الإنسان والحاسوب من التنافس إلى الشراكة

روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)
روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)
TT

الإنسان والحاسوب من التنافس إلى الشراكة

روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)
روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

يتغير العالم حولنا اليوم بتسارع لم يسبق له مثيل في التاريخ. وتتطور مستجدات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بحيث يصعب على المرء مجرد متابعتها.

لقد جاءت بدايات الثورة السيبرانية لتعزيز القدرة الفكرية المتوفرة للإنسان، من خلال تطبيقات الحاسوب المختلفة، حيث أصبح بالإمكان أن تقوم الآلة (الحاسوب) بكثير من المهام التي كانت حكراً على الدماغ البشري، وأدى ذلك إلى ما نراه اليوم من انتشار مجتمع المعلومات الرقمي بكل أبعاده وسماته.

كذلك تطورت بشكل متسارع تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، وأصبح البعض يعتقد أن الذكاء الاصطناعي ربما يهدد الحضارة الإنسانية.

وفي العقدين الأخيرين، ومع تنامي علوم وتكنولوجيا الإدراك، تطورت بشكل ملحوظ الأجهزة والبرمجيات الذكية وآليات التواصل بينها وبين الدماغ البشري، وتمكنت من المشاركة في «سيطرته» على حواسنا وتفكيرنا وذاكرتنا، كما بدأنا نغوص داخل جسم الإنسان، وإلى حد ما داخل دماغه، لتعزيز هذا التواصل.

التقارب بين الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية يمكن أن يسرع الاكتشافات في مجالات مثل الأدوية والمناخ (أدوبي)

لقد بات في الأسواق اليوم أجهزة تعطي إحساس الرؤية لمن ولد أعمى بعينين مدمرتين بيولوجياً، وأخرى تعيد السمع لمن فقد هذا الحس، من خلال تواصل مباشر بين أجهزة تلتقط إشارات البيئة الخارجية مع دماغ الإنسان المعني.

ومن جهة أخرى، تتطور أجهزة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته وآليات التواصل مع دماغ البشر بحيث يمكن بـ«مجرد التفكير» السيطرة على هذه الأجهزة واستخدامها في تحريك كل ما حولنا، ثم نقل تغذية ارتجاعية منها إلى دماغ الإنسان تبلغه بما قامت به وتتلقى منه التعليمات للخطوة التالية... تماماً مثل حواس الإنسان وشبكات الأعصاب داخل جسمه.

ميزات الجنس البشري

معظم القدرات والمهارات الغريزية التي يمتلكها الإنسان موجودة، وإن بدرجات متفاوتة، لدى العديد من الأجناس الحية الأخرى. لكن الإنسان نجح في تعظيمها وتضخيمها والجمع بينها في الاستخدامات اليومية حتى بدت وكأنها قدرات تختلف عن تلك التي تمتلكها الأجناس الأخرى، ومن ذلك الذكاء والتفكير والقدرة على إبداع أدوات لتسخير موارد الطبيعة لصالحه.

نجح الإنسان كذلك في تطوير مستجدات التكنولوجيا والارتقاء باستخداماتها على مرّ العصور ومراكمة الخبرات المكتسبة في استخداماتها ونقلها عبر المكان والزمان، بين الأجيال والتجمعات البشرية المختلفة.

جهاز يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل حركات الجسم أثناء أداء مهام إدراكية (جامعة ميسوري)

إن ما يميز الإنسان عن الحاسوب، على الأقل إلى اليوم، هو قدرته على الإبداع والابتكار، وقدرة الدماغ البشري على التفكير أبعد من البيئة المحيطة به، جغرافياً وزمنياً، ويمكن تفصيل بعض هذه الميزات كما يلي...

  • التفكير التجريدي وإسقاط الحاضر نحو المستقبل.
  • التواصل اللغوي، عبر الزمان والمكان، ما ساهم في تطوير الأفكار المجردة (وبلورة صيغ ونماذج فكرية، والتعامل المعقد معها)، وهو ما يتعلق باللغة الطبيعية في التواصل بين البشر.
  • وضع تصور ذهني لمشكلة ما، ثم التحليل والبحث عن حلول فكرية لها، ثم العمل على تنفيذ المناسب من الحلول المطروحة فكرياً (Problem solving approach).
  • الإدراك والوعي الذاتي بالذات وبما حولنا.

الصفات المتوارثة

إن هذه الصفات التي تعطي الإنسان ميزة على الحاسوب، إلى اليوم، هي صفات ومواهب غريزية هامة، ومهارات وقدرات مكتسبة. ومن المواهب الغريزية المتوارثة...

  • الفطرة والحس الغريزي السليم.
  • التقدير والتخمين؛ نتيجة الخبرة المتوارثة المتراكمة في الجينات على مر العصور.
  • الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي والنفسي.
  • التأقلم مع المتغيرات والمفاجآت، وفهمها، والسعي للتعامل معها.

مهارات إنسانية مكتسبة

بالإضافة إلى ما سبق، يمكننا الحديث عن إدماج الصفات الغريزية بمهارات تكتسب بالخبرة والتعلم لتشكل مهارات وقدرات فائقة في «إنسانيتها»، ما زلنا نعدّ أنها بمعظمها ليست بمتناول الحاسوب، إلى اليوم على الأقل، من ذلك...

  • الفضول والرغبة في استكشاف المجهول.
  • الإبداع والابتكار والخيال والحلم النهاري (المثمر أو غير المثمر).
  • الحسّ بالمسؤولية والرغبة في اتخاذ القرار، وربطه بالتنفيذ.
  • التأثير على الآخرين فكرياً وعاطفياً ومجتمعياً.
  • العمل الجماعي كفريق، والقدرة على قيادة الفريق.
  • الاستفادة من التجربة وتكرارها، والتعلم منها بعد تحليلها وتقييمها.
  • المقاربات اللغوية والبلاغية المتنوعة، المباشرة وغير المباشرة (التشبيه والاستعارة... إلخ).
  • القدرة على الجمع والربط بين الأفكار المختلفة حتى المتناقضة (association of ideas).
  • التعرف على الأشخاص والصور والأشياء، بسرعة فائقة (Pattern recognition).
  • تصور السيناريوهات والبدائل المستقبلية، حتى البعيدة عن الواقع، والقدرة على مقارنتها.
  • التبصر واستكشاف المستقبل والنظرة إلى الأمام.

وإلى الآن على الأقل، لم تنجح برمجيات الذكاء الاصطناعي، إلا جزئياً، في اكتساب كل هذه المهارات بالسهولة والبداهة التي لدى الإنسان. لهذا فهي تعدّ مهارات فائقة الأنسنة.

التطورات التكنولوجية الثورية

لقد بدأ استخدام الحاسوب في أواسط القرن العشرين كآلة حاسبة ضخمة القدرات، فائقة السرعة وفائقة الدقة مقارنة بدماغ الإنسان، للقيام بالعمليات الحسابية الكبيرة والمعقدة أحياناً. لكن، سريعاً ما بدأ استخدام الحاسوب في عمليات منطقية معقدة ومتطورة. وأهم تطبيقات الحاسوب اليوم، ربما، هي في تكنولوجيا الاتصالات، في الإنترنت والهاتف الذكي المحمول ووسائط التواصل الاجتماعي. ونوجز في ما يلي بعض أهم مستجدات هذه الثورة في الاتصالات والمعلومات...

  • الذكاء الاصطناعي والآلة عميقة التعلم.
  • تطورات الإنترنت.
  • تطورات وسائط التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها وأبعادها.
  • الحوسبة السحابية (Cloud computing)، والحوسبة الضبابية (Fog computing).
  • معالجة المعطيات الضخمة (Big Data).
  • الحقيقة المزادة والحقيقة الافتراضية والحقيقة المختلطة.
  • الحوسبة الكمومية (Quantum computing).
  • الروبوت والروبوت المؤنسن.

ويتوفر لكل من هذه المستجدات أدبيات واسعة تشرح تأثيراتها وأبعادها.

الذكاء الاصطناعي

هو لوغاريتمات تبرمج للحاسوب ليشابه تفكير الدماغ البشري، حيث يتمكن الحاسوب من إنجاز مهمات كانت محتكرة من التفكير البشري، مثل حلّ المسائل المتشابكة والمعقدة، والتعلم والتعرف على الصور واتخاذ القرار.

وتشمل قدرات الذكاء الاصطناعي...

  • تعلم الآلة (Machine learning)

بما يمكن الحاسوب من اكتساب مزيد من المعلومات والمهارات بالممارسة والتعلم العملي.

  • التعلم العميق (Deep learning)

من خلال شبكة عصبونات حاسوبية تقلد العصبونات البشرية بطبقات متعددة، لاكتساب ذاكرة واسعة متعددة الطبقات

وللتعرف على الأنماط وما شابه.

  • معالجة اللغة الطبيعية مع كل ما يتطلبه ذلك من مهارات.
  • التعرف على الصور وترتيبها وتصنيفها.

وتأتي قوة الذكاء الاصطناعي من خلال لوغاريتمات متعددة الطبقات تقود الآلة للتصرف أبعد مما وضعه لها المبرمج (الإنسان)، حيث تكون قادرة على اتخاذ قرارات غير مبرمجة ترتكز على ما اكتسبته الآلة من خبرات ومعلومات.

الحاسوب الذكي

الحاسوب الذكي هو الحاسوب المبرمج للتعلم ذاتياً بالممارسة وباكتساب المعرفة من تحليل الحالات التي تمر به؛ ما يهمنا هنا هو بعض استخدامات الذكاء الاصطناعي في تطبيقات هامة ومباشرة، في الاقتصاد والصناعة والأمن والسياسة والإدارة والقضايا العسكرية.

تحديات تبني الذكاء الاصطناعي تشمل أمن البيانات وتكامل الأنظمة القديمة وتدريب الكوادر الطبية (شاترستوك)

القدرات الحاسوبية تتزايد ويجري ربطها في شبكات ضخمة على امتداد العالم، كما تجري مراكمة كل أنواع المعطيات في بنوك معلومات فائقة الضخامة (غوغل، وأمازون، ومايكروسوفت، وفيسبوك، على سبيل المثال، حتى لا نتحدث عن بنوك المعلومات لدى الحكومات ومخابرات العالم!!).

وهذه البنوك تمتلك ذاكرة لا متناهية السعة ولا تمحى، تحركها آليات بحث متطورة فائقة القدرة للبحث في المعطيات الضخمة، والقادرة على تحليل المعلومات المراكمة وتصنيفها، ثم انتقاء المعلومات المفيدة المطمورة في بنوك المعلومات، واسترجاعها بسرعة مذهلة لتسهل عمل أصحاب اتخاذ القرار.

شراكة الإنسان والحاسوب

من الواضح أن الحاسوب يتطور بسرعة مذهلة ويكتسب قدرات تفوق قدرات الإنسان التقليدية، وإن كانت ظاهرياً على الأقل تستخدم كلياً لصالح الإنسان، ولتحسين حياته وتعزيز قدراته.

صحيح أن التحسن في قدرات الحاسوب يلغي كثيراً من المهن والوظائف التي كانت مقتصرة على الدماغ البشري. وبالتالي سيزيد مستوى البطالة، خاصة العمالة غير الماهرة من جهة، والشباب ذوي الشهادات الجامعية والخبرة العملية المحدودة من جهة أخرى، لكن الصحيح أيضاً أن «الإنسان» ليس بالضرورة في منافسة مباشرة مع «الحاسوب»، وقبل ذلك لم يكن عملياً في تنافس مباشر مع كل تقدم تكنولوجي مكتسب.

إن التفكير السليم هو في تطوير شراكة بين الإنسان والحاسوب، وتنظيمها بحيث يقدم كل طرف في الشراكة أفضل ما لديه من قدرات ومهارات لصالح الإنسان، وللتقدم والرقي بالحضارة الإنسانية بتكامل بين الطرفين.

محفزات الشراكة بين الإنسان والحاسوب

  • التطور المستمر في الحواسيب الذكية وتحسنها.
  • انتشار الحواسيب في كل مجال وترابطها وتشابكها على امتداد العالم.
  • زيادة التشابك والترابط بين كل نظم الشبكات العالمية.
  • تعقيدات متزايدة في كل النظم والمؤسسات والمنظمات في العالم، ورقمنتها، وتراكم المعلومات بشكل مرعب في كل هذه النظم، بشكل يعجز الإنسان الفرد وحده عن استيعاب ذلك والتعامل معه.

* مقتبس من كتاب للمؤلف بعنوان «تفكرات مستقبلية»


مقالات ذات صلة

خبراء يحذِّرون: الذكاء الاصطناعي يجعل البشر أغبياء

تكنولوجيا صورة تعبيرية عن الذكاء الاصطناعي (أرشيفية- رويترز)

خبراء يحذِّرون: الذكاء الاصطناعي يجعل البشر أغبياء

حذَّرت مجموعة من الخبراء في دراسة جديدة من أن الذكاء الاصطناعي قد يجعل البشر أغبياء.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد شعار «ديب سيك» على أحد الهواتف الجوالة (رويترز)

«ديب سيك» يعود إلى أسواق التطبيقات في كوريا الجنوبية

عاد تطبيق «ديب سيك»، خدمة الذكاء الاصطناعي الصينية، إلى أسواق التطبيقات في كوريا الجنوبية يوم الاثنين، وتلك أول مرة منذ نحو شهرين.

«الشرق الأوسط» (سيول)
تكنولوجيا شعار شركة هواوي الصينية (رويترز)

«هواوي» تطور شريحة ذكاء اصطناعي جديدة لمنافسة «إنفيديا»

يبدو أن الصين قررت أن تنافس الولايات المتحدة بقوة في مجال شرائح الذكاء الاصطناعي الذي تتفوق فيه الشركات الأميركية حتى الآن.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد رئيس الهيئة العامة للإحصاء فهد الدوسري (الشرق الأوسط)

«المنتدى السعودي للإحصاء» يطرح تجارب عالمية لتعزيز التكامل بين المعرفة والاحتياج المحلي

أكد رئيس الهيئة العامة للإحصاء، فهد الدوسري، أن المنتدى السعودي الأول للإحصاء يمثل منصة وطنية تُعنى بتطوير منظومة العمل الإحصائي ودعم السياسات العامة.

«الشرق الأوسط» (الرياض )
آسيا الرئيس الصيني شي جينبينغ (د.ب.أ)

الرئيس الصيني: علينا تجاوز تحديات تطوير الذكاء الاصطناعي

أكّد الرئيس الصيني شي جينبينغ أن على بلاده أن تتجاوز تحديات تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي الأساسية، بما في ذلك صنع الرقائق المتطورة.

«الشرق الأوسط» (بكين)

الصين تتفوق مجدداً: معيار «GPMI» الجديد للهيمنة على قطاع التلفزيونات والكمبيوترات وأجهزة الألعاب

أكثر من 50 شركة مصنعة للأجهزة تدعم هذا المعيار حالياً
أكثر من 50 شركة مصنعة للأجهزة تدعم هذا المعيار حالياً
TT

الصين تتفوق مجدداً: معيار «GPMI» الجديد للهيمنة على قطاع التلفزيونات والكمبيوترات وأجهزة الألعاب

أكثر من 50 شركة مصنعة للأجهزة تدعم هذا المعيار حالياً
أكثر من 50 شركة مصنعة للأجهزة تدعم هذا المعيار حالياً

في خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل مستقبل الفيديو والصوتيات في التلفزيونات والكمبيوترات وأجهزة الألعاب المقبلة، تم الكشف عن معيار جديد اسمه «واجهة الوسائط متعددة الأغراض» (General Purpose Media Interface GMPI) من «تحالف شنزن للتعاون في صناعة الفيديوهات فائقة الدقة» (Shenzhen 8K Ultra HD Video Industry Collaboration Alliance)، وهو تجمع يضم أكثر من 50 شركة صينية رائدة في مجال التقنية، تشمل: «هواوي» (Huawei)، و«سكاي وورث» (Skyworth)، و«تي سي إل» (TCL)، و«هاي سينس» (Hisense)، وغيرها.

ويمثل هذا المعيار الجديد محاولة طموحاً لتقديم بديل متقدم وموحد لمعايير «HDMI» و«DisplayPort» الحالية، مع التركيز بشكل خاص على تلبية المتطلبات المزدادة لنقل البيانات بسرعات عالية من الأجهزة المختلفة نحو الشاشة، وتقديم الطاقة الكهربائية بكفاءة للأجهزة من خلال المنفذ ذاته.

تفوق على المعايير الحالية

ويكمن جوهر ابتكار «GPMI» في قدرته على دمج وظيفتي نقل البيانات بسرعات فائقة النطاق الترددي، وتوصيل الطاقة الكهربائية من خلال كابل واحد. ويأتي هذا المعيار بنوعين رئيسيين من المنافذ؛ الأول هو «يو إس بي تايب-سي» (Type-C) المنتشر، والثاني «تايب-بي» (Type-B) الأكثر قوة، ولكن بتصميم جديد خاص به. ويوفر منفذ «تايب-سي» سرعة نقل بيانات تصل إلى 96 غيغابت في الثانية (12 غيغابايت في الثانية، ذلك أن الغيغابايت الواحد يساوي 8 غيغابت)، وقدرة على توصيل الطاقة بقدرة تصل إلى 240 واط، وهو ما يمثل قفزة نوعية مقارنة بقدرات معايير «يو إس بي4» و«ثاندربولت 4» الحالية اللذين يقدمان سرعات تصل إلى 40 غيغابت في الثانية (5 غيغابايت في الثانية).

أما منفذ «تايب-بي»، فيقدم أداء استثنائياً بسرعات نقل تصل إلى 192 غيغابت في الثانية (24 غيغابايت في الثانية) وقدرة توصيل للطاقة تصل إلى 480 واط، ما يجعله خياراً واعداً لتشغيل حتى أكثر الأجهزة تطلباً للطاقة الكهربائية. هذه القدرة على توصيل الطاقة بكفاءة تعني إمكانية تشغيل مجموعة واسعة من الأجهزة مباشرة عبر كابل «GPMI»، ما يقلل من الحاجة إلى كابلات طاقة منفصلة، ويسهم في تبسيط الاستخدام. وتجدر الإشارة إلى أن منافذ «HDMI» و«DisplayPort» تفتقر إلى ميزة نقل الطاقة الكهربائية عبر الكابل نفسه.

ولدى مقارنة معيار «GPMI» الجديد بالمعايير الأخرى الحالية، فنرى أنه يتفوق بوضوح في جوانب مهمة، حيث يتجاوز منفذ «تايب-بي» بشكل كبير، الحد الأقصى لسرعات HDMI 2.1 التي تبلغ 48 غيغابت في الثانية (6 غيغابايت في الثانية)، وDisplayPort 2.1 UHBR20 الذي تبلغ سرعته 80 غيغابت في الثانية (10 غيغابايت في الثانية). وتفتح هذه الزيادة الكبيرة في السرعة آفاقاً جديدة لنقل بيانات الفيديو والصوت غير المضغوطة بدقة فائقة جداً، ودعم معدلات تحديث للصورة مرتفعة، وهو أمر بالغ الأهمية لتجارب المشاهدة الغامرة والواقع الافتراضي المتقدم.

وسيعتمد مستقبل هذا المعيار على عدة عوامل، بما في ذلك اعتماد الشركات العالمية المصنعة للأجهزة الإلكترونية وصناع المحتوى، إضافة إلى المنافسة من التحديثات للمعايير الحالية، أو إطلاق معايير أخرى جديدة. يضاف إلى ذلك أن جهود 50 شركة مصنعة للأجهزة والكابلات، من شأنه تقديم نظام بيئي متقدم بنهج تعاوني يهدف إلى تسريع تبني المعيار الجديد، وضمان توافقه مع مجموعة واسعة من الأجهزة والمنتجات المقبلة.

إمكانات ثورية

ولا يقتصر طموح هذا المعيار الجديد على التفوق في الأداء التقني فحسب؛ بل يمتد ليشمل توفير تجربة أكثر سلاسة وتوحيداً، حيث يدعم بروتوكولات التحكم الشائعة مثل «HDMI-CEC»، ما يتيح للمستخدم التحكم بجميع الأجهزة المتصلة عبر بـ«GPMI» باستخدام جهاز تحكم عن بُعد (ريموت كونترول) واحد. وتعزز هذه الميزة من سهولة الاستخدام، وتخفض من تعقيد أنظمة الترفيه المنزلي وبيئة العمل.

وعلى الرغم من أن هذا المعيار لا يزال في مراحله الأولية، فإن الإمكانات الكامنة فيه هائلة؛ فمع التطور المستمر لتقنيات العرض بالدقة الفائقة جداً (8K)، والنمو المتسارع في مجالات الواقع الافتراضي والمعزز، سيزداد الطلب على تقنيات نقل بيانات فائقة السرعة وقادرة على توفير الطاقة بكفاءة.

يضاف إلى ذلك أن تضمين منفذ «يو إس بي تايب-سي» أحد الخيارات الرئيسية في هذا المعيار الجديد، يضمن توافقاً مع الأجهزة الحالية، وتلك المقبلة التي تعتمد على هذا النوع من المنافذ. ويمكن لهذا التوجه العملي أن يسهل عملية الانتقال الجماعي إلى المعيار الجديد، ويشجع جميع الشركات المصنعة حول العالم على تبني هذا المعيار الجديد في أجهزتها.

يقدم المعيار الجديد سرعات نقل للصوت والصورة غير مسبوقة والقدرة على نقل الطاقة الكهربائية

تطوير مباشر لأجهزة الترفيه والنظم الطبية

من المتوقع أن يجد هذا المعيار تطبيقات كبيرة في مجموعة واسعة من الأجهزة والقطاعات، ذلك أن السرعات الكبيرة لنقل البيانات التي يقدمها، وتوصيل الطاقة الكهربائية، تجعله حلاً مثالياً لتوصيل الشاشات فائقة الدقة بمصدر الصورة (مثل أجهزة البث التلفزيوني، وأجهزة الألعاب المتقدمة، والكمبيوترات المتطورة). وهذا الأمر بالغ الأهمية في عالم الترفيه المنزلي، حيث يمكن لـ«GPMI» تقديم تجربة مشاهدة غامرة مع محتوى فائق الدقة.

وبالإضافة إلى الترفيه المنزلي، يحمل هذا المعيار وعوداً كبيرة للتطبيقات المهنية في مجالات؛ مثل تحرير الفيديو والتصميم الهندسي الرقمي والتمثيل العلمي للجزيئات، لنقل مجموعات البيانات الضخمة باستمرار. كما يمكن أن يكون لهذا المعيار دور حاسم في تطوير نظم الواقع الافتراضي (VR) والمعزز (AR) المتقدمة، والتي تتطلب معدلات نقل بيانات عالية وزمن نقل منخفضاً، لتقديم تجارب واقعية وجذابة أكثر من السابق.

وعلاوة على ذلك، يمكن استخدام «GPMI» في الأجهزة الطبية المتقدمة، لنقل الصور والفيديو عالي الدقة في العمليات الجراحية عن بُعد، أو في قطاع السيارات الذكية، لتوصيل الكاميرات فائقة الدقة لتطوير عملية القيادة الذاتية. كما يمكن استخدامه في أتمتة العمليات، ونقل البيانات بين الآلات والأجهزة المختلفة، لتشغيل الروبوتات والأجهزة الصناعية المختلفة.