أحوال طقس متطرّفة... وأمل بمستقبل أفضل

حال البيئة في 2023

من فيضان المياه نتيجة الامطار الغزيرة التي غرقت تحتها عاصمة الصومال مقديشو في نوفمبر الماضي (ا ب)
من فيضان المياه نتيجة الامطار الغزيرة التي غرقت تحتها عاصمة الصومال مقديشو في نوفمبر الماضي (ا ب)
TT

أحوال طقس متطرّفة... وأمل بمستقبل أفضل

من فيضان المياه نتيجة الامطار الغزيرة التي غرقت تحتها عاصمة الصومال مقديشو في نوفمبر الماضي (ا ب)
من فيضان المياه نتيجة الامطار الغزيرة التي غرقت تحتها عاصمة الصومال مقديشو في نوفمبر الماضي (ا ب)

تقترب سنة 2023 من نهايتها، تاركةً وراءها نسيجاً بيئياً معقداً تتداخل فيه الأحوال الجويّة القاسية، والحلول المبتكرة التي تعزز الأمل بمستقبل أفضل. وخلالها اختبر سكان كوكب الأرض جميعاً العواقب المباشرة لتغيُّر المناخ الناتج عن النشاط البشري، لا سيما موجات الحرّ التي جعلت 2023 الأكثر دفئاً على الإطلاق في التاريخ المسجّل.

ومع الأثر المضاف لظاهرة «النينيو»، شهدت 2023 تعرّض مناطق كثيرة حول العالم لأحداث طقس متطرّفة أودت بحياة الكثيرين، وتسببت بخسائر مادية قياسية. ففي ليبيا، أدّت العاصفة «دانيال» إلى وفاة أكثر من 6 آلاف شخص، وألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية. وفي كندا، أتت حرائق الغابات على 18.5 مليون هكتار، وهي مساحة تعادل مساحة سوريا.

وفي المقابل، عززت هذه الأحداث الحاجة الماسة لتصحيح مسار البلدان في الجهود الدولية لمواجهة الاحترار العالمي، وهو مسار لا يزال بعيداً عن تحقيق أهداف «اتفاق باريس المناخي». في حين أظهرت المبادرات المختلفة حول العالم، لا سيما في مجال الطاقة المتجددة وتعزيز الكفاءة وتقنيات التقاط الكربون لإعادة استعماله أو تخزينه بأمان، وجهود الحفاظ على النظم البيئية وحماية التنوُّع الحيوي، مؤشرات على قدرة العالم على تحقيق التغيير الإيجابي.

تغيُّر المناخ وتحوُّلات الطاقة

من المتوقع أن تكون سنة 2023 هي الأكثر سخونة على الإطلاق، حيث اقتربت فيها حرارة الكوكب من عتبة 1.5 درجة مئوية التي حددها «اتفاق باريس المناخي». وشهدت أوروبا وأميركا الشمالية وآسيا موجات حرّ حارقة دفعت قدرة الإنسان على التحمُّل إلى أقصى حدودها. وعرفت مدن مثل لندن وباريس ارتفاع حرارة الطقس فوق 40 درجة مئوية، بينما اندلعت حرائق الغابات عبر القارات، محوّلة المناظر الطبيعية إلى جحيم.

وأدّى الارتفاع المتواصل في الحرارة إلى تسريع ذوبان الأنهار الجليدية القطبية والجبلية. ووصل حجم الجليد البحري في القطب الشمالي إلى أدنى نقطة تم تسجيلها على الإطلاق في سبتمبر (أيلول)، في حين خسر الغطاء الجليدي في غرينلاند رقماً قياسياً قدره 26 مليار طن في يوم واحد.

وكانت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ (IPCC) حذّرت هذه السنة من أن النشاط البشري يغيّر المناخ بطريقة غير مسبوقة، وأحياناً لا رجعة فيها. ومن المتوقع أن تبلغ كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي 419 جزءاً في المليون في 2023 مقارنةً بـ417 جزءاً في المليون في العام السابق.

ويرى اقتصاديون أن أزمة المناخ هي نتيجة لإخفاقات السوق المتعددة، ويدعون أصحاب القرار إلى زيادة أسعار الأنشطة التي تنبعث منها غازات الدفيئة عبر آليات مختلفة، بما فيها ضرائب الكربون، من أجل تحفيز الابتكارات في مجال الطاقة المنخفضة الانبعاثات، مهما كان مصدرها.

ويثير الصراع المستمر في أوروبا تساؤلات كبيرة حول تأثير النزاعات على التحوُّل العالمي إلى الطاقة النظيفة. وتُعدّ الحرب في أوكرانيا ميداناً لاختبار ما إذا كانت زيادة الاستثمار في الوقود الأحفوري ستؤدي إلى عرقلة تحوُّل العالم إلى الطاقة النظيفة، أو أن التهديدَين السياسي والعسكري سيدفعان نحو مزيد من التحوُّل إلى مصادر طاقة متجددة أكثر أماناً ونظافةً وأقل عرضة للتقلبات.

وعلى أرض الواقع، شهدت 2023 ارتفاعاً ملحوظاً في استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وحققت دول مثل ألمانيا والدنمارك حصصاً قياسية من الطاقة النظيفة في شبكات الكهرباء لديها، مما يدل على جدوى وإمكانات حلول الطاقة الجديدة، خصوصاً من الشمس والرياح. وارتفعت الاستثمارات في الطاقة الشمسية، حيث وصلت التركيبات إلى مستويات عالية جديدة في جميع أنحاء العالم.

وتتابعت في 2023 الجهود العالمية لمواجهة تحدي المناخ، وازدادت الضغوط من أجل إجراء تخفيضات جذرية في الانبعاثات خلال هذا العقد لإبقاء ازدياد الاحترار العالمي في نطاق 1.5 درجة مئوية، كما تعزز الاهتمام بتطوير تقنيات التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون. وجاءت مقررات القمة المناخية في دبي تأكيداً لهذا الاتجاه، الذي يركز على جوهر المشكلة، أي تخفيف الانبعاثات أياً كان مصدرها.

ورغم هذه الجهود، فإن العالم لا يزال متخلّفاً عن السياسات المطلوبة لخفض انبعاثات غازات الدفيئة. ويخلص تقرير حالة العمل المناخي لسنة 2023 إلى أن التقدم المحرز في سد الفجوة العالمية في العمل المناخي لا يزال غير كافٍ على الإطلاق. وباستثناء مبيعات السيارات الكهربائية، التي حققت تقدماً تخطى التوقعات، فإن 41 من أصل 42 مؤشراً جرى تقييمها لم تكن على المسار الصحيح لتحقيق أهداف المناخ في سنة 2030.

وتفتح قمة المناخ العالمية (كوب28)، التي اختُتمت أخيراً في دبي، نافذة أمل على توحيد الجهود من أجل الوصول إلى اتفاق عادل ومنصف للحدّ من تداعيات تغيُّر المناخ، وجذب التمويلات لدعم جهود التكيُّف مع التغيُّر المناخي والتخفيف من آثاره، من خلال تفعيل صندوق الخسائر والأضرار وإطلاق صندوق الحلول المناخية.

خسارة الموائل وفقدان التنوُّع البيولوجي

لا تزال التقارير حول حالة حفظ الأنواع الحيّة وسلامة الموائل تحذّر من الخسارة العالمية السريعة للتنوُّع البيولوجي، والزيادة المطردة في إزالة الغابات، لا سيما غابات الأمازون المطيرة. وعلى الرغم من أن 2023 حملت أخباراً جيدة بتحقيق غابات الأمازون معدلات إزالة متدنية مقارنةً بالأعوام السابقة، وذلك مع تعهد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بإنهاء إزالة الغابات بشكل غير قانوني بحلول 2030، فإن المنطقة لا تزال تعاني من موجات جفاف قاسية يتوقع العلماء أن تمتد آثارها حتى 2026.

ويعزز فقدان الموائل مخاطر الانقراض الذي يطال في المتوسط نحو 25 في المائة من أنواع المجموعات الحيوانية والنباتية عالمياً. ويضع ذلك نحو مليون نوع حي على حافة الخطر، ما لم تُتّخذ إجراءات للتخفيف من حدّة العوامل التي تؤدي إلى فقدان التنوُّع البيولوجي، بما فيها سوء استثمار الأراضي والبحار، والاستغلال المفرط للكائنات، وتغيُّر المناخ، والتلوُّث، والأنواع الغريبة الغازية.

ويشير تقييم صدر أخيراً للقائمة الحمراء، التي يُشرف على إعدادها الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، إلى أن ما يقرب من رُبع أسماك المياه العذبة في العالم معرّض لخطر الانقراض؛ بسبب الاحتباس الحراري والصيد الجائر والتلوُّث. كما تخلص دراسة جديدة للقائمة ذاتها، باعتماد الذكاء الاصطناعي، إلى أن ما يقرب من نصف النباتات المزهرة المعروفة في العالم مهددة بالانقراض.

وفي إطار سعيه للحدّ من تسارع ما توصف بـ«موجة الانقراض الجماعي السادسة»، كان المجتمع الدولي أقرّ قبل سنة «إطار كونمينغ - مونتريال العالمي للتنوُّع البيولوجي»، الذي يلحظ ضمان وتمكين وحفظ وإدارة ما لا يقل عن 30 في المائة من المناطق البرية ومناطق المياه الداخلية والمناطق الساحلية والبحرية، لا سيما المناطق ذات الأهمية الخاصة للتنوُّع البيولوجي بشكل فعّال بحلول 2030.

وقد اكتسبت الجهود العالمية لحماية التنوُّع البيولوجي والأنظمة البيئية قوة جذب كبيرة في 2023. ووفّرت مبادرات، مثل تعيين مناطق بحرية محمية جديدة في المحيط الهادئ، ملاذات للأنواع المهددة بالانقراض والنظم البيئية البحرية. وأظهرت إعادة التوطين الناجحة لأنواع من الحيوانات المهددة في روسيا ومنغوليا فعالية جهود الحفاظ على البيئة في استعادة توازن الكوكب.

ازدهار الابتكار وترسيخ العمل الجماعي

من المشاريع الرائدة لحصاد الطاقة الشمسية باستغلال مساحات الأقنية المائية في الهند، إلى «اللحوم البديلة» المزروعة في مختبرات سنغافورة لتقليل البصمة البيئية لإنتاج الغذاء، شهدت 2033 تطوير تقنيات وحلول مبتكرة لمواجهة التحديات البيئية. وفي هذه السنة، اكتسبت السيارات الكهربائية اعتماداً أوسع نطاقاً حيث أعلنت شركات صناعة السيارات الكبرى عن خطط طموحة للتخلُّص التدريجي من مركبات المحرك التقليدي.

وفيما لا تزال تقنيات احتجاز الكربون وتخزينها في مراحلها الأولى، إلا أنها تَعِد بتوفير وسيلة فعالة للتخفيف من آثار انبعاثات غازات الدفيئة، وتعزيز مكاسب الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية عالمية بحلول 2050.

وفي الجانب المجتمعي، شهدت 2023 موجة كبيرة من الحركات الشعبية والمبادرات الشبابية التي تدعو لمعالجة التحديات البيئية. ومن إضرابات المناخ التي تطالب قادة العالم باتخاذ إجراءات جدية، إلى المجموعات المحلية التي تنظّم حملات التنظيف وزراعة الأشجار، اجتمع الأفراد في جميع أنحاء العالم لإحداث التغيير الإيجابي.

وبينما نودّع 2023، فإن القصة البيئية لهذه السنة تتركنا عند مفترق طرق، حيث لا تزال التحديات كبيرة، ولكن بصيص الأمل يقدم خريطة طريق لمستقبل مستدام.


مقالات ذات صلة

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

بيئة عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق نفايات القهوة تعزز قوة الخرسانة وتقلل البصمة الكربونية (معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا)

نفايات القهوة تصنع خرسانة أقل انبعاثاً للكربون

تكشف الدراسة عن إمكانية تحويل مخلفات القهوة إلى مادة بناء مستدامة تعزز صلابة الخرسانة وتخفض بصمتها الكربونية، مما يدعم التوجه نحو اقتصاد دائري.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
ثقافة وفنون عالمة الرئيسيات والناشطة البيئية جين غودال

جين غودال وإرث البشرية المضطرب

غيابها ليس مجرد فقدانٍ لعالمةِ رئيسياتٍ أو ناشطةِ بيئةٍ، بل هو إغلاق للنافذة التي فتحتها بنفسها بقوةٍ وصبرٍ في غابات غومبي التنزانية قبل أكثر من ستة عقود.

ندى حطيط (لندن)
آسيا فيضانات في تايلاند (أ.ب)

ارتفاع عدد الوفيات جراء الفيضانات في تايلاند وسريلانكا

ذكر بيان حكومي أن حصيلة الوفيات جراء الفيضانات في جنوب تايلاند ارتفعت إلى 87 اليوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
يوميات الشرق يعكس ظهور النسر ضمن المحمية أهميتها المتزايدة بوصفها ملاذاً للطيور المهاجرة (واس)

رصد أول ظهور للنسر أبيض الذيل في السعودية منذ 20 عاماً

رصدت محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية ظهوراً نادراً للنسر أبيض الذيل، أحد الطيور المهاجرة، وهو الرصد المؤكد الأول لهذا النوع في السعودية منذ أكثر من 20 عاماً.

«الشرق الأوسط» (تبوك)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.