انحسار العطل الرقمي العالمي... والتركيز ينصب على المخاطر

ركاب يتحققون من شاشات المغادرة والوصول مع تأخر الرحلات الجوية بسبب انقطاع التكنولوجيا العالمية في مطار أميركي (أ.ب)
ركاب يتحققون من شاشات المغادرة والوصول مع تأخر الرحلات الجوية بسبب انقطاع التكنولوجيا العالمية في مطار أميركي (أ.ب)
TT

انحسار العطل الرقمي العالمي... والتركيز ينصب على المخاطر

ركاب يتحققون من شاشات المغادرة والوصول مع تأخر الرحلات الجوية بسبب انقطاع التكنولوجيا العالمية في مطار أميركي (أ.ب)
ركاب يتحققون من شاشات المغادرة والوصول مع تأخر الرحلات الجوية بسبب انقطاع التكنولوجيا العالمية في مطار أميركي (أ.ب)

تعود الخدمات المقدمة في مختلف المجالات، من شركات طيران إلى قطاعات الرعاية الصحية والشحن والشؤون المالية، إلى العمل منذ أمس (الجمعة) بعدما أوقف عطل رقمي عالمي أنظمة الكومبيوتر لساعات، كاشفاً الثغرات الناشئة عن تحول العالم إلى التكنولوجيا المترابطة عقب جائحة «كوفيد - 19»، وفقاً لوكالة «رويترز».

وبعد حل مشكلة العطل، تتعامل الشركات الآن مع تراكم الرحلات الجوية المؤجلة والملغاة وكذلك المواعيد الطبية والطلبيات التي لم تصل إلى وجهتها ومشكلات أخرى قد تستغرق أياماً لحلها. وتواجه الشركات أيضاً تساؤلات عن كيفية تفادي انقطاع الخدمات مستقبلاً بسبب التكنولوجيا التي يُفترض أن تحمي أنظمتها.

وتسبب تحديث برمجي من شركة الأمن السيبراني العالمية «كراود سترايك»، وهي إحدى كبرى الشركات في القطاع، في إحداث مشكلات في الأنظمة أدت إلى تعطل رحلات جوية واضطرار هيئات إعلامية إلى قطع البث ومنع المستخدمين من الوصول إلى خدمات مثل الرعاية الصحية أو الخدمات المصرفية.

وأعلنت شركة «فيدكس» العالمية لخدمات الشحن أنها واجهت اضطرابات كبيرة في خدماتها. كما تضرر بعض المشرفين المسؤولين عن مراقبة المحتوى على موقع «فيسبوك».

ومنذ تفشي جائحة «كوفيد - 19» في 2020، ازداد اعتماد الحكومات والشركات على مجموعة من شركات التكنولوجيا المترابطة، وهو ما يفسر سبب انقلاب العالم رأساً على عقب بسبب مشكلة في برنامج واحد.

وسلط العطل الضوء على شركة «كراود سترايك»، وهي شركة قيمتها 83 مليار دولار وغير ذائعة الصيت، لكن لديها أكثر من 20 ألف مشترك حول العالم، منهم شركة «أمازون دوت كوم» وشركة «مايكروسوفت».

وقال جورج كيرتز الرئيس التنفيذي للشركة على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي إن خللاً رُصد «في تحديث محتوى فردي لخوادم استضافة نظام (ويندوز)» أثر في عملاء «مايكروسوفت».

وأضاف كيرتز لشبكة «إن بي سي نيوز»، «إننا آسفون جداً على الأثر الذي سببناه لدى العملاء والمسافرين وأي شخص تأثر بهذا، بما في ذلك شركتنا». وتابع «يعيد كثير من العملاء تشغيل النظام ويُفتح النظام ويعود إلى العمل».

وكان السفر الجوي الأسرع تضرراً من العطل إذ تعتمد شركات الطيران على جدولة سلسة، والتي عند انقطاعها يمكن أن تؤدي إلى تأخيرات طويلة. ومن بين أكثر من 110 آلاف رحلة تجارية مجدولة أمس، تم إلغاء خمسة آلاف رحلة على مستوى العالم، مع توقع المزيد، وفقاً لشركة «سيريوم» لتحليلات الطيران.

وقالت المطارات من لوس أنجليس إلى سنغافورة وأمستردام وبرلين إن شركات الطيران كانت تقوم بتسجيل الركاب ببطاقات صعود مكتوبة بخط اليد، مما تسبب في تأخيرات.

وحذرت البنوك وشركات الخدمات المالية العملاء من الاضطرابات وتحدث المتداولون في الأسواق عن مشكلات في تنفيذ المعاملات. وقد تواجه شركات التأمين مجموعة كبيرة من المطالبات الناتجة عن اضطراب الخدمات.

ومع مرور اليوم، أبلغت المزيد من الشركات عن العودة إلى الخدمة الطبيعية.

مشاة يسيرون بجوار شاشات منقطعة عن العمل في تايمز سكوير (أ.ب)

وقال وزير النقل الأميركي بيت بوتيجيج إن مشكلات النظام تم حلها على ما يبدو، ومن المأمول أن تعود وسائل النقل إلى طبيعتها بحلول اليوم (السبت).

وأثار العطل أيضاً مخاوف من أن كثيراً من المنظمات ليست مستعدة جيداً لتنفيذ خطط طوارئ عند تعطل نظام لتكنولوجيا المعلومات أو برنامج داخلها قادر على التسبب في توقف النظام بأكمله.

لكن خبراء يقولون إن هذا الانقطاع سيحدث مجدداً إلى حين دمج مزيد من خطط الطوارئ في الشبكات واستخدام المنظمات أدوات احتياطية أفضل.


مقالات ذات صلة

في كسر للتقاليد... ميلانيا ترمب «رفضت مراراً» التحدث خلال مؤتمر الحزب الجمهوري

الولايات المتحدة​ المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترمب إلى جانب زوجته ميلانيا (إ.ب.أ)

في كسر للتقاليد... ميلانيا ترمب «رفضت مراراً» التحدث خلال مؤتمر الحزب الجمهوري

كشفت تقارير حديثة أن ميلانيا ترمب، زوجة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، رفضت عروضاً متعددة للتحدث في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري لعام 2024.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ماثيو كروكس (أ.ب)

صحيفة: مُطلق النار على ترمب أطلق مسيّرة فوق موقع الحدث قبله بساعات

قال مسؤولون إن المسلح الذي حاول قتل ترمب تمكن من إطلاق طائرة مسيّرة والتقاط لقطات جوية لأرض الحدث قبل وقت قصير من التجمع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ صورة مجهرية تُظهر فيروس إنفلونزا الطيور «إتش5إن1» (أ.ب)

كولورادو الأميركية ترصد إصابتين جديدتين بإنفلونزا الطيور

أكدت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها أمس (الجمعة) اكتشاف حالتين إضافيتين للإصابة بإنفلونزا الطيور بين عمال مزرعة دواجن في كولورادو.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

مصادر: تعليق جمع التبرعات لحملة بايدن

قالت مصادر ديمقراطية متعددة مشاركة في حملات جمع تبرعات لوكالة «رويترز»، الجمعة، إن العديد من حملات جمع التبرعات لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن معلقة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب وزوجته ميلانيا في ختام مؤتمر الحزب الجمهوري بميلووكي أمس (إ.ب.أ)

حملة بايدن تؤكد بقاءه رغم تصاعد الضغوط لتنحيه

تتصاعد الضغوط على الرئيس الأميركي جو بايدن للتنحي عن السباق الرئاسي في مواجهة الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترمب، بعد تراجع حظوظه باستطلاعات الرأي.

رنا أبتر (واشنطن)

تحديث برمجي أمني يعطل ملايين الأجهزة العاملة بنظام «ويندوز 10» حول العالم

تأثرت مئات الرحلات في مطارات عدة حول العالم نتيجة العطل الذي أصاب الشاشات التي تعمل بنظام «ويندوز» (إ.ب.أ)
تأثرت مئات الرحلات في مطارات عدة حول العالم نتيجة العطل الذي أصاب الشاشات التي تعمل بنظام «ويندوز» (إ.ب.أ)
TT

تحديث برمجي أمني يعطل ملايين الأجهزة العاملة بنظام «ويندوز 10» حول العالم

تأثرت مئات الرحلات في مطارات عدة حول العالم نتيجة العطل الذي أصاب الشاشات التي تعمل بنظام «ويندوز» (إ.ب.أ)
تأثرت مئات الرحلات في مطارات عدة حول العالم نتيجة العطل الذي أصاب الشاشات التي تعمل بنظام «ويندوز» (إ.ب.أ)

لم يكن ما أصبح عليه الملايين حول العالم يوم الجمعة إلا دليلاً آخر على أن حياتنا تعتمد على شيء واحد؛ تكنولوجيا الإنترنت. ففي اللحظة التي تتوقف فيها الإنترنت تتوقف أعمال كثيرين، بل حياتهم.

وهذا ما حدث بالفعل عندما أعلنت عدة المطارات وشركات ووسائل نقل ومواقع إنترنت عن تعطيل أصاب أجهزة الكومبيوتر التي تعمل بنظام التشغيل «ويندوز 10» لديها.

يتم تحديث المنتجات بانتظام للتعامل مع التهديدات الإلكترونية الجديدة المحتملة وغالباً ما تتم إضافة أدوات جديدة تلقائياً إلى أجهزة الكومبيوتر (أ.ف.ب)

ماذا حدث؟

لم يكن هجوماً سيبرانياً كما يظن البعض عادة عند حدوث وضع كهذا، بل المشكلة تتعلق بالجانب البرمجي في إحدى شركات الأمن السيبراني التي تسمى «كراود سترايك».

لكن ما علاقة «كراود سترايك» بأنظمة «ويندوز»؟

المسألة تتعلق بأحد البرامج الكثيرة التي تقدمها «كراود سترايك» لعملائها يدعى «كراود سترايك فالكون» (CrowdStrike Falcon). تصف الشركة البرنامج بأنه يوفر «مؤشرات هجوم في الوقت الفعلي، وكشفاً دقيقاً للغاية، وحماية آلية» من التهديدات السيبرانية المحتملة، وتستخدمه آلاف الشركات حول العالم لحماية بياناتها، وليس «مايكروسوفت» فقط. ويُعتقد أن الخادم الخاص بذلك المنتج قد تعطل، وأدى إلى العطل العالمي في منتجات «مايكروسوفت».

من المعروف أن شركات الأمن السيبراني تجري تحديثات منتظمة لمنتجاتها للتعامل مع التهديدات الإلكترونية، لكن كيف يمكن أن يؤدي تحديث إلى تعطل بهذا الشكل؟ يقول ماركو مسعد، الخبير في الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» من واشنطن، إن «المشكلة قد تعود إلى (الكود) الذي تم استخدامه لبناء التحديث، ولم تظهر أي مشاكل فيه بالشكل الصحيح خلال مراحل الاختبار والجودة». وبما أن «كراود سترايك» لم تنشر تحليلاً تقنياً مفصلاً عن الحادث بعد، يشكّ مسعد في أن التحديث نفسه قد جعل مستشعر «فالكون» يعمل بشكل أكبر، وطريقة أحسن، ما يؤدي إلى تداخل مع نظام الحماية الخاص بـ«ويندوز»، الذي يكون قد رأى أن هذا التحديث هو « تهديد» بحد ذاته، ما أدى إلى توقيفه عن العمل نتيجة عدم وجود ربط بين نقاط النهاية بين «فالكون» ونظام الحماية في «ويندوز».

ولتوضيح ذلك، يضرب مسعد مثالاً بأن يكون لديك جهاز إنذار في منزلك، ويأتي حارس للتأكد من وجود خطر ما، فيعدّ جهاز الإنذار أن الحارس هو التهديد بحد ذاته، فيقوم بقفل الأبواب.

محللون: الشركة المسؤولة عن انقطاع خدمة «مايكروسوفت» ليست في الواقع شركة «مايكروسوفت» على الإطلاق (إ.ب.أ)

شركة الأمن السيبراني الأميركية أعلنت في وقت سابق من هذا الأسبوع عن تحديث «Falcon»، مشيرة إلى أنه سيوفر «سرعة ودقة غير مسبوقة» لكشف الاختراقات الأمنية. ولم تذكر حتى الآن إذا كانت لذلك التحديث علاقة مباشرة بالتعطل الذي حدث يوم الجمعة.

وفور الحادث، سارعت «كراود سترايك» عبر منصة «X» إلى القول إنها «على علم بتقارير الأعطال التي تحدث على نظام التشغيل (ويندوز) فيما يتعلق بمستشعر (فالكون)»، مؤكدة أن مستخدمي «ماك» و«لينكس» لم يتأثروا بذلك.

وفي مقابلة مع شبكة «NBC» يوم الجمعة، قال جورج كورتز، الرئيس التنفيذي ورئيس «كراود سترايك»، إن الشركة «تأسف بشدة للتأثير الذي سبّبناه للعملاء والمسافرين وأي شخص تأثر بهذا الأمر».

وقوبل المتصلون بالخط الهاتفي للدعم الفني للشركة برسالة هاتفية مسجلة، تفيد بأنهم على علم بالمشكلات صباح اليوم. كما نصحت «كراود سترايك» العملاء المتأثرين بتسجيل الدخول إلى بوابة خدمة العملاء الخاصة بهم للحصول على المساعدة.

أما «مايكروسوفت» فقالت، في بيان، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إنها « على علم بالمشكلة، التي حدثت في 18 يوليو (تموز)، والتي أثّرت على مجموعة فرعية من عملاء (أزور) Azure الذين لديهم موارد في منطقة جنوب وسط الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مجموعة فرعية من عملاء (Microsoft 365) في أميركا. سيشهد جميع العملاء تقريباً انتعاشاً في هذه المرحلة». إلا أن ماركو مسعد يرى، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك جانباً من المسؤولية يقع على عاتق «مايكروسوفت»، إذ «كان يجب أن تحمي نفسها ولا تلجأ إلى طرف آخر»، في إشارة إلى الحماية الأمنية التي تقدمها «كراود سترايك» لنقاط النهاية الخاصة بـ«مايكروسوفت»، ما قد يؤدي إلى الاختراقات وتعطل الخوادم.

يرى خبراء تقنيون أن معظم أجهزة الكومبيوتر المتأثرة ستحتاج إلى إعادة الضبط اليدوي إلى نقطة زمنية سابقة واحداً تلو آخر (شاترستوك)

ما الحل إذن؟

بالرغم من أن «كراود سترايك» تراجعت عن التحديث الذي سبّب المشكلة، فإن هذا لا يحل الأمر لدى أجهزة الكومبيوتر التي تأثرت بالفعل وعرضت «شاشة الموت الزرقاء»، ما يشير إلى خطأ فادح، وتم إجبارها على الدخول في عملية تمهيد ومنعها من التشغيل.

وما يزيد من تفاقم المشكلة أنه لا يبدو أن هناك حلاً عالمياً وسهلاً لهذه المشكلة. ستحتاج معظم أجهزة الكومبيوتر المتأثرة إلى إعادة ضبطها يدوياً لنقطة زمنية سابقة، واحداً تلو آخر. وإلى أن تصبح تلك الأجهزة قابلة للتشغيل، لن تتمكن من تلقي آخر تحديث من «كراود سترايك». ونصحت الشركة عملاءها بتشغيل الأجهزة المتأثرة في «الوضع الآمن»، ومن ثم حذف ملف معين. وقال متحدث باسم الشركة: «نحيل العملاء إلى بوابة الدعم للحصول على آخر التحديثات، وسنستمر في تقديم تحديثات كاملة ومستمرة على موقعنا الإلكتروني».

هل هو الحادث الأول؟

لا، بل إن آخر مرة حدث فيها انقطاع للإنترنت على نطاق واسع كان عندما تعطلت خدمة تسمى «فاستلي» (Fastly) عام 2021، وقتها نتج هذا الانقطاع عن خلل برمجي في أنظمة «فاستلي»، مزودة شبكة توصيل المحتوى (CDN). وقد تأثر عدد كبير من مواقع الويب والخدمات عبر الإنترنت نتيجة ذلك لمدة ساعة فقط! وقد سلطت تلك الحادثة حينها الضوء على أهمية إجراء اختبار قوي للبرامج، والتأثير المحتمل لأخطاء البرامج البسيطة على البنية التحتية الحيوية. وتم تنفيذ التغييرات بسرعة على أنظمة «فاستلي» لمنع وقوع حوادث مماثلة في المستقبل.

من هي «كراود سترايك»؟

إنها واحدة من أكبر شركات تكنولوجيا الأمن السيبراني في العالم، تقدر قيمتها بأكثر من 80 مليار دولار. وتُعرف تقنيتها النموذجية باسم اكتشاف نقطة النهاية والاستجابة لها، وهو نوع من برامج مكافحة الفيروسات يستخدم للتعامل مع تهديدات القرصنة. تأسست «كراود سترايك» منذ 11 عاماً في ولاية تكساس الأميركية، وغالباً ما يتم استدعاؤها من قبل المنظمات بعد حدوث انتهاكات كبيرة للأمن السيبراني للتحقيق في الأخطاء التي حدثت. وتشمل هذه الأحداث اختراق شركة «Sony Pictures» عام 2014.

ما حدث الجمعة هو تذكير بمدى دعم الإنترنت من خلال البنية التحتية المشتركة، ما يجعلها عرضة لمشكلات واسعة النطاق مثل هذه. والآثار التي شهدناها في تراجع أسعار أسهم كثير من الشركات وتعطل أعمالها، أثّرت أيضاً على كثير من الأشخاص على المستوى الفردي، بدءاً من تعطيل خطط العطلات إلى منع الوصول إلى خدمات الطوارئ.