شهدت الأيام الماضية انتشاراً لصور يظهر فيها أعضاء العائلة المالكة البريطانية، على رأسهم الملك تشارلز، فيما قيل إنه احتفال «بعد الحفل» لتتويج الملك الجديد. الصور التي ذاع انتشارها عبر مواقع التواصل تم «اختلاقها» بواسطة تقنية الذكاء الصناعي المولد.
وتظهر الصور الملك تشارلز وهو يدخن سيجاراً، ويرتدي قمصاناً مزركشة، فيما تظهر الأميرة كيت ميدلتون وهي خلف «دي جي»، ويظهر زوجها الأمير ويليام وهو يعزف على الجيتار، فيما بدت الملكة كاميلا في بذلة صفراء زاهية وترقص على الحلبة بحماس.
وعلى الرغم من معرفة البعض بأن هذه الصور «مزيفة»، إلا أن آخرين وقعوا في «الفخ»، وقاموا بنشر تلك الصور اعتقاداً أنها حقيقية. وتكمن صعوبة التحقق من تلك الصور في أنه لا يوجد تطبيق أو أداة واحدة يمكنها التحقق من هذه الصور، حسب عمرو العراقي، الصحافي المصري في مجال صحافة البيانات، وعضو هيئة التدريس بالجامعة الأميركية.
«في ساعات قليلة»
وأعلن نيل ماسون، المصمم في وكالة تصميم أسترالية تُدعى «ستارت ديجيتال»، أن فكرة تصميم صور لأفراد العائلة المالكة توصل لها يوم السبت الماضي، وفي غضون ساعات قليلة، حولي من 3 إلى 4 ساعات، استطاع تنفيذ «معرض» كامل من الصور.
ولاقت الصور الانتشار، وفقاً لنيلسون، ويقول إنه استخدم تطبيق «ميد جورني»، وهو أحد أكثر التطبيقات شيوعاً في توليد الصور باستخدام الذكاء الصناعي، ويتابع: «طلبت من التطبيق إنشاء صورة واقعية للغاية للملك تشارلز مرتدياً قميصاً وسروالاً قصيراً أستوائياً في حفلة مع سيجارة في فمه وكأنه في فيلم للمخرج ويز أندرسون»، ويتابع أنه فوجئ بالنتيجة وأنها كانت «رائعة للغاية»، حسبما نقلت وسائل إعلام بريطانية.
وتكمن صعوبة التحقق من الصورة المولدة بتقنية الذكاء الصناعي في أنها ليست صوراً حقيقية، وتم إدخال تعديلات عليها، لكنها لم تحدث بالأساس، حسب الباحثة شاهندة عاطف مدرس الصحافة بكلية الإعلام بجامعة بني سويف بمصر.
وقائع سابقة
وقبل الملك تشارلز، لاقت صور مولدة من خلال تقنية الذكاء الصناعي لمشاهير حول العالم رواجاً عبر الإنترنت، مثل صور للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، والسياسية الأميركية هيلاري كلينتون، وصور لاعتقال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
وتعد مولدات الصور بالذكاء الصناعي تقنية «تتعلم» إنشاء صور من تعليمات نصية بسيطة عن طريق تحليل الصور التي تم تصويرها من قبل الإنسان، بما في ذلك الصور الموجودة على الإنترنت.
وعدّ العراقي أن صعوبة الأمر تكمن في أن برامج توليد الصور باستخدام الذكاء الصناعي تساعد على توليد الصور دون مراعاة أي ضوابط أخلاقية، مشيراً لـ«الشرق الأوسط»، إلى أننا «أصبحنا أمام عصر استخدام الذكاء الصناعي دون أي روابط أو قيد، مما يشير إلى خلل معلوماتي». ويعد الخبير في مجال تحليل البيانات أن على المواطن أن يتحقق من مصدر نشر الصور، باتباع المصادر الموثوقة، سواء عبر الحسابات الرسمية، أو عبر وسائل الإعلام، وكذلك إعمال المنطق أحياناً، مشيراً في الوقت ذاته إلى دور وسائل الإعلام في تحري الحقيقة وراء تلك الصور.
«رصاصات موثوقة»
ويدق العراقي ناقوس الخطر بأن تلك البرامج التي تستخدم الذكاء الصناعي لاختلاق الصور المفبركة تستخدم للتشهير والابتزاز، لكن أيضاً تنتهك حقوق الملكية الفكرية، قائلاً: «على سبيل المثال، وجه أو البذلة التي يرتديها الملك تشارلز، هي من أصل عشرات أو مئات أو ربما آلاف الصور التي أُدخلت إلى أحد البرامج، وهذه الصور الأصلية تخضع لملكية فكرية وحقوق طبع ونشر»، وهو ما يطلق عليه العراقي اسم «رصاصات موثوقة»، أي أن تلك الصور موثقة من أصل صور حقيقية لكنها كالرصاصة.
وفي السياق، تعتبر شاهندة عاطف أن صور الملك تشارلز أظهرت حجماً كبيراً ليده، وهو ما يعد إشارة واضحة للمدقق بأن الصور ليست حقيقية، لكن تعتبر الباحثة أن الذكاء الصناعي «يتطور»، وقد لا يظهر أي عيوب في الصور المعدلة من خلاله، مما يتسبب في فوضى أو حرج للشخصيات العامة.
وتلفت شاهندة عاطف إلى أن برامج تعديل الصور باستخدام الذكاء الصناعي لاقت رواجاً في الأيام الماضية، فوفقاً لدراستها جرى استخدام برامج الذكاء الصناعي لتحويل الصور لأفاتار سحري، من قِبل فنانين ومشاهير مثل أحلام وهنا الزاهد ومحمد الشرنوبي، وهو ما انتشر أيضاً بين مستخدمين عبر مواقع التواصل.
وشهدت الأشهر القليلة الأخيرة ازدياداً مطرداً في عدد الأعمال الفنية المبتكرة والواقعية، المصنوعة بنظم «الذكاء الصناعي»، لكنّها كانت متاحة لمجموعة مختارة من المستفيدين. أمّا اليوم، فقد بات بإمكان أي شخص تشغيل برامج مدعومة بـ«الذكاء الصناعي» دون الحاجة إلى خلفية معرفية تقنية.
ويجد بعض المبدعين أن مولدات الصور وسيلة قيمة للتعبير عن أنفسهم بشكل إبداعي - لكن العديد من الفنانين الآخرين يخشون من أنه يمكنهم تقليد أسلوبهم بشكل مقنع واستخدامه لإنتاج الصور في ثوانٍ، حسبما أفادت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».