«غبار سحري» لتبريد كوكبنا من الاحتباس الحراري

جيم مان يحمل "الغبار السحري"(غيتي)
جيم مان يحمل "الغبار السحري"(غيتي)
TT
20

«غبار سحري» لتبريد كوكبنا من الاحتباس الحراري

جيم مان يحمل "الغبار السحري"(غيتي)
جيم مان يحمل "الغبار السحري"(غيتي)

في محجر محاط بضجيج الآلات الثقيلة في أسكوتلندا، ينحني جيم مان ليلتقط حفنة من الصخور السوداء الصغيرة، وبابتسامة بسيطة، يقول: «هذا هو الغبار السحري»، نطقها وهو يفرك صخوراً سوداء بين أصابعه، حسب موقع «بي بي سي» البريطاني.

وكان الرجل يحمل قطعاً من البازلت هي في الأصل صخرة بركانية صلبة ليست نادرة ولا تتميز بشيء خاص عن غيرها، لكن من خلال عملية تُعرف باسم «تعزيز تجوية الصخور» أصبح بالإمكان المساعدة في تبريد كوكبنا الذي يعاني من الاحتباس الحراري.

وبات علماء الأمم المتحدة الآن واضحين أن الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وحده لن يكون كافياً لوقف المستويات الخطيرة للاحترار؛ إذ يشيرون إلى الحاجة في المستقبل إلى إزالة جزء من ثاني أكسيد الكربون، بإخراجه بنشاط من الغلاف الجوي.

وتقع عملية «تعزيز تجوية الصخور» في منطقة ما بين الطبيعية وما صنعه الإنسان. تتطلب عملية «التجوية» تدخل الطبيعة بشكل تدريجي للغاية، لكن باستخدام محرك «توربو» لإزالة الكربون بشكل أسرع.

لآلاف السنين، استمرت الصخور والمنحدرات البركانية في إزالة الكربون ببطء أثناء عملية التجوية خلال هطول الأمطار. غير أن عملية «التجوية الصخرية المعززة» تستخدم قطعاً صغيرة لزيادة كمية التلامس بين المطر والصخور، وبالتالي تعزيز التجوية وإزالة الكربون.

سواء كانت في جرف أو مكدسة في محجر، فإن عملية تفتيت البازلت تجري ببطء شديد. ولتحقيق سرعة أكبر في إزالة الكربون، هناك حاجة لنشر البازلت عبر مساحة أكبر.

ويذكر أن هذا المكان هو الذي يأتي إليه المزارعون المحليون لمساعدة الكوكب، وأيضاً للحصول على سماد مجاني في المقابل. ناهيك عن فائدته في التخلص من الكربون، فقد أثبتت التجارب فائدة البازلت في تحسين نوعية المحاصيل وكذلك رعي الماشية.

غير أن بعض الخبراء يشعرون بالقلق من أن تقنيات إزالة الكربون بهذه الطريقة قد تصرف انتباه الناس عن أكثر أولوية إلحاحاً لخفض الانبعاثات، بل واستخدامها مبرراً لمواصلة العيش في عالم يعاني من كثافة الكربون.


مقالات ذات صلة

نحو الاستدامة البيئية… زراعة أكثر من 3.5 مليون شجرة في السعودية خلال عام

يوميات الشرق أكثر من 975 هكتاراً من مدرجات زراعية في الجنوب الغربي للبلاد مؤهّلة ومجهزة بتقنيات حصر مياه الأمطار (الشرق الأوسط)

نحو الاستدامة البيئية… زراعة أكثر من 3.5 مليون شجرة في السعودية خلال عام

نفذ «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر» في السعودية، عام 2024، عدداً من المبادرات لتعزيز الإدارة المستدامة للغابات في إطار «رؤية السعودية 2030»

غازي الحارثي (الرياض)
الاقتصاد مواطنون يساهمون في تعزيز حماية الموارد الطبيعية (واس)

السعودية في 2024... نموذج متكامل للتنمية البيئية والاستدامة العالمية

بينما تواصل السعودية خطواتها الواسعة نحو تحقيق «رؤية 2030»، تبرز البيئة كأحد أعمدة التنمية المستدامة، في مسار متوازن يجمع بين بناء الإنسان والحفاظ على الطبيعة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
بيئة جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

توجّه سعودي لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً في «الشبكة العالمية لليونيسكو»

أعلنت «اليونيسكو» عن انضمام موقعي «شمال الرياض جيوبارك»، و«سلمى جيوبارك» إلى شبكة «الجيوبارك العالمية لليونيسكو»؛ في خطوة تعزز من دور السعودية

غازي الحارثي (الرياض)
بيئة أدى تراجع الأمطار قبل 6 آلاف عام إلى تحوّل المنطقة مجدداً لبيئة قاحلة (واس)

«كاوست»: «الربع الخالي» كان موطناً لأنهار ومروج خضراء

كشفت دراسة بحثية علمية حديثة أن «الربع الخالي»، أكبر صحراء رملية متصلة في العالم لم تكن في الماضي كما نعرفها اليوم أرضاً جافة وقاحلة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق الظبي الرملي من الأنواع الأصيلة في السعودية المعرضة للانقراض (واس)

ولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025 في السعودية

احتفت محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية بولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025، ليصل بذلك إجمالي عدد الظباء الرملية التي وُلدت في المحمية إلى 94 مولوداً.

«الشرق الأوسط» (تبوك)

توجّه سعودي لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً في «الشبكة العالمية لليونيسكو»

جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
TT
20

توجّه سعودي لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً في «الشبكة العالمية لليونيسكو»

جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

في نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت «اليونيسكو» عن انضمام موقعي «شمال الرياض جيوبارك»، و«سلمى جيوبارك» إلى شبكة «الجيوبارك العالمية لليونيسكو»؛ في خطوة تعزز من دور السعودية في الحفاظ على التراث الجيولوجي، وتعزيز التنمية المستدامة، حيث جاء الإعلان استناداً إلى «معايير دقيقة تتبعها المنظمة الدولية، وتشمل إدارة المناطق الجيولوجية ذات الأهمية العالمية بأسلوب شامل يجمع بين الحماية والتعليم والتنمية المستدامة، مع التركيز على إشراك المجتمعات المحلية.

مميزات خاصة بـ«شمال الرياض» و«سلمى»

وكشف المهندس حسام التركي، مدير مبادرة «جيوبارك السعودية»، خلال حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، عن أبرز المميزات الجيولوجية في «شمال الرياض» و«سلمى»، حيث يمتد موقع «شمال الرياض جيوبارك» على مساحة 3321 كم مربع، ويتميّز بتكوينات صخرية رسوبية تعود إلى أكثر من 150 مليون سنة، وتحتوي على مميزات جيولوجية على غرار منطقة نهاية العالم في «جبل طويق» التي تمثِّل كتلة صخرية من الحجر الجيري بارتفاع يمتد نحو 800 متر، وبها طبقات رسوبية تحمل تراثاً جيولوجياً لصخور مصدر البترول، كما يحتوي موقع «شمال الرياض جيوبارك» على أحافير من العصر الجوراسي إلى الطباشيري إلى جانب «الدحول» وهي عبارة عن تجويف كهفي تتجمع فيه مياه الأمطار والسيول وتتشكل في صخور الحجر الجيري.

شمال الرياض جيوبارك (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
شمال الرياض جيوبارك (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

ولفت التركي إلى أن «شمال الرياض» يستعرض العمليات الجيولوجية، بما في ذلك ارتفاع الصفيحة العربية وتراكم الرواسب القديمة، مؤكّداً القيمة السياحية والتعلمية للموقع.

أما موقع «سلمى جيوبارك»، الواقع جنوب شرقي حائل بمساحة تقارب 3145 كيلومتراً مربعاً، فيتميز، وفقاً للتركي، بصخور القاعدة التي يعود عمرها إلى 735 مليون سنة تقريباً، ووجود «الفوّهات والحرّات البركانية المختلفة والتي تشكلت نتيجة لانفجارات بركانية في عصور مختلفة، إلى جانب براكين حرة الهتيمة».

واحة برودان في منطقة القصب (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
واحة برودان في منطقة القصب (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

ويتضمّن موقع «سلمى جيوبارك» تراثاً ثقافياً على غرار (قصة أجا وسلمى، ودرب زبيدة التي يعود عمرها لأكثر من 1000 سنة، وقصة حاتم الطائي قبل 1500 سنة، وعنتر قبل 1500 سنة، والمصائد الصحراوية قبل 7000 سنة، والنقوش الثامودية عمرها أكثر من 10000 سنة) بينما تأتي أهميّتها التعلّمية، في تمتعها بإمكانات كبيرة في مجال السياحة الجيولوجية، والأنشطة التعليمية، والحفاظ على البيئة.

علامة جودة دولية

وحول الإنجاز الذي تحقّق بإعلان (اليونيسكو) رسمياً انضمام «شمال الرياض جيوبارك» و«سلمى جيوبارك» إلى شبكة الجيوبارك العالمية، شدّد التركي على أن هذا الإنجاز يمثّل «علامة جودة دولية، تسهم في جذب السياح من داخل السعودية وخارجها»، وقال إن «الجيوبارك» ستكون محرّكاً للسياحة البيئية، بما توفّره من تجارب أصيلة وآمنة وتعليمية، تُعزز بقاء الزائر فترة أطول في المنطقة، مما يُنعش الاقتصاد المحلي، وأردف أن تسجيل هذين الموقعين من شأنه أن يُسهم في «ترويج البلاد دولياً كمركز رئيسي في المنطقة للجيولوجيا والسياحة المستدامة».

وكشف التركي عن أن الإنجاز «تطلّب جهداً تكاملياً بين المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر ومبادرة الجيوبارك، استمر لأكثر من عامين، وشمل تنفيذ دراسات علمية وميدانية دقيقة، وإعداد ملفات الترشيح وفق معايير اليونيسكو التفصيلية، إلى جانب تطوير البنية التحتية والمكونات التفسيرية والتعليمية للمواقع، مع إشراك المجتمع المحلي ورفع الوعي بدور الجيوبارك».

جانب من جبال «سلمى» في منطقة حائل شمال السعودية (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
جانب من جبال «سلمى» في منطقة حائل شمال السعودية (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

ولفت إلى أن التحديات التي واجهتهم تتعلّق بـ«تكثيف العمل خلال فترة زمنية وجيزة نسبياً، وبتوحيد جهود الجهات المختلفة» معيداً الفضل في تجاوز ذلك لـ«دعم القيادة وتفاني الفريق»، ممّا مكنهم من إنجاز هذا الملف بكفاءة عالية وبشهادة خبراء «اليونيسكو» أنفسهم. وفقاً لحديثه.

معايير «اليونيسكو»

وإجابةً عن سؤال «الشرق الأوسط» حول المعايير التي اعتمدتها (اليونيسكو) في قبول هذين الموقعين ضمن شبكتها العالمية للجيوبارك، قال التركي إنها تتضمن «وجود قيمة جيولوجية ذات أهمية دولية، وتوفّر نظاماً متكاملاً للإدارة والحماية، مع وجود برامج تعليمية وتوعوية موجّهة للزوار، وإشراك المجتمع المحلي في تطوير وتشغيل الموقع، علاوةً على وجود خطة واضحة للربط بين التراث الطبيعي والثقافي، وتعزيز السياحة المستدامة»، وتابع: «تم استيفاء هذه المعايير في شمال الرياض وسلمى، وأكثر أيضاً، وفقاً لتقارير المراجعين والخبراء المعتمدين من (اليونيسكو)».

وبالنظر لأهمية القطاع البيئي في «رؤية السعودية 2030»، وهو ما عكسه العديد من المشاريع الكبيرة والمبادرات على الصعيدين المحلي والإقليمي للبلاد، قال التركي في هذا الصدد، إن «الجيوبارك تُترجم مستهدفات رؤية السعودية 2030 على أرض الواقع من خلال نحو 31 هدفاً من أهداف المستوى الثالث للرؤية». ومن إسهاماتها طبقاً للتركي، «تعزيز الاستدامة البيئية عبر الحماية الفاعلة للموارد الجيولوجية، ودعم السياحة البيئية والداخلية ضمن مسار تنويع الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص عمل محلية وتحفيز ريادة الأعمال في مجالات الإرشاد البيئي، والخدمات السياحية، بالإضافة إلى تعزيز الهوية الوطنية وربط الإنسان بجغرافيا المكان، مع دعم التعليم والتدريب من خلال التجارب الميدانية والأنشطة العلمية».

فوّهة الحمراء في حائل (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
فوّهة الحمراء في حائل (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

بعد انضمام هذين الموقعين إلى «شبكة الجيوبارك العالمية لليونيسكو»، سيكون هنالك خطط مستقبلية لتطويرها بما يضمن استدامتها ورفع مستوى الوعي البيئي، وبحسب التركي، يعمل المركز على خطة تشغيل وتطوير مستدامة تشمل «توسيع البرامج التعليمية بالتعاون مع وزارة التعليم والجامعات، وتطوير المراكز التفاعلية ومحتوى الزائر بلغات متعددة، وتعزيز البرامج المجتمعية لإشراك السكان المحليين في التشغيل والتوعية، مع إعداد خطة تسويقية وطنية ودولية لتعزيز الجذب السياحي»، ولن يقف الأمر عند هذا الحد، بل سيشمل «إطلاق مبادرات تطوعية وبحثية لتعميق فهم المجتمع بالبيئة الجيولوجية»، ونوّه التركي بأن ذلك كله يتم «وفق إطار واضح للمتابعة والتقييم لضمان حماية الموقع على المدى البعيد».

توجّه لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً أخرى

«الشرق الأوسط» سألت التركي بوصفه مدير مبادرة «جيوبارك السعودية» حول التوجّه لترشيح مواقع جيولوجية أخرى في البلاد للانضمام إلى «شبكة الجيوبارك العالمية لليونيسكو»، في المستقبل القريب، ليجيب: «نعم، ولدينا خطة طموحة في المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً إضافية في السعودية في شبكة الجيوبارك العالمية ضمن مراحل متعددة». وطبقاً للتركي، تشمل هذه المواقع «حرّة رهط، وجبل القارة في الأحساء، وجبل طميّة، ومواقع أخرى تمتاز بتكوينات جيولوجية وتاريخية فريدة»، وأردف أن كل موقع سيخضع للدراسة والتأهيل وفق المعايير الدولية، مع إشراك الجهات المحلية والمجتمع في مسار تطويره.