ميزة هامة لدى (يوتيوب) لا يزال المنافسون يسعون للحصول على نصيبهم منها، وهذا ما يجعل المنصة من دون حاجة للتقليد بينما للتطوير الحقيقي الذي يعزز تجربة صناع المحتوى ويؤصل مكانة المنصة.