أرمينيا وأذربيجان تتبادلان أسرى حرب

في أولى خطوات تطبيع العلاقات الثنائية

إطلاق سراح جنود أرمينيين بعد إبرام صفقة تبادل بين باكو ويريفان الأربعاء (أ.ف.ب)
إطلاق سراح جنود أرمينيين بعد إبرام صفقة تبادل بين باكو ويريفان الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

أرمينيا وأذربيجان تتبادلان أسرى حرب

إطلاق سراح جنود أرمينيين بعد إبرام صفقة تبادل بين باكو ويريفان الأربعاء (أ.ف.ب)
إطلاق سراح جنود أرمينيين بعد إبرام صفقة تبادل بين باكو ويريفان الأربعاء (أ.ف.ب)

تبادلت أرمينيا وأذربيجان، الأربعاء، أسرى حرب؛ في خطوة أولى نحو تطبيع العلاقات منذ تعثر محادثات السلام بين البلدين بعد استعادة باكو منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها منذ 3 عقود. وقالت اللجنة الحكومية الأذربيجانية المعنية بأسرى الحرب في بيان: «أطلقت أذربيجان 32 جندياً أرمينياً، وأطلقت أرمينيا جنديَين أذربيجانيَين»، كما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية». واستمر النزاع لعقود بين البلدين للسيطرة على إقليم ناغورنو كاراباخ، الذي استعادته أذربيجان في هجوم خاطف على الانفصاليين الأرمن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

محادثات السلام

وأشار البلدان إلى إمكان التوقيع على اتفاق للسلام بحلول أواخر العام، لكن محادثات؛ السلام التي لعب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا؛ كل على حدة، دور الوسيط فيها، لم تحقق أي تقدم يذكر. وتعثرت محادثات السلام إلى أن أصدر البلدان إعلاناً مشتركاً في 7 ديسمبر (كانون الأول)، أكّدا فيه «نيتهما تطبيع العلاقات وتوقيع اتفاق سلام». ولفت الإعلان المشترك حينها إلى أن باكو ستطلق سراح 32 من أسرى الحرب الأرمينيين، بينما ستفرج يريفان عن جنديَين أذربيجانيَين، وهو ما حدث بالفعل الأربعاء. وكتب رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، على شبكات التواصل الاجتماعي إن «31 جندياً أرمينياً تمّ أسرهم بين عامَي 2020 و2023، وجندياً واحداً تم أسره في سبتمبر (أيلول) في ناغورنو كاراباخ، عبروا الحدود الأرمينية - الأذربيجانية، وهم في أرمينيا».

بدورها، أكّدت «اللجنة الأذربيجانية لأسرى الحرب» أن «عملية التبادل جرت في منطقة غازاخ على الحدود الأذربيجانية - الأرمينية»، وأن الجنود الأرمينيين خضعوا لفحص من قبل الصليب الأحمر. ونشر موقع «1نيوز.إيه زد (1NEWS.AZ)» الإخباري في أذربيجان مقطع فيديو يُظهر رجلَين يرافقهما عناصر أمن مقنّعون، واستجوبهما صحافيون بعدما أُطلق سراحهما.

وقالت يريفان في نوفمبر (تشرين الثاني)، إن 55 أسير حرب أرمينياً كانوا محتجزين في باكو، هم 6 مدنيين، و41 عسكرياً، و8 مسؤولين انفصاليين من ناغورنو كاراباخ. ورحب المجتمع الدولي بالتقدم الدبلوماسي الذي أُعلن عنه الأسبوع الماضي. فقد أشادت به كلّ من تركيا حليفة أذربيجان، وروسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وبعدما سيطرت القوات الأذربيجانية على ناغورنو كاراباخ، فرّ جميع السكان الأرمن تقريباً والبالغ عددهم أكثر من مائة ألف من الإقليم المتنازع عليه إلى أرمينيا.

تفاؤل حذر

لا يزال كثير من المراقبين حذرين بشأن سير المفاوضات، خصوصاً مع تراكم الخلافات وأسباب التوتر بين البلدين على مدى 30 عاماً. ولا تزال الحدود بين البلدين تشهد حوادث مسلحة تقع بانتظام. وأعلنت أرمينيا الأسبوع الماضي أن أحد جنودها قُتل قرب الحدود مع جيب ناخيتشيفان الأذربيجاني.

والتقى رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف مرات عدة لإجراء محادثات التطبيع بوساطة أوروبية، غير أن العملية تعثرت خلال الشهرين الماضيين بسبب فشل جولتين من المفاوضات. وفي منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، رفضت أذربيجان المشاركة في مفاوضات مع أرمينيا كان مقرراً عقدها في الولايات المتحدة في 20 من الشهر نفسه بسبب ما وصفته باكو بموقف واشنطن «المنحاز».

وفي أكتوبر (تشرين الأول)، رفض علييف المشاركة في مفاوضات مع باشينيان في إسبانيا بسبب «تصريحات مؤيدة لأرمينيا صادرة عن مسؤولين فرنسيين». وكان من المقرر أن ينضمّ كلّ من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس إلى شارل ميشال في الوساطة في تلك المفاوضات. ولم يُحرَز أي تقدم ملموس حتى الآن في جهود الاتحاد الأوروبي لتنظيم جولة جديدة من المفاوضات. أمّا روسيا التي كانت الوسيطة الإقليمية التقليدية، فرأت نفوذها يتضاءل في منطقة القوقاز.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».