كشفت ملفات رُفعت عنها السريّة أخيراً عن أن مسؤولين كباراً في وزارة العدل الأميركية تدخّلوا مع مدعين عامين فيدراليين في مدينة ناشفيل بولاية تينيسي، بغية مقاضاة المهاجر كيلمار أرماندو أبريغو غارسيا بعدما طعن في قرار ترحيله بصورة غير قانونية إلى السلفادور، وصار رمزاً لمقاومة سياسات إدارة الرئيس دونالد ترمب ضد الهجرة إلى الولايات المتحدة.
وجاء هذا الكشف في وقت تعارض فيه إدارة ترمب قراراً قضائياً أصدره قاضٍ في ولاية ميريلاند، وأعاد بموجبه أبريغو غارسيا، الذي حظيت قضيته باهتمام وطني واسع وصارت رمزاً لسياسات الإدارة المتشددة في مجال الهجرة ونهجها تجاه الأحكام القضائية غير المواتية.
ولطالما أصر المدعون الفيدراليون في ناشفيل، خلال الأشهر القليلة الماضية، على أن إدارة ترمب لم تتورط في قرارهم الخاص بتوجيه الاتهامات ضد أبريغو غارسيا الذي أُعيد إلى الولايات المتحدة بعد ترحيله ظلماً إلى السلفادور في مارس (آذار)، لمواجهة قرار اتهامي.
وظهر هذا التدخل بعد نشر السلطات، ليل الثلاثاء، قراراً أصدره قاضي المحكمة الجزئية الأميركية، ويفرلي كرينشو، في 3 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ليكشف بذلك عن أحدث مؤشر على تدخل وزارة العدل في هذه القضية، علماً بأن أبريغو غارسيا يسعى إلى إسقاط التهم الموجهة إليه، بدعوى أنه ضحية ملاحقة قضائية انتقائية وانتقامية.
«تضليل» القاضي

وتضمّن قرار القاضي كرينشو مقتطفات من رسائل بريد إلكتروني توضح أن المسؤولين الكبار في وزارة العدل، وبينهم نائب الوزيرة بام بوندي، تود بلانش، اضطلعوا بدور أكبر مما أقر به المدعون حتى الآن. وتعكس هذه الرسائل المراسلات التي دارت حول القضية بين القائم بأعمال وزيرة العدل في ناشفيل، روبرت ماكغواير، وأعضاء فريقه، مع المسؤول الرفيع في مكتب بلانش، أكاش سينغ. وأثار ذلك تساؤلات جدية حيال ما إذا كانت وزارة العدل ضلّلت القاضي كرينشو، المشرف على القضية، بإخباره أن المدعين المحليين تصرفوا بمفردهم في توجيه الاتهام إلى أبريغو غارسيا.
وكتب القاضي كرينشو في الأمر الذي رفع عنه السرية: «تُظهر هذه الوثائق أن ماكغواير لم يتصرف بمفرده، وإذا كان لماكغواير رأي في قرار المقاضاة، فقد شاركه مع سينغ وآخرين. وعلى وجه التحديد، قد تناقض وثائق الحكومة تصريحاتها السابقة بأن قرار المقاضاة اتُّخذ محلياً، وأنه لم تكن هناك أي تأثيرات خارجية». وأضاف في قراره المكون من تسع صفحات: «تُقر المحكمة بتمسك الحكومة بامتيازاتها، لكن حق أبريغو غارسيا في محاكمة عادلة وغير انتقامية يتقدم على الامتيازات العامة المتعلقة بالأدلة التي تدعيها الحكومة». وأوضح أن «الوثائق التي يجب تقديمها ترتبط بنائب المدعي العام بلانش؛ لأنها تشير إلى أن نائب المدعي العام المساعد سينغ كان له دور قيادي في قرار الحكومة بالمقاضاة، وسينغ يعمل في مكتب بلانش».
ويُجادل وكلاء الدفاع عن أبريغو غارسيا بأن التهم الجنائية التي نشأت عن توقيف مروري في تينيسي قبل سنوات، وجهت إليه انتقاماً بعدما طعن في ترحيله غير القانوني إلى السلفادور. وعلى الرغم من كونه مواطناً سلفادورياً، صرّح قاضي الهجرة عام 2019 بأنه لا يمكن إعادته إلى بلده الأم خشية من عنف العصابات هناك.
وفي رسالة بريد إلكتروني أرسلها سينغ إلى ماكغواير أواخر أبريل (نيسان)، أوضح سينغ أن «الملاحقة الجنائية لأبريغو تُعد أولوية قصوى لمكتب نائب المدعي العام»، كما كتب القاضي.
وفي رسالة أخرى أرسلها ماكغواير إلى موظفيه منتصف مايو (أيار) الماضي، ذكر أن بلانش وأحد نوابه «يرغبان في توجيه الاتهام إلى غارسيا في أقرب وقت ممكن».
وأُعيد أبريغو غارسيا في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة في يونيو (حزيران) الماضي لمواجهة قضية تهريب البشر. وهو الآن مُفرج عنه بكفالة قبل المحاكمة في ولاية ميريلاند. وامتنع محاموه عن التعليق على حكم كرينشو.
«ملاحقة غير مشروعة»
وقال القاضي الفيدرالي المتقاعد جون جونز: «يُشير القاضي كرينشو إلى أن الوثائق التي راجعها تُظهر أن وزارة العدل هي من بدأت هذه الملاحقة القضائية»، مضيفاً أن هذا النوع من القضايا ليس من القضايا التي يبدأها عادةً قادة الوزارات في واشنطن. وأضاف أنه «على الرغم من ندرة قبول طلبات الملاحقة القضائية الانتقامية، فإن كل المؤشرات تُشير إلى نجاح هذه القضية».

وسبق أن جادل أبريغو غارسيا بأن التصريحات العلنية لبلانش حول القضية الجنائية تُعد دليلاً على قرار الحكومة بملاحقته لأسباب غير مشروعة. وقال كرينشو في حكم أصدره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إن هذه التصريحات تُشكل إشكالية بالنسبة إلى المدعين العامين. وأوضح في حكمه الصادر في ديسمبر (كانون الأول) أن الوثائق التي طلبها الدفاع «يجب الكشف عنها نظراً إلى اعتماد أبريغو غارسيا على تصريحات بلانش العلنية، ولإتاحة الفرصة للأطراف لعرض حججهم حول كيفية دعم هذه الوثائق أو عدم دعمها لطلب إسقاط الدعوى».
ومن المقرر عقد جلسة استماع بشأن مساعي أبريغو غارسيا لإسقاط التهمتين الموجهتين إليه في أواخر يناير (كانون الثاني) 2026.




