وكيل الذكاء الاصطناعي الخصوصي: هل نحن جاهزون له؟

يتمتع بقدرات مبهرة ومفيدة جداً... قد تكون خطرة

صورة توضيحية لروبوتات الذكاء الإصطناعي و«تشات جي بي تي»
صورة توضيحية لروبوتات الذكاء الإصطناعي و«تشات جي بي تي»
TT

وكيل الذكاء الاصطناعي الخصوصي: هل نحن جاهزون له؟

صورة توضيحية لروبوتات الذكاء الإصطناعي و«تشات جي بي تي»
صورة توضيحية لروبوتات الذكاء الإصطناعي و«تشات جي بي تي»

عند النظر إلى تاريخ روبوتات المحادثة الحديثة، نلاحظ أنّه ينقسم إلى مرحلتين. بدأت الأولى العام الماضي مع إطلاق «تشات جي بي تي»، ولا تزال مستمرّة حتّى يومنا هذا، وترتكز بشكلٍ أساسي على روبوتات محادثة قادرة على الحديث عن كلّ شيء.

هذه القدرة مبهرة ومفيدة جداً ولكنّها في الواقع ليست إلّا مقدّمة للمرحلة التالية: الذكاء الاصطناعي القادر حقاً على القيام بأشياء مطلوبة منه.

مهمات وكلاء الذكاء الاصطناعي

تزعم شركات التقنية أنّ ما يُسمّى «وكلاء» الذكاء الاصطناعي «AI agents» سيكونون قريباً قادرين على إرسال الرسائل الإلكترونية، وجدولة المواعيد، وتثبيت حجوزات المطاعم وبطاقات الطائرة، والقيام بمهام معقّدة كـ«التفاوض على علاوة مالية مع ربّ العمل» أو «شراء هدايا عيد الميلاد لجميع أفراد العائلة».

بدت هذه المرحلة، التي لا تزال بعيدة، أقرب قليلاً منّا في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي عندما أعلنت «أوبن إي آي.»، الشركة المطوّرة لروبوت «تشات جي بي تي»، أنّ المستخدمين يستطيعون اليوم ابتكار روبوتات المحادثة الخاصّة بهم.

أدوات شخصية مبرمجة

بعد لمحة مبكرة على هذه الروبوتات، التي أسمتها الشركة GPTs، التي ستصبح متوفرة لزبائنها ومشتركي خدمة «تشات جي بي تي بلاس»، وجدنا أنّها تختلف عن «تشات جي بي تي» التقليدي بأمور قليلة ولكن مهمّة.

أولاً - برمجة لمهمات محددة

برمجت الروبوتات الشخصية الجديدة للقيام بمهام محدّدة - مثلاً، تشمل ابتكارات «أوبن إي آي» روبوت «مدرّب الكتابة الإبداعية» «Creative Writing Coach» وروبوت «خالط الموكتيل» «Mocktail Mixologist» الذي يقترح على مستخدمه مشروبات غير كحولية.

ثانياً - سحب ودمج البيانات

تستطيع هذه الروبوتات سحب ما تريد من البيانات الخاصّة كمستندات الموارد البشرية في أيّ شركة، أو قاعدة بيانات للوائح العقارية، وأن تدمج هذه البيانات في استجاباتها. ثالثاً، إذا سمحتم لها، تستطيع هذه الروبوتات الاتصال بأجزاء أخرى من حياتكم الإلكترونية كالرزنامة، ولائحة المهام، وحساب «سلاك»، ومن ثمّ التحرّك باستخدام بياناتكم الثبوتية.

صورة توضيحية لروبوتات الذكاء الإصطناعي و«تشات جي بي تي»

* عناصر خبيثة قد تبتكر عمداً ذكاءً اصطناعياً فاسداً لخدمة أهداف خطرة *

مزايا عظيمة ومخاوف من الكوارث

هل يبدو لكم الأمر مخيفاً؟ لأنّه كذلك فعلاً. فإذا سألتم بعض باحثي سلامة الذكاء الاصطناعي، سيقولون لكم إنّهم يخشون منح روبوتات المحادثة المزيد من الاستقلالية؛ لأنّ خطوة كهذه قد تؤدّي إلى كارثة. وكانت منظّمة «مركز سلامة الذكاء الاصطناعي» البحثية غير الربحية، قد وضعت هذا العام الوكلاء المستقلّين على لائحة «مخاطر الذكاء الاصطناعي» الكارثية؛ عازيةً الأمر إلى «العناصر الخبيثة التي قد تبتكر عمداً ذكاءً اصطناعياً فاسداً لخدمة أهداف خطرة».

ولكنّ المساعدين المدعومين بالذكاء الاصطناعي قادرون فعلاً على أداء مهام مفيدة للنّاس، حتّى أنّ الزبائن التجاريين (الشركات) يتوقون لتدريب روبوتات المحادثة باستخدام بياناتهم الخاصّة. وهناك من يحاجج أيضاً بأنّ الذكاء الاصطناعي لن يصبح مفيداً حقاً قبل أن يستطيع فعلاً فهم مستخدميه – أساليبهم في التواصل، وما يحبّون وما لا يحبّون، وما يبحثون عنه ويشترونه عبر الإنترنت.

إذن، ها نحن اليوم، نسارع إلى عصر وكلاء الذكاء الاصطناعي المستقلّين - ولا عزاء للمعترضين!

عروض لأعمال آمنة

لنكن منصفين، لا بدّ من الاعتراف بأنّ روبوتات «أوبن إي آي» ليست خطرة. فقد شاهدتُ عرضاً لأكثر من نموذج GPT خلال مؤتمر المطوّرين الذي أقامته الشركة أخيراً في سان فرنسيسكو، ظهرت خلاله وهي تؤدّي مهام غير مؤذية كتلوين رسومات الأطفال وشرح قواعد لعب الورق.

لا تستطيع هذه الروبوتات الشخصية القيام بالكثير بعد، حيث إنّ أداءها لا يتعدّى البحث في المستندات والاتصال مع التطبيقات الشائعة. شاهدتُ في واحدٍ من العروض أحد موظّفي «أوبن إي آي» يطلب من روبوت GPT البحث عن اجتماعات متضاربة المواعيد في رزنامته في «غوغل» وإرسال رسالة عبر تطبيق «سلاك» لربّ عمله. وشاهدتُ عرضاً آخر على المسرح، عمد فيه سام ألتمان، الرئيس التنفيذي (السابق) لـ«أوبن إي آي» إلى ابتكار روبوت محادثة أسماه «مرشد الشركة الناشئة»، ومهمّته تقديم النصائح للمؤسسين الطامحين باستخدام ملف خطاب كان قد ألقاه العام الماضي.

قد تبدو هذه المهام كحيَل لجذب الاهتمام، إلّا أنّ فكرة تخصيص روبوتات المحادثة والسماح لها بالتحرّك نيابة عنّا تمثّل خطوة مهمّة في ما يسمّيه ألتمان استراتيجية «أوبن إي آي» «للتوظيف التدريجي المكرّر»، أي إدخال تحسينات طفيفة على الذكاء الاصطناعي بمسار سريع بدل إحداث قفزات كبيرة بفوارق زمنية طويلة.

اختبارات مساعد ذكي شخصي

بعدما منحتني «أوبن إي آي» وصولاً مبكراً لمبتكر روبوت GPT الشخصي، أمضيت أيّاماً عدّة ألهو به.

كان «مساعد في الحضانة» «Day Care Helper» أوّل روبوت محادثة مخصّص ابتكرته لنا شخصياً، وهو عبارة عن أداة للإجابة عن أسئلة بخصوص حضانة ابني. فكأبٍ يعاني قلّة النوم ويجد صعوبة في تصفّح دليل الأهل في كلّ مرّة، دائماً ما أنسى بعض التفاصيل، كما إذا كان يمكننا إرسال وجبة خفيفة مع الفول السوداني (وهو أحد مسببات الحساسية لدى بعض الأطفال) أم لا، وما إذا كانت الحضانة مقفلة أو مفتوحة في بعض الأعياد.

لهذا السببّ؛ حمّلت دليل الأهل على أداة ابتكار الروبوت GPT، وفي غضون ثوانٍ، أصبح لديّ روبوت محادثة يمكنني استخدامه بسهولة للبحث عن إجابات على أسئلتي. كان أداؤه مبهراً لا سيّما بعد تغيير التعليمات لإفهامه أنّه من المفترض أن يعطي إجابات مستخدِماً المعلومات المتوفر في الدليل، لا أن يبتكر إجابات لأسئلة لم يعالجها الدليل.

أسميتُ الروبوت الثاني «نصيحة الجدّ رووز المالية» الذي اعتمد على مستند آخر: كتيّب من 23 صفحة يضمّ نصائح كتبها جدّي، الخبير الاقتصادي الشغوف في دراسة الأسهم وصاحب الخبرة الطويلة في التخطيط المالي. أستخدم هذا الكتيّب عند الحاجة، ولكنّني تساءلتُ ما إذا كان سيلهمني أكثر إذا ما وضعته في روبوت محادثة.

حمّلتُ نصّ الكتيّب، وفي أقلّ من خمس دقائق، أصبح لديّ روبوت محادثة يردّد لي نصيحة جدّي المالية ويجيب على أسئلتي. (ولو أنّه في بعض الأماكن انزلق من كلام جدّي وعاد إلى أسلوب «تشات جي بي تي» في الحديث عن الأمور المالية).

لم يكن أداء أيّ من روبوتات المحادثة خاصتي مثالياً وعجزت جميعها عن أداء الكثير من المهام. ولكن إذا دقّقنا في الفكرة وطريقة عمل هذه الأدوات، سيتبيّن لنا نوع الأعمال التي قد يقوم بها وكيل الذكاء الاصطناعي إذا ما أصبح متقناً.

عواقب الذكاء الاصطناعي

في المقابل، ينطوي تعزيز استقلالية وكلاء الذكاء الاصطناعي، ومنحهم الوصول إلى بياناتنا الشخصية، ووضعهم في قلب كلّ تطبيق نستخدمه، على تبعات وعواقب مقلقة جداً. وإذا صحّت التوقعات، سيتمكّن الذكاء الاصطناعي قريباً جداً من معرفتنا بعمق أكثر، وفي بعض الحالات، سيعرفنا أكثر ممّا نعرف أنفسنا وسيكون قادراً على القيام بأفعال معقّدة مع أو من دون إشرافنا.

وإذا صحّت مزاعم «أوبن إي آي»، قد نكون على مشارف الانتقال إلى عالمٍ يكون فيه الذكاء الاصطناعي شريكاً أقلّ إبداعاً، بل يصبح توسعاً سيليكونياً لنا نحن البشر، يأتي على شكل أدمغة صناعية قادرة على التنقّل حول العالم لجمع المعلومات والتصرّف نيابة عنّا. إذا كنتم غير جاهزين تماماً لهذا العالم بعد، ننصحكم بأن تبدؤوا بتهيئة أنفسكم له.

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

مؤتمر «مايكروسوفت إغنايت 2024» يكشف عن أبرز نزعات الذكاء الاصطناعي المقبلة

تكنولوجيا يستعرض مؤتمر «مايكروسوفت إغنايت 2024» أبرز تقنيات الذكاء الاصطناعي المقبلة

مؤتمر «مايكروسوفت إغنايت 2024» يكشف عن أبرز نزعات الذكاء الاصطناعي المقبلة

إطلاق أكبر مشروع للأمن الرقمي بتاريخ البشرية لمواجهة أكثر من 7000 هجمة في الثانية.

خلدون غسان سعيد (جدة)
الاقتصاد علم شركة «إنفيديا» على الحرم الجامعي في سانتا كلارا بكاليفورنيا (إ.ب.أ)

بالأرقام... كيف أصبحت «إنفيديا» الشركة الأكثر قيمة في العالم؟

حققت «إنفيديا» مرة أخرى نتائج ربع سنوية تجاوزت توقعات «وول ستريت».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد شاشة تسجيل الوصول في مكتب «إنفيديا» في أوستن بتكساس (أ.ف.ب)

«إنفيديا» تتفوق على توقعات الأرباح مع ترقب المستثمرين للطلب على رقائق «بلاكويل» للذكاء الاصطناعي

أعلنت شركة «إنفيديا»، يوم الأربعاء، عن زيادة في أرباحها ومبيعاتها في الربع الثالث مع استمرار الطلب على رقائق الكمبيوتر المتخصصة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا 7 مشاريع تجريبية للذكاء الاصطناعي من «غوغل» يمكنك التعرف عليها الآن

7 مشاريع تجريبية للذكاء الاصطناعي من «غوغل» يمكنك التعرف عليها الآن

تمنحنا «غوغل» إمكانية الوصول إلى مجموعة متنوعة من الأدوات التجريبية التي لم تصبح منتجات كاملة بعد.

دوغ آموث (واشنطن)
علوم ​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

يحدد الآفات والخراجات حولها

د. عميد خالد عبد الحميد (الرياض)

ساكرامنتو تستضيف بطولة الرياضات الإلكترونية الكبرى

ساكرامنتو تستضيف بطولة الرياضات الإلكترونية الكبرى
TT

ساكرامنتو تستضيف بطولة الرياضات الإلكترونية الكبرى

ساكرامنتو تستضيف بطولة الرياضات الإلكترونية الكبرى

احتضن الفائزون بعضهم، وهز الخاسرون رؤوسهم، وانفجر المشجعون في الهتافات.

معارك رياضية إلكترونية

احتدمت المشاعر في معرض «كال أكسبو» Cal Expo هذا الأسبوع، حيث اشتبك الطلاب من جميع أنحاء البلاد في معارك رياضية إلكترونية متوترة وعالية المخاطر، كما كتب ماثيو ميراندا (*).

في المسابقات التي تضم لوحات المفاتيح ونقرات الماوس المحمومة، تنافس لاعبو ألعاب الفيديو في ألعاب مثل Super Smash Bros Ultimate and Street Fighter 6.

وقالت أنجيلا برنهارد توماس، كبيرة مسؤولي الرياضات الإلكترونية في بطولة Collegiate Esports Commissioners Cup West الإقليمية: «إنها مثل بطولة (مارتش مادنيس) March Madness، لكنها ألعاب فيديو».

لاعبو مدرسة سنتر الثانوية أثناء المنافسة في أول بطولة ألعاب إلكترونية كبرى في ساكرامنتو

فرق مدرسية إلكترونية تنافسية

استضافت ساكرامنتو البطولة في وقت تنمو فيه شعبية الرياضات الإلكترونية، مع تشكيل المزيد من المدارس لفرق تنافسية، واستقطب الحدث الذي استمر ثلاثة أيام، 22 فريقاً جامعياً من 18 ولاية وأكثر، من 150 طالباً في المدرسة الثانوية المحلية.

وقالت أنجيلا برنهارد توماس: «معظم لاعبي الكلية الذين يلعبون هنا هذا الأسبوع مواظبون على الدراسة، ويحصلون على منح دراسية للعب ألعاب الفيديو»، وأضافت: «هذا شيء لم نفكر أبداً أنه سيحدث حقاً».

على المسرح الرئيسي، واجهت ولاية سان خوسيه فريق «يو سي ريفرسايد» في نهائي مكثف من Super Smash Bros. Ultimate - لعبة قتال ومنصة تضم شخصيات العديد من إبداعات نينتندو.

بطولة الرياضات الإلكترونية الوطنية

خرج فريق «يو سي ريفرسايد» المكون من أربعة أفراد منتصراً للعام الثاني على التوالي، وسيتقدم الفريق، جنباً إلى جنب مع أبطال عطلة نهاية الأسبوع الآخرين، إلى بطولة الرياضات الإلكترونية الوطنية في تكساس، في مايو (أيار) المقبل.

وقال كين هوانغ، طالب يدرس الرياضيات التطبيقية في «يو سي ريفرسايد»، إنه يأمل في أن يعزز الفوز الاعتراف بالرياضات الإلكترونية داخل الجامعة.

في السنوات الأخيرة، صنفت بعض الكليات في جميع أنحاء الولايات المتحدة فرق الرياضات الإلكترونية الخاصة بها على أنها رياضات مدرسية رسمية.

وأضاف هوانغ الذي مارس اللعبة لمدة 8 سنوات: «هذه الحالات توفر المزيد من الفرص للتمويل والسفر. ويعد فريق Super Smash Bros التابع لجامعة كاليفورنيا ريفرسايد نادياً ترفيهياً».

وتابع: «نأمل في أن يدفعنا أداؤنا الجيد والحصول على نتائج إلى القول إننا لسنا مجرد نادي ترفيهي».

رياضة للصغار والكبار

في مكان قريب، هتفت إيلينا فيريل، البالغة من العمر 15 عاماً، بينما كانت صديقتها تتنافس في لعبة Valorant، وهي لعبة إطلاق نار شهيرة من منظور الشخص الأول. وصاح الجميع معاً بحماس، ورفعوا أيديهم أحياناً احتفالاً.

حافظت فيريل، قائدة فريق اللعب المكون من 12 لاعباً في مدرسة «سنتر» الثانوية في أنتيلوب، على نشاط زملائها في الفريق من خلال إطعامهم وتقديم المشروبات لهم.

وبالقرب منها جلس والدا فيريل على بُعد أقدام قليلة، يراقبان ابنتهما الصغرى بابتسامات فخورة. وحضر آباء ثلاثة لاعبين آخرين، اعتادوا على شغف أطفالهم بالمنافسة عبر الإنترنت. وقالت والدتها لأنيل فيريل باربي: «أستمتع بمشاهدتهم وهم منخرطون في شيء ما. نريد أن نراهم يفعلون شيئاً إيجابياً، حتى لو كان ذلك ألعاباً». وتابعت: «أشعر بالضياع لأن لديهم لغتهم الخاصة... نطرح الكثير من الأسئلة، وأحياناً يجيبون عنها. لكننا ما زلنا ضائعين».

* «ذا ساكرمنتو بي»، خدمات «تريبيون ميديا».